سعر الدولار يتراجع 36 قرشاً أمام الجنيه خلال أسبوع    مصر تقود جهود إنهاء حرب غزة وحقن دماء الفلسطينيين    مجلة أمريكية: واشنطن على الأرجح لن تسلم صواريخ توماهوك إلى أوكرانيا    في ظهوره الأول.. أحمد ربيع يسجل ل الزمالك في غزل المحلة    مهاب ياسر: قرار جوميز سبب رحيلي عن الزمالك    سارة خليفة باكية من داخل القفص: "عمرى ما شربت سيجارة وعمرى ما شوفت المخدرات"    انخفاض بدرجات الحرارة غدا على أغلب الأنحاء وشبورة والعظمى بالقاهرة 31 درجة    نقابة البيطريين تدعو لنشر ثقافة الرحمة والتعايش السلمي مع الحيوانات    التونسى رضا الباهى: المليجى اعتذر عن شمس الضباع قبل أن يقوم به محمود مرسى    إيرادات فيلم فيها إيه يعنى تتجاوز حاجز ال10 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض    الحياة اليوم يناقش مستقبل قطاع غزة بعد رد حركة حماس وجهود مصر للتسوية    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت صحية بمحافظة دمياط ويعقد اجتماعًا مع نائب المحافظ    الصحة تطلق النسخة الخامسة من مؤتمر قلب زايد بمشاركة نخبة من خبراء أمراض القلب    رئيس الإسماعيلية الأزهرية يُكرِّم مدير التعليم النموذجي لبلوغه سن التقاعد    تباين في سعر الكتكوت الأبيض واستقرار البط اليوم السبت    السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو    المتحف المصري بالتحرير يبرز دور الكهنة في العصر الفرعوني    محافظ الدقهلية عن ذكرى نصر أكتوبر: نجدد العهد على مواصلة خدمة المواطنين    منح النيابة حق التحقيق بدون محام يثير أزمة باجتماع مناقشة الاعتراض على "الإجراءات الجنائية"    البريد المصري يشارك في معرض «تراثنا» للحرف اليدوية والتراثية    وزير الاستثمار يتفقد المركز اللوجستي الجمركي للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس    وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين    12 أكتوبر.. انطلاق أسبوع القاهرة للمياه بمشاركة 95 منظمة دولية    لأول مرة.. وزير الآثار يفتتح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بوادى الملوك بالأقصر بعد 226 عامًا من اكتشافها    الري تحسم الجدل حول غرق المنوفية والبحيرة بسبب فيضانات سد النهضة    " سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات    مواصفات صحية.. طريقة عمل اللانشون بجميع أنواعه في المنزل    "المسلخ رقم 5" رواية ترصد انتشار اضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن الحروب    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول الإفريقية المعتمدين لدى اليونسكو    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    في الذكرى ال52 لانتصارات أكتوبر المجيدة.. منظومة التعليم العالي تشهد طفرة غير مسبوقة بسيناء ومدن القناة    الأوراق المطلوبة لتسليم التابلت لطلاب الصف الأول الثانوي    إجراء أولى عمليات زراعة قوقعة للأطفال بمستشفى أسوان التخصصي    جامعة قناة السويس تطلق قافلة طبية شاملة بمدينة سانت كاترين    "الوكالة الوطنية للإعلام": سقوط طائرة إسرائيلية مسيّرة عن بُعد في منطقة "وادي فيسان" في "جرود الهرمل" شرقي لبنان    الحقي خزني ياست الكل.. مفاجأة في سعر طن الأرز الشعير اليوم السبت 4 اكتوبر 2025 في جميع الأسواق والمحلات    خطوات تنزيل تردد قناة طيور بيبي الجديد 2025 على جميع الأقمار الصناعية    "تابع الآن قيامة عثمان" تردد قناة الفجر الجزائرية الجديد على جميع الأقمار الصناعية بجودة hd    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    الهلال الأحمر يصل دلهمو لتقديم الدعم للأهالي بعد غرق منازلهم وأراضيهم    موعد مباراة بايرن ميونخ وفرانكفورت في الدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    تشكيل الزمالك المتوقع أمام غزل المحلة بالدوري    مصرع سيدتين وإصابة 7 في حادث تصادم مروّع بالفيوم    قبل ثاني الجلسات.. ماذا قالت سارة خليفة أثناء محاكمتها في قضية المخدرات؟    «الداخلية» تكشف ملابسات واقعة تسميم كلاب ضالة بالجيزة وضبط المتهمين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    تعرف على أسعار الأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    تشكيل مصر للشباب - تغيير وحيد أمام تشيلي في لقاء الفرصة الأخيرة بمونديال الشباب    مصر تعرب عن تقديرها لبيان حماس رداً على خطة الرئيس ترامب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالق بين هوياته
عباس بيضون ل «الأهرام»: أنا جملة ملتبسة
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 05 - 2015

لا أحد يناوىء نفسه بقدر عباس بيضون. حتى إنه، من فرط رغبته فى التفرج عليها، جعل منها حائط اسكواش، هو اللاعب والمضرب والكرة ولا أحد يشاركه هذه اللعبة المحمومة سوى نفسه. هو وانقساماته فى حجرة زجاجية بلا جمهور يصفق لأحد الغرماء أو يحصى الخسائر.
لكن ثمة القصيدة تسجل عَرَق الحجرة والتأوهات الكتيمة المصاحبة لكل ضربة.قصيدة عباس ساحة لمعاركه، التى قلما يخرج منها منتصراً سوى على المقاعد الشاغرة. إنه يصر على أن يبقى بمفرده للنهاية، كمن يجرب حتفه.
عمر علاقتى به هو زمن هذا الحوار.. جلسة استمرت لساعتين تقريباً فى أحد الفنادق، وعمر علاقتى بشعره ديوان "فى المقهى طبعاً"، مع ذلك شعرت أننى شريك قديم لوحشته. الرجل لم يجب عن أسئلتى بقدر ما أدخلنى غرفته الزجاجية، لأراقب ظلاله وهى تتشابك وتتصادم، دون صوت،فى الملعب.
ربما لذلك عانقنى ، هو الذى يؤمن بالمسافة فى العلاقات، كأنه يدخرنى،لمباراة أو لوحدة قادمة.
عباس تبادلته الحواف المدببة، حواف الصراعات، مرة لأنه لبنانى ومرة لأنه شيعى، ومرة لأنه يفتقد الرضا عن هيئته. والحصيلة هى ثمانية عشر ديواناً وثلاثة كتب نثرية، كان الرجل فيها من الحيوية بحيث لم تخمد الكرة فى يده، ومن الوعى بحيث لم يسمح لنفسه، بأن تتحول إلى حائط مبكى.
والآن تعالوا معى إلى الغرفة..

* قل لى ، بعد كل هذه الدواوين، هل عرفت ما الشعر ومن أنت ؟
-فى حديث لى قلت عما أكتب إننى لا أعرف إن كان هذا شعراً أم لا. فى بداية حياتى الشعرية كنت أحسب أننى أعرف كثيراً. وقتها كنت أكتب نقداً أيضاً, نقداً صريحاً إلى حد القسوة فى كثير من الأحيان. كان يخيل إلىّ أنه يمكننى بسهولة أن أفرز الشعر من اللاشعر. الشاهد أنه كلما تقدمت بى السن، عرفت أن الشعر يفلت من أى تعريف. وأن هذه المسألة ليست مسألتى أنا ، بل هى مسألة الشعر. لا علاقة للأمر بجهلى أو معرفتى، لكن يبدو أن الشعر لا يقبل التعريف.
* سألتك هذا السؤال لاعتقادى أن مفهوم الشاعر عن الشعر هو من ثمّ قصيدته ؟
- أن يظن الشاعر أن قصيدته هى الشعر، وأنه يستطيع أن يستخلص من تجربته بالذات ما هو الشعر.. ذلك، بالنسبة لى، أمر بديهى، لأن معرفة الشاعر بالشعر لا تخرج عن قصيدته ولا عن ممارسته هو الشعر. تجربة الشاعر هى الشىء الوحيد الذى يعرفه.
* هل الشعر، خاصة، أم الفن عامة هو غوص فى الذات إلى حد الالتصاق الدائم بها، رغم الرطوبة التى تعترى السراديب هناك؟ أسألك وفى ذهنى حالتك. إنك وحيد تماماً يا رجل ؟
- قد أوافقك. لكن هناك الخارج. هو موجود دائماً. الانغماس فى الداخل قد يتحول إلى رومنطيقية فطرية. الإقامة فى الداخل، دون خروج إلى الضوء، قد تتحول إلى نوع من إدمان الداخل وبعد قليل انتحال الداخل، وبعد قليل ادعاء الداخل. اللغة مركبة من الخارج وهى تقول الخارج أكثر مما تقول الداخل. الشاعر عندما يمزج بين الأنا وبين المحيط الذى تسبح فيه الأنا، سيصل بصوته إلى أبعد.
* وماذا عنك.. عن إقامتك المزمنة بداخلك، يهيأ لى أن هناك أشياء فُرضت عليك من الخارج، مع ذلك لو لم تكن هذه الأشياء موجودة لذهبت إليها برجليك..مثل شيعيتك، لبنانيتك ، عدم الرضا عن هيئتك..إلخ ؟
- اسمعنى..أنا من الذين يراقبون أنفسهم، ويعودون إليها، لئلا تفلت منهم تجربتهم. أحاول أن أفسر تجربتى ، كى لا أقع فى عبادتها، أو فى إدمانها. أريد أن أقول إننى اكتشفت، متأخراً جداً، أن جزءاً كبيراً مما كتبت هو سيرة ذاتية. اكتشفت ذلك بعد فترة طويلة من الممارسة ومن الكتابة. اكتشفت أننى لا أستطيع الكتابة إلا انطلاقاً من مكان، من لحظة، مما يبدو، من بعيد، حادثة. أى أننى أكتب انطلاقاً مما يتوافر لى من مادة شخصية. فعلت ذلك فى شعرى وفى نثرى. لكن هذا الاكتشاف لم يسعدنى، لأن الشعر أكبر من كل ذلك، وأوسع. لكن كل ما أستطيع أن أقوله إن هذا هو أنا.
* ربما كنا نعول، عندما نتمرغ فى ذاتنا إلى هذه الدرجة، على أن القارئ يشبهنا.. سيجد نفسه فيما نكتب ؟
- هذا صحيح إلى حد بعيد، لكنى أريد أن أقوله بلغة أخرى.. إن ما نسميه الأنا، وأنا أتوقف كثيراً أمام هذه الكلمة، قد لا يكون إطلاقاً محوراً مركزاً أكثر مما هو تيار عابر يلتقط من هنا وهناك. الأنا هو أنا متجاوزة دائماً وهو أنا تصل إلى حد الخروج من ذاتها، تصل إلى حد تكون فيه مطلقة. ويتراءى لى أن هذا الخروج يكاد يكون شرطاً، لأن الأنا إذا بقيت فى داخلها قد لا تكون سوى نواح على الذات.. شفقة. إذا خرجت الأنا من نواتها قد تصل إلى ما هو الشعر. الشعر ، بالنسبة لى ، هو تماماً عند هذا الحد. حد الخروج من الذات. عند قدرة ما هو ذاتى، فى الأصل ، وفى نقطة المنطلق، على أن يكون مشتركاً. أظن أن الإنسان يقرأ الشعر ليعرف أن الشعر ممكن. القراءة هى دائماً فى اتجاه أن نتأكد من أن الشعر ممكن. بمعنى أنه يمكن أن نعيشه وأن نتلقاه ويكون موجوداً بداخلنا.
* وماذا يعنى الأب بالنسبة لك ؟
- عن أى أب تسألنى ؟
* عن كل آبائك ؟
- أبى الشخصى لا أزال، إلى الآن، متحسراً على غيابه. وأظن أننى، حين أكتب، ألبى رغبته، وأننى، فيما أكتبه، أعيد الاتصال به. حين توفى وجدت مقالاتى مرزومة عنده. بين أشيائه. أبى كان كاتباً تقليدياً, لم أنجذب، أبداً، إلى كتاباته ولم تؤثر فىً. كان معجباً بالطبرى والجبرتى وكان يتكلم بفصحى كلاسيكية متينة، لكنه علمنى درس التقبل. هو تقبلنى أكثر مما تقبلته. قبِل اختلافى عنه دون اعتراض أو تحفظ.
