2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    موسكو تبدي استعدادًا للعمل مع واشنطن لصياغة اتفاقيات حول أوكرانيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    انقلاب سيارة محملة بزيوت طعام أعلى الطريق الدائري في السلام    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل مصرع شخص قفزا فى النيل    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل ياسر الغبيري لحصوله على جائزة التفوق الصحفي فرع القصة الإنسانية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    الأرصاد تحذر من أمطار ليلة رأس السنة ومنخفض جوي يضرب السواحل الشمالية    إيداع أسباب طعن هدير عبدالرازق في قضية التعدي على القيم الأسرية    النيابة العامة تُجري تفتيشاً ل مركز إصلاح وتأهيل المنيا «3»| صور    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    قفزة لليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز مان سيتي وآرسنال وخسارة تشيلسي    نيجيريا تهزم تونس 3-2 وتصعد لدور ال16 بأمم إفريقيا    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    حرب تكسير العظام في جولة الحسم بقنا| صراع بين أنصار المرشحين على فيسبوك    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب مينى باص بمنطقة مدينة نصر    كأس أفريقيا.. نيجيريا تتأهل بثلاثية في تونس    مدرب المصرية للاتصالات: لا أعرف سبب تفريط الأهلى فى مصطفى فوزى بهذه السهولة    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    يوفنتوس يعبر اختبار بيزا الصعب بثنائية ويشعل صراع القمة في الكالتشيو    نجوم الفن ينعون المخرج داوود عبد السيد بكلمات مؤثرة    صحف الشركة المتحدة تحصد 13 جائزة فى الصحافة المصرية 2025.. اليوم السابع فى الصدارة بجوائز عدة.. الوطن تفوز بالقصة الإنسانية والتحقيق.. الدستور تفوز بجوائز الإخراج والبروفايل والمقال الاقتصادى.. صور    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    سوريا تدين بشدة الاعتراف الإسرائيلي ب«أرض الصومال»    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    خبير اقتصادي: تحسن سعر الصرف وانخفاض التضخم يحدان من موجات الغلاء    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين.. بث مباشر مباراة الأهلي والمصرية للاتصالات في كأس مصر من استاد السلام    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميزانية مصر‏..‏ ملاحظات وأرقام‏..‏
متي تذهب أموال الدعم إلي الفقراء فقط؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 04 - 2010

ميزانية مصر القادمة والحساب الختامي للعام المنقضي‏,‏ كانت محور مناقشات داخل البرلمان‏,‏ وتعكس الميزانية‏,‏ والقوانين التي أقرها البرلمان للسياسات الاقتصادية‏,‏ والقوانين التي سوف تتم مناقشتها دلالات مهمة تؤكد أن الحكومة تواصل عمليات الإصلاح الاقتصادي بدأب وفاعلية لإعداد شبكة من البنية التشريعية‏,‏ التي تسمح بالتطور والنمو‏,‏ وإذا اتجهنا جميعا إلي التحلي بالمعرفة‏,‏ وبدأنا عمليات الإصلاح خاصة في مجال الاقتصاد‏,‏ بعيدا عن الصخب الإعلامي أو التهريج السياسي‏,‏ واستخدمنا الأرقام‏,‏ لتحولت مناقشاتنا وحواراتنا‏..‏ حكومة ومعارضة إلي الإسهام في إحداث التغيير ودفع التطور‏.‏
ولعلي هنا أشير إلي الحوار الموضوعي بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات حول الفقر وكيفية حسابه‏,‏ وأيا كانت الرؤي في هذا الاتجاه المختلف والمتناقض بين الطرفين‏,‏ فإنها تصب في خانة تعظيم العائد‏,‏ وأن يستفيد المواطن البسيط من عملية التنمية والنمو التي تحدث في مصر‏.‏
فالطرفان متناقضان‏,‏ ولكنهما يتفقان علي أن الاقتصاد ينمو‏,‏ ويختلفان حول كيفية تقسيم العائد وتوجيهه لمصلحة أغلبية المواطنين‏,‏ وهذا يصب في مصلحة الاقتصاد‏.‏
أما عندما يتكلم الآخرون ويطرحون أفكارا وأرقاما بعيدة عن الحقيقة أو الموضوعية حول أن هناك صناديق خاصة بعيدة عن الخزانة العامة‏,‏ تصل قيمتها إلي أكثر من تريليون ونصف تريليون جنيه‏,‏ في حين أن كل الصناديق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مليار جنيه‏,‏ وأغلبها أصبح يصب في حساب الخزانة الموحد‏,‏ وتتم مراقبته من الجهاز المركزي للمحاسبات‏,‏ عندما يحدث ذلك تصبح قضية مفتعلة‏,‏ خاصة إذا عرفنا أن الناتج المحلي المصري كله تريليون و‏30‏ مليار جنيه‏,‏ فكيف تصبح الصناديق الخاصة بهذا الرقم المفتعل؟‏.‏ لقد حاول هذا الفريق الإثارة‏,‏ ولكنها كانت محاولة عبثية للغاية تغطي علي عمليات الإصلاح في الميزانية والاقتصاد بغبار لا مبرر له‏.‏
ثم كانت الزوبعة الثانية‏,‏ وهي الأطرف والتي أثارها الجهاز المركزي للمحاسبات‏,‏ وهي أن وزارة المالية قد أضافت‏24.3‏ مليار جنيه في بند الإيرادات‏,‏ وذلك بالمخالفة لقانون التأمين الاجتماعي‏,‏ وهو ما آثار حفيظة‏(‏ المتحفظين دائما‏)‏ من الأعضاء باعتباره خطأ جسيما‏,‏ بينما تري وزارة المالية أن الأمر لا يعدو أن يكون قيدا محاسبيا‏,‏ بحيث أضيفت في جانب الإيرادات‏,‏ ثم أعيدت مرة أخري إلي الصناديق في صورة مساهمات من الخزانة‏,‏ وهذا الموضوع يحتاج إلي شرح وتحليل‏,‏ فقد خلط الأعضاء بين الفائض الإكتواري المشار إليه في تقرير المحاسبات‏,‏ والفائض السنوي لصناديق التأمينات‏,‏ فالثاني عبارة عن الفرق بين جملة الموارد الجارية للصندوقين‏,‏ وجملة الاستخدامات الجارية خلال عام‏,‏ أما الفائض الإكتواري فهو عبارة عن الفرق بين الاشتراكات والمصروفات المتوقعة خلال فترة زمنية طويلة نسبيا تصل إلي‏30‏ عاما علي الأقل‏,‏ مع الأخذ في الحساب جميع العوامل المؤثرة مثل التطور الديموجرافي المتوقع للتركيبة السكانية وجميع الإيرادات المتوقعة‏.‏
‏.......................................................‏
ولعلنا هنا نشير إلي أن الدستور المصري حريص بشدة علي حماية نظام التأمينات الاجتماعية وحقوق المؤمن عليهم وأموالهم فنص علي أن تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا‏,‏ كما أن الخزانة العامة ملتزمة بتحمل أي عجز في أموال الصناديق‏,‏ فهي ملزمة بضمان حقوق المؤمن عليه‏,‏ وتحول دون التلاعب بها بأي حال من الأحوال‏,‏ وهذا هو الأهم بالنسبة للمواطن‏,‏ والذي كان وراء ضم هيئة التأمينات الاجتماعية‏,‏ والمعاشات إلي وزارة المالية‏,‏ وكان وراء القانون الجديد للمعاشات والتأمينات الاجتماعية وهو القانون الذي يهدف إلي تطوير النظام الحالي‏,‏ وإعادة هيكلته‏,‏ بغية مراعاة التغييرات الديموجرافية‏(‏ السكانية‏)‏ والاجتماعية المتغيرة والجديدة لضمان مستوي أفضل من الكفاءة وتحقيق درجة أعلي من التغطية التأمينية للمواطنين‏,‏ بالإضافة إلي ضمان استمرارية النظام في أداء التزاماته بطريقة فعالة‏,‏ وكذلك إحداث متغير جوهري بالنسبة للمجتمع المصري بالإسهام في زيادة نسبة الادخار الإجباري للمواطنين‏,‏ لترتفع إلي‏18%,‏ وهي نسبة مناسبة تماما لاستمرار نمو الاقتصاد المصري بنسب أكبر من النمو السكاني‏,‏ بالاعتماد علي الذات أو علي مدخرات المصريين بدلا من رهنها بقدرة الاقتصاد علي جذب مورد من الخارج فقط‏.‏
فإذا أضفنا إلي المنظومة السابقة مشروع قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة‏,‏ والذي بني علي رغبة الدولة في رفع كفاءة تقديم وتطوير الخدمات العامة‏,‏ بجانب تقليل الأعباء المالية والإدارية التي تتحملها الدولة لتحقيق هذا الهدف‏,‏ نجد أن هذا النظام يساعد الاقتصاد المصري علي الاستمرار في تطوير البنية الأساسية والمرافق بمعدلات أكبر لمصلحة المواطنين في مجالات المياه والطرق والري والتجارة الداخلية والمستشفيات‏,‏ وهذه الرؤية ستؤدي إلي الإسراع في تنفيذ المرافق العامة بدرجة تتخطي قيود الموارد العامة وبما يتناسب مع طموحات المجتمع‏,‏ مع توجيه أكبر للموارد العامة للإنفاق الحتمي وزيادة الاستثمار في المشروعات العامة الإستراتيجية وغير الجاذبة للقطاع الخاص‏,‏ وبما يحدث النقلة النوعية المطلوبة في الاستثمارات القومية‏,‏ ويرفع معدل النمو والتوظيف في المجتمع‏.‏
بقيت أيام قليلة قبل أن ينتهي عمر مجلس الشعب الراهن وعلي النواب والبرلمانيين المصريين أن يعطوا صورة إيجابية وناصعة لبرلماننا ومجلسنا التشريعي في الأيام الأخيرة‏,‏ وأن يتحلوا بروح الإيجابية والقدرة علي النفاذ إلي احتياجات المواطن المصري الحقيقية دون أن يضعوا أمام أنفسهم الصورة التليفزيونية أو البهلوانية السطحية لشكل المعارض أو السياسي‏,‏ وأمامهم قائمة مهمة من القوانين الاقتصادية‏,‏ التي تكمل البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك‏,‏ والذي نجحنا في تنفيذه بمعدلات كبيرة برغم الأزمة العالمية للاقتصاد العالمي‏,‏ والتي أدت إلي أن شهدت موازنات معظم دول العالم المتقدمة والنامية تدهورا كبيرا في العامين الماليين الحالي والسابق كنتيجة طبيعية لتلك التطورات المالية العالمية‏.‏
وسوف يناقش البرلمانيون المصريون الميزانية خلال أيام‏,‏ والتي يجب أن تركز علي استمرار إعطاء أولوية كبري لتحقيق معدلات نمو مرتفعة‏,‏ حتي وإن جاءت علي حساب عجز الموازنة الذي استطاعت الحكومة خفضه في العام الماضي إلي‏6.8%‏ من الناتج المحلي‏,‏ بعد أن كان قد وصل إلي أكثر من‏10%‏ في بداية هذه الألفية‏.‏
‏.......................................................‏
وأمام الحكومة أولويات يجب أن يساعدها مجلس الشعب في تحقيقها وهي الاستمرار في سياسة توسعية في الإنفاق العام علي مشروعات البنية الأساسية‏,‏ والتي تعدت‏45‏ مليار جنيه حتي ولو أدت إلي تقليص الدعم لمصلحتها‏,‏ مع الاستمرار في خطة الإنعاش الاقتصادي المحفزة للنمو في ظل الأزمة العالمية‏,‏ والتي تقضي بضخ‏15‏ مليار جنيه علي البنية الأساسية والمشروعات التي تحفز النمو‏,‏ وتخلق فرص عمل في الشارع المصري حتي ولو أدت إلي تقليص دعم الصادرات‏,‏ وهذا الدعم وصل إلي‏4‏ مليارات جنيه‏,‏ يحصل عليه عدد محدود من المنتجين فقط‏.‏
وإذا تم الترشيد‏,‏ بحيث يعطي علي القيمة المضافة في مصر فقط‏,‏ فسوف يؤدي إلي مزيد من التشغيل وخلق الوظائف‏,‏ بدلا من تكدسها في جيوب بعض المصدرين فقط‏,‏ كما أن تدعيم القيمة المضافة سيحمي دعم المصدرين من العيوب‏,‏ التي يشير إليها ويتكلم عنها الكثيرون‏,‏ ومنها أن أحد المنتجين حصل وحده علي‏26‏ مليون جنيه‏,‏ بينما دفع ضرائب قدرها‏20‏ مليون جنيه‏,‏ فتدعيم القيمة المضافة في الاقتصاد المصري يحمي الجميع ويدعم الاقتصاد والمصدرين الحقيقيين‏,‏ وليس عددا محدودا من المصدرين يحصلون علي الدعم علي حساب الاقتصاد‏.‏
كما أن الميزانية الجديدة يجب أن تراعي أن دعم الطاقة وصل إلي‏65‏ مليار جنيه لنحو ثلاث سلع‏(‏ البوتاجاز والمازوت والسولار والبنزين‏)‏ وهو مايفوق دعم التعليم والصحة وأن هذا الدعم لا يذهب للمستحقين ولا يخدم قضية الفقر في مصر‏.‏
وأيضا دعم العيش وغيره يحتاج إلي سرعة إصدار قرار حكومي بإنقاذ الاقتصاد المصري من تجار الأزمات وتجار الدعم علي حساب البسطاء والفقراء‏,‏ ويجب علي الحكومة أن تبذل جهدا حقيقيا في ترشيد استخدام الدعم وقصره علي الفقراء وحدهم وحماية الميزانية المصرية‏.‏
‏///////////////////‏
زيارة السيد الوزير
سنوات ونحن نكتب ونشكو من حال التعليم‏,‏ سنوات ونحن نصرخ من الفوضي في المدارس ونبكي علي مدارس زمان وانضباط مدرسيها وطلابها‏..‏ وحين يأتينا من يحاول إعادة شيء من الانضباط إلي مدارسنا نتحول إلي الشكوي منه والبكاء علي الذين راحوا ضحية محاولة مبدئية لإعادة الانضباط‏,‏ ماذا نريد علي وجه التحديد؟‏.‏
لست هنا أدافع عن إجراءات وزير التربية والتعليم‏.‏ فالقضية أكبر كثيرا من ذلك‏.‏ ولها أشباه كثيرة‏,‏ فنحن نشكو فوضي المرور ونرفض أي إجراءات رادعة لإعادة الانضباط المروري‏,‏ ونرفض العشوائيات والفوضي ونحتج علي أي إجراءات لوقف العشوائيات واستعادة النظام‏.‏ قس علي ذلك الكثير‏.‏ ويبدو أن البعض منا اعتاد الصراخ والبكاء‏,‏ ولابد أن تستمر الأسباب حتي يظل الصراخ ويستمر البكاء‏.‏
مظاهرات التلاميذ التي خرجت من المدرسة التي أرادها الوزير منضبطة‏,‏ تثير من الحزن أضعاف ما تثير من التعجب والدهشة‏,‏ الحزن علي الأجيال الجديدة التي دفع بها المذنبون للاحتجاج علي أولي محاولات إعادة المدرسة إلي دورها الطبيعي الذي نحلم به‏.‏وهي محاولة لاستمرار متعة التخلف التي تأتي بها الفوضي‏,‏ فالنظام والانضباط والاحترام أصبح عبئا لايستطيع البعض تحمله‏,‏ ومن الطبيعي أن ينتفضوا في مواجهته‏.‏
لم يجد التلاميذ المتظاهرون سوي ترديد الشعار نفسه الذي استخدمه الفنان عادل إمام في السخرية من شعارات المرشحين في الانتخابات‏,‏ وجاء هذا الشعار معبرا عن حال المدارس وتلاميذها ومصادر الإلهام لديه‏,‏ نعم لاتنفعهم سوي الحالة التي هم عليها من فوضي وتسيب‏,‏ ولاينفعهم سوي من سمح لتلك الفوضي أن تستمر‏.‏
وبعيدا عن المدرسة وما جري فيها‏,‏ انبرت بعض الأقلام لكتاب وسياسيين محترفين يسخرون ويبكون مما فعله الوزير في مدرسة الفوضي في حلوان‏,‏ والغريب أن هذه الأقلام تتباكي علي القيم التربوية ومكانة المدرس‏.‏ ولم يسأل أحد منهم نفسه أين هي القيم التربوية‏,‏ فيما رآه الوزير في المدرسة وأين هم المدرسون ؟ ثم أليس المسئولون في الوزارة أيضا من التربويين‏.‏ وهل من التربية أن يترك مسئولو الوزارة الفوضي تضرب بالمزيد من الجذور في ضمير المجتمع؟ إن السكوت علي هذه الفوضي عوار في رجال التربية‏,‏ فالبعض يري أن مثل هذه الزيارات لن تصلح أحوال التعليم في بلادنا‏,‏ إذ كم مدرسة يستطيع الوزير زيارتها ليعيد إليها الانضباط؟ والحقيقة أنه بغير استعادة النظام لن تفلح أي حلول وبرامج لإصلاح الواقع التعليمي‏,‏ ولابد من تهيئة المناخ لمثل هذه البرامج الإصلاحية‏,‏ خطط كما شئت‏,‏ وفكر كما شئت وضع حلولا كيف شئت‏,‏ ولكنها سوف تقع جميعها في النهاية ضحية الفوضي الضاربة وغياب المحاسبة والشعور بالمسئولية‏.‏
لماذا نتغافل عن حقيقة أن إصلاح التعليم في مصر هو مسئولية مجتمع بجميع فئاته من الحكومة والخبراء وحتي جميع الأحياء علي أرض هذا البلد‏.‏ الرسالة التي تحملها تلك الأقلام إلي وزير التربية والتعليم أن اجلس‏,‏ في مكتبك وشارك اللجان أعمالها ودعنا نتحدث طويلا وكثيرا عن مشكلات التعليم ولكن الوزير اختار الطريق الصعب وقرر أن يواجه الفوضي في مدرسة أو اثنتين أو عشر‏,‏ ولكنه في النهاية يوجه رسالة واضحة لكل المدارس أينما وجدت‏,‏ رسالة واضحة لكل مسئولي التعليم في كل الوحدات الإدارية بأن يغادروا مكاتبهم لتفقد الأحوال في مواقعهم لاستعادة النظام المفقود‏,‏ فحين نستعيد ذلك النظام سوف تؤتي كل خطط التطوير وجهوده ثمارها‏.‏
‏............................................................‏
لم يأت الدكتور أحمد زكي بدر إلي وزارة التربية والتعليم بعصا سحرية سوف تنقذ ما عجز عنه غيره‏,‏ فالتعليم يتصدر اهتمامات المجتمع ويمس كل قطاع فيه‏,‏ ولايستطيع وزير أو وزارة بأكملها أن تنهض بمسئولية إصلاح التعليم منفردة‏.‏ فتراجع التعليم نشر الكثير من السلوكيات‏,‏ وعزز الكثير من المفاهيم بين قطاعات واسعة من المواطنين‏,‏ وهي تمثل اليوم عقبة في برامج الإصلاح أيضا‏.‏
أصبح المجتمع يمارس الوصاية علي المؤسسات التعليمية حتي في أخص مسئولياتها‏:‏ متي تبدأ الدراسة ومتي تنتهي‏,‏ وعدد سنوات الدراسة ومستوي الامتحانات‏,‏ والموضوعات التي تتضمنها المقررات الدراسية‏,‏ أصبح التعليم اختصاص كل من ليس له اختصاص‏.‏ واستجاب الخبراء ومسئولو الوزارة لذلك شيئا فشيئا حتي أصبح التدخل في أخص شئون التعليم حقا مكتسبا للجميع‏.‏
منذ سنوات وأنا أدعي لكثير من الندوات والمناقشات في مجالات شتي‏,‏ ولم تنته ندوة أو نقاش في السياسة أو الاقتصاد أو الجريمة أو أي شأن من شئون المجتمع بدون الحديث عن التعليم وفوضي المدارس‏,‏ مع مطالبات بوضع حد لتلك الفوضي‏,‏ وحين يبادر الوزير إلي شيء من هذا تخرج مظاهرات التلاميذ‏,‏ وتتشدق الأقلام بالقيم التربوية ومكانة المدرس‏,‏ لقد أضاع الكثيرون من المدرسين أنفسهم مكانتهم بين تلاميذهم حين ضاعت المسافة الفاصلة بين دور كل منهم‏,‏ وتداخلت الاهتمامات والمصالح‏.‏
والزيارة المفاجئة التي قام بها الوزير لواحدة من المدارس لم تكن أبدا العلاج الناجع لمشكلات التعليم‏,‏ ولكنها خطوة تحقق شيئا من اليقظة بين المدارس بشأن مسئولياتها‏,‏ وهي يقظة مطلوبة وبشدة حتي نستكمل منظومة إصلاح التعليم‏,‏ والأولي بنا أن نقف مؤيدين لهذه المحاولات بدلا من الخروج بها عن أهدافها‏,‏ ونقدها أو السخرية منها أو تسييسها للنيل من كل جهد تقوم به الحكومة في الإصلاح‏,‏ فالحكومة وحدها لاتستطيع الإصلاح ولكنها فقط تستطيعه حين يحتشد المجتمع وراء الرغبة الصادقة في الإصلاح والقدرة علي تحمل بعض ما تأتي به عملية الإصلاح من متاعب‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات أسامه سرايا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.