انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الأحد    بعد انخفاض عيار 21 بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأحد 11-5-2025 محليًا وعالميًا صباحًا    الكرملين: تحقيق السلام الدائم فى أوكرانيا لن يكون إلا من خلال مفاوضات جادة    استشهاد 10 فلسطينيين إثر قصف "الاحتلال الإسرائيلي " خيم النازحين بخان يونس    مصرع 8 أشخاص وإصابة 30 آخرين إثر سقوط حافلة من منحدر فى سريلانكا    شوبير: الأهلي يرفض طلبات رامي ربيعة المادية لتجديد عقده    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    وزير الرى: تدريب المهندسين والفنيين بالوزارة على تشغيل وصيانة محطات المعالجة الكبرى    دعاية السجون المصرية بين التجميل والتزييف.. ودور النخب بكشف الحقيقة    طريقة عمل الجاتوه شاتوه، للمناسبات الخاصة وبأقل التكاليف    اليوم.. نظر محاكمة المتهمين بقضية خلية النزهة الإرهابية    هل تصح طهارة وصلاة العامل في محطة البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    موعد مباراة برشلونة ضد ريال مدريد في الدوري الاسباني والقنوات الناقلة    تحاليل دورية للأطفال المصابين بمرض السكر للكشف المبكر عن المضاعفات    تشكيل ليفربول المتوقع ضد آرسنال اليوم.. موقف محمد صلاح    أول تصريحات ل ترامب بعد وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    استقالة مستشار الأمن القومى السويدى بعد يوم من تعيينه بسبب صور فاضحة    حظك اليوم الأحد 11 مايو وتوقعات الأبراج    مع استئناف جلسات «قانون الايجار القديم»: خبير عقاري يشرح فوائد إعادة فتح الشقق المغلقة    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    تعرف على أسعار الأسماك اليوم الأحد الموافق 11-5-2025 فى سوهاج    «كلاسيكو الأرض وليفربول ضد آرسنال».. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    لأول مرة.. نانسي عجرم تلتقي جمهورها في إندونيسيا 5 نوفمبر المقبل    اليوم.. انطلاق التقييمات المبدئية لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    إخلاء سبيل ضحية النمر المفترس بالسيرك بطنطا في بلاغ تعرضه للسرقة    صنع الله إبراهيم يمر بأزمة صحية.. والمثقفون يطالبون برعاية عاجلة    قمة الدوري الإسباني.. قائمة ريال مدريد لمواجهة برشلونة في الكلاسيكو    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    بالتردد.. تعرف على مواعيد وقنوات عرض مسلسل «المدينة البعيدة» الحلقة 25    هاني رمزي: من المبكر تقييم النحاس مع الأهلي.. وأتوقع فوز بيراميدز على الزمالك    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    أسعار اللحوم في محلات الجزارة بمطروح اليوم الأحد 11 مايو 2025    تامر أمين بعد انخفاض عددها بشكل كبير: الحمير راحت فين؟ (فيديو)    بوتين: أوكرانيا حاولت ترهيب القادة القادمين لموسكو لحضور احتفالات يوم النصر    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حريق مطعم مصر الجديدة    الأرصاد تكشف موعد انخفاض الموجة الحارة    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    محاكمة متهمين بقتل طالب داخل مشاجرة بالزيتون| اليوم    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    "التعليم": تنفيذ برامج تنمية مهارات القراءة والكتابة خلال الفترة الصيفية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 11 مايو 2025    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    المركز الليبي للاستشعار عن بعد: هزة أرضية بقوة 4.1 درجة بمنطقة البحر المتوسط    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    حكام مباريات الأحد في الجولة السادسة من المرحلة النهائية للدوري المصري    «عشان تناموا وضميركم مرتاح».. عمرو أديب يوجه رسالة إلى أبناء محمود عبدالعزيز    وزيرة التضامن ترد على مقولة «الحكومة مش شايفانا»: لدينا قاعدة بيانات تضم 17 مليون أسرة    «أتمنى تدريب بيراميدز».. تصريحات نارية من بيسيرو بعد رحيله عن الزمالك    في أهمية صناعة الناخب ومحاولة إنتاجه من أجل استقرار واستمرار الوطن    أمانة العضوية المركزية ب"مستقبل وطن" تعقد اجتماعا تنظيميا مع أمنائها في المحافظات وتكرم 8 حققت المستهدف التنظيمي    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    أبرزها الإجهاد والتوتر في بيئة العمل.. أسباب زيادة أمراض القلب والذبحة الصدرية عند الشباب    تبدأ قبلها بأسابيع وتجاهلها يقلل فرص نجاتك.. علامات مبكرة ل الأزمة القلبية (انتبه لها!)    منها «الشيكولاتة ومخلل الكرنب».. 6 أطعمة سيئة مفيدة للأمعاء    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميزانية مصر‏..‏ ملاحظات وأرقام‏..‏
متي تذهب أموال الدعم إلي الفقراء فقط؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 04 - 2010

ميزانية مصر القادمة والحساب الختامي للعام المنقضي‏,‏ كانت محور مناقشات داخل البرلمان‏,‏ وتعكس الميزانية‏,‏ والقوانين التي أقرها البرلمان للسياسات الاقتصادية‏,‏ والقوانين التي سوف تتم مناقشتها دلالات مهمة تؤكد أن الحكومة تواصل عمليات الإصلاح الاقتصادي بدأب وفاعلية لإعداد شبكة من البنية التشريعية‏,‏ التي تسمح بالتطور والنمو‏,‏ وإذا اتجهنا جميعا إلي التحلي بالمعرفة‏,‏ وبدأنا عمليات الإصلاح خاصة في مجال الاقتصاد‏,‏ بعيدا عن الصخب الإعلامي أو التهريج السياسي‏,‏ واستخدمنا الأرقام‏,‏ لتحولت مناقشاتنا وحواراتنا‏..‏ حكومة ومعارضة إلي الإسهام في إحداث التغيير ودفع التطور‏.‏
ولعلي هنا أشير إلي الحوار الموضوعي بين الحكومة والجهاز المركزي للمحاسبات حول الفقر وكيفية حسابه‏,‏ وأيا كانت الرؤي في هذا الاتجاه المختلف والمتناقض بين الطرفين‏,‏ فإنها تصب في خانة تعظيم العائد‏,‏ وأن يستفيد المواطن البسيط من عملية التنمية والنمو التي تحدث في مصر‏.‏
فالطرفان متناقضان‏,‏ ولكنهما يتفقان علي أن الاقتصاد ينمو‏,‏ ويختلفان حول كيفية تقسيم العائد وتوجيهه لمصلحة أغلبية المواطنين‏,‏ وهذا يصب في مصلحة الاقتصاد‏.‏
