أصبحت قضية تجديد الخطاب الدينى من القضايا الحيوية والملحة على الساحة نظراً للمتغيرات التى تشهدها الساحة حاليا حيث وجود عدد من الجماعات المتطرفة التى تتبنى العنف منهجا وتكفر المسلمين، وتستحل دماءهم. الأمر الذى يفرض نفسه على المؤسسات الدينية الرسمية لتضاعف الجهود التى تبذلها فى هذا المجال. ويرى البعض أن تجديد الخطاب الدينى يمثل خطورة على الإسلام، حيث يرون أنه لا يجوز المساس بكتب التراث أو النيل منها بالحذف أو التعديل والتبديل، وهذا الاتجاه يميل إلى الانغلاق على التراث على فرض أن العلماء السابقين لم يتركوا لنا ما نجدده، أو قد يرى كثير ممن ينتمون إلى بعض التيارات الفكرية المتشددة أن التجديد بدعة وليس فى الإمكان أبدع مما كان. والاتجاه الثانى اتجاه يهدف إلى التخلى عن كتب التراث بالكلية، والتخلص منها والبناء على أنقاضها، وهى دعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأنها تصدر عن من ليس لهم أدنى معرفة بكتب التراث وكيفية قراءتها أو التعاطى معها ليتحدثوا عن التراث، ويشككوا فيه، ويعبثوا بما كتب عباقرة الإسلام فى عصور الازدهار، أو حتى عصور الاضمحلال، لأن هذا التراث يمثل هوية الأمة وماضيها الذى يضىء لها المستقبل إن أحسنا النظر فيه والتعامل معه، والانتفاع به. وحتى لا يُفتح الباب على مصراعيه أمام هؤلاء وأولئك كان لا بد من تحرير المصطلحات، ومن ثم نوضح المفهوم الحقيقى للتجديد، وما ينبغى فيه وما لا ينبغى حتى لا يختلط الحق بالباطل أو يضيع بين مفرط فى تراثه أو مغال فى الحفاظ عليه. وحينما نتحدث عن التجديد فى الخطاب الدينى لابد أن ندرك أن الفقه نوعان: فقه واقع وفقه أحكام، فالواقع متجدد بشكل دائم ومستمر كسنة من سنن الله تعالى، وبالتالى ينبغى أن يتجدد فقه الأحكام بالتبعية مع مراعاة الضوابط اللازمة، وكما يقول الإمام الشاطبى رحمه الله أن الوقائع فى الوجود لا تنحصر لذا فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، ولا يجوز النظر فى هذه الوقائع بغير اجتهاد شرعى، لأن ذلك اتباع للهوى. وشمول الخطاب القرآنى وعمومه لكل زمان ومكان يقتضى أن يكون التجديد فى فهم الخطاب ضرورة يفرضها عموم هذا الخطاب. والخطاب الدينى الذى نتحدث عنه ينبغى ألا يتغير فى أصوله وأسسه التى ينبنى عليها من عقائد وعبادات وقيم وتشريعات، ولكن الذى ينبغى أن يتغير هو أسلوب الخطاب ليواكب اختلاف الأزمان والأمكنة ويراعى حال المخاطبين من قوة أو ضعف، من علم وأمية، من حضر وبادية، من مجتمع مثقف لمجتمع جاهل فهو كما يقول علماء البلاغة “أن البلاغة مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال” والعرب يقولون: “لكل مقام مقال”. ونحن هنا لا نخلط بين التجديد فى كتب التراث وبين الخطاب المعاصر فكلاهما وجهان لعملة واحدة، فإعادة قراءة كتب التراث فى ضوء المستجدات المعاصرة وفهمها على الوجه الصحيح سوف تؤدى بالتبعية إلى تجديد الخطاب المعاصر، فالتجديد إنما هو قراءة واعية للنفس والآخر والواقع، قراءة قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع، وليس العبث بالنصوص والتهجم عليها بغير علم. وفى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، فالتجديد ليس تجديدا للدين كما يفهمه البعض، أو تجديدا لقواعد الدين ومبادئه كما يجنح إليه البعض، ولكنه تجديد فى الفكر، فالفكر يتغير والحياة تجدد وتتطور. ومما يجب التنبيه عليه أن هناك الكثير مما ألفه علماء المسلمين يحتاج إلى إعادة النظر، وإلى التمحيص والتدقيق وتخليصه من الشوائب والخرافات، وما ألصق به مما ليس منه من إسرائيليات وأحاديث موضوعة، ومما تمت كتابته فى ظروف تاريخية واجتماعية وبيئية مختلفة، وفى واقع مغاير تماما للواقع الذى نحياه، بل جاء بعض ما كتب فى هذا التراث معبراً فقط عن آراء شخصية لأصحابها لا أكثر ولا أقل، ثم جاءت الأجيال اللاحقة وظنوا أن هذه الآراء دين لا ينبغى أن يحيدوا عنه. أستاذ بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر لمزيد من مقالات