أما آبائى الروحيون، فأنا باستمرار كنت أستند إلى شاعر يعيدنى إلى الشعر. توقفت 7 سنوات عن الشعر قراءة وكتابة. الحرب الأهلية، فى لبنان، حشرتنا فى أضيق الأماكن وأضيق اللحظات وأضيق الشروط. لكن ريتسوس، وكنت قد بدأت قراءته بعد هذا التوقف، قدم لى درساً عملياً: أن بإمكان أضيق اللحظات وأضيق الأماكن وأصغر الأشياء وأكثرها مغمورية وإهمالاً أن تكون شعراً. ريتسوس قدم لى مستوى آخر للحياة فى الشعر. كيف يمكن للأشياء المهملة أن تتدخلنى على مهل وتتحول إلى شعر دون مقاومة.
أنا مدين ل" ريتسوس" بالعودة إلى الشعر. بالطبع استنفدت ريتسوسيّتى بعد عددا من المجموعات، لكنى لا أزال أقرؤه بإعجاب. هناك آخرون شعرت أيضاً بأبوتهم: مثل إليوت، ريلكه، وأستطيع أن أسمى لك كثيراً من هؤلاء الآباء الشعريين الذين أعيد ، فى كثير من قصائدى، كتابتهم وأحييهم من بعيد.
* وعلاقتك بالأجيال اللاحقة ؟
- هناك، على الأقل، جيلان جاءا بعدى.الجيل الذى عاشرته وكنا، فيما أظن، نتكامل فيه، ونتبادل الخبرات فيه. ثم هناك جيل آخر من الشبان الجدد لم تكن علاقتنا بهم ميسورة إلى هذا الحد. أشعر أنهم نشأوا فى غيبتنا. فجأة، هيك، وجدنا لهم كتباً وحضوراً. هذا الجيل، الذى تعرفت عليه متأخراً، يبهرنى. عندما أقرأ لهؤلاء الشعراء الجدد أشك فيما أعتبره إضافتى للشعر.لا أشعر أنهم أبنائى، لا أرى نفسى بسهولة فيهم. لا أرى أثرى واضحاً فى قصائدهم. يمكن أن تكون لتجربة جيلى العريضة أثر، لكننى، شخصياً، لا أجد نفسى فيهم. وهذا لا يحزننى ولا يفرحنى.
* متى يحدس الشاعر بأنه استنفد عالمه ؟
- اسمع ( يقولها بيضون كلما أراد التأكيد على شىء، يقولها بسرعة كأن الكلمة ستقوده هو شخصياً إلى سماع فكرة أو عبارة لامعة خطرت، للتو، على باله ) ما نسميه عالم الشاعر قد يكون مجموع هذه اللحظات شبه المستنفدة. فيما يتعلق بى أفكر أحياناً أننى كتبت 3 قصائد والحاصل أننى لا أفعل سوى أن أعيد كتابتها.
* أعود إلى سؤال لم تجبنى عليه بشكل كاف، أو ربما بشكل واضح.. أنت لبنانى ..أى منذور للصراع، وشيعى أى منذور للألم. كيف تستخلص من هذه الحواف نفسك وقصيدتك ؟
- أنا خارج النعرات، لا أملك انحيازاً أعمى لشىء. ولدت فى لبنان. ولدت شيعياً، وهذا انتماء ثقافى لا نستطيع التخلص منه، لكن حتى هذا الانتماء الثقافى يتحول مع الزمن، تتغير مفاهيمه. التشيع يعنى درجة من الانفصال، درجة من اللا تاريخية. إلى أى حد تبلغ لا تاريخيتى أنا الذى كنت ماركسياً فى وقت من الأوقات. وكونك ماركسياً يعنى عبادة التاريخ، فكيف يمكنك أن تكون تاريخياً ولاتاريخيا فى الوقت نفسه؟! يبدو أن الأمرين يتجاوبان. يردان على بعضهما البعض.
* ربما هذا ما يجعل منك حالة ملتبسة؟
- حياتى هى التباس كامل وقصيدتى هى التباس كامل. أنا كائن التباس، لدرجة أكاد ألتبس فيها على نفسى. أنا جملة ملتبسة
* كلمنى عن المسافة التى ينبغى أن تفصل الشاعر عن قصيدته ؟
- لست رومنطيقياً، لأقول إن قصيدتى هى أنا. قصيدتى هى محاولة تأليف شىء مواز لى. أنت تريد، بمواد خارجك، أن تكتب شيئاً موازياً لك، وهذه الموازاة ليست أكيدة، لكنها رغبتك وإرادتك.
