من يحرك داعش ؟ .. وما هو تأثيرها الحقيقي؟.. وإلى اين تتجه؟.. إيرانوأمريكا، السعودية وتركيا، الكويت وقطر، مصر والإخوان وإسرائيل، الشيعة والسنة، المالكي والثورة العراقية والسورية، الجهاد والإرهاب.. أسماء كثيرة تتردد بجانب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المسمى "داعش". كيف تحرك جماعات مسلحة مستقبل المنطقة العربية المشتعلة حاليا والمتشابكة بين ثورات الربيع العربي وآمال الشعوب، وأطماع الإمبريالية الغربية، وطموحات الإسلاميين وحلم الخلافة السنية والمد الشيعي وأمن إسرائيل، قواد وشيوخ وعساكر أصحاب ياقات بيضاء وعمائم وجلابيب على طاولة المسلحين.. كلهم متورطون في نمو التنظيم وتأثيره الحقيقي أو المفتعل. ويعتبر "داعش" تنظيما مسلحا يتبنى الفكر الجهادي يعلنون أن هدفهم إعادة "الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة"، ظهر في العراق على خلفية تنظيمات المقاومة ضد المحتل الامريكي، وما لبث أن انضم تحت لواء "تنظيم القاعدة" وبدأ يرفع شعاراتهم وأهدافهم، وتحرك لدمشق مع بدايات الثورة السورية، ويتزعمه أبو بكر البغدادي. ورغم أنهم لم يعلنوا ولاءهم لزعيم تنظيم القاعدة "ايمن الظواهري" إلا أن الخبراء يعتبرونهم فصيلا من تنظيم القاعدة لأنهم يتبنون نفس العقيدة الجهادية معتبرين أن بداية تنظيم دولة الخلافة الإسلامية يبدأ من سوريا بعد فشلهم في العراق، وها هم يعاودون العمل مرة أخرى في العراق لنفس الهدف. من أشهر العمليات المنسوبة للتنظيم في العراق اقتحام سجن أبو غريب والحوت وعملية البنك المركزي ووزارة العدل، وشهد توسعا نوعيا خارج حدود العراق في أواخر عام 2011 أثناء اقتتال الجيش الحر ضد نظام بشار الأسد، فتم تشكيل ما يسمى بجبهة النصرة لأهل الشام وأصبحت في شهور قليلة من أقوى التنظيمات المسلحة في سوريا حيث أعلن أبو بكر البغدادي في تسجيل صوتي دمج فرع "جبهة النصرة" مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام " داعش". ورغم هذا التأثير الكبير على الأرض، يقدر عدد مقاتلي "داعش" في سوريا بنحو 7 آلاف مقاتل وفي العراق بنحو 6 آلاف مقاتل حسب تقديرات "تشارلز ليستر" الباحث في مركز "بروكينغز" في الدوحة، حتى أن بعض التعليقات الطريفة على فيس بوك من النشطاء المصريين الذين وصفوا داعش بسخرية بأنه خلية لا تتعدى "كتيبة في الجيش المصري" ويطلقون عليها "جيشا"! ولا يمكن أن يكون لها هذا التأثير إلا بصناعة مخابراتية من دول كبرى. على المستوى الإقليمي حدث تطور كبير ومتسارع لتنظيم داعش وتأثيره في العراقوسوريا وحتى لبنان بعد تبنيه تفجير السفارة الإيرانية هناك، مما أحدث ارتباكا كبيرا في الحالة السياسية والصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط وبات لاعبا قويا أربك حسابات الجميع، فالسعودية التي لم تنف دعمها لعمليات الجيش الحر في سوريا ودعمها المستمر لثورة السنة ضد المالكي في العراق تورطت شاءت أم لم تشأ في علاقة مباشرة مع تنظيم داعش وتقاطعات أهدافهم هنا. وتحدث تقرير صحفي أمريكي عن علاقة دول خليجية ب "داعش" وموقف أمريكا تجاهه، وعلاقة ذلك بالأحداث في سورياوالعراق، وذكر التقرير أن الممول الرئيسي لداعش هم أثرياء من دول