يبدو أن قدر سيناء تكون محل نقاش وأخذ ورد، وكلما تزايد الحديث عن مستقبل هذه البقعة الإستراتيجية الغالية من تراب مصر، تصاعد الجدل بين أنصار فريق التعمير كمحور أساسى للدفاع عنها، وبين فريق يرى ضرورة عدم اللجوء إلى هذا الخيار، لأنه مقدر لسيناء أن تكون مسرح عمليات عسكرية على الدوام. حديث التعمير والفراغ لم يكن وليد اليوم، لكنه بدأ منذ عقود طويلة، وشغل صناع القرار، وأعدت بشأنه خطط وتقديرات، تناولت تقريبا تفاصيل كثيرة طرحها أنصار كل فريق، ومع تزايد الاهتمام بسيناء الآن، أصبح الوقوف عند وجهة نظر كل طرف مسألة غاية فى الأهمية، ومعرفة الحجج والأسانيد التى يعتمد عليها أنصار كل مدرسة عملية كاشفة، للفوائد والمزايا والمخاطر والتحديات والتداعيات على مستويات مختلفة. وإذا كان الاتجاه العام للدولة مال ناحية خيار التعمير، لاعتبارات وجيهة، فإن هناك تحفظات ونقاطا جوهرية يجب عدم تجاهلها بالنسبة لمصير سيناء، والتى شغلت مبكرا زعماء وقادة وعلماء وخبراء عسكريين، لم يأل أى منهم جهدا فى الاهتمام بها فى جميع الأوقات، لأنها لا تزال مفتاح مصر التاريخى، الذى لا يستطيع أى حاكم تجاهله، ولا يمكن للنخبة الواعية أن تغض الطرف عنه، ولا تزال مطمعا فى حسابات بعض القوى الإقليمية، التى تريد النيل من مصر، من خلال وضع سيناريوهات الأمر الواقع. لذلك فالاهتمام بها بصورة شاملة، يمثل أحد مرتكزات الأمن القومى المصري، فى الماضى والحاضر والمستقبل، ولن يقلل غلبة الاتجاه التنموى من الاتجاه العسكرى والعكس، فالتعمير لا يتناقض مع الأبعاد الأمنية الواجب مراعاتها، كما أن الأخيرة لن تحول دون حدوث طفرة اقتصادية فى هذه المنطقة، الأمر الذى لم يكن غائبا عن ذهن القيادة السياسية والعسكرية فى جميع الأوقات. فعندما حاول الرئيس الأسبق محمد مرسى اتخاذ إجراءات خاصة بالتملك فى سيناء بما يصب فى صالح أهداف سياسية معينة تتعلق بجماعته وحلفائها، كانت المؤسسة العسكرية هى التى أوقفت تنفيذ الأطماع الخفية، وعندما جرى التفكير فى إنشاء مجموعة من المشروعات الاقتصادية العملاقة فى الضفة الغربية لقناة السويس، أسندت مهمة الإشراف على كل تفاصيلها الدقيقة للقوات المسلحة، وبعد أن شرعت مؤسسات الدولة فى وضع نواة لمجموعة من الخطط التنموية، أخذت هذه المؤسسة الوطنية على عاتقها مهمة الضامن والعنصر الفاعل فى تحديد المحاور الأساسية لها، حتى تتكامل مع الأهداف العسكرية البعيدة. الحاصل أن التناقض الذى يريد البعض تسويقه بين التنمية فى سيناء والأهمية الأمنية لها، ينطوى أحيانا على قدر من المبالغة، لأنه قام على افترض أن هناك تعارضا بينهما، فى حين أن التفكير فى تنفيذ عدد من المشروعات التنموية كان فى الأصل هدف استراتيجي، يحمل فى جوهره مكونات لها أهمية عسكرية بالغة، الأمر الذى تفرضه المتغيرات الكبيرة التى طرأت على بنيان الحروب الحديثة، والتى لا تتطلب مرابطة عناصر كثيرة من القوات المسلحة على الحدود. كما أن انتشار التنمية وتزايد التجمعات السكانية من حولها، لم يعد كما كان فى السابق نقطة ضعف أو ميزة للعدو، لكنه تحول إلى عنصر ردع لأى قوة نظامية غاشمة، فى ظل التطورات المتسارعة فى الإعلام ووسائل نقل الصورة، وردع للجماعات والميليشيات التى ظنت أنها قادرة على فرض سطوتها فى سيناء، عبر استثمار الفراغ السكانى وظروف الجغرافيا القاسية. ولأن القضية على درجة عالية من الأهمية الإستراتيجية، تنشر «الأهرام» على هذه الصفحة مقالين، أملا فى إثراء الحوار، يتناول كل منهما رؤية وطنية جديرة بالاحترام، أحدهما للدكتور محمد مجاهد الزيات الخبير الإستراتيجي، ويتوقف عند أهداف وضرورات التنمية فى سيناء، والآخر للدكتورة هدى جمال عبدالناصر أستاذ العلوم السياسية، وتعدد فيه المخاطر والمحاذير. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل