اليوم تواجه مصر حالة مختلفة من الارهاب تعد الأشرس والأعنف ، وعلى طول تاريخها الحديث كانت مصر تواجه تنظيمات منفردة مستقلة بذاتها على فترات متباعدة ، لكن ماذا اليوم عن توحد تلك الفصائل جميعها واستقوائها بعضها ببعض بهدف اسقاط الدولة؟ حيث يسعى الاخوان للثأر تحت مظلة الثورة ، وتسعى داعش لإثبات وجودها فى اطار مشروعها الامبراطورى التوسعى تحت عنوان دولة الخلافة ، وتتقافز لاهثة على حوائط هذين التنظيمين تنظيمات وجماعات أقل قوة وحضوراً ، تسعى هى الأخرى لانتهاز فرصة العمر التى لن تتكرر باجتماع كل ذئاب الارهاب على جسد الأمة المصرية وبامتيازات واحتواء وتمويل سخى من قوى اقليمية معادية ، وبامتلاك شبكة تضليل اعلامى تحول الفشلة لمناضلين وتصور الارهاب والتخريب جهاداً فى سبيل الله ، وتصف المؤسسات المسئولة عن حماية وأمن البلاد والتى ناضلت طويلاً وجاهدت ولا تزال لحماية أمنها القومى وحققت الانتصارات المجيدة للأمة بمؤسسات الردة والكفر . هذه الذئاب المجتمعة على جسد الأمة اليوم صارت بلا استثناء تابعة لمصالح الخارج وتعمل خارج مظلة الصف الوطنى ومصالح مصر العليا ؛ وفضلاً عن كون داعش تنظيما أجنبيا خالصا تموله وترعاه دول وكيانات وأشخاص لديهم علاقات بمخابرات دول لديها مصالح ومشاريع توسعية ويهمها استهداف الداخل المصرى بالانهاك والاستنزاف ، أيضاً تحولت الاخوان ومن ورائها الجماعات المتحالفة معها الى تنظيمات تدار من الخارج بمال وخطط وممارسات تخدم فقط الدول الراعية والممولة لها ، بعد أن سلمت نفسها ورهنت قرارها لارادة تلك الدول الاقليمية . وهذا متغير خطير يستدعى تغييراً جذرياً فى أساليب وطرق التعامل مع تلك التنظيمات التى لم تعد مجرد جماعات تقوم بأنشطة اجتماعية ودعوية أو حتى تنافس فى المشهد السياسى داخل البيت المصرى بخيارات ومقاصد ومنطلقات وطنية منضبطة ، انما تحولت الى مخالب للقطط الاقليمية الجائعة المعادية للدولة المصرية ، فى استنساخ بغيض لأدوار أذرع ايران فى الداخل العراقى قبل وأثناء وبعد الحرب ، ولأذرعها فى الخليج العربى ولبنان ، وبدلا من خوض حرب بالوكالة بواسطة تنظيمات غير ايرانية تتبع المذهب الشيعى كما حدث طوال العقود الماضية وهو ما مكن ايران من احراز هذا، النفوذ الاقليمى على حساب إضعاف الداخل العربى ، توظف هذه القوى الاقليمية اليوم داعش والاخوان وتوابعهما وصولاً لنفس الأهداف ، بينما تعيش الاخوان ومن معها وهم الثورة الخومينية ، وينتظرون عن كثب عودتهم من المنافى كما عاد الخومينى ليستولوا على السلطة على أنقاض الخراب والدماء والفوضى . سيفشل الارهاب وسينهزم رغم استقواء فصائله وذئابه بعضهم ببعض واستقوائهم جميعاً بالخارج المعادى ، فهذا التوحد الظاهر يخفى داخله تباينات وانقسامات تنذر بحروب مؤجلة على غرار ما حدث بأفغانستان من اقتتال وما حدث بسوريا ؛ وداعش التى يتغنى الاخوان والجماعة الاسلامية اليوم بقتلاهم ويهللون لعملياتهم الارهابية تترقب الفرصة للاجهاز عليهما وعلى غيرهما من الفصائل ، والكل يرى فى نفسه وفى زعيمه الأحقية فى تصدر المشهد ، ويرسم تصورات لصعوده وحجم مكاسبه من تورتة السلطة التى لن تقسم ساعتها لا قدر الله وهذا لن يحدث أبداً بديمقراطية أو شورى انما بسلطة الأقوى والأكثر شراسة ووحشية . عقب الأحكام القضائية الأخيرة يمثل استهداف القضاة ومؤسسة القضاء أولوية لدى ذئاب الارهاب جميعاً ، وكان هتاف القيادات فى المحاكمة «يسقط قضاة العسكر» له مضامينه ومغزاه ورسائله التى لا تخفى على أحد ، وجاءت العملية الانتقامية الغادرة التى راح ضحيتها قاض ووكيلا نيابة وسائقهم فى العريش ، بغرض تقويض دولة القانون والمؤسسات ، واشاعة الفوضى واشعال فتيل الحرب الأهلية ، وهى رسالة موجهة مباشرة لمؤسسة القضاء والدولة المصرية باعلان الحرب ؛ فاما دولة وقانون أو فوضى وميليشيات ودويلات مقسمة يهيمن على كل منها هذا التنظيم الموالى لايران وذاك التنظيم الموالى لأمريكا وذلك الموالى لداعش وهذا الموالى لقطر والآخر الموالى لتركيا .. الخ ، ولم تصدر ولا حتى كلمة تعاطف مع القضاة الأبرياء ممن استشهدوا فى العملية انما امتلأت صفحات كل الفصائل والتيارات من اخوان وغيرهم بقصائد رثاء فيمن أعدموا من خلية عرب شركس الذين ثبت انتماؤهم لتنظيم بيت المقدس الموالى لداعش وثبتت ادانتهم بأعمال ارهابية ضد الجيش . لن تنتصر جماعات الارهاب بعد أن ارتضت لنفسها الخروج من المظلة الوطنية ليسهل اصطيادها وتوظيفها فى مخططات العداء والحرب على الدولة المصرية ، وبعد أن كانت فصائل شبه متماسكة ومن الممكن تطويرها ودمجها وترشيد خطابها وممارساتها لتصبح جزءاً من مشروع النضال الوطنى ولتسهم فى مسيرة التنمية والنهضة ، صارت كلها جماعات مخترقة مخابراتياً ، ولن يصدق عاقل فضلاً عن الدولة المصرية بعد هذه المستجدات سلامة تلك التنظيمات من الاختراق المخابراتى بعد أن صارت مرتهنة بالكامل للخارج وللقوى الاقليمية . لن ينتصر الارهاب وذئابه على مصر ؛ فهم يقتلون مسلمين وأبرياء أكثر مما يقتلون أعداء ومجرمين ، ويجعلون المسلم كافراً والمسالم محارباً ويقلبون الحليف والصديق عدواً ، وما يرتكبونه من جرائم وفظائع يحرق قلوب الوطنيين الغيورين على دينهم وأوطانهم وينزل برداً وسلاما على قلوب الصهاينة وأعداء الأمة .