ارتبطت مسيرة التطور السياسى ونمو الاتجاهات الديمقراطية فى مختلف دول العالم ارتباطاً وثيقاً بدور البرلمانات فيها، حيث كانت بمثابة مراكز لانطلاق أفكار الحرية، والمساواة، والمشاركة السياسية الشعبية فى الحكم، فكان لها دور تاريخى مشهود فى تشكيل الرأى العام، وبلورة الاتجاهات السياسية العامة حول نظم الحكم فى دولها.. هذه حقيقة تاريخية أذكرها فى المقدمة، وقد أصبح من المعلوم الآن أن الوظيفة الحقيقية للمؤسسات التشريعية، ومنها المؤسسة التشريعية المصرية (مجلسا الشعب والشورى)، هى التعبير عن المصالح المجتمعية عن طريق صنع وإقرار سياسات عامة وإصدار تشريعات لتحقيق هذه المصالح، والتحقق من قيام الحكومة بتنفيذها بكفاءة.. هذه هى الوظيفة الأساسية للمؤسسة التشريعية المصرية، وهى تتطابق مع وظيفة البرلمانات فى شتى أنحاء العالم، وتمارس المؤسسة التشريعية صلاحياتها باستخدام الأداتين الرئيسيتين المعروفتين الممنوحتين لها بحكم الدستور، وهما التشريع والرقابة، أما عن التشريع فإن أهميته وفاعليته تأتيان من كونه التعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته فى إطار سياسات عامة مرغوبة، وطبقاً لسياسة تشريعية واضحة تأخذ أولويات المجتمع وحاجاته بعين الاعتبار، وليس مجرد سن قوانين برخصٍ وعقوبات تصدر بمعزلٍ عن هذه الأولويات، وعلى الرغم – كما سبق أن ذكرت فى مقال سابق - من أن الحكومة أصبح لها السبق فى اقتراح القوانين ومشروعاتها، نظراً لامتلاكها قواعد المعلومات والخبرات اللازمة لذلك، وقلت فى نفس السياق إن مجلس الشورى، باعتباره أحد شقى البرلمان المصرى، يمكن أن يكون له دور مهم فى اقتراح السياسات العامة، ومشروعات القوانين التى تحقق الأولويات السياسية للدولة، إذا ما منح هذه الصلاحية – فإن ذلك لا يقلل من أهمية وضرورة دور مجلس الشعب فى المناقشة والتعديل والموافقة على اقتراحات القوانين أو رفضها، سواء كانت مقدمة من الحكومة، أو محالة من مجلس الشورى إذا ما تم تطوير دوره مستقبلياً.. أما الرقابة على الحكومة، التى يختص بها فى مصر مجلس الشعب دون مجلس الشورى، فهى من أقدم وظائف البرلمانات تاريخياً، وأشهرها سياسياً، ولها وسائل عديدة من السؤال وطلب الإحاطة والاستجواب.. إلى حق سحب الثقة من الحكومة، فالوظيفة الرقابية لمجلس الشعب هى الوسيلة الأساسية فى النظم الديمقراطية، لمتابعة وتقييم أعمال الحكومة بغرض حماية مصالح الشعب، ومنع الانحراف، ومراقبة التزام الحكومة بتنفيذ السياسات العامة والتنموية التى وافق عليها البرلمان وهى وسيلته أيضاً فى التأكد من التزام الحكومة بالميزانية التى أقرها حفاظاً على الأموال العامة من الإهدار، فبموجب الصلاحية الرقابية للبرلمان على الحكومة، يعتبر البرلمان جهة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية، تراقب تصرفاتها وأعمالها، وتتحقق من مشروعية تصرفاتها وتحاسبها عند اللزوم، إلا أن الدستور المصرى وضع فى يد الحكومة حق طلب حل مجلس الشعب، إذا رأت أنه غير موضوعى فى تقديره للأمور، على اعتبار أن منح الحكومة هذا الحق ضرورى لحفظ التوازن بين السلطتين، منعاً لسيطرة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية أو عرقلة أعمالها بما يضر البلاد.. ومهما كان الغرض من منح الحكومة حق طلب حل البرلمان وما إذا كان لإحداث توازن بين السلطتين أو تلاشى قوة البرلمان، فإن البرلمان يظل هو السلطة السياسية المسؤولة عن رقابة الحكومة، ويبقى الرأى العام هو الرقيب الأعلى على البرلمان، يمارس رقابته بطريقتين: الأولى وهى موسمية، تحدث أثناء الانتخابات، عند إعادة تشكيل البرلمان، حيث يعتبر تجديد الناخبين اختيار عضو ما بمثابة إِجازة من أهل دائرته عن أدائه فى الفترة السابقة، وموافقة منهم فى الوقت نفسه على تمثيلهم فى دورة مقبلة، أما الثانية فهى رقابة يمكن أن تسمى دائمة، وتتم طوال فترة عمل البرلمان، يمارسها الرأى العام للمجتمع من خلال الإعلام المرأى والمكتوب، سواء على أداء الأعضاء – تشريعياً كان أو رقابياً – أو قوة البرلمان ككل، وهذه الرقابة الأخيرة أصبح لها شأن عظيم ودور لا غنى عنه، خاصة فى ظل مناخ حرية الإعلام الذى تتمتع به مصر الآن، المهم أنه كما يُراقِب البرلمان الحكومة، فإن المجتمع يُراقِب البرلمان، وهذه الرقابة هى التى تحافظ وتطمئن الشعب على التوازن بين السلطتين وعلى قيام كليهما بدوره، فلا تحاول إحداهما عرقلة الأخرى، ولا يميلان لبعض كل الميل على حساب المصلحة العامة، فتتحول الحلبة السياسية إلى حلبة للمصارعة الحرة الأمريكية التمثيلية، يتحمس لها الجمهور، ويتفق عليها الفائز والمهزوم، لكل واحد «جولة»... وباقتراب أوان الانتخابات التشريعية يحل موعد الرقابة «الموسمية» على البرلمان، يوم يقوم الناخبون بالتعبير عن تقييمهم لأداء نوابهم، فيجددون لمن أحسنوا، ويسقطون من أساء الأداء، هذا على فرضين نزاهة الانتخابات.. ووعى الرأى العام.