حدث فنى مهم تشهده قاعات جاليرى مصر بالزمالك يتمثل فى إقامة معرض للوحات الفنان والشاعر مجدى نجيب الملقب بشاعر الألوان، و على الرغم من ان نجيب احد رواد شعرالعامية فى الستينيات الذين عرفوا شهرة مبكرة جاءت من خلال اغنياته التى غناها مطربون كبار من امثال عبد الحليم حافظ وفايزة احمد وشادية وسعاد محمد ومحمد قنديل وصولا لمحمد منير فإنه تجربته كشاعر ورسام تعرضت لشىء من الظلم الذى ارتضاه لنفسه وارتضته الدولة كذلك ،حيث تعامل الطرفان بسياسة يمكن ان نسميها « غض الطرف « عملا بالمثل القائل « يا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسلك « والتزاما بهذه القاعدة لم تفكر اى من هيئات النشر الرسمية الى الآن فى طباعة اعماله االشعرية الكاملة التى بدأها بديوان « صهد الشتا « عام 1964 ثم دواوينه « الحب فى زمن الحرب « و» ليالى الزمن المنسى - 1974 « ومقاطع من اغنية الرصاص1976 «و « غاب القمر « وممكن « 1996 و» وش يشبه حزننا « حدث هذا رغم ان نفس الهيئات تلهث وراء شعراء أقل قيمة منه بكثير وبعضهم محسوب على نفس الجيل لكن نجيب فضل _كما فضل كبار رسامى مصر من ابناء الستينيات - الانزواء بعيدا والرسم للأطفال والكتابة لهم ،واشترى دماغه ولم يتورط فى الصدام مع احد أو مزاحمة أحد على أى شىء سواء فى الشهرة او الحضور «عمال على بطال «. جرب اختبار الاختيار الذى خاضه قبله عمالقة كبار من امثال بهجت عثمان وأحمد حجازى وايهاب شاكر ، الذين يمكن النظر اليهم كما ننظر للمتصوفة الزاهدين ومن ثم فقد جاءت فكرة اقامة المعرض أقرب ما تكون للمغامرة التى تظهر تجربة مجدى نجيب للاوساط التشكيلية وهى فى حالة الزهو والاكتمال. و يصعب على متابعى اعماله تفادى النظر الى التجربة دون اكتشاف آفاقها الجمالية الخاصة التى من الصعب فصلها على عالمه الشعرى المتميز، اذ كشف «صهد الشتا « عن شاعر له مفهومه الجمالى الخاص فى طرق تشكيل القصيدة الشعرية المعتمدة على سمة وجودية يصعب تفاديها ، رغم رقتها الشديدة فالكثير من اشعار نجيب واغنياته بعد ذلك جاءت لتؤطر لهذا العالم الفنى وتؤكد سماته فيكفى مثال ان تراجع مفردات أغنية بديعة مثل «غاب القمر « التى غنتها شادية للاستدلال على مسألتين ، الاولى بساطة المعنى ، وغرابة تكوين الصورة الشعرية دون أن التورط فى غلق العالم وتعقيده بحيث يصعب على المتلقى التواصل مع مفرداته وطوال تجربته الشعرية لم يتورط نجيب فى الانخراط وراء المعنى الشائع والنبرة الانشادية التى تربط شعر العامية بفكرة « الالقاء والشغف بالجماهيرية لانه كان منشغلا بشىء مختلف يقارب قصيدته من قصائد جاك بريفير وسان جون برس بحيث يتعمق فيها الجمالى بشىء من الحزن الشفيف هو اقرب للشجو منه الى الشكوى. وفى لوحات معرضه ثمة مقاربة جمالية لافتة تضع اغلب هذه الأعمال فى اطار «الفانتازيا الشعبية» أو الغرائبية التى تضمن له تجاوز حدود العالم الواقعى بتعقيداته والرهان على شيء من «الشطح الصوفى» فى التعامل مع التكوينات الجسدية والاصرار على فكرة «الرهافة» وتأكيد ان لوحات المعرض « اغتسال بالضوء» انه مسعى مغاير الى نقطة النور ، أكد الفنان من خلال تعمق صلته بالتراث العربى على نحو يقرب بعض اللوحات من عالم المنمنمات مع شىء من « الباروديا « او المحاكاة الساخرة التى تظهر شغبه الاطفالى ورغبته فى اعادة بناء الاساطير الشعبية على نحو يعيد للنساء ادوار البطولة وكأن الرسم هنا محاولة لاعادة بناء ذاكرة جمالية جديدة قائمة على تخصيب العالم الفنى بأيقونات نسائية يضعها فيما يمكن اعتباره «بلاغة الترصيع» حيث يمكن النظر الى العديد من اللوحات كتقنية للتطريز اللونى المنمنق بعناية وصبر لافتين . وتعطى الخيارات اللونية للفنان فرصة مرواغة الضوء عبر اللعب بألوان زاهية يمنح البطولة فيها للاصفر بتنويعاته متعانقا مع الازرق والاحمر لابراز فكرة الصحو اللونى وجعله شعارا لمعرضه . وكما حاول بيكاسو طوال حياته بلوغ مستوى رسوم الأطفال يحاول مجدى نجيب فى الطريق نفسه حيث التحرر من القواعد الاكاديمية مشدودا برغبته فى الافلات من اسر القواعد وهى رغبة تعطى للوحاته سمة تعبيرية وغنائية لافتة ، لا تتأكد فقط من غرامه بابراز حضورالادوات الموسيقية كعلامات رئيسية فى قراءة اللوحات وانما فى الروح التى يرسم بها ، فكل اللوحات مرسومة بروح العازف الراغب فى مقاومة رغبته فى نزق الارتجال او الاداء بأناقة فيها روح الالتزام ب «النوت الموسيقية» بحيث وصلنا لوحات انشغل صاحبها دائما بأن يكون معرضه «كامل الاوصاف».