2-ونحن نواصل اليوم حديث الأمس حول الملاحظات والانتقادات الأمريكية للشأن الداخلي المصري بشكل عام والانتخابات النيابية بشكل خاص أقول: إن رفض مصر الحاسم لهذه الملاحظات والانتقادات لا يعكس دفاعا عن الشأن المصري وحده, وإنما يمثل حائط صد في وجه محاولات دس الأنف في الشئون الداخلية لشعوب المنطقة التي لديها شكوك وهواجس من نزعات الوصاية والهيمنة, التي عانت منها زمنا طويلا! لعلي أكون أكثر وضوحا فأقول: إن التدرج المطلوب الذي تحدثت عنه أمس لا ينبغي فهمه علي أنه بلا سقف زمني محدد وإنما هو تدرج في إطار زمني محسوب يمكن خلاله تلبية كل استحقاقات البناء الديمقراطي, خصوصا أنه لا خلاف علي أن منطقتنا بحاجة إلي ديمقراطية سليمة كمنطلق للنهضة والتطور والحداثة, ولكن مع الاحتفاظ بروافد الأصالة والتراث التي تمثل أهم عناصر بناء القوة الروحية والنفسية. ولست في حاجة إلي القول: إن الديمقراطية ليست مفهوما مطلقا ولا هي قوالب مصبوبة وإنما هي إطار لحرية منظمة يتم التعبير عنها من خلال قوي وحركات اجتماعية وسياسية ناهضة تمثل الأحزاب والتعددية الحزبية ذروة التعبير عنها ثم إن الديمقراطية ليست هي حق الاقتراع والانتخاب واتساع مساحة إبداء الرأي وحق الاختلاف والمعارضة فقط إنما الديمقراطية ترتهن باستقلالية القرار الوطني وتلبية النظام الاقتصادي لاحتياجات الناس وطموحاتهم المشروعة. وعلي الذين يلحون علي ديمقراطية معلبة قادمة من عندهم وبالقفز علي معطيات واستحقاقات السيادة الوطنية أن يضعوا في اعتبارهم أيضا استحقاقات عادلة ومشروعة لشعوب المنطقة في أن تري نهاية قريبة لأوضاع مقلوبة في المنطقة بسبب ازدواجية المعايير الأمريكية.. وهذه الأوضاع تمثل أحد عوامل الشك الرئيسية في مصداقية الطرح الأمريكي للديمقراطية والإصلاح السياسي. إن ديمقراطية الدبابات الأمريكية في العراق لم تفرز أمنا ولا استقرارا وإنما أفرزت مقاومة وعنفا.. وأيضا فان مباركة أمريكا لديمقراطية الاجتياح في إسرائيل إلي حد محاصرة الرئيس عرفات المنتخب ديمقراطيا أكدت صحة الهواجس العربية في مصداقية أي طرح أمريكي, خصوصا أن كل ملابسات محاصرة عرفات وتهميش دوره علي طريق اغتياله كانت تتم بمباركة ورعاية أمريكا صاحبة الأجندة الديمقراطية. والخلاصة أن جدية الطرح الأمريكي للديمقراطية كانت تتطلب ظهور إشارات تؤكد احترام أمريكا للديمقراطية واحترامها أيضا لاستحقاقات السيادة الوطنية فالذي تعكسه السياسات الأمريكية في المنطقة ليس سوي اغتيال متعمد للديمقراطية, ويعتبر نموذجا سيئا لما يجري التبشير به منذ سنوات باسم الديمقراطية الموعودة التي يراد اختصارها فقط في بند الرقابة الدولية علي الانتخابات.
خير الكلام: ** إذا لم تستطع أن تتجنب النكبات قبل وقوعها فلا يكفي أن تصبر عليها إن وقعت رغم أن الصبر ضرورة! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله