يعانى الكثير من الاسر المصرية معاناة شديدة من الارتفاع المضطرد فى أسعار الكهرباء ويتوقع البعض ان تستمر زيادة الأسعار مع تحجيم الدعم الذى كان موجها لخفض تكلفة الكهرباء على المستهلك وازاء هذا الوضع كان لابد على القيادة المصرية من السعى للبحث عن بدائل للطاقة الكهربائية التقليدية من خلال ابحاث علمية ترتكز على الخواص التى انعم بها الله على مصر وهى المناخ المعتدل واشعة الشمس المتوافرة فى بلدنا طوال العام، ومن العلماء الذين يقومون بدور بارز من أجل ايجاد حلول لتوفير الطاقات البديلة فى مصر خبير الطاقة العالمى الدكتور هانى النقراشي، عضو المجلس الاستشارى العلمى لرئيس الجمهورية ولذلك كان حوارنا معه حول هذه القضية وأكد أن مصر تستطيع الاعتماد كليا على الكهرباء المنتجة من تركيز الطاقة الشمسية الحرارية، لتوافرها فى كل مكان، بكم يفوق الاحتياجات المحلية بالإضافة إلى التصدير، وأضاف أنه أعد دراسة فى هذا الشأن تستهدف تحقيق الانتقال التدريجى إلى إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة. وفيما يلى نص الحوار: كيف ترى مستقبل الكهرباء فى مصر وما السبيل إلى التغلب على مشكلاتها الحالية مستقبلا؟ مصر تستطيع أن تعتمد اعتمادا كليا على الكهرباء المنتجة من تركيز الطاقة الشمسية الحرارية، نظرا لتوافرها فى كل مكان، وبكم يفوق الاحتياجات بمراحل، فضلا عن خواصها التى تسمح باستخدام الكهرباء بالنمط المعتاد، أى إتاحتها فى أى وقت. ولدينا دراسة تهدف إلى وضع آخر ما توصل إليه العلم فى هذا المجال وضعناها تحت تصرف صاحب القرار حتى تكون الرؤية واضحة، ولتحقيق الانتقال التدريجى إلى إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة مع بحث المزيج الأمثل لهذه الطاقات فى ضوء المتاح منها، وتلبية لظروف المجتمع المصري. كما تهدف الدراسة إلى توضيح حدود استعمال الطاقات الأحفورية بما فيها الطاقة النووية وكذلك حدود استعمال الطاقات المتجددة قياسا على خواصها أو خصوصياتها. ولكى نجزم الأمر من بدايته، فإن أهم خاصية للطاقات المتجددة هى أنها هدية شبه مجانية من الوهاب الأعظم، وهى فوق ذلك أبدية لا تنضب.. وكل ذلك يرشحها لأن تكون طاقة المستقبل. هل لنا أن نتعرف على المدى الزمنى الذى حددته الدراسة لحل مشكلات الطاقة فى مصر؟ الحد الزمنى حددته الدراسة بسنة 2030، وهو حد معقول لاتخاذ القرارات العاجلة والضرورية لتلافى أزمة محتملة، إذا لم تكن الرؤية واضحة بالقدر الكافي، ولكن للوصول إلى هذا الحد الزمنى لزم إمداد الرؤية إلى 2050 فى بعض الحالات الخاصة، وكذلك إلى 2100 فى بعض الحالات الأخري. إن سنة 2100 قد تبدو بعيدة عن تصور المخطط، ولكن بما أن هذه الدراسة مقدمة إلى قيادة الدولة المصرية، فان مقياس الزمن يجب أن يقارن بعمر الدولة، وهو خمسة آلاف عام. طاقات متجددة هل تركزت الدراسة على مجال توفير الطاقة الكهربية فقط، أم امتدت لتشمل مجالات الطاقة الأخري؟ حددت هذه الدراسة البحث فى مجال إنتاج وتوفير الطاقة الكهربية فقط، ولذلك لا تشمل البحث فى الطاقة اللازمة لوسائل النقل السيارات والسفن والطائرات ولكنها تحبذ الاقتصاد فى استهلاك الوقود الأحفورى لإنتاج الكهرباء حتى يتوافر مستقبلا لوسائل النقل. ولا تتعرض هذه الدراسة إلى الطاقة الحرارية المستعملة فى الصناعة، وغيرها إلا ما كان له علاقة مباشرة بإحدى الطاقات المتجددة التى يتعرض لها البحث. وكيف عالجت الدراسة العلاقة بين الطاقة وقضية المياه؟ تمتد الدراسة بصورة عامة إلى موضوع المياه فى مصر، لأن المياه ترتبط ارتباطا مباشرا بالطاقة، سواء كانت الطاقة اللازمة لاستخراجها من الآبار، أو لضخها فى شبكات الإمداد فى المدن، أو لمعالجة مياه الصرف، أو لتحلية مياه البحر. والسبب فى تعرضنا للماء هو أن الماء ضرورى للتنمية مثل الكهرباء، ولكنه يفوق الكهرباء أهمية فى أنه عصب الحياة. وبما أن التطور السريع للمجتمع المصرى من تزايد السكان مع تعاظم النمو الاقتصادى يتطلب زيادة مناسبة فى الإمداد الكهربائي، فهو أيضا يتطلب زيادة مناسبة فى الموارد المائية. وتؤكد الدراسة أن توفير الموارد المائية اللازمة لا يتأتى إلا بتحلية مياه البحرين الأبيض والأحمر، ولذلك لا تستقيم هذه الدراسة إلا إذا وضعنا فى اعتبارنا الطاقة اللازمة لتحلية مياه البحر، بجانب الطاقة اللازمة لمعالجة مياه الصرف. حسب الطلب فى رأيكم.. ما هى الأولويات التى حددتها الدراسة للبدء فى توفير الطاقة البديلة؟ الدراسة تهدف إلى رسم طريق لتحويل إمداد الكهرباء للمجتمع المصرى من الطرق التقليدية إلى الطاقات البديلة وهذا يحتم حصر الطاقات المتاحة وتحديد مدى قدرتها على المساهمة فى إمداد الكهرباء بالكم والحضور المطلوبين من مستهلكى الكهرباء، أى «كهرباء حسب الطلب». وقد بات معروفا أن المتاح من الغاز فى سبيله للنضوب، وبذلك يكون من الحكمة الاقتصاد فيه، لإطالة فترة إتاحته بقدر الإمكان. وكذلك ليس من الحكمة الانتقال من مصدر ناضب إلى آخر ناضب، وهو اليورانيوم، خاصة أن بناء المفاعلات النووية لا يستطيع أن يواكب معدل الزيادة فى الطلب على الكهرباء فى مصر. لكل هذه الأسباب ركزت هذه الدراسة على الطاقات المتجددة، وذلك لوفرة إتاحة بعضها فى مصر، ولانعدام مخاطرها من ناحية الانبعاثات الضارة بالبيئة والصحة. وهذا التوجه إلى الطاقات المتجددة لفائدة مصر فى المقام الأول، غير أنه يفتح المجال لتصدير جزء منها لأوروبا مما ييسر تمويلها. والطاقات المتجددة المتاحة بوفرة فى مصر هي: الطاقة المائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية بشقيها الضوئية «الفوتوفلطية» والحرارية، خاصة تركيز الأشعة المباشرة لتوليد حرارة ذات درجة عالية تستعمل لإنتاج بخار ذى ضغط مرتفع لإدارة التوربينات البخارية التقليدية. وقود أبدي أشرتم إلى أن دراستكم انتهت إلى أن الكهرباء المنتجة من تركيز الطاقة الشمسية الحرارية تمثل الأمل لمستقبل الطاقة فى مصر.. أليس كذلك؟ هذه حقيقة.. ويمكننا التأكيد مرة أخرى على أن مصر تستطيع الاعتماد كليا على الكهرباء المنتجة من تركيز الطاقة الشمسية الحرارية، لتوافرها فى كل مكان، وبكم يفوق الاحتياجات بمراحل. إن توليد الكهرباء يتم بالطريقة التقليدية، وهى إنتاج بخار لإدارة توربينات بخارية، مع إمكانية التخزين الحرارى أو استعمال المرجل التقليدى فى حالات الطوارئ. ونظرا لارتفاع سعرها حاليا تقترح الدراسة المضى قدما فى استغلال المتاح من الطاقة المائية، وكذلك المتاح من طاقة الرياح، مع دعم خطوط النقل من أماكن الإنتاج إلى نقاط التوزيع الأساسية فى الشبكة المصرية. ميزة تنافسية أنكم ترون أن تبدأ مصر إنشاء المحطات الشمسية الحرارية، لتكون فى مقدمة الدول التى تضع تلك التقنيات، باعتبارها مصدر طاقة المستقبل، ومن أهم دعامات الاستثمار.. أليس كذلك؟ هذه نقطة مهمة جدا، فالمتاح من الإشعاع الشمسى فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط أكثر بمراحل من احتياج العالم كله. والمشترى المنتظر للكهرباء النظيفة الاتحاد الأوروبى سيحاول بطبيعة الحال الحصول على أدنى سعر مع أفضل الشروط، لاستيراد الكهرباء النظيفة من جيرانه الجنوبيين، وهنا سيكون لذوى الخبرة أى الذين بدأوا أولا ميزة تنافسية كبرى تعطيهم الأفضلية على من بدأ متأخرا. إن التنافس فى المستقبل سيكون فى المفاضلة بين السعر وما يقابله من: الجودة وما يتبعها من طول عمر السلعة, وسرعة التوريد, والمرونة فى تلبية طلبات العميل، وخدمة ما بعد التوريد, وأمانة المعاملة، وأدب المخاطبة على مختلف المستويات. ارتفاع التكاليف هل تضمنت الدراسة مقترحات وخططا للتغلب على ارتفاع التكاليف المبدئية لمثل هذا المشروع؟. الدراسة تمتد من الزمن الحالى إلى المستقبل القريب، وتقدم بعض المقترحات للتغلب على عائق التكاليف المبدئية التكلفة المرتفعة عند البداية ستنخفض مع زيادة إنتاج المكونات إذا افترضنا إنتاجها محليا مع حكمة إدارة الإنتاج وهى عدة إجراءات تشمل: إنشاء حقول شمسية بجوار محطات الكهرباء البخارية الحالية لتسخين مياه التغذية المرسلة إلى المرجل، وبذلك يتم توفير جزء من الوقود المستعمل لهذا الغرض وتحويل الدعم للوقود «الأحفوري» المستعمل لإنتاج الكهرباء إلى الكهرباء المنتجة أيا كان مصدرها. وبذلك يمكن التحكم فى سعر الكهرباء المباعة إلى العملاء المختلفين، وتتاح الفرصة لإعطاء دعم مؤقت لبعض تقنيات الكهرباء المتجددة لمساعدتها على النفاذ إلى السوق. إبرام اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبى لمد خطوط الكهرباء بالتيار المستمر فائق الضغط 800 ك.ف وهو أقصى المتاح تجاريا الآن إلى مواقع المحطات النووية أو المحطات التى تستعمل الفحم كوقود والمزمع إخراجها من الخدمة. وفى الوقت نفسه اتفاقيات طويلة الأمد، أى ثلاثون سنة على الأقل، لشراء الكهرباء من المحطات الشمسية التى تبنى لتبدأ العمل معا مع الخطوط شراكة بين مستثمرين مصريين وأوروبيين على أن تمول المحطات من عائد بيع الكهرباء فى أوروبا وفى مصر. فيجب أيضا النظر إلى الاحتياجات الرئيسية الأخرى للمجتمع المصرى وأولها تأمين الإمداد بالمياه من تحلية مياه البحر لقلة الموارد الأخرى وهو سيكون طبعا على حساب إنتاج الكهرباء. وذلك يمكن معالجته بسهولة لو ربط تصدير الكهرباء بتحلية مقدار مناسب من مياه البحر، وهذا ضرورى لأن احتياج مصر للمياه أشد من احتياجها للكهرباء ولا يوجد مصدر يستطيع أن يغطى العجز المنتظر فى 2050 وهو نحو 75 مليار متر مكعب سنويا إلا تحلية مياه البحر بالطاقات المتجددة. وتوصى الدراسة ببناء محطات شمسية مهجنة مع تحويل المحطات البخارية الحالية إلى محطات مهجنة حسب ظروف كل منها. على أن ينظر إلى المدى البعيد بهدف أن يكون المكون الشمسى من 80% إلى 100% وعلى ذلك يكون تصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا فى إطار إمكانات هذه المحطات دون الارتباط بساعات سطوع الشمس.