التشريع صناعة رفيعة المستوى تتطلب متخصصين مهرة،وقانونيين بارعين فى صياغة النصوص وضبطها، لكى تتسم بالاستقرار والاستمرارية لاطول مدى زمنى ممكن، ولذلك ثار جدل صاخب بين من يدرى ومن لا يدرى حول شبهة عدم دستورية بعض القوانين التى أصدرها رئيس الجمهورية فى غيبة «مجلس النواب» وكان من بينها قانون تنظيم أجراءات الطعن على عقود الدولة ، الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم – 32 – لسنة 2014- وقد قدم مثيرو الجدل اسناديهم التى تبدو قانونية من وجهة نظرهم، دون الاعتبار الى أن مقصد ذلك هو المحكمة الدستورية العليا وحدها ، فهى المنوط بها مطابقة القوانين بالدستور ، دون التطرق الى اجتهادات من غير المتخصصين قد تثير ارتباكا ولبسا فى المشهد السياسى . المستشار مجدى أمين جرجس نائب رئيس هيئة قضايا الدولة وعضو المجلس الاعلى للهيئة الاسبق يقول «لقد اعتمد أصحاب هذا الجدل فى شبهة عدم الدستورية على أمرين هما الاول: أن حق رئيس الجمهورية فى اصدار قرارات بقوانين لاتكون وفقا لما تقضى به المادة – 156- من الدستور الا فى حالة الضرورة التى توجب أتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وليست هناك حالة ضرورة عاجلة تقضى إصدار هذا القانون، والثاني: أن الدستور فى المادة – 97- منه قد حظر تحصين أى عمل من رقابة القضاء ، وقد تضمن القانون المذكور حظرا لغير أطراف التعاقد من الطعن على عقود الدولة ، ويرد المستشار مجدى أمين على هذه الاجتهادات بقوله «إن نص المادة - 156- من الدستور قد فرق بين أمرين وهما الاول: أذا حدث فى غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الاسراع فى اتخاذ تدابير لاتحتمل التأخير فحينئذ يحق لرئيس الجمهورية دعوة المجلس لانعقاد طاريء لعرض الأمر عليه، والثانى إذا كان مجلس النواب غير قائم فيجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانيين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد مجلس النواب الجديد ، فاذا لم تعرض أو تناقش ، أو اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون . ومن ثم فأن حالة الضرورة لازمة فقط لكى يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب لانعقاد طاريء لعرض الامر عليه قبل اتخاذ التدابير العاجلة، أى انها ليست لازمة ليصدر رئيس الجمهورية قرارات بقوانين، أما القيد الوحيد على حق رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات بقوانين فى حالة غيبة مجلس النواب، فهو ضرورة عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد، والا زال مالها من قوة القانون، وعلى ذلك تنتفى شبهة عدم دستورية القانون المذكور، والتى تأسست على نص المادة - 156- من الدستور، أما الوجه الثانى فهو مردود عليه ايضا، ذلك أن القانون المذكور لم يحظر نهائيا الطعن على عقود الدولة، والا وقع فى حمأة مخالفة نص المادة – 97- من الدستور، وانما قصر حق الطعن فيها على أطرافها فقط دون غيرهم ، وهو ما يندرج فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع فى تنظيم حق التقاضي، وقد استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن «سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى هى سلطة تقديرية» جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، لتحقيق الاغراض التى يتوخاها للوفاء باكثر المصالح وزنا،.. ويجوز للمشرع أن يقدر لكل حالة ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها..، فلا يكون افراطا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافا بها عن أهدافها، ولا تفريطا مجافيا لمتطلباتها، بل بين هذين قواما التزاما بمقاصدها باعتبارها شكلا للحماية القضائية . للحد من الطعون على عقود الدولة .. ولعل من الاهداف التى توخاها المشرع «وهو هنا رئيس الجمهورية» باصدار هذا القانون هو الحد من الطعون على عقود الدولة من أى شخص حتى ولم يكن له صفة أو مصلحة فى الطعن على العقد، اعمالا لما نصت عليه المادة الثالثة من قانون المرافعات، من انه لاتقبل أى دعوى لاتكون لصاحبها فيها مصلحة شخصية مباشرة وقائمة يقرها القانون، ويضاف الى ذلك أن اغلب عقود الدولة تتعلق بالاستثمار، وهو ما تسعى الدولة جاهدة لتشجيعه وتعزيزه ، واتخاذ ما يلزم فى سبيل تحفيز المستثمرين ، وبالاخص طمأنتهم الى أن العقود التى يبرمونها مع الدولة بعيدة عن اللد فى الخصومة، غير قابلة للطعن عليها الا لاطرافها دون غيرهم، وهو هدف يبرر اصدار القانون المذكور، ويبين أن الجدل المثار بشأن عدم دستورية القانون المذكور أنما يفتقر الى السند الصحيح الذى يؤيده .