كتب : هاني عسل قبل قمة الأمن النووي, أقام الكوريون الجنوبيون عند مدخل مقر عقد الاجتماعات' شجرة الأحلام', لكي يكتب كل مواطن رسالة تحمل أمنيته ب'عالم خال من الحروب وأسلحة الدمار الشامل' ويعلقها علي فروع الشجرة. وبعد انتهاء القمة, أقيم حفل ساهر لأعضاء الوفود التي شاركت في هذا الحدث, تضمن رقصة تقليدية كورية قديمة اسمها' سالبوري' يعتقد بأنها تساعد في طرد الأرواح' الشريرة'!وبين' شجرة الأحلام' و'رقصة الأرواح الشريرة', علينا أن نتوقف قليلا لنعرف ما الذي حدث في هذه القمة, وما الذي حدث فيما حولها, وما إذا كان من الممكن واقعيا- طرد' الأرواح الشريرة' من مكان ما أو من منطقة ما بهذه الأحلام' البريئة' وحدها, أم أن البراءة يمكن أن تجلب معها مزيدا من تلك الأرواح الشريرة؟! دعونا نتفق في البداية أن هناك شعورا دائما لدي كل من يتابع أخبار شبه الجزيرة الكورية أو الملف النووي لكوريا الشمالية بأن الحرب غدا, بينما المتابعة اليومية لأخبار تلك المنطقة علي مدي فترة طويلة, بكل ما فيها من تصريحات نارية واستفزازات وتهديدات, وأحيانا اعتداءات, تجعلنا نعتاد علي الأمر تدريجيا, خاصة وأن هناك حقيقة تقول إن حربا جديدة لم تنشب بين الشمال والجنوب منذ عام1953, وأن شعبي الكوريتين نفسيهما لا يتمنون الحرب, بل إن كوريا الجنوبية لديها وزارة معروفة باسم الوحدة, ولكن هذه الأيام.. يبدو هناك شيء مختلف في الأفق مع انعقاد قمة الأمن النووي في سول, وهي أكبر دعم معنوي تتلقاه كوريا الجنوبية في صراعها مع جارتها الشمالية منذ نهاية الحرب الكورية. صحيح أن القمة كانت مخصصة لمناقشة قضايا متنوعة تتعلق بالأمن النووي مثل: حظر الانتشار النووي, ومنع تسرب المواد النووية إلي أيدي الإرهابيين, ولكن مجرد انعقاد قمة الأمن النووي في سول, وفي هذا التوقيت بالذات, وبمشاركة53 من قادة الدول ورؤساء المنظمات الدولية يتقدمهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما, جاء لينقل رسالة واضحة وقوية إلي الوريث الحفيد في كوريا الشمالية كيم جونج أون الذي يخطط لإطلاق القمر جوانج ميونج سون3 الصناعي إلي الفضاء الخارجي منتصف الشهر المقبل علي متن الصاروخ أون ها-3. وعلي الرغم من أن كوريا الجنوبية واليابان والولاياتالمتحدة تؤمن تماما بأن إطلاق هذا القمر مجرد غطاء لاختبار صاروخ باليستي بعيد المدي قد يستخدم في مراحل لاحقة لحمل رءوس نووية, وحذرت الشماليين من عواقب ذلك, فإن بيونج يانج تحدت الجميع, وأعلنت أثناء قمة سول نفسها- إصرارها علي المضي قدما في إطلاق القمر والصاروخ, معتبرة أن هذا الإجراء من حقها تماما, خاصة وأنه للأغراض السلمية, بحسب تأكيدها, علما بأنها سبق لها أن أجرت تجربتين نوويتين بالفعل. ولا تكمن المشكلة في ردود فعل دول المنطقة علي التهديدات الكورية الشمالية, باعتبار أنها ردود فعل تقليدية ومعتادة ولن تتخطي حدودا معينة, ولكن الجديد, بل والمريب في الأمر فعلا, هو تلك التحركات الأمريكية الجارية في منطقة شمال شرق آسيا, والتي تتخطي المواقف التقليدية للإدارة الأمريكية نفسها تجاه ما يجري من مناوشات واستفزازات متكررة في شبه الجزيرة الكورية من جانب بيونج يانج تجاه الحليفتين: كوريا الجنوبية واليابان. فقد تكشفت في خضم انعقاد هذه القمة عن سعي واشنطن لتنفيذ مشروع بناء درع إقليمية مضادة للصواريخ الباليستية في منطقتي آسيا والشرق الأوسط علي غرار ما تم في أوروبا, وهو ما تراه واشنطن الحل الأنسب لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية وإيران, بدلا من خوض مواجهة عسكرية مع أي منهما, بحيث تسير فكرة الردع مع فكرة العزل السياسي والاقتصادي جنبا إلي جنب للتعامل مع هذين البلدين, وهو حل قد يكون مناسبا أيضا لتهدئة مخاوف حلفائها الرئيسيين في المنطقتين, سواء بالنسبة لكوريا الجنوبية واليابان في آسيا, أو بالنسبة لدول الخليج العربي القريبة من خطر البرنامج النووي الإيراني. وتزامن الحديث عن الخطط الأمريكية مع تقرير آخر نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية يستحق التأمل في ظل ما سبق من معلومات عن مخطط الدرع, فحواه أن الولاياتالمتحدة وأستراليا تعتزمان تعزيز وتوسيع علاقاتهما العسكرية بشكل كبير لتشمل إمكانية السماح لإقلاع طائرات بدون طيار من الجزر المرجانية في المحيط الهندي وزيادة وصول القوات البحرية الأمريكية إلي الموانيء الأسترالية في وقت تسعي فيه وزارة الدفاع الأمريكية بالفعل إلي تحويل قواتها إلي مكان قريب من جنوب شرق آسيا.ولعل هذه المعلومات تؤكد صحة اهتمام واشنطن بسرعة تنفيذ مشروع درع آسيوية تضرب بها أكثر من عصفور بحجر, كما أن الأمر لن يتوقف عند حد إقامة درع حمائية, بقدر ما يصل إلي مرحلة المحاصرة والتربص بقوي عسكرية كبري هي الصين, وحليفتها الشيوعية, كوريا الشمالية, ويتضح مما سبق أن الفارق كبير وشاسع بين رسائل الأحلام البريئة التي تم وضعها علي شجرة قمة سول, وبين مخططات القوي العظمي التي تسعي للهيمنة علي المنطقة بأكملها مستغلة مخاوف شعوب المنطقة من الخطر النووي لكوريا الشمالية, وهي مخططات تحتاج إلي الكثير من رقصات السالبوري لطرد الأرواح الشريرة من المنطقة قبل حضورها!