* ما عيوب قصيدتك؟ يقال إنها ابنة الثقافة والذكاء؟
- أظن أن هذا مديح لا أستطيع أن أدعيه. فى هذا الأمر بعض الخلط. يسعدنى ان يقال إن قصيدتى ابنة الثقافة أو ابنة الذكاء. هذا الأمر لا يزعجنى البتة. لست ممن يظنون أن على الشعر أن يوصف بلغة شعرية، أو يكون الشاعر ابن الآلام والعواطف. وأظن أن الثقافة والذكاء عنصران أساسيان فى حياتنا الداخلية ، وليس فقط فى حياتنا الخارجية. لكنى أسرّ لك أننى لست بهذه الثقافة ولست بهذا الذكاء.
*من منكما يرتب فوضى من..الكلمات أم أنت ؟
- أحياناً نمر بأزمة ونظن أن تسميتها بكلمة يمكن أن يخرجك منها، أن يعفيك منها, أن التسمية قد تحررك من الأشياء. يتراءى لنا أحياناً ان الكلمة قد تحررنا من غيرها. الأمر ليس كذلك، الإحالة للكلمات تنطوى على تصور أن فى العلاقة بينك وبينها شيئاً من السحر. وبالمناسبة أنا من الذين يعتقدون أن الكلمات تنطوى على قوة ما وأنها قادرة بالفعل على تحريرنا من الأشياء، لكن هذا كله يدخل فى مجرى الالتباس هو الآخر.
* أين يلتقى شعرك ونثرك ؟
- أنا شاعر وروائى. والمضحك أنه جرى الاتفاق أخيراً على أننى روائى...(ويكمل بيضون، بعد ضحك مشترك غلب صوت الموسيقى فى بهو الفندق).. بدليل دعوتى إلى مؤتمر الرواية. وأنا كتبت روايات أكثر من بعض الروائيين. لا تنس أننى اكتب قصيدة النثر، وهذه القصيدة تأتى من الافتتان بالنثر. ما نسميه شعرية النثر هو الافتتان بالنثر. وأنا أكتب المقالة منذ عشرات السنوات. أنا أحب النثر العربى بدءاً من القرآن، مروراً بالجاحظ وانتهاء بالجبرتى وغيره. الشاهد أنه ليست هناك فجوة بين ما أكتب، لأننى أكتب الرواية مثلاً من باب الافتتان بالكلمات، أكتبها كنوع من الاحتفاء بالنثر.
* ألا تخشى أن تتحول هذه الحفاوة إلى لعبة.. إلى غاية بحد ذاتها؟
- فى الشعر لا بد من انتظار الإلهام، لا يمكنك أن تكتب قصيدة لمجرد أنك تريد ذلك. تحتاج إلى قدر من التأهب إلى أن تعثر على الكلمة الأولى وتتدفق بعدها بقية الكلمات. أما النثر فأكتبه دون غاية سوى الافتتان، بغض النظر عن مستقبل هذا الافتتان.
* ما الذى تشعر انه استعصى عليك ولم تكتبه بعد؟
- أظن أن كل شىء استعصى علىّ. كل ما هو فى داخلى، كل ما تأهبت له، وكنت فى طريقى إليه، استعصى علىَ
* بهذا المعنى يصح أن يكون الشعر هو ما يستعصى علينا ولا نكتبه ؟
- يمكن أن يكون الشعر لحظة بين الاستعصاء والإفصاح.
* أنت شخصياً.. كم قلت من نفسك، وكم بقى لتقوله ؟
- اسمع..لأننى فكرت كثيراً أن أكتب دون مثال شعرى، دون أن أقع تحت وطأة الشعر، وبرغبة عميقة فى أن أقول ما ليس شعرياً، أو ما يعتبره الآخرون خارج الشعر. أظننى أننى استطعت، فى هذه المعركة مع نفسى، أن أقول شيئاً، وهذا فقط مبرر وجودى كشاعر.
* لا بد أنك فكرت فى عباس بيضون ميتاً، أطال الله عمرك ؟
- طبعاً. أنا أملك شعوراً تجاه الحياة كلها: إنها لا شىء، لا أقصد أنها تفتقر المعنى، لكنها لا شىء
* وما الذى يبقى منك ؟
- لا شىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.