من خطر التقسيم في ليبيا إلي خطر تدويل الأزمة السورية تبدو منطقة الشرق الأوسط أشبه بمرجل يغلي ويوشك علي الانفجار من شدة البخار المكتوم بداخله. وليس بمقدور مصر- رغم ظروفها الصعبة في الوقت الراهن- أن تبقي بعيدا عن ذلك الذي يجري مخيفا ومرعبا, وخصوصا في تداعياته المستقبلية المحتملة! وإذا قلنا- والقول صحيح- بأن هذا هو قدر مصر وهذا هو دورها, فإن من الضروي أن نقول- أيضا- إنه لم يسبق لمصر علي طول تاريخها أن واجهت هذا الكم من التحديات دفعة واحدة! والحقيقة أن مصر لا تستطيع أن تعزل نفسها عن أي صراع إقليمي, خصوصا أن الامتدادات الإقليمية لمصر أكبر من أن تقاس علي أنها امتداد عربي فقط, لأن مصر التي تقع جغرافيا في إفريقيا هي نفسها مصر التي ارتبطت حركتها السياسية عبر التاريخ في آسيا. بوضوح شديد أقول: إن مصر لا ينبغي أن يغب عنها الإدراك الصحيح لاستحقاقات وضرورات موقعها الجغرافي, وأن تظل رغم أية ظروف تواجهها أكثر إدراكا لمهمة الحفاظ علي الحد الأدني من ترتيب الوضع العربي, وهي مهمة لابد أن تكون مصر هي محورها الأساسي لأنه في مثل هذه القضايا المتعلقة بالحاضر والمستقبل والمستندة إلي التاريخ والجغرافيا ليست هناك مشاعر وعواطف تحكم بوصلة الاتجاه, وإنما هناك حقائق يصعب تجاهلها أو التوهم بإمكان الاستغناء عنها! وأيضا فإنه لا يجوز لأحد أن يصادر علي مصر حقها في الإحساس بمشاعر الخطر تجاه ما يجري ملاصقا لحدودها الغربية علي أرض ليبيا أو ضمن مجالها الحيوي والاستراتيجي علي أرض سوريا أو تجاه ما يجري في إقليم دارفور السوداني عند الخاصرة الجنوبية لمصر, فضلا عن أن الإطار القومي الذي يحيط بنا بوحدة الدين واللغة وتشابه الثقافات والمصالح لا يسمح لمصر بالانسلاخ عن جلدها! ويعزز من أهمية ما أقول به أننا في عصر لا أظن أنه كان له شبيه في التاريخ من حيث أحادية القوة من ناحية وبشاعة هذه القوة التي تفوق كل خيال والتي أصبحت- لأول مرة- قابلة للاستعمال, بل جري استعمالها بالصدمة والترويع في العراق وأفغانستان وليبيا ببشاعة ووحشية غير مسبوقة! وغدا نواصل الحديث خير الكلام:
من بلاء الدنيا دفن الفطنة بفأس الحقد وطعن الإخلاص بخنجر الغدر! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله