رغم أننى أنتمى لجيل تفتحت عيونه على الدنيا أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية فى ذروة اجتياح الفكر اليسارى للعالم وزيادة إقبال المثقفين والشباب على المطبوعات التى تروج للشيوعية والنماذج الاشتراكية فإن أغلب هذا الجيل ظل مبهورا بالحلم الأمريكى الذى يرتكز إلى الحرية والديمقراطية وضمان تكافؤ الفرص من خلال مجتمع مفتوح يسمح لأى مواطن بفرصة صعود السلم الاجتماعى من القاع إلى القمة. ولعل ما ساعد على الانبهار بالحلم الأمريكى أن المعسكر الشيوعى بقيادة الاتحاد السوفيتى كان منغلقا على نفسه بدرجة تثير القلق والفزع على الحريات العامة.. فضلا عن تراكم ميراث الغضب لدينا من سنوات الاستعمار الأوروبى لمعظم دول العالم الثالث بينما كان السجل الأمريكى خاليا من جرم الاستعمار، وكان الخطاب الأمريكى داعيا وداعما لحق الشعوب فى تقرير مصيرها ومقاومة كل أشكال الاحتلال والاستعمار الأجنبى. وأتذكر أن صورة الحلم الأمريكى لم تهتز فى مخيلتنا إلا بعد انكشاف الدور الأمريكى المساند لإسرائيل فى عدوان يونيو 1967 وسفور الانحياز للدولة العبرية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية فى شكل امتهانة فاضحة بالعرب وحقوقهم المشروعة خصوصا على صعيد القضية الفلسطينية لدرجة أنه عندما نجح العرب فى تحقيق أول نصر عسكرى ضد إسرائيل فى أكتوبر 1973 سارعت أمريكا لنجدة إسرائيل على أرض الميدان وبذلت كل جهدها وثقلها السياسى لحرمان العرب من جنى ثمار هذا النصر إلا عبر البوابة الأمريكية فى اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 وبالقدر الذى لا يثير غضب إسرائيل. واليوم ونحن نطل على المشهد الإقليمى الراهن نجد أن أمريكا مازالت مصرة على تحويل ما بقى من الحلم الأمريكى إلى كابوس مزعج بسياسات عمياء وخاطئة تنتقل بها من مأزق إلى مأزق على أرض الشرق الأوسط ولولا فضل الله على هذه الأمة بما صنعته مصر فى 30 يونيو 2013 لكانت الرهانات الأمريكية الخاطئة تواصل أفعالها المدمرة والتى ظهرت آخر ذيولها فى التفاهمات مع طهران لتوسيع نطاق نفوذها فى المنطقة على هامش الاتفاق النووى الأخير الذى لن يحول حلمنا القديم فى أمريكا إلى كابوس يزعجنا وحدنا، وإنما قد يصبح كابوسا مزعجا لأمريكا ذاتها... وفى التاريخ مشاهد ودروس مماثلة ولكنهم للأسف لا يفهمون رغم أنهم يقرأون! خير الكلام : الفضيلة بلا علم خير من العلم بلا فضيلة! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله