اليوم.. الرئيس السيسي يؤدي صلاة العيد بالعاصمة الإدارية    عيار 21 يقفز أكثر من 100 جنيها.. مفاجأة في أسعار الذهب محليا وعالميا أول أيام عيد الأضحى    4 قضاة في مرمى النيران، الجنائية الدولية تصف عقوبات واشنطن بمحاولة تقويض استقلاليتها    غارات إسرائيلية جديدة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية    إعلام لبناني: غارتان جديدتان على بلدة عين قانا جنوبي البلاد    عقوبات أمريكية على 4 قضاة بالجنائية الدولية لإصدارهم مذكرات ضد نتنياهو    في بيان رسمي، بيراميدز يهنئ الزمالك بلقب كأس مصر    في لفتة إنسانية من شيكابالا، محمد عبد الشافي يرفع كأس مصر (فيديو)    ناصر منسي: أهدي كأس مصر لجماهير الزمالك الوفية    المثلوثى: بطولات الزمالك تولد من رحم المعاناة وسأعود للملاعب بعد 3 أشهر    حمزة المثلوثي: بطولات الزمالك تأتي من رحم المعاناة    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    مصرع شابين وإصابة 4 آخرين أثناء سباق موتوسيكلات بكفر الشيخ    تفريغ كاميرات الرادار المرورية لضبط سائق سيارة دهس 3 شباب بطريق العبور    إليسا ومروان خوري، لقاء طربي يعيد الزمن الجميل على أنغام البيانو (فيديو)    طريقة صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 وصيغة التكبيرات الصحيحة    ملف يلا كورة.. الزمالك بطل الكأس.. والأهلي يصل أمريكا استعدادا للمونديال    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    تجمع إسرائيلى يدعو للتظاهر أول أيام عيد الأضحى دعمًا لغزة    إسبانيا ضد البرتغال.. موعد نهائي دوري الأمم الأوروبية 2025    إسبانيا تهزم فرنسا 5 - 4 وتضرب موعدا مع البرتغال فى نهائى دورى الأمم (فيديو)    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    عاجل.. "الشهر العقاري" تواصل تقديم خدماتها خلال إجازة عيد الأضحى    وزير السياحة يتفقد مخيمات الحجاج فى عرفات ويشيد بالتنظيم    تحذير شديد بشأن حالة الطقس أول أيام عيد الأضحى 2025 : «انخفاض الرؤية على الطرق»    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في محافظة الأقصر    جريمة قتل في القناطر بسبب سب الدين    الرئيس السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى بالعاصمة الإدارية    سالى شاهين: مجال ملكات الجمال مش شبهى ولا شخصيتى    أجمل رسائل تهنئة عيد الأضحى المبارك 2025 مكتوبة بالصور    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    المايسترو تامر غنيم مديرًا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 2025    أشرف عباس يكتب: من الميكروفون إلى المائدة.. من أسكت صوت مصر؟    وفاة الإذاعية القديرة هدى العجيمي صاحبة برنامج «مع الآباء الشبان»    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    «إزاي تصلي عيد الأضحى؟».. عدد التكبيرات وكيفية أدائها وموعدها في محافظات مصر    ما هي سُنة الإفطار يوم عيد الأضحى المبارك؟    سُنن الخروج لصلاة العيد.. احتفالات واتباع للسنة النبوية    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    الري: خطة طوارئ شاملة لمواجهة فترة أقصى الاحتياجات المائية بعيد الأضحى    6.19 دقيقة بالقاهرة.. مواقيت صلاة عيد الأضحى 2025 في محافظات الجمهورية    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف ومستعدون للانخراط في محادثات جديدة لإنهاء الحرب    السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى اليوم في مسجد مصر بالعاصمة الجديدة    الإمام الأكبر يهنئ الرئيس السيسي وقادة العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي محافظ بورسعيد ويبحثان سبل تطوير الخدمات الصحية    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    أمين الفتوى بقناة الناس: صلاة العيد سنة مؤكدة    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالق بين هوياته
عباس بيضون ل «الأهرام»: أنا جملة ملتبسة
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 05 - 2015

لا أحد يناوىء نفسه بقدر عباس بيضون. حتى إنه، من فرط رغبته فى التفرج عليها، جعل منها حائط اسكواش، هو اللاعب والمضرب والكرة ولا أحد يشاركه هذه اللعبة المحمومة سوى نفسه. هو وانقساماته فى حجرة زجاجية بلا جمهور يصفق لأحد الغرماء أو يحصى الخسائر.
لكن ثمة القصيدة تسجل عَرَق الحجرة والتأوهات الكتيمة المصاحبة لكل ضربة.قصيدة عباس ساحة لمعاركه، التى قلما يخرج منها منتصراً سوى على المقاعد الشاغرة. إنه يصر على أن يبقى بمفرده للنهاية، كمن يجرب حتفه.
عمر علاقتى به هو زمن هذا الحوار.. جلسة استمرت لساعتين تقريباً فى أحد الفنادق، وعمر علاقتى بشعره ديوان "فى المقهى طبعاً"، مع ذلك شعرت أننى شريك قديم لوحشته. الرجل لم يجب عن أسئلتى بقدر ما أدخلنى غرفته الزجاجية، لأراقب ظلاله وهى تتشابك وتتصادم، دون صوت،فى الملعب.
ربما لذلك عانقنى ، هو الذى يؤمن بالمسافة فى العلاقات، كأنه يدخرنى،لمباراة أو لوحدة قادمة.
عباس تبادلته الحواف المدببة، حواف الصراعات، مرة لأنه لبنانى ومرة لأنه شيعى، ومرة لأنه يفتقد الرضا عن هيئته. والحصيلة هى ثمانية عشر ديواناً وثلاثة كتب نثرية، كان الرجل فيها من الحيوية بحيث لم تخمد الكرة فى يده، ومن الوعى بحيث لم يسمح لنفسه، بأن تتحول إلى حائط مبكى.
والآن تعالوا معى إلى الغرفة..

* قل لى ، بعد كل هذه الدواوين، هل عرفت ما الشعر ومن أنت ؟
-فى حديث لى قلت عما أكتب إننى لا أعرف إن كان هذا شعراً أم لا. فى بداية حياتى الشعرية كنت أحسب أننى أعرف كثيراً. وقتها كنت أكتب نقداً أيضاً, نقداً صريحاً إلى حد القسوة فى كثير من الأحيان. كان يخيل إلىّ أنه يمكننى بسهولة أن أفرز الشعر من اللاشعر. الشاهد أنه كلما تقدمت بى السن، عرفت أن الشعر يفلت من أى تعريف. وأن هذه المسألة ليست مسألتى أنا ، بل هى مسألة الشعر. لا علاقة للأمر بجهلى أو معرفتى، لكن يبدو أن الشعر لا يقبل التعريف.
* سألتك هذا السؤال لاعتقادى أن مفهوم الشاعر عن الشعر هو من ثمّ قصيدته ؟
- أن يظن الشاعر أن قصيدته هى الشعر، وأنه يستطيع أن يستخلص من تجربته بالذات ما هو الشعر.. ذلك، بالنسبة لى، أمر بديهى، لأن معرفة الشاعر بالشعر لا تخرج عن قصيدته ولا عن ممارسته هو الشعر. تجربة الشاعر هى الشىء الوحيد الذى يعرفه.
* هل الشعر، خاصة، أم الفن عامة هو غوص فى الذات إلى حد الالتصاق الدائم بها، رغم الرطوبة التى تعترى السراديب هناك؟ أسألك وفى ذهنى حالتك. إنك وحيد تماماً يا رجل ؟
- قد أوافقك. لكن هناك الخارج. هو موجود دائماً. الانغماس فى الداخل قد يتحول إلى رومنطيقية فطرية. الإقامة فى الداخل، دون خروج إلى الضوء، قد تتحول إلى نوع من إدمان الداخل وبعد قليل انتحال الداخل، وبعد قليل ادعاء الداخل. اللغة مركبة من الخارج وهى تقول الخارج أكثر مما تقول الداخل. الشاعر عندما يمزج بين الأنا وبين المحيط الذى تسبح فيه الأنا، سيصل بصوته إلى أبعد.
* وماذا عنك.. عن إقامتك المزمنة بداخلك، يهيأ لى أن هناك أشياء فُرضت عليك من الخارج، مع ذلك لو لم تكن هذه الأشياء موجودة لذهبت إليها برجليك..مثل شيعيتك، لبنانيتك ، عدم الرضا عن هيئتك..إلخ ؟
- اسمعنى..أنا من الذين يراقبون أنفسهم، ويعودون إليها، لئلا تفلت منهم تجربتهم. أحاول أن أفسر تجربتى ، كى لا أقع فى عبادتها، أو فى إدمانها. أريد أن أقول إننى اكتشفت، متأخراً جداً، أن جزءاً كبيراً مما كتبت هو سيرة ذاتية. اكتشفت ذلك بعد فترة طويلة من الممارسة ومن الكتابة. اكتشفت أننى لا أستطيع الكتابة إلا انطلاقاً من مكان، من لحظة، مما يبدو، من بعيد، حادثة. أى أننى أكتب انطلاقاً مما يتوافر لى من مادة شخصية. فعلت ذلك فى شعرى وفى نثرى. لكن هذا الاكتشاف لم يسعدنى، لأن الشعر أكبر من كل ذلك، وأوسع. لكن كل ما أستطيع أن أقوله إن هذا هو أنا.
* ربما كنا نعول، عندما نتمرغ فى ذاتنا إلى هذه الدرجة، على أن القارئ يشبهنا.. سيجد نفسه فيما نكتب ؟
- هذا صحيح إلى حد بعيد، لكنى أريد أن أقوله بلغة أخرى.. إن ما نسميه الأنا، وأنا أتوقف كثيراً أمام هذه الكلمة، قد لا يكون إطلاقاً محوراً مركزاً أكثر مما هو تيار عابر يلتقط من هنا وهناك. الأنا هو أنا متجاوزة دائماً وهو أنا تصل إلى حد الخروج من ذاتها، تصل إلى حد تكون فيه مطلقة. ويتراءى لى أن هذا الخروج يكاد يكون شرطاً، لأن الأنا إذا بقيت فى داخلها قد لا تكون سوى نواح على الذات.. شفقة. إذا خرجت الأنا من نواتها قد تصل إلى ما هو الشعر. الشعر ، بالنسبة لى ، هو تماماً عند هذا الحد. حد الخروج من الذات. عند قدرة ما هو ذاتى، فى الأصل ، وفى نقطة المنطلق، على أن يكون مشتركاً. أظن أن الإنسان يقرأ الشعر ليعرف أن الشعر ممكن. القراءة هى دائماً فى اتجاه أن نتأكد من أن الشعر ممكن. بمعنى أنه يمكن أن نعيشه وأن نتلقاه ويكون موجوداً بداخلنا.
* وماذا يعنى الأب بالنسبة لك ؟
- عن أى أب تسألنى ؟
* عن كل آبائك ؟
- أبى الشخصى لا أزال، إلى الآن، متحسراً على غيابه. وأظن أننى، حين أكتب، ألبى رغبته، وأننى، فيما أكتبه، أعيد الاتصال به. حين توفى وجدت مقالاتى مرزومة عنده. بين أشيائه. أبى كان كاتباً تقليدياً, لم أنجذب، أبداً، إلى كتاباته ولم تؤثر فىً. كان معجباً بالطبرى والجبرتى وكان يتكلم بفصحى كلاسيكية متينة، لكنه علمنى درس التقبل. هو تقبلنى أكثر مما تقبلته. قبِل اختلافى عنه دون اعتراض أو تحفظ.
أما آبائى الروحيون، فأنا باستمرار كنت أستند إلى شاعر يعيدنى إلى الشعر. توقفت 7 سنوات عن الشعر قراءة وكتابة. الحرب الأهلية، فى لبنان، حشرتنا فى أضيق الأماكن وأضيق اللحظات وأضيق الشروط. لكن ريتسوس، وكنت قد بدأت قراءته بعد هذا التوقف، قدم لى درساً عملياً: أن بإمكان أضيق اللحظات وأضيق الأماكن وأصغر الأشياء وأكثرها مغمورية وإهمالاً أن تكون شعراً. ريتسوس قدم لى مستوى آخر للحياة فى الشعر. كيف يمكن للأشياء المهملة أن تتدخلنى على مهل وتتحول إلى شعر دون مقاومة.
أنا مدين ل" ريتسوس" بالعودة إلى الشعر. بالطبع استنفدت ريتسوسيّتى بعد عددا من المجموعات، لكنى لا أزال أقرؤه بإعجاب. هناك آخرون شعرت أيضاً بأبوتهم: مثل إليوت، ريلكه، وأستطيع أن أسمى لك كثيراً من هؤلاء الآباء الشعريين الذين أعيد ، فى كثير من قصائدى، كتابتهم وأحييهم من بعيد.
* وعلاقتك بالأجيال اللاحقة ؟
- هناك، على الأقل، جيلان جاءا بعدى.الجيل الذى عاشرته وكنا، فيما أظن، نتكامل فيه، ونتبادل الخبرات فيه. ثم هناك جيل آخر من الشبان الجدد لم تكن علاقتنا بهم ميسورة إلى هذا الحد. أشعر أنهم نشأوا فى غيبتنا. فجأة، هيك، وجدنا لهم كتباً وحضوراً. هذا الجيل، الذى تعرفت عليه متأخراً، يبهرنى. عندما أقرأ لهؤلاء الشعراء الجدد أشك فيما أعتبره إضافتى للشعر.لا أشعر أنهم أبنائى، لا أرى نفسى بسهولة فيهم. لا أرى أثرى واضحاً فى قصائدهم. يمكن أن تكون لتجربة جيلى العريضة أثر، لكننى، شخصياً، لا أجد نفسى فيهم. وهذا لا يحزننى ولا يفرحنى.
* متى يحدس الشاعر بأنه استنفد عالمه ؟
- اسمع ( يقولها بيضون كلما أراد التأكيد على شىء، يقولها بسرعة كأن الكلمة ستقوده هو شخصياً إلى سماع فكرة أو عبارة لامعة خطرت، للتو، على باله ) ما نسميه عالم الشاعر قد يكون مجموع هذه اللحظات شبه المستنفدة. فيما يتعلق بى أفكر أحياناً أننى كتبت 3 قصائد والحاصل أننى لا أفعل سوى أن أعيد كتابتها.
* أعود إلى سؤال لم تجبنى عليه بشكل كاف، أو ربما بشكل واضح.. أنت لبنانى ..أى منذور للصراع، وشيعى أى منذور للألم. كيف تستخلص من هذه الحواف نفسك وقصيدتك ؟
- أنا خارج النعرات، لا أملك انحيازاً أعمى لشىء. ولدت فى لبنان. ولدت شيعياً، وهذا انتماء ثقافى لا نستطيع التخلص منه، لكن حتى هذا الانتماء الثقافى يتحول مع الزمن، تتغير مفاهيمه. التشيع يعنى درجة من الانفصال، درجة من اللا تاريخية. إلى أى حد تبلغ لا تاريخيتى أنا الذى كنت ماركسياً فى وقت من الأوقات. وكونك ماركسياً يعنى عبادة التاريخ، فكيف يمكنك أن تكون تاريخياً ولاتاريخيا فى الوقت نفسه؟! يبدو أن الأمرين يتجاوبان. يردان على بعضهما البعض.
* ربما هذا ما يجعل منك حالة ملتبسة؟
- حياتى هى التباس كامل وقصيدتى هى التباس كامل. أنا كائن التباس، لدرجة أكاد ألتبس فيها على نفسى. أنا جملة ملتبسة
* كلمنى عن المسافة التى ينبغى أن تفصل الشاعر عن قصيدته ؟
- لست رومنطيقياً، لأقول إن قصيدتى هى أنا. قصيدتى هى محاولة تأليف شىء مواز لى. أنت تريد، بمواد خارجك، أن تكتب شيئاً موازياً لك، وهذه الموازاة ليست أكيدة، لكنها رغبتك وإرادتك.
* ما عيوب قصيدتك؟ يقال إنها ابنة الثقافة والذكاء؟
- أظن أن هذا مديح لا أستطيع أن أدعيه. فى هذا الأمر بعض الخلط. يسعدنى ان يقال إن قصيدتى ابنة الثقافة أو ابنة الذكاء. هذا الأمر لا يزعجنى البتة. لست ممن يظنون أن على الشعر أن يوصف بلغة شعرية، أو يكون الشاعر ابن الآلام والعواطف. وأظن أن الثقافة والذكاء عنصران أساسيان فى حياتنا الداخلية ، وليس فقط فى حياتنا الخارجية. لكنى أسرّ لك أننى لست بهذه الثقافة ولست بهذا الذكاء.
*من منكما يرتب فوضى من..الكلمات أم أنت ؟
- أحياناً نمر بأزمة ونظن أن تسميتها بكلمة يمكن أن يخرجك منها، أن يعفيك منها, أن التسمية قد تحررك من الأشياء. يتراءى لنا أحياناً ان الكلمة قد تحررنا من غيرها. الأمر ليس كذلك، الإحالة للكلمات تنطوى على تصور أن فى العلاقة بينك وبينها شيئاً من السحر. وبالمناسبة أنا من الذين يعتقدون أن الكلمات تنطوى على قوة ما وأنها قادرة بالفعل على تحريرنا من الأشياء، لكن هذا كله يدخل فى مجرى الالتباس هو الآخر.
* أين يلتقى شعرك ونثرك ؟
- أنا شاعر وروائى. والمضحك أنه جرى الاتفاق أخيراً على أننى روائى...(ويكمل بيضون، بعد ضحك مشترك غلب صوت الموسيقى فى بهو الفندق).. بدليل دعوتى إلى مؤتمر الرواية. وأنا كتبت روايات أكثر من بعض الروائيين. لا تنس أننى اكتب قصيدة النثر، وهذه القصيدة تأتى من الافتتان بالنثر. ما نسميه شعرية النثر هو الافتتان بالنثر. وأنا أكتب المقالة منذ عشرات السنوات. أنا أحب النثر العربى بدءاً من القرآن، مروراً بالجاحظ وانتهاء بالجبرتى وغيره. الشاهد أنه ليست هناك فجوة بين ما أكتب، لأننى أكتب الرواية مثلاً من باب الافتتان بالكلمات، أكتبها كنوع من الاحتفاء بالنثر.
* ألا تخشى أن تتحول هذه الحفاوة إلى لعبة.. إلى غاية بحد ذاتها؟
- فى الشعر لا بد من انتظار الإلهام، لا يمكنك أن تكتب قصيدة لمجرد أنك تريد ذلك. تحتاج إلى قدر من التأهب إلى أن تعثر على الكلمة الأولى وتتدفق بعدها بقية الكلمات. أما النثر فأكتبه دون غاية سوى الافتتان، بغض النظر عن مستقبل هذا الافتتان.
* ما الذى تشعر انه استعصى عليك ولم تكتبه بعد؟
- أظن أن كل شىء استعصى علىّ. كل ما هو فى داخلى، كل ما تأهبت له، وكنت فى طريقى إليه، استعصى علىَ
* بهذا المعنى يصح أن يكون الشعر هو ما يستعصى علينا ولا نكتبه ؟
- يمكن أن يكون الشعر لحظة بين الاستعصاء والإفصاح.
* أنت شخصياً.. كم قلت من نفسك، وكم بقى لتقوله ؟
- اسمع..لأننى فكرت كثيراً أن أكتب دون مثال شعرى، دون أن أقع تحت وطأة الشعر، وبرغبة عميقة فى أن أقول ما ليس شعرياً، أو ما يعتبره الآخرون خارج الشعر. أظننى أننى استطعت، فى هذه المعركة مع نفسى، أن أقول شيئاً، وهذا فقط مبرر وجودى كشاعر.
* لا بد أنك فكرت فى عباس بيضون ميتاً، أطال الله عمرك ؟
- طبعاً. أنا أملك شعوراً تجاه الحياة كلها: إنها لا شىء، لا أقصد أنها تفتقر المعنى، لكنها لا شىء
* وما الذى يبقى منك ؟
- لا شىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.