أما عندما يتكلم الآخرون ويطرحون أفكارا وأرقاما بعيدة عن الحقيقة أو الموضوعية حول أن هناك صناديق خاصة بعيدة عن الخزانة العامة‏,‏ تصل قيمتها إلي أكثر من تريليون ونصف تريليون جنيه‏,‏ في حين أن كل الصناديق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز مليار جنيه‏,‏ وأغلبها أصبح يصب في حساب الخزانة الموحد‏,‏ وتتم مراقبته من الجهاز المركزي للمحاسبات‏,‏ عندما يحدث ذلك تصبح قضية مفتعلة‏,‏ خاصة إذا عرفنا أن الناتج المحلي المصري كله تريليون و‏30‏ مليار جنيه‏,‏ فكيف تصبح الصناديق الخاصة بهذا الرقم المفتعل؟‏.‏ لقد حاول هذا الفريق الإثارة‏,‏ ولكنها كانت محاولة عبثية للغاية تغطي علي عمليات الإصلاح في الميزانية والاقتصاد بغبار لا مبرر له‏.‏
ثم كانت الزوبعة الثانية‏,‏ وهي الأطرف والتي أثارها الجهاز المركزي للمحاسبات‏,‏ وهي أن وزارة المالية قد أضافت‏24.3‏ مليار جنيه في بند الإيرادات‏,‏ وذلك بالمخالفة لقانون التأمين الاجتماعي‏,‏ وهو ما آثار حفيظة‏(‏ المتحفظين دائما‏)‏ من الأعضاء باعتباره خطأ جسيما‏,‏ بينما تري وزارة المالية أن الأمر لا يعدو أن يكون قيدا محاسبيا‏,‏ بحيث أضيفت في جانب الإيرادات‏,‏ ثم أعيدت مرة أخري إلي الصناديق في صورة مساهمات من الخزانة‏,‏ وهذا الموضوع يحتاج إلي شرح وتحليل‏,‏ فقد خلط الأعضاء بين الفائض الإكتواري المشار إليه في تقرير المحاسبات‏,‏ والفائض السنوي لصناديق التأمينات‏,‏ فالثاني عبارة عن الفرق بين جملة الموارد الجارية للصندوقين‏,‏ وجملة الاستخدامات الجارية خلال عام‏,‏ أما الفائض الإكتواري فهو عبارة عن الفرق بين الاشتراكات والمصروفات المتوقعة خلال فترة زمنية طويلة نسبيا تصل إلي‏30‏ عاما علي الأقل‏,‏ مع الأخذ في الحساب جميع العوامل المؤثرة مثل التطور الديموجرافي المتوقع للتركيبة السكانية وجميع الإيرادات المتوقعة‏.‏
‏.......................................................‏
ولعلنا هنا نشير إلي أن الدستور المصري حريص بشدة علي حماية نظام التأمينات الاجتماعية وحقوق المؤمن عليهم وأموالهم فنص علي أن تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا‏,‏ كما أن الخزانة العامة ملتزمة بتحمل أي عجز في أموال الصناديق‏,‏ فهي ملزمة بضمان حقوق المؤمن عليه‏,‏ وتحول دون التلاعب بها بأي حال من الأحوال‏,‏ وهذا هو الأهم بالنسبة للمواطن‏,‏ والذي كان وراء ضم هيئة التأمينات الاجتماعية‏,‏ والمعاشات إلي وزارة المالية‏,‏ وكان وراء القانون الجديد للمعاشات والتأمينات الاجتماعية وهو القانون الذي يهدف إلي تطوير النظام الحالي‏,‏ وإعادة هيكلته‏,‏ بغية مراعاة التغييرات الديموجرافية‏(‏ السكانية‏)‏ والاجتماعية المتغيرة والجديدة لضمان مستوي أفضل من الكفاءة وتحقيق درجة أعلي من التغطية التأمينية للمواطنين‏,‏ بالإضافة إلي ضمان استمرارية النظام في أداء التزاماته بطريقة فعالة‏,‏ وكذلك إحداث متغير جوهري بالنسبة للمجتمع المصري بالإسهام في زيادة نسبة الادخار الإجباري للمواطنين‏,‏ لترتفع إلي‏18%,‏ وهي نسبة مناسبة تماما لاستمرار نمو الاقتصاد المصري بنسب أكبر من النمو السكاني‏,‏ بالاعتماد علي الذات أو علي مدخرات المصريين بدلا من رهنها بقدرة الاقتصاد علي جذب مورد من الخارج فقط‏.‏
فإذا أضفنا إلي المنظومة السابقة مشروع قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة‏,‏ والذي بني علي رغبة الدولة في رفع كفاءة تقديم وتطوير الخدمات العامة‏,‏ بجانب تقليل الأعباء المالية والإدارية التي تتحملها الدولة لتحقيق هذا الهدف‏,‏ نجد أن هذا النظام يساعد الاقتصاد المصري علي الاستمرار في تطوير البنية الأساسية والمرافق بمعدلات أكبر لمصلحة المواطنين في مجالات المياه والطرق والري والتجارة الداخلية والمستشفيات‏,‏ وهذه الرؤية ستؤدي إلي الإسراع في تنفيذ المرافق العامة بدرجة تتخطي قيود الموارد العامة وبما يتناسب مع طموحات المجتمع‏,‏ مع توجيه أكبر للموارد العامة للإنفاق الحتمي وزيادة الاستثمار في المشروعات العامة الإستراتيجية وغير الجاذبة للقطاع الخاص‏,‏ وبما يحدث النقلة النوعية المطلوبة في الاستثمارات القومية‏,‏ ويرفع معدل النمو والتوظيف في المجتمع‏.‏
بقيت أيام قليلة قبل أن ينتهي عمر مجلس الشعب الراهن وعلي النواب والبرلمانيين المصريين أن يعطوا صورة إيجابية وناصعة لبرلماننا ومجلسنا التشريعي في الأيام الأخيرة‏,‏ وأن يتحلوا بروح الإيجابية والقدرة علي النفاذ إلي احتياجات المواطن المصري الحقيقية دون أن يضعوا أمام أنفسهم الصورة التليفزيونية أو البهلوانية السطحية لشكل المعارض أو السياسي‏,‏ وأمامهم قائمة مهمة من القوانين الاقتصادية‏,‏ التي تكمل البرنامج الانتخابي للرئيس حسني مبارك‏,‏ والذي نجحنا في تنفيذه بمعدلات كبيرة برغم الأزمة العالمية للاقتصاد العالمي‏,‏ والتي أدت إلي أن شهدت موازنات معظم دول العالم المتقدمة والنامية تدهورا كبيرا في العامين الماليين الحالي والسابق كنتيجة طبيعية لتلك التطورات المالية العالمية‏.‏
وسوف يناقش البرلمانيون المصريون الميزانية خلال أيام‏,‏ والتي يجب أن تركز علي استمرار إعطاء أولوية كبري لتحقيق معدلات نمو مرتفعة‏,‏ حتي وإن جاءت علي حساب عجز الموازنة الذي استطاعت الحكومة خفضه في العام الماضي إلي‏6.8%‏ من الناتج المحلي‏,‏ بعد أن كان قد وصل إلي أكثر من‏10%‏ في بداية هذه الألفية‏.‏
‏.......................................................‏
وأمام الحكومة أولويات يجب أن يساعدها مجلس الشعب في تحقيقها وهي الاستمرار في سياسة توسعية في الإنفاق العام علي مشروعات البنية الأساسية‏,‏ والتي تعدت‏45‏ مليار جنيه حتي ولو أدت إلي تقليص الدعم لمصلحتها‏,‏ مع الاستمرار في خطة الإنعاش الاقتصادي المحفزة للنمو في ظل الأزمة العالمية‏,‏ والتي تقضي بضخ‏15‏ مليار جنيه علي البنية الأساسية والمشروعات التي تحفز النمو‏,‏ وتخلق فرص عمل في الشارع المصري حتي ولو أدت إلي تقليص دعم الصادرات‏,‏ وهذا الدعم وصل إلي‏4‏ مليارات جنيه‏,‏ يحصل عليه عدد محدود من المنتجين فقط‏.‏
وإذا تم الترشيد‏,‏ بحيث يعطي علي القيمة المضافة في مصر فقط‏,‏ فسوف يؤدي إلي مزيد من التشغيل وخلق الوظائف‏,‏ بدلا من تكدسها في جيوب بعض المصدرين فقط‏,‏ كما أن تدعيم القيمة المضافة سيحمي دعم المصدرين من العيوب‏,‏ التي يشير إليها ويتكلم عنها الكثيرون‏,‏ ومنها أن أحد المنتجين حصل وحده علي‏26‏ مليون جنيه‏,‏ بينما دفع ضرائب قدرها‏20‏ مليون جنيه‏,‏ فتدعيم القيمة المضافة في الاقتصاد المصري يحمي الجميع ويدعم الاقتصاد والمصدرين الحقيقيين‏,‏ وليس عددا محدودا من المصدرين يحصلون علي الدعم علي حساب الاقتصاد‏.‏
