أستطيع أن أقول: إن أزمة السياسة الخارجية الأمريكية تكمن في أنها - باستثناء الشأن الإسرائيلي واحتياجات الدعم المستمرة للدولة العبرية - لا تحظي باهتمام الرأي العام الأمريكي أو الكونجرس بمجلسيه إلا عندما تنفجر الأزمات بشكل يصعب تجاهله وتري الإدارة الأمريكية ضرورة حشد الرأي العام معها في مواجهة تداعيات هذه الأزمات التي تنزل فجأة بأخبارها ومشاهدها علي آذان وأبصار الأمريكيين الذين لا يدرك غالبيتهم ما الذي حدث ولماذا؟! وأظن أن صدمة الرأي العام الأمريكي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 هي التي أخرجت من العقل والضمير الأمريكي ذلك السؤال المكبوت منذ سنوات وهو: لماذا يكره الناس أمريكا في معظم دول العالم وخصوصا في العالمين العربي والإسلامي؟ لقد غاب عن الرأي العام الأمريكي لسنوات طويلة أن شعوب الدنيا كانت تري في أمريكا نموذجا للنجاح الاقتصادي والاجتماعي ومثلا يحتذي به في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان, ولكن نفس هذه الشعوب تري في السياسة الأمريكية الخارجية نزوحا ملحوظا إلي العنف والاستعلاء وازدواجية المعايير! إن حاسة الشعوب حاسة صادقة وشفافة ولا تخضع لحسابات الأنظمة والحكومات وكل شواهد السياسة الخارجية لأمريكا تتصادم مع رغبات الشعوب حيث يغلب علي هذه السياسة الاندفاع والتهور اعتمادا علي القوة بمفهومها الشامل.. وعلي سبيل المثال فإن السياسة الخارجية الأمريكية تلعب في الساحة الدولية بأوراق ضغط عديدة بينها ورقة الضغوط الاقتصادية التي تلوح بها في وجه أي دولة لا تتجاوب معها خصوصا وأنها تملك مفاتيح التأثير في المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي. بل إن مفردات السياسة الخارجية الأمريكية تتضمن الحق في تغيير واستبدال الأنظمة التي لا تروق لها في بعض دول العالم علي غرار ما لجأت إليه للإطاحة بأغلب أنظمة دول شرق أوروبا في حقبة التسعينات قبل أن تمارس نفس اللعبة في المنطقة العربية بدءا بإطاحة صدام حسين ووصولا إلي الإطاحة بالقذافي ومن قبل هذا وذاك إطاحة نظام طالبان في أفغانستان. ثم بعد ذلك يسألون عن سر العداء ويتساءلون عن أسباب الكراهية.. إنه لأمر عجيب!
خير الكلام: العربة الفارغة أكثر جلبة من الممتلئة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله