سفير مصر بتونس: اتخذنا كافة الاستعدادات اللازمة لتيسير عملية التصويت    استقرار الذهب فى مصر اليوم مع ترقب قرار الفيدرالى الأمريكى    رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة يدعو الحكومة لمراجعة قرار فرض رسوم الإغراق على البيليت    رابطة العالم الإسلامي تدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وسوريا    دوري أبطال أفريقيا.. الأهلي يكشف أسباب غياب عبد القادر وشكري عن مواجهة شبيبة القبائل    تعرف على تشكيل نيس ومارسيليا بالدوري الفرنسي    غدًا.. استكمال محاكمة رمضان صبحي لاعب بيراميدز بتهمة تزوير مستند رسمي    رانيا يوسف وزوجها يخطفان الأنظار على ريد كاربت ختام مهرجان القاهرة    8 متسابقين يشاركون اليوم فى برنامج دولة التلاوة.. من هم؟    هيئة الرعاية الصحية تطلق حملة للتوعية بمقاومة الأمراض والميكروبات خلال الأسبوع العالمي لمضادات الميكروبات    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    سقوط عصابة تقودها فتاة استدرجت شابًا عبر تطبيق تعارف وسرقته تحت تهديد السلاح بالدقي    حلم يتحقق أخيرًا    جيش الاحتلال الإسرائيلى يعترف باغتيال جندى واعتقال آخر فى نابلس    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    الشوط الأول .. الجيش الملكي يتقدم علي أسيك بهدف فى نهائى أفريقيا للسيدات    ترامب يستقبل رئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني بعد حملة انتخابية حادة    اتحاد جدة يستعيد الانتصارات أمام الرياض في الدوري السعودي    مصطفى حجاج يستعد لطرح «كاس وداير».. تطرح قريبًا    حسين فهمى: التكنولوجيا والشباب يرسمان مستقبل مهرجان القاهرة السينمائى    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر صواريخ على سواحل الكاريبي ردًا على التهديدات الأمريكية    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    أبرزها خسارة الزمالك.. نتائج دوري الكرة النسائية اليوم    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    كاف يدرس تعديل آلية التصويت في جوائزه بعد عتاب ممدوح عيد    أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي لجامعة القاهرة    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مرشحون يتغلبون على ضعف القدرة المالية بدعاية إبداعية    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    خارجية النواب: الإخوان لم تكن يومًا تنظيمًا سياسيًا بل آلة سرية للتخريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستهتار بالمصريين
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 06 - 2015

إذا كان استهتار بعض الأجانب بالمصريين خطأً، فاستهتار المصريين ببعضهم خطيئة. استهتار الغير بنا مرفوض لكنه يستفز أفضل ما فينا. يجمع صفوفنا ويوحدنا ويحشدنا للرد عليه. أما استهتارنا ببعضنا فأشبه بحرب أهلية صامتة، يستخف فيها الجميع بالجميع ولا يطيق أحد فيها أحداً ليزداد الشقاق ويتضاعف الشك ويسود الاستخفاف بالمشاعر والمطالب والحقوق لينشأ واقع اجتماعي مؤلم لا يحترم ولا يُقدّر الناس فيه بعضهم. وهو واقع لا يمكن إنكار وجوده في بلدنا، نتمنى أن نجابهه وأن نغيره لأن انتشار الاستهتار يهدد سلامة العقد الاجتماعي بين المصريين إلى أبعد الحدود.
استهتار الآخرين بنا أمر لا يمكن قبوله. فمن يهددنا بقطع المياه عن بلدنا أو يروج لجماعات الإرهاب في بلدنا او ينشر دعايات سوداء عن بلدنا إنما يستهتر بنا ويستخف بمشاعرنا. وكثيراً ما واجهت مصر استهتار الغرباء ببراعة مدعومةً برأي عام يعتبر لغزاً لمن يتأمل فيه. فهو حساس للغاية أمام التدخل في شئون بلده، موحد ومتراص في وجه الأغراب الذين يعيبون في مصر. لكنه ما يلبث أن ينقسم على نفسه حينما ينسحب إلى الداخل لنرى صوراً لا تصدق من إستهتار المصريين ببعضهم لا تترك مجالاً واحداً للحياة إلا وظهرت فيه. فالمجتمع يشعر باستهتار الدولة به وبحقوقه، كما تستهتر أطياف منه ببعضها البعض. والدولة تشكو من إستهتار المجتمع بملكوتها واستخفافه بهيبتها، كما تشكو بعض أجهزتها من استهتار أجهزة أخرى بوجودها وبدورها. لقد بات استهتار المصريين بالمصريين أشد خطراً من استهتار الأجانب بالمصريين. فالأخير يُجمّعنا بينما الأول يُمزقنا. استهتار الغير بالمصريين قد يؤرق أما إستهتار المصريين بالمصريين فيفرق. والأمثلة لا عد لها ولا حصر.
قصة غريبة مثلاً تلك التي نشرتها الصحف قبل أيام عن الحمير التي ذُبحت بالجملة لتباع لحومها للمصريين. أليس ذلك استهتاراً؟ وماذا عن المستشفيات التي تمرح فيها القطط والكلاب أو التي تتاجر طواقمها بأعضاء بعض مرضاها؟. أو بعض أساتذة الجامعات والمدرسين الذين يرغمون طلابهم على الدروس الخصوصية؟ أو بعض رجال الشرطة الذين يهينون المواطنين؟ أو سائقي الحافلات الذين يعرضون حياة الراكبين للخطر؟ ألم يكن صفر المونديال الشهير استهتاراً بكرامة المصريين؟ أليس ترك الناس بالساعات في العيادات استهتاراً؟ أوليس الروتين الحكومي الذي يُعطل مصالح الناس استهتاراً؟ أليس القتل باسم الدين لرجال الشرطة والجيش استهتاراً بالدين وبحق هؤلاء في الحياة؟ أليس التراخي مع الطعام الفاسد والمباني المخالفة استهتاراً بالصحة والسلامة العامة؟ ألا يعد إلقاء المخلفات في قلب النيل استهتاراً بالبيئة؟ ألا تمثل الألسنة العيابة في ثورة 25 يناير استهتاراً بتضحيات عظيمة للمصريين؟ الأمثلة عديدة يستطيع القارئ الكريم أن يضيف إليها ما يريد.
لقد بات الإستهتار شائعاً بالطول وبالعرض. استهتار بالقانون وحقوق الإنسان، بالمرور والبيئة، بالصحة العامة وسلامة العقارات، بالمرأة والأقباط، بالصعيد والقرية، بالإنسان والحيوان والجماد. في المكاتب والشوارع والأندية الرياضية والمستشفيات. أصبح الحبل على الجرار ليتحول الاستهتار من قصص غريبة أو حالات مزعجة إلى قاعدة سلوك ونمط حياة وثقافة طاغية.
وعندما يصل الاستهتار إلى حد لا يكاد مصري يسجل يومياته إلا ويرصد أمثلة عديدة من صوره عندها نصبح أمام مشكلة عامة تحتاج إلى سياسة عامة تعالجها. لكن تلك السياسة لا تبدو موجودة إلى الآن أو فعالة كما ينبغي إن رأى البعض أنها موجودة. فالاستهتار بالحياة والحقوق والآداب بات هو التوقع اليومي لكل مصري. إن لم يعان من استهتار الموظف وجده من البائع أو السائق أو في وسائل الإعلام أو المدرسة أو أية مناسبة للتفاعل مع الآخرين. ومثل هذا الانتشار يعني أن الاستهتار بات يقابل باستهتار مضاد وكأنها حالة درامية من الانتقام المجتمعي تلخصها العبارة البسيطة «مفيش حد عاد بيرحم». فالاستهتار لا يعبر فقط عن عدم تقدير للآخر، وإنما يصبح مع تكراره دليلاً على الإصرار على الانتقام منه إن لم يكن بالعنف المباشر، فبالاستخفاف والإنكار.
لقد زرع الاستهتار فينا، وأسباب ذلك عديدة أهمها تراخي الدولة في القيام بوظيفتها الضابطة. فالمجتمع بلا سلطة تحاسبه يصبح فوضوياً. فلم تنشأ الدولة إلا لكي تمنع المجتمع بسلطانها من ممارسة عاداته المتوحشة التي كان يمارسها وقت أن كان أفراده يعيشون في حالة الطبيعة الأولى. لكن السلوك العام في مصر كثيراً ما يكشف بسبب تفشي الإستهتار عن مظاهر شبيهة بحالة الطبيعة الأولى وكأنه لا توجد لدينا دولة. بالطبع الدولة موجودة. لكنها لم تقم بوظيفتها الضابطة على أكمل وجه بعد. لكن لا السياسة ولا الدولة يتحملان وحدهما كامل المسئولية. فجانب من ثقافتنا ومن مخزوننا التاريخي مشبع بقيم جرى توظيفها على عكس مقصدها بشكل سهل للمستهترين استهتارهم مثل الرحمة والتسامح والعفو. هي قيم عظيمة لكنها تفقد معناها إذا ما شملت فاسد أو تساهلت مع مستهتر أو غضت الطرف عن مستخف. إن استهتار المصريين ببعضهم يصعب إنكاره أو تجاهله. الحديث عنه ليس جلداً للذات وإنما دعوةً إلى محاسبة واحترام الذات. إنه آفة تسارع إنتشارها في غياب المحاسبة الصارمة، ساعد أكثر على تفشيها طبيعة الشخصية المصرية التي تميل برغم حلاوة طباعها إلى تقديم سوء النية في الآخرين على افتراض حسن الظن فيهم. وهو ما يفتح الباب أمام تبادل الشكوك ورفض التجاوب ومن ثم الاستهتار برغبات ومطالب الآخرين. ولا يشكل استهتار المصريين بالمصريين خطراً على إستقرارهم الاجتماعي فقط وإنما قد يدعو غيرهم إلى الاستهتار بهم وبأحوالهم. فاستهتار الذات بنفسها مدعاة لاستهتار الغير بها. لذلك ستظل أقصر الطرق لوقف استهتار الغير بالمصريين أن يتوقف استهتار المصريين ببعضهم حكاماً ومحكومين، كباراً وصغاراً، أهل حضر وأهل ريف، علمانيين وإسلاميين. فالأمم لا تبقى ولا تتطور ما لم تحافظ على حد أدنى من الفضائل المدنية.
لمزيد من مقالات أبراهيم عرفات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.