كما أن الميزانية الجديدة يجب أن تراعي أن دعم الطاقة وصل إلي‏65‏ مليار جنيه لنحو ثلاث سلع‏(‏ البوتاجاز والمازوت والسولار والبنزين‏)‏ وهو مايفوق دعم التعليم والصحة وأن هذا الدعم لا يذهب للمستحقين ولا يخدم قضية الفقر في مصر‏.‏
وأيضا دعم العيش وغيره يحتاج إلي سرعة إصدار قرار حكومي بإنقاذ الاقتصاد المصري من تجار الأزمات وتجار الدعم علي حساب البسطاء والفقراء‏,‏ ويجب علي الحكومة أن تبذل جهدا حقيقيا في ترشيد استخدام الدعم وقصره علي الفقراء وحدهم وحماية الميزانية المصرية‏.‏
‏///////////////////‏
زيارة السيد الوزير
سنوات ونحن نكتب ونشكو من حال التعليم‏,‏ سنوات ونحن نصرخ من الفوضي في المدارس ونبكي علي مدارس زمان وانضباط مدرسيها وطلابها‏..‏ وحين يأتينا من يحاول إعادة شيء من الانضباط إلي مدارسنا نتحول إلي الشكوي منه والبكاء علي الذين راحوا ضحية محاولة مبدئية لإعادة الانضباط‏,‏ ماذا نريد علي وجه التحديد؟‏.‏
لست هنا أدافع عن إجراءات وزير التربية والتعليم‏.‏ فالقضية أكبر كثيرا من ذلك‏.‏ ولها أشباه كثيرة‏,‏ فنحن نشكو فوضي المرور ونرفض أي إجراءات رادعة لإعادة الانضباط المروري‏,‏ ونرفض العشوائيات والفوضي ونحتج علي أي إجراءات لوقف العشوائيات واستعادة النظام‏.‏ قس علي ذلك الكثير‏.‏ ويبدو أن البعض منا اعتاد الصراخ والبكاء‏,‏ ولابد أن تستمر الأسباب حتي يظل الصراخ ويستمر البكاء‏.‏
مظاهرات التلاميذ التي خرجت من المدرسة التي أرادها الوزير منضبطة‏,‏ تثير من الحزن أضعاف ما تثير من التعجب والدهشة‏,‏ الحزن علي الأجيال الجديدة التي دفع بها المذنبون للاحتجاج علي أولي محاولات إعادة المدرسة إلي دورها الطبيعي الذي نحلم به‏.‏وهي محاولة لاستمرار متعة التخلف التي تأتي بها الفوضي‏,‏ فالنظام والانضباط والاحترام أصبح عبئا لايستطيع البعض تحمله‏,‏ ومن الطبيعي أن ينتفضوا في مواجهته‏.‏
لم يجد التلاميذ المتظاهرون سوي ترديد الشعار نفسه الذي استخدمه الفنان عادل إمام في السخرية من شعارات المرشحين في الانتخابات‏,‏ وجاء هذا الشعار معبرا عن حال المدارس وتلاميذها ومصادر الإلهام لديه‏,‏ نعم لاتنفعهم سوي الحالة التي هم عليها من فوضي وتسيب‏,‏ ولاينفعهم سوي من سمح لتلك الفوضي أن تستمر‏.‏
وبعيدا عن المدرسة وما جري فيها‏,‏ انبرت بعض الأقلام لكتاب وسياسيين محترفين يسخرون ويبكون مما فعله الوزير في مدرسة الفوضي في حلوان‏,‏ والغريب أن هذه الأقلام تتباكي علي القيم التربوية ومكانة المدرس‏.‏ ولم يسأل أحد منهم نفسه أين هي القيم التربوية‏,‏ فيما رآه الوزير في المدرسة وأين هم المدرسون ؟ ثم أليس المسئولون في الوزارة أيضا من التربويين‏.‏ وهل من التربية أن يترك مسئولو الوزارة الفوضي تضرب بالمزيد من الجذور في ضمير المجتمع؟ إن السكوت علي هذه الفوضي عوار في رجال التربية‏,‏ فالبعض يري أن مثل هذه الزيارات لن تصلح أحوال التعليم في بلادنا‏,‏ إذ كم مدرسة يستطيع الوزير زيارتها ليعيد إليها الانضباط؟ والحقيقة أنه بغير استعادة النظام لن تفلح أي حلول وبرامج لإصلاح الواقع التعليمي‏,‏ ولابد من تهيئة المناخ لمثل هذه البرامج الإصلاحية‏,‏ خطط كما شئت‏,‏ وفكر كما شئت وضع حلولا كيف شئت‏,‏ ولكنها سوف تقع جميعها في النهاية ضحية الفوضي الضاربة وغياب المحاسبة والشعور بالمسئولية‏.‏
لماذا نتغافل عن حقيقة أن إصلاح التعليم في مصر هو مسئولية مجتمع بجميع فئاته من الحكومة والخبراء وحتي جميع الأحياء علي أرض هذا البلد‏.‏ الرسالة التي تحملها تلك الأقلام إلي وزير التربية والتعليم أن اجلس‏,‏ في مكتبك وشارك اللجان أعمالها ودعنا نتحدث طويلا وكثيرا عن مشكلات التعليم ولكن الوزير اختار الطريق الصعب وقرر أن يواجه الفوضي في مدرسة أو اثنتين أو عشر‏,‏ ولكنه في النهاية يوجه رسالة واضحة لكل المدارس أينما وجدت‏,‏ رسالة واضحة لكل مسئولي التعليم في كل الوحدات الإدارية بأن يغادروا مكاتبهم لتفقد الأحوال في مواقعهم لاستعادة النظام المفقود‏,‏ فحين نستعيد ذلك النظام سوف تؤتي كل خطط التطوير وجهوده ثمارها‏.‏
‏............................................................‏
لم يأت الدكتور أحمد زكي بدر إلي وزارة التربية والتعليم بعصا سحرية سوف تنقذ ما عجز عنه غيره‏,‏ فالتعليم يتصدر اهتمامات المجتمع ويمس كل قطاع فيه‏,‏ ولايستطيع وزير أو وزارة بأكملها أن تنهض بمسئولية إصلاح التعليم منفردة‏.‏ فتراجع التعليم نشر الكثير من السلوكيات‏,‏ وعزز الكثير من المفاهيم بين قطاعات واسعة من المواطنين‏,‏ وهي تمثل اليوم عقبة في برامج الإصلاح أيضا‏.‏
أصبح المجتمع يمارس الوصاية علي المؤسسات التعليمية حتي في أخص مسئولياتها‏:‏ متي تبدأ الدراسة ومتي تنتهي‏,‏ وعدد سنوات الدراسة ومستوي الامتحانات‏,‏ والموضوعات التي تتضمنها المقررات الدراسية‏,‏ أصبح التعليم اختصاص كل من ليس له اختصاص‏.‏ واستجاب الخبراء ومسئولو الوزارة لذلك شيئا فشيئا حتي أصبح التدخل في أخص شئون التعليم حقا مكتسبا للجميع‏.‏
منذ سنوات وأنا أدعي لكثير من الندوات والمناقشات في مجالات شتي‏,‏ ولم تنته ندوة أو نقاش في السياسة أو الاقتصاد أو الجريمة أو أي شأن من شئون المجتمع بدون الحديث عن التعليم وفوضي المدارس‏,‏ مع مطالبات بوضع حد لتلك الفوضي‏,‏ وحين يبادر الوزير إلي شيء من هذا تخرج مظاهرات التلاميذ‏,‏ وتتشدق الأقلام بالقيم التربوية ومكانة المدرس‏,‏ لقد أضاع الكثيرون من المدرسين أنفسهم مكانتهم بين تلاميذهم حين ضاعت المسافة الفاصلة بين دور كل منهم‏,‏ وتداخلت الاهتمامات والمصالح‏.‏
والزيارة المفاجئة التي قام بها الوزير لواحدة من المدارس لم تكن أبدا العلاج الناجع لمشكلات التعليم‏,‏ ولكنها خطوة تحقق شيئا من اليقظة بين المدارس بشأن مسئولياتها‏,‏ وهي يقظة مطلوبة وبشدة حتي نستكمل منظومة إصلاح التعليم‏,‏ والأولي بنا أن نقف مؤيدين لهذه المحاولات بدلا من الخروج بها عن أهدافها‏,‏ ونقدها أو السخرية منها أو تسييسها للنيل من كل جهد تقوم به الحكومة في الإصلاح‏,‏ فالحكومة وحدها لاتستطيع الإصلاح ولكنها فقط تستطيعه حين يحتشد المجتمع وراء الرغبة الصادقة في الإصلاح والقدرة علي تحمل بعض ما تأتي به عملية الإصلاح من متاعب‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات أسامه سرايا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.