تجاوز عدد الذين سحبوا أوراق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية, حدود كل التوقعات العاقلة.. ومن المؤكد أن هذا الإقبال ليس بدافع التنافس بقدر ما ينطوي علي توليفة سخيفة مستهجنة من العبث وحب الظهور لاستعراضي الممزوج بعدم تقدير الموقف بدليل ضبط مخدر البانجو مع أحد طالبي أوراق الترشح.. وبدليل طلب أحد السجناء إجازة ليتقدم بأوراقه, وبدليل نوعيات المتقدمين, الأمر الذي يجعلني أتخلي عن ترددي وأعود إلي الاتفاق مع رأي الصديق الدكتور حلمي الحديدي المثقف السياسي, رئيس منظمة التضامن الأفروآسيوية إذ يري ضرورة الكشف الطبي والنفسي علي المتقدمين للترشح لرئاسة الدولة. وليتنا نفعل ذلك.. وليتنا نضع شروطا لسحب الأوراق أبسطها تحديد قيمة مالية لها للحد من إقبال الهازلين غير الجادين.. فإن لمقام الرئاسة منزلة عالية ينبغي تقديرها واحترامها والتعامل معها بالوقار الذي تستحقه. وفي الوقت نفسه, فإن هذه النماذج المتقدمة للترشح تعد مادة خصبة لوسائل الإعلام ووسائط الاتصال المختلفة, لكي تتناولها وتتسلي بها, وهي بهذا وبدون قصد ترضي غرائز حب الظهور, والدعاية المجانية, ولذلك فإنني أرجو حفاظا علي سمعة هذا الوطن عدم الالتفات إلي هؤلاء.. إلا في أضيق الحدود لمجرد التسجيل والرصد. إن قدر مصر ومكانتها وطموحات شعبها تفرض علي الجميع موضوعية ودقة وذكاء التناول, وعلينا أن نترك ما يسمي المدرسة الأمريكية في الصحافة, ومقابلها صحافة الأحد في أوروبا, التي تعتمد علي الإثارة بصرف النظر عن الجدوي الأخلاقية والسياسية, وللأسف الشديد فإن مدرسة الإثارة والسطحية! قد برزت ومنذ سنوات خاصة بعد ظهور الفضائيات ببرامجها الحوارية التي تثير من الخلافات والتشابكات والسباب أكثر مما تعطي فوائد وإجابات شافية, مع أننا في حاجة إلي تمهيد الطرق وتعبيدها للتقدم الوطني, وإلي التقريب بين الآراء التي تبدو متصارعة, دفعا وتفعيلا للعمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الظاهرة والخفية التي تتربص بنا وطنيا وقوميا. وأعود.. فأقول: إننا إذا كنا نناقش الانتخابات الرئاسية في مصر, وصياغة دستورها الجديد, فيما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. فإنه يتحتم علينا أن ندرك بوعي قيمة هذا الوطن, الذي شاءت له الأقدار ألا يكون فحسب مجرد بلد علي خريطة العالم, وإنما مركز ثقل وإشعاع إقليمي ودولي.. فإن كانت مصر هي قلب أمتها العربية.. فإنها بالقدر نفسه جسر أوروبا إلي آسيا وإفريقيا.. وبهذا فإنها منارة دولية لها تأثيرها ومن المستحيل تجاهلها.. ومن ثم يطمع فيها الغزاة.. ويجري الآن تدبير المؤامرات ضدها.. لتفتيتها.. ولزراعة الفتنة في كيانها.. ولمحاولة استئصال أجزاء منها.. وأيضا لمحاولة انتزاع دورها عربيا وفي الأمة الإسلامية.. وفي عالم الدول النامية.. والمجتمع الدولي. والمحصلة.. أن شعب مصر دائما علي موعد مع القدر.. وإذا كانت الأغلال تقيد حركته فترة طالت أم قصرت فإنه لابد بالحتمية التاريخية أن ينطلق ممارسا الدور والمسئولية.. وهذا ما يجعلنا نطالب بمزيد من الاهتمام بكل خطوة نخطوها.. ومنها وهي خطوة بارزة استكمال تشكيل المؤسسات الدستورية في عصر ما بعد الثورة وفي مقدمتها صياغة الدستور الجديد وانتخاب رئيس الجمهورية.. ويا أيها المرشحون.. سلام. [email protected] المزيد من أعمدة محمود مراد