وزير الاتصالات يتابع حريق سنترال رمسيس.. وتعطل مؤقت للخدمة    اتصالات مستمرة من أجل صفقة.. وكاتس: تقرر المضي نحو اتفاق    يانيك فيريرا يركّز على الجوانب البدنية لرفع معدلات لياقة لاعبي الزمالك    السكة الحديد تنفى صحة نشوب حريق بأحد القطارات    انهيار أهالي ضحايا سقوط سيارة في ترعة بقنا منتظرين استخراج الجثامين.. لايف    تأجيل معرض فلسطين الدولي للكتاب بسبب الأوضاع السياسية في فلسطين    مرشحو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يتقدمون بأوراق ترشحهم اليوم لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    أول سيدة تتقدم للترشح على مقعد الشيوخ بالفيوم في ثالث أيام فتح باب التقديم    بالأرقام.. وسام أبو علي يتفوق على صفقات الأهلي الهجومية المحتملة    محافظ الوادي الجديد يعتمد تنسيق القبول بمدارس التعليم الفني    ارتفاع سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 7 يوليو 2025    الأرصاد: طقس خانق حتى نهاية الأسبوع    موعد افتتاح حديقة الحيوان بالجيزة بعد التطوير الشامل.. لا تفوت أول زيارة    بقيمة 5 مليارات جنيه.. «المركزي» يطرح سندات خزانة بفائدة تصل ل23.71%    "الوثائقية" تعرض الجزء الأول من فيلم "أم كلثوم.. الست والوطن" الخميس    لماذا نحتفل باليوم العالمي للشوكولاتة في 7 يوليو؟    وزارة التعليم تمد فترة التقدم لرياض الأطفال حتى 15 يوليو الجارى    ثاني أغنيات ألبومه "WK25"، وائل كفوري يطرح تك تك قلبي    من واشنطن: مستقبل ميسي مع إنتر ميامي قبل كأس العالم 2026    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت طبية بالإسماعيلية ويوجه بمكافآت للمتميزين وإجراءات ضد المقصرين    رسالة دياز لجوتا بعد وفاته    الزمالك يرسل عقود شيكو بانزا لنادي استريا أمادورا البرتغالي للتوقيع النهائي    محافظ الوادي الجديد يُصدِر قرارًا بتكليف رؤساء مركزي الداخلة والفرافرة    مدبولي: مصر أولت اهتمامًا كبيرًا لتطوير نظام الرعاية الصحية والخدمات الطبية    وزير الصناعة يستعرض مع مُصنعي السيارات تعديلات واشتراطات برنامج الحوافز الجديدة    مجلس أمناء كليات جامعة قناة السويس يبحث تطوير الأداء الإداري والتحول الرقمي    تعليم الوادي الجديد تعتمد جدول امتحانات الدور الثاني للصف السادس الابتدائي    الرئيس الإيراني: لا نمانع استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة    برلمانى: توجه مصر نحو «بريكس» يعكس رؤيتها لمستقبل عالمي    الثانية منذ توليه منصبه.. أحمد الشرع يزور الإمارات    إعلامية شهيرة توجه رسالة ل أحمد السقا: «راجل جدع ومحبوب ومحترم»    تدريب مديري مدارس الفيوم على الذكاء الاصطناعي "AI" وفوائده العملية والاستراتيجية.. صور    البورصة المصرية تختتم بتباين وربح مليار جنيه    إندونيسيا: مطار بالي يعلن إلغاء 24 رحلة جوية إثر ثوران بركاني    الداخلية تكشف ملابسات تعرض صيدلي للضرب بالسلاح الأبيض بحدائق القبة    "عشت لحظات رائعة في الزمالك".. أوناجم يعلق على عودته للدوري المصري    7 ميداليات.. حصيلة الفراعنة ببطولة إفريقيا للريشة الطائرة في غانا    سوريا تواصل مكافحة حريق ريف اللاذقية الشمالي    وزير البترول يتفقد بئر "بيجونا-2" بالدقهلية تمهيدًا لحفر 11 بئرًا جديدًا للغاز    دنيا ماهر: أجمل مرحلة في حياتي هي بعد ما وصلت لسن الأربعين    المسلماني يمنح محمد منير وسام ماسبيرو للإبداع    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    "جبالي": الحكومة تسحب مشروع قانون تنظيم المراكز الطبية المتخصصة    منطقة جنوب سيناء الأزهرية تعلن ضوابط القبول برياض الأطفال والابتدائي    نجاح إجراء جراحة معقدة لإصلاح تشوه نادر بالعمود الفقري لطفلة 12عاما بزايد التخصصي    5 أطعمة تقلل نسبة الأملاح في الجسم.. احرص على تناولها    من 3 إلى 13 يوليو 2025 |مصر ضيف شرف معرض فنزويلا للكتاب    المبعوث الأمريكي توماس باراك: ترامب التزم باحترام لبنان وتعهد بالوقوف خلفه    ضبط موظفين بحوزتهما كميات كبيرة من "الشابو" بأسيوط خلال حملة أمنية موسعة    إدوارد يكشف معركته مع السرطان: «كنت بضحك وأنا من جوّا منهار»    حلم النهائي يراود تشيلسي وفلومينينسي في قمة مونديالية    فيلم أحمد وأحمد يحصد 2 مليون و700 ألف جنيه في شباك تذاكر أمس الأحد    بعد قليل .. مجلس النواب يناقش قانون الرياضة ..و"جبالي" يطالب كافة الأعضاء بالحضور    السكة الحديد: تشغيل حركة القطارات اتجاه القاهرة- الإسكندرية في الاتجاهين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميزانية مصر‏..‏ ملاحظات وأرقام‏..‏
متي تذهب أموال الدعم إلي الفقراء فقط؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 04 - 2010

ميزانية مصر القادمة والحساب الختامي للعام المنقضي‏,‏ كانت محور مناقشات داخل البرلمان‏,‏ وتعكس الميزانية‏,‏ والقوانين التي أقرها البرلمان للسياسات الاقتصادية‏,‏ والقوانين التي سوف تتم مناقشتها دلالات مهمة تؤكد أن الحكومة تواصل عمليات الإصلاح الاقتصادي بدأب وفاعلية لإعداد شبكة من البنية التشريعية‏,‏ التي تسمح بالتطور والنمو‏,‏ وإذا اتجهنا جميعا إلي التحلي بالمعرفة‏,‏ وبدأنا عمليات الإصلاح خاصة في مجال الاقتصاد‏,‏ بعيدا عن الصخب الإعلامي أو التهريج السياسي‏,‏ واستخدمنا الأرقام‏,‏ لتحولت مناقشاتنا وحواراتنا‏..‏ حكومة ومعارضة إلي الإسهام في إحداث التغيير ودفع التطور‏.‏
ولعلي هنا أشير إلي الحوار الموضوعي بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات حول الفقر وكيفية حسابه‏,‏ وأيا كانت الرؤي في هذا الاتجاه المختلف والمتناقض بين الطرفين‏,‏ فإنها تصب في خانة تعظيم العائد‏,‏ وأن يستفيد المواطن البسيط من عملية التنمية والنمو التي تحدث في مصر‏.‏
فالطرفان متناقضان‏,‏ ولكنهما يتفقان علي أن الاقتصاد ينمو‏,‏ ويختلفان حول كيفية تقسيم العائد وتوجيهه لمصلحة أغلبية المواطنين‏,‏ وهذا يصب في مصلحة الاقتصاد‏.‏
أما عندما يتكلم الآخرون ويطرحون أفكارا وأرقاما بعيدة عن الحقيقة أو الموضوعية حول أن هناك صناديق خاصة بعيدة عن الخزانة العامة‏,‏ تصل قيمتها إلي أكثر من تريليون ونصف تريليون جنيه‏,‏ في حين أن كل الصناديق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مليار جنيه‏,‏ وأغلبها أصبح يصب في حساب الخزانة الموحد‏,‏ وتتم مراقبته من الجهاز المركزي للمحاسبات‏,‏ عندما يحدث ذلك تصبح قضية مفتعلة‏,‏ خاصة إذا عرفنا أن الناتج المحلي المصري كله تريليون و‏30‏ مليار جنيه‏,‏ فكيف تصبح الصناديق الخاصة بهذا الرقم المفتعل؟‏.‏ لقد حاول هذا الفريق الإثارة‏,‏ ولكنها كانت محاولة عبثية للغاية تغطي علي عمليات الإصلاح في الميزانية والاقتصاد بغبار لا مبرر له‏.‏
ثم كانت الزوبعة الثانية‏,‏ وهي الأطرف والتي أثارها الجهاز المركزي للمحاسبات‏,‏ وهي أن وزارة المالية قد أضافت‏24.3‏ مليار جنيه في بند الإيرادات‏,‏ وذلك بالمخالفة لقانون التأمين الاجتماعي‏,‏ وهو ما آثار حفيظة‏(‏ المتحفظين دائما‏)‏ من الأعضاء باعتباره خطأ جسيما‏,‏ بينما تري وزارة المالية أن الأمر لا يعدو أن يكون قيدا محاسبيا‏,‏ بحيث أضيفت في جانب الإيرادات‏,‏ ثم أعيدت مرة أخري إلي الصناديق في صورة مساهمات من الخزانة‏,‏ وهذا الموضوع يحتاج إلي شرح وتحليل‏,‏ فقد خلط الأعضاء بين الفائض الإكتواري المشار إليه في تقرير المحاسبات‏,‏ والفائض السنوي لصناديق التأمينات‏,‏ فالثاني عبارة عن الفرق بين جملة الموارد الجارية للصندوقين‏,‏ وجملة الاستخدامات الجارية خلال عام‏,‏ أما الفائض الإكتواري فهو عبارة عن الفرق بين الاشتراكات والمصروفات المتوقعة خلال فترة زمنية طويلة نسبيا تصل إلي‏30‏ عاما علي الأقل‏,‏ مع الأخذ في الحساب جميع العوامل المؤثرة مثل التطور الديموجرافي المتوقع للتركيبة السكانية وجميع الإيرادات المتوقعة‏.‏
‏.......................................................‏
ولعلنا هنا نشير إلي أن الدستور المصري حريص بشدة علي حماية نظام التأمينات الاجتماعية وحقوق المؤمن عليهم وأموالهم فنص علي أن تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا‏,‏ كما أن الخزانة العامة ملتزمة بتحمل أي عجز في أموال الصناديق‏,‏ فهي ملزمة بضمان حقوق المؤمن عليه‏,‏ وتحول دون التلاعب بها بأي حال من الأحوال‏,‏ وهذا هو الأهم بالنسبة للمواطن‏,‏ والذي كان وراء ضم هيئة التأمينات الاجتماعية‏,‏ والمعاشات إلي وزارة المالية‏,‏ وكان وراء القانون الجديد للمعاشات والتأمينات الاجتماعية وهو القانون الذي يهدف إلي تطوير النظام الحالي‏,‏ وإعادة هيكلته‏,‏ بغية مراعاة التغييرات الديموجرافية‏(‏ السكانية‏)‏ والاجتماعية المتغيرة والجديدة لضمان مستوي أفضل من الكفاءة وتحقيق درجة أعلي من التغطية التأمينية للمواطنين‏,‏ بالإضافة إلي ضمان استمرارية النظام في أداء التزاماته بطريقة فعالة‏,‏ وكذلك إحداث متغير جوهري بالنسبة للمجتمع المصري بالإسهام في زيادة نسبة الادخار الإجباري للمواطنين‏,‏ لترتفع إلي‏18%,‏ وهي نسبة مناسبة تماما لاستمرار نمو الاقتصاد المصري بنسب أكبر من النمو السكاني‏,‏ بالاعتماد علي الذات أو علي مدخرات المصريين بدلا من رهنها بقدرة الاقتصاد علي جذب مورد من الخارج فقط‏.‏