الكويت وقطر والسعوديةّ بموافقة غير معلنة من الأنظمة الرسمية. وتلاقت أهداف أمريكا مع الخليج لدعم "داعش" غير المعلن، حيث أن هدف داعش الاساسي هو الحرب ضد النظام المتحالف مع إيران من وجهة نظر طائفية، وهو ما يحقق هدف دول الخليج والولاياتالمتحدة أيضا من وجهة نظر سياسية، ولكن المخاوف باتت تدخل للقصور الملكية في الخليج من تغّول التنظيم وأطماعه خارج حدود العراق ليصبح مهددا لهم. وبخصوص الموقف الإيراني فمشروعها التوسعي بدأ باستغلال القضية الفلسطينية تحت شعار المقاومة، وبدأت بحرب حزب الله ضد اسرائيل في 2006 والتي لاقت دعما إعلاميا كبيرا حتى من الإعلام السني المعادي للمد الشيعي، لأن العدو هنا كان "اسرائيل" ومالبثت أن تغلغلت إلى تنظيم "حماس" وعمليات المقاومة ضد الاحتلال هناك وهنا بدأت تزايد على الدور العربي تجاه القضية الفلسطينية، ولكن كان أكبر فوز لإيران هو استلام العراق على طبق من فضة بعد خروج الأمريكان وتسليم المالكي الحكم، فباتت العراق ولاية إيرانية بامتياز. وشهد عام 2013م علاقة مصرية إيرانية يمكن وصفها "بحالة غزل شيعي سني" أثناء حكم الإخوان المسلمين في مصر، وكان الهدف الإيراني هو احتواء نظام الإخوان والتحالف معه بهدف تقليص الدور الإقليمي لمصر وصناعة خريطة جديدة للمنطقة بتعاون الأضداد، ولكن سقوط الإخوان في مصر أفسد المخطط الإيراني وجعله يتجمد لإشعار آخر. وهنا تدخل تركيا على الخط، فلا شك أن تركيا التي عادت للعمل إقليميا مع نظام "اردوغان" الذي بات متناقضا باعتبار أنها تدعي أنها تعمل لنصرة القضية الفلسطينية أثناء مناورات عسكرية مع إسرائيل، فاتجه "اردوغان" ليبحث عن نصيب تركيا في المنطقة، وظهر جليا مع الثورة المصرية والسورية معا، فبات هناك تحالف قوي ومعلن بين "تركيا ونظام الإخوان المسلمين" وليس غريبا أن تدعم تركيا الجيش الحر بسوريا في حربه ضد نظام الأسد في نفس الوقت الذي يزور فيه اردوغان طهران، ويستقبل روحاني في أنقرة، وفي المقابل تدعم تركيا بشكل علني أو سري المقاومة العراقية المسلحة ضد نظام المالكي الموالي لإيران، وبنفس النظرية فلن يكون مستبعدا تورط تركيا في دعم تنظيم داعش. صداع كبير لمجموعة من المسلحين تحركهم أجهزة مخابرات دولية، ليدوروا في رأس المنطقة من الخليج للمحيط، ترفع لواءات تنظيم القاعدة وأفكار السلفية الجهادية، الكل يدعمه لصالح مصلحته في لعبة الاستحواذ الاقليمي والتفاوض الدولي، فالسعودية التي خسرت أمام إيران معركة العراق بحثت عن مقعد لها في سوريا وعادت مرة أخرى لتبقى دائما وسيلة للتفاوض في الصراع، والكويت التي تبحث عن الانتقام من الغزو العراقي لها، باتت تدعم داعش المتحالف أصلا مع خلفاء جيش صدام حسين!، والمالكي يستغل الصورة الذهنية لتأجيج الطائفية وتشويه الثورة العراقية ضده والصاقها ب "داعش" ووصفها بالإرهاب، وتركياوإيران اللتان فشلتا في تحقيق تحالف إقليمي بسقوط الإخوان باتتا تبحثان عن تواجدهما في اللعبة الإقليمية من خلال نافذة "داعش" .. وجميع هؤلاء يستغلون وقود الطائفية لتأجيج الصراع وهو نفس السلاح الذي يحقق أهداف الولاياتالمتحدة بامتياز لتفتيت المنطقة في صراع مستمر يضمن أمن اسرائيل، ويحقق مشروع الشرق الأوسط الكبير.