شطح بطائفيته بعيداً.. بعيداً جداً، إلى أن استفز السفير الأمريكى السابق فى العراق، جيمس جيفرى، فقال: «الجميع فى العراق طائفيون إلى حد ما، إلا أن نورى المالكى، رئيس الوزراء العراقى، ذهب بعيداً».. ثمة مفارقة أنه من بين دعاوى الولاياتالمتحدة وحلفائها لدخول العراق كان القضاء على طائفية صدَّام، الحاكم السُّنى. استبدلوا صنماً بصنم. قالوا: صدقنا؟ قلنا: نعم. تشير التقارير الحقوقية الواردة من بغداد إلى حملات لتصعيد ذوى الخلفية الشيعية على حساب السنَّة فى العراق. طائفية «المالكى» خلقت بيئة مواتية لانتشار مجموعات مسلحة من أنصار الفكر الدينى المتشدد. فضلاً عن وجود عدو قديم هو حزب البعث (الصدَّامى)، ذى الخلفية القومية. تشابكت مصالح هؤلاء وأولئك.. البعثيون، وجيش النقشبندية، والجيش الإسلامى فى العراق، وتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، الذى تضاعفت قدراته عدداً وعتاداً فى معاركه فى سوريا، وأزال حدود «سايكس بيكو» التاريخية الفاصلة بين سورياوالعراق، وأقام ما أُطلق عليه «دولة الخلافة فى العراق والشام»، بعد دفع كتائب الجيش العراقى للانسحاب من محافظة الموصل، تاركين مركباتهم ومعداتهم العسكرية الثقيلة التى تسلحت بها ميليشيات التنظيم.. وبات عرش «المالكى» فى بلاد الرافدين، الذى ثبّته رئيس الوزراء العراقى ب«مسامير الطائفية» لأكثر من 8 أعوام، مهدداً بالزوال. لم يكن نورى المالكى معروفاً إلى حد كبير، رغم أنه خدم فى اللجنة المكلفة بتطهير الحكومة العراقية من الأعضاء السابقين فى حزب البعث. وُلد «المالكى» عام 1950، وتدرج فى صفوف حزب الدعوة، الذى قاتل ضد نظام صدام حسين لخمسة عقود. قضى رئيس الوزراء العراقى سبع سنوات فى إيران، وساعد الحرس الثورى الإيرانى فى الإشراف على العمليات التى تنفذها المجموعات المسلحة بقيادته ضد صدام. وبعد وصوله للمقعد الأهم فى العراق همَّش «المالكى» خصومه السياسيين من السنَّة تحديداً وأبعدهم بالقوة، وفعَّل قوانين صارمة تجرِّم انتقاد رئيس الحكومة، ليتمكن من محاكمة وتغريم مئات الصحفيين والقضاة والمحامين، وأخضع الجيش العراقى لسلطته المباشرة، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة. كذلك أبعد كبار القادة العسكريين من السنَّة، مثل رئيس جهاز المخابرات السابق، محمد الشهوانى. فى عام 2012 بدأ التمرد المسلح تحت قيادة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، «داعش»، وطُردت القوات الحكومية من بعض مدن العراق، وصرَّح «المالكى» بأن تنظيم «داعش» أتى إلى العراق بعد الخسائر التى مُنى بها أخيراً فى سوريا، واتهم السنَّة فى محافظة الأنبار بأنهم متواطئون معه، ومع توالى سقوط المدن وسيطرة «داعش» على مناطق واسعة شمال العراق، تعرَّض «المالكى» لانتقادات من حلفائه قبل خصومه، وبدأ مطلب استقالة «المالكى» من أجل سلامة العراق، ليجد «المالكى» نفسه محاصراً والجميع يدفعه إلى وضع كلمة النهاية بقرار «الرحيل».