فإذا أضفنا إلي المنظومة السابقة مشروع قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة‏,‏ والذي بني علي رغبة الدولة في رفع كفاءة تقديم وتطوير الخدمات العامة‏,‏ بجانب تقليل الأعباء المالية والإدارية التي تتحملها الدولة لتحقيق هذا الهدف‏,‏ نجد أن هذا النظام يساعد الاقتصاد المصري علي الاستمرار في تطوير البنية الأساسية والمرافق بمعدلات أكبر لمصلحة المواطنين في مجالات المياه والطرق والري والتجارة الداخلية والمستشفيات‏,‏ وهذه الرؤية ستؤدي إلي الإسراع في تنفيذ المرافق العامة بدرجة تتخطي قيود الموارد العامة وبما يتناسب مع طموحات المجتمع‏,‏ مع توجيه أكبر للموارد العامة للإنفاق الحتمي وزيادة الاستثمار في المشروعات العامة الإستراتيجية وغير الجاذبة للقطاع الخاص‏,‏ وبما يحدث النقلة النوعية المطلوبة في الاستثمارات القومية‏,‏ ويرفع معدل النمو والتوظيف في المجتمع‏.‏
بقيت أيام قليلة قبل أن ينتهي عمر مجلس الشعب الراهن وعلي النواب والبرلمانيين المصريين أن يعطوا صورة إيجابية وناصعة لبرلماننا ومجلسنا التشريعي في الأيام الأخيرة‏,‏ وأن يتحلوا بروح الإيجابية والقدرة علي النفاذ إلي احتياجات المواطن المصري الحقيقية دون أن يضعوا أمام أنفسهم الصورة التليفزيونية أو البهلوانية السطحية لشكل المعارض أو السياسي‏,‏ وأمامهم قائمة مهمة من القوانين الاقتصادية‏,‏ التي تكمل البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك‏,‏ والذي نجحنا في تنفيذه بمعدلات كبيرة برغم الأزمة العالمية للاقتصاد العالمي‏,‏ والتي أدت إلي أن شهدت موازنات معظم دول العالم المتقدمة والنامية تدهورا كبيرا في العامين الماليين الحالي والسابق كنتيجة طبيعية لتلك التطورات المالية العالمية‏.‏
وسوف يناقش البرلمانيون المصريون الميزانية خلال أيام‏,‏ والتي يجب أن تركز علي استمرار إعطاء أولوية كبري لتحقيق معدلات نمو مرتفعة‏,‏ حتي وإن جاءت علي حساب عجز الموازنة الذي استطاعت الحكومة خفضه في العام الماضي إلي‏6.8%‏ من الناتج المحلي‏,‏ بعد أن كان قد وصل إلي أكثر من‏10%‏ في بداية هذه الألفية‏.‏
‏.......................................................‏
وأمام الحكومة أولويات يجب أن يساعدها مجلس الشعب في تحقيقها وهي الاستمرار في سياسة توسعية في الإنفاق العام علي مشروعات البنية الأساسية‏,‏ والتي تعدت‏45‏ مليار جنيه حتي ولو أدت إلي تقليص الدعم لمصلحتها‏,‏ مع الاستمرار في خطة الإنعاش الاقتصادي المحفزة للنمو في ظل الأزمة العالمية‏,‏ والتي تقضي بضخ‏15‏ مليار جنيه علي البنية الأساسية والمشروعات التي تحفز النمو‏,‏ وتخلق فرص عمل في الشارع المصري حتي ولو أدت إلي تقليص دعم الصادرات‏,‏ وهذا الدعم وصل إلي‏4‏ مليارات جنيه‏,‏ يحصل عليه عدد محدود من المنتجين فقط‏.‏
وإذا تم الترشيد‏,‏ بحيث يعطي علي القيمة المضافة في مصر فقط‏,‏ فسوف يؤدي إلي مزيد من التشغيل وخلق الوظائف‏,‏ بدلا من تكدسها في جيوب بعض المصدرين فقط‏,‏ كما أن تدعيم القيمة المضافة سيحمي دعم المصدرين من العيوب‏,‏ التي يشير إليها ويتكلم عنها الكثيرون‏,‏ ومنها أن أحد المنتجين حصل وحده علي‏26‏ مليون جنيه‏,‏ بينما دفع ضرائب قدرها‏20‏ مليون جنيه‏,‏ فتدعيم القيمة المضافة في الاقتصاد المصري يحمي الجميع ويدعم الاقتصاد والمصدرين الحقيقيين‏,‏ وليس عددا محدودا من المصدرين يحصلون علي الدعم علي حساب الاقتصاد‏.‏
كما أن الميزانية الجديدة يجب أن تراعي أن دعم الطاقة وصل إلي‏65‏ مليار جنيه لنحو ثلاث سلع‏(‏ البوتاجاز والمازوت والسولار والبنزين‏)‏ وهو مايفوق دعم التعليم والصحة وأن هذا الدعم لا يذهب للمستحقين ولا يخدم قضية الفقر في مصر‏.‏
وأيضا دعم العيش وغيره يحتاج إلي سرعة إصدار قرار حكومي بإنقاذ الاقتصاد المصري من تجار الأزمات وتجار الدعم علي حساب البسطاء والفقراء‏,‏ ويجب علي الحكومة أن تبذل جهدا حقيقيا في ترشيد استخدام الدعم وقصره علي الفقراء وحدهم وحماية الميزانية المصرية‏.‏
‏///////////////////‏
زيارة السيد الوزير
سنوات ونحن نكتب ونشكو من حال التعليم‏,‏ سنوات ونحن نصرخ من الفوضي في المدارس ونبكي علي مدارس زمان وانضباط مدرسيها وطلابها‏..‏ وحين يأتينا من يحاول إعادة شيء من الانضباط إلي مدارسنا نتحول إلي الشكوي منه والبكاء علي الذين راحوا ضحية محاولة مبدئية لإعادة الانضباط‏,‏ ماذا نريد علي وجه التحديد؟‏.‏
لست هنا أدافع عن إجراءات وزير التربية والتعليم‏.‏ فالقضية أكبر كثيرا من ذلك‏.‏ ولها أشباه كثيرة‏,‏ فنحن نشكو فوضي المرور ونرفض أي إجراءات رادعة لإعادة الانضباط المروري‏,‏ ونرفض العشوائيات والفوضي ونحتج علي أي إجراءات لوقف العشوائيات واستعادة النظام‏.‏ قس علي ذلك الكثير‏.‏ ويبدو أن البعض منا اعتاد الصراخ والبكاء‏,‏ ولابد أن تستمر الأسباب حتي يظل الصراخ ويستمر البكاء‏.‏
مظاهرات التلاميذ التي خرجت من المدرسة التي أرادها الوزير منضبطة‏,‏ تثير من الحزن أضعاف ما تثير من التعجب والدهشة‏,‏ الحزن علي الأجيال الجديدة التي دفع بها المذنبون للاحتجاج علي أولي محاولات إعادة المدرسة إلي دورها الطبيعي الذي نحلم به‏.‏وهي محاولة لاستمرار متعة التخلف التي تأتي بها الفوضي‏,‏ فالنظام والانضباط والاحترام أصبح عبئا لايستطيع البعض تحمله‏,‏ ومن الطبيعي أن ينتفضوا في مواجهته‏.‏
لم يجد التلاميذ المتظاهرون سوي ترديد الشعار نفسه الذي استخدمه الفنان عادل إمام في السخرية من شعارات المرشحين في الانتخابات‏,‏ وجاء هذا الشعار معبرا عن حال المدارس وتلاميذها ومصادر الإلهام لديه‏,‏ نعم لاتنفعهم سوي الحالة التي هم عليها من فوضي وتسيب‏,‏ ولاينفعهم سوي من سمح لتلك الفوضي أن تستمر‏.‏
وبعيدا عن المدرسة وما جري فيها‏,‏ انبرت بعض الأقلام لكتاب وسياسيين محترفين يسخرون ويبكون مما فعله الوزير في مدرسة الفوضي في حلوان‏,‏ والغريب أن هذه الأقلام تتباكي علي القيم التربوية ومكانة المدرس‏.‏ ولم يسأل أحد منهم نفسه أين هي القيم التربوية‏,‏ فيما رآه الوزير في المدرسة وأين هم المدرسون ؟ ثم أليس المسئولون في الوزارة أيضا من التربويين‏.‏ وهل من التربية أن يترك مسئولو الوزارة الفوضي تضرب بالمزيد من الجذور في ضمير المجتمع؟ إن السكوت علي هذه الفوضي عوار في رجال التربية‏,‏ فالبعض يري أن مثل هذه الزيارات لن تصلح أحوال التعليم في بلادنا‏,‏ إذ كم مدرسة يستطيع الوزير زيارتها ليعيد إليها الانضباط؟ والحقيقة أنه بغير استعادة النظام لن تفلح أي حلول وبرامج لإصلاح الواقع التعليمي‏,‏ ولابد من تهيئة المناخ لمثل هذه البرامج الإصلاحية‏,‏ خطط كما شئت‏,‏ وفكر كما شئت وضع حلولا كيف شئت‏,‏ ولكنها سوف تقع جميعها في النهاية ضحية الفوضي الضاربة وغياب المحاسبة والشعور بالمسئولية‏.‏
لماذا نتغافل عن حقيقة أن إصلاح التعليم في مصر هو مسئولية مجتمع بجميع فئاته من الحكومة والخبراء وحتي جميع الأحياء علي أرض هذا البلد‏.‏ الرسالة التي تحملها تلك الأقلام إلي وزير التربية والتعليم أن اجلس‏,‏ في مكتبك وشارك اللجان أعمالها ودعنا نتحدث طويلا وكثيرا عن مشكلات التعليم ولكن الوزير اختار الطريق الصعب وقرر أن يواجه الفوضي في مدرسة أو اثنتين أو عشر‏,‏ ولكنه في النهاية يوجه رسالة واضحة لكل المدارس أينما وجدت‏,‏ رسالة واضحة لكل مسئولي التعليم في كل الوحدات الإدارية بأن يغادروا مكاتبهم لتفقد الأحوال في مواقعهم لاستعادة النظام المفقود‏,‏ فحين نستعيد ذلك النظام سوف تؤتي كل خطط التطوير وجهوده ثمارها‏.‏
‏............................................................‏
لم يأت الدكتور أحمد زكي بدر إلي وزارة التربية والتعليم بعصا سحرية سوف تنقذ ما عجز عنه غيره‏,‏ فالتعليم يتصدر اهتمامات المجتمع ويمس كل قطاع فيه‏,‏ ولايستطيع وزير أو وزارة بأكملها أن تنهض بمسئولية إصلاح التعليم منفردة‏.‏ فتراجع التعليم نشر الكثير من السلوكيات‏,‏ وعزز الكثير من المفاهيم بين قطاعات واسعة من المواطنين‏,‏ وهي تمثل اليوم عقبة في برامج الإصلاح أيضا‏.‏
أصبح المجتمع يمارس الوصاية علي المؤسسات التعليمية حتي في أخص مسئولياتها‏:‏ متي تبدأ الدراسة ومتي تنتهي‏,‏ وعدد سنوات الدراسة ومستوي الامتحانات‏,‏ والموضوعات التي تتضمنها المقررات الدراسية‏,‏ أصبح التعليم اختصاص كل من ليس له اختصاص‏.‏ واستجاب الخبراء ومسئولو الوزارة لذلك شيئا فشيئا حتي أصبح التدخل في أخص شئون التعليم حقا مكتسبا للجميع‏.‏
منذ سنوات وأنا أدعي لكثير من الندوات والمناقشات في مجالات شتي‏,‏ ولم تنته ندوة أو نقاش في السياسة أو الاقتصاد أو الجريمة أو أي شأن من شئون المجتمع بدون الحديث عن التعليم وفوضي المدارس‏,‏ مع مطالبات بوضع حد لتلك الفوضي‏,‏ وحين يبادر الوزير إلي شيء من هذا تخرج مظاهرات التلاميذ‏,‏ وتتشدق الأقلام بالقيم التربوية ومكانة المدرس‏,‏ لقد أضاع الكثيرون من المدرسين أنفسهم مكانتهم بين تلاميذهم حين ضاعت المسافة الفاصلة بين دور كل منهم‏,‏ وتداخلت الاهتمامات والمصالح‏.‏
والزيارة المفاجئة التي قام بها الوزير لواحدة من المدارس لم تكن أبدا العلاج الناجع لمشكلات التعليم‏,‏ ولكنها خطوة تحقق شيئا من اليقظة بين المدارس بشأن مسئولياتها‏,‏ وهي يقظة مطلوبة وبشدة حتي نستكمل منظومة إصلاح التعليم‏,‏ والأولي بنا أن نقف مؤيدين لهذه المحاولات بدلا من الخروج بها عن أهدافها‏,‏ ونقدها أو السخرية منها أو تسييسها للنيل من كل جهد تقوم به الحكومة في الإصلاح‏,‏ فالحكومة وحدها لاتستطيع الإصلاح ولكنها فقط تستطيعه حين يحتشد المجتمع وراء الرغبة الصادقة في الإصلاح والقدرة علي تحمل بعض ما تأتي به عملية الإصلاح من متاعب‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات أسامه سرايا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.