أغلبنا يعشق وطنه ويغني له ليل نهار قصائد وأشعارا وحكايات ومواويل .. لكن القليل منا من يترجمون بالفعل بأعلي درجات التضحية والفداء حبهم لمصر عندما يبذلون أرواحهم رخيصة ويسيل دمهم علي ترابها ليروي شجرة الأمل ويسقي جذور الكبرياء من أجل أن يعيش أبناؤها في سلام وحرية وإباء .. يحرسون الحدود حاملين أرواحهم فوق أكفهم ولا ينامون الليل لكي نهنأ جميعا بسبات عميق وأحلام وردية. وهم يعرفون أن حياتهم قد تكون الثمن وأن عمرهم القصير في الدنيا قد يكون هو السبيل لتحرير الوطن من ربقة الإرهاب ومن فاشية جماعات تخريبية مجرمة تريد إيقاف عجلة التاريخ إلي الوراء .. من بين هؤلاء الأبطال الشجعان الشهيد أحمد فتحي أبو الفتوح سلام 20 عاما من أبناء عزبة الوشايحة مركز منية النصر محافظة الدقهلية والذي إستشهد في إعتداء إرهابي علي أكمنة سيناء الأخيرة ف، حيث أصيب إصابات خطيرة أولا في الحادث ثم ودع الحياة الدنيا الإثنين الماضي عريسا مرتقيا إلي حياة أكثر خلودا وراحة أبدية في سماوات المجد والفردوس الأعلي . أحمد حصل علي دبلوم متوسط ولكنه كان طموحا فواصل إجتهاده ملتحقا بكلية التربية ولم يكمل الدراسة بها مفضلا أن يكمل خدمة الجيش ثم يرتب أوضاعه ومستقبله ، وهو الإبن الأوسط لرجل متوفي منذ عدة سنوات حيث يكبره أخوه محمد وبعده الأخ الأصغر إبراهيم ولديه ثلاث شقيقات إناث هن الأكبر منهم جميعا ومتزوجات ، ودخل أحمد الجيش قبل حوالي خمسة أشهر ووصل إلي العزبة في أجازة كانت هي الأولي والأخيرة قبل حادثة إستشهاده بحوالي عشرة أيام فقط ، وفاتحته الأسرة جديا في مستقبله وفي زواجه عقب إكمال جيشه لكن مشيئة الله سبقت كل ترتيب وتدبير . شوارع الوشايحة إكتست كلها حزنا علي زينة الشباب وفخر القرية كلها أحمد ، التلاميذ رفعوا صورته علي الأعناق ولفوا بها في الشوارع الرئيسية ، والكبار تسابقوا في تعداد مآثر أخلاقه ومعدنه الطيب ، غير أن الجميع كان يتحدث بنبرة غضب عارمة ضد الإرهاب الأسود الذي يعصف بالأرواح البريئة ويخدم مخططات التآمر علي الوطن ، داعين إلي سرعة الثأر والقصاص لزهرات شباب مصر الذين يقتلهم الإرهابيون . وكان المشهد مؤثرا جدا بحضور محافظ الدقهلية حسام الدين إمام إلي مكان تشييع جثمان الشهيد أحمد حيث نظم تلاميذ المدارس بالقرية وقفة تندد بالإرهاب الأسود وتردد اسم الشهيد وتؤكد التصدي للإرهاب. وهتفت حناجر أبناء العزبة ومدينة الكردي والقري المجاورة منددة بالعملية الخسيسة الجبانة ورددوا " لا إله إلا الله، الشهيد حبيب الله، يا شهيد نام وارتاح وإحنا هنواصل الكفاح و"الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة "، مطالبين الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة تنفيذ المهمات العسكرية والقضاء علي الإرهاب لحماية أرواح الجنود . أما في منزل أحمد فكان للحزن طعم آخر وكان للمصيبة وجع مضاعف ، نساء القرية يملأن المكان ولافتة كبيرة للشهيد تغطي المدخل مدون عليها آية قرآنية عن خلود الشهداء ، ووالدة الشهيد تخنقها العبرات ، وتكتفي بالزفرات المريرة والذهول والغضب . قالت الست أم محمد والدة الشهيد بصوت مبحوح وهي تستجمع قوتها الضعيفة : أحمد كان يخدم وطنه وهو بطل وشجاع وشهيد ، وأنا فخوره به وهو ليس أغلي من وطنه مصر التي نفديها كلنا بأرواحنا ، لكنها أكدت في الوقت ذاته علي ضرورة القصاص من القتلة وبسرعة . وقالت : عاوزة اللي ضرب إبني يموت مثله . أما إيمان شقيقته فتحدثت وهي منهارة باكية : عايزة حق أحمد، عايزة حق العريس ،عايزة من الرئيس السيسي يجيب حق أخويا حبيب قلبي ونور عيني من الكفرة اللي لا يعرفوا دين ولا بلد . وتضيف إيمان : " أحمد كان بيدافع عن بلده ، عمل ليهم المجرمين دول إيه ، حق أخوبا واللي معاه ، اللي بترجاه من الدنيا حقه وبس ، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم الكفرة ، يا حببب قلبي حقك ميضعش أبدا ". ويؤكد محمود المرسي أحمد زوج أخت الشهيد أن أحمد كان آية في الأخلاق والتواضع وكان محبوبا من الجميع ، مشيرا إلي أن القرية كلها بكته بدموع غزيرة . وطلب المرسي أن تحقق الدولة لوالدة الشهيد أحمد وأخته أمنية القيام بفريضة الحج والدعاء لأحمد بجوار الكعبة لعل ذلك يخفف بعض أحزان الأسرة المكلومة . ومن جانبه صرح محافظ الدقهلية علي هامش مشاركته في تشييع الشهيد أحمد بأن مصر لن تنسي شهدائها الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم من أجل حماية تراب الوطن موجهًا الشكر والتقدير لرجال القوات المسلحة والشرطة علي ما يبذلونه من جهود مضنية من أجل حماية مصر وشعبها العظيم والتصدي للمحاولات اليائسة من الإرهاب الأسود لزعزعة الأمن والاستقرار لمصرنا الغالية. وقد وجه المحافظ وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لرعاية وإعانة أسرة الشهيد .