بين الصواب والخطأ..تعيش المرأة اليوم في الزمن الخطر، تقف أمام طريق مسدود ساعية وراء رزقها، لا ترى ولا تسمع غير أصوت جائعة مسئولة عنها وفى «عنقها» هم أولادها، وربما تكون مسئولة أيضا عن عائلة كبيرة، أخوة صغار أو أم كهلة أو أب عجوز تكون ملزمة بهم جميعا وفي وذمتها، امرأة كل همها أن تبيع تجارتها أو «كومة بضاعتها» حتى تطعم أفواها كثيرة بانتظارها , لاتبالى في ذلك بمن يستوقفها أو يطعن كرامتها أو يدهس ويهزم حلمها، أمام العثور آخر النهار على ثمن عدة أرغفة من العيش تسد جوع كل من تعول. هذه هي البائعة التي كانت تعوق الطريق ليشترى منها المارة مالديها من بضاعة بالرضا أو بالغصب- وقد تم نقلها الى منطقة «الترجمان» بمنطقة القللى خلف قسم الأزبكية، وهى عبارة عن محال خشبية، يحرسها رجال الشرطة، فهل البائعات سعيدات بهذا المكان المسمى الترجمان؟.. وهل تروجن فيه مالديها من بضاعة أم أصابها الكساد؟ ذهب «قسم المرأة» الى هناك وقد رأى عدسة المصور تلك اللقطات.. سيدات طحنتهن الأوجاع والمتاعب ظهر على ملامحهن تعب الليالى وشقاء السنين، وقد فرشت كل واحدة منهن بضاعتها على التخت المخصص لبضاعتها وقد كتبت عليه يافطة صغيرة كاسم لمحلها، المحال جميعا مفتوحة والمارين بسياراتهم يلمحونها أحيانا فيطل بعض المارين ليطلبوا منهن احتياجاتهم، والبعض الآخر يستكمل الطريق في تجاهل شديد، والى هنا انتهى التصوير. وفي البداية كان الحديث مع سيادة اللواء -المسئول عن منطقة الباعة بالترجمان- الذى فضل عدم ذكر اسمه، وقال: إن محافظة القاهرة تكلفت مبالغ مالية كبيرة كي يتم تجهيز ذلك المكان المخصص للباعة الجائلين والبائعات بمنطقة الترجمان، حيث تم نقل محطة أتوبيس نقل عام «وخط سرفيس» كامل منه، وتم إدخال المياه والكهرباء لها بالكامل، وأعد لخدمتها محال تجارة وبقالة،وتم تكليف شركة حراسة كاملة لحراستها على مدار 24 ساعة التي تكلف الحكومة 80 ألف جنيه شهريا. وقد احتوت سوق الترجمان علي كثير من الباعة الجائلين من البائع السريع الذى ينتقل من مكان لآخر بمجرد طرده على الرصيف الى البلطجى الذى كان يبحث عن أي مكان ليقف فيه بالقوة ليبيع بضاعته، وهو الذى كان يظهر على مداخل ومخارج المترو أوالقطارت والذى اعتاد البيع للزبائن بالحاح أو باعتراض طريقهم، وفى الغالب هذا البائع لايرضى بالمكان النظيف المرتب المخصص ليرتزق من بضاعته ولكنه يفضل الزبون الجاهز والمضطر تحت إلحاحه للشراء منه حتى وإن كان ليس في حاجة للبضاعة المفروضة عليه. وتقوم محافظة القاهرة حاليا بتجهيزالمزيد من المحال في مناطق وسط المدينة بحي أحمد حلمي، والعتبة، وبجورالثلج، كى تخصص لغيرهم من الباعة الذين اتخذوا من الأرصفة أماكن للاسترزاق، ولمساعدتهم على ترويج بضاعتهم وليكون منفذ شراء للمستهلكين، بالإضافة الى سوق الترجمان، التى تحتاج لمزيد من الصبر لتنشيط حركة التجارة بها، وحتى يتم جذب الزبائن اليه وترويج البضاعة المعروضة فيه كسوق الجملة في 6أكتوبرأوسوق العبور. وجدير بالذكر أن البائعين قد تذمروا للانتقال الى هذين المنفذين في بادىء الأمر، ولكن من منهم صبر فقد حالفه الحظ، حيث وصل سعر المحل الواحد منهما الآن في سوق الجملة في مدينة6 أكتوبر الى أكثر من 10ملايين جنيه. وداخل سوق الترجمان تقول سحر محمد وهى احدى البائعات في سوق الترجمان : كما ترى ياابنتى احنا جالسين في سوق الترجمان أنا وغيرى من البائعات من «صباحية ربنا» ببضاعتنا.. لكن لابيع .. ولاشراء، وبالرغم من صرفنا لغذائنا ولعشانا الذى نشتريه من المحال من الشارع المقابل لجلوسنا، فإننا لانجمع حق ما أكلنا به «وكله بالسلف»، فالى الآن لايوجد دخل يومى أوحتى شهرى نستطيع به أن ننظم حياتنا وأسرنا. ودينا بائعة بنفس السوق الجديدة تقول: رغم تكدس بضاعتى وغيرى من البائعات في سوق الترجمان الا أننى أضطر للحضور يوميا بهدف توقيع الحضور الذى التزمت به وغيرى من الزميلات أوالزملاء- نظير استلامنا المحال، فالتى لاتحضر وتمضى كل صباح يتم شطب اسمها من السوق، وتضيف أنه يمضى النهار بكامله دون أن يدخل للسوق زبون واحد، نعم هناك كثير من السيارات تمر بالسوق ذهابا ومجيئا لكن نادرا مايتوقف أحد للشراء! وتقول مني أحمد بائعة شاي بالسوق: أن لديها ثلاثة أطفال جميعهم في المدارس وقد جاءت للسوق باحثة عن رزق لهم حتى تلبى طلباتهم في الدروس والمدارس، ولكنها فشلت وخذلت زوجها العاجز الذى بانتظار وجبة تسد جوعه وجوع أولادهما، ومنى أحمد التي تبيع ملابس وجوارب السيدات بشارع طلعت حرب ومنذ 7 أشهر، جاءت للسوق لتجرب حظها في بيع الشاي للزبائن في هذا الجو البارد، ولكن الشتاء مر ولم تبع الا للبائعين فقط وغالبا بلا مقابل فالحال واقف-الذى يبدو أنه عاثر الى وقت دخول الصيف. وتشير صديقتها التي رفضت ذكر اسمها إلى أنها فشلت في بيع بضاعتها داخل سوق الترجمان، ولتكدس بضاعتها الشتوية فقد فكرت أن تبيعها خارج السوق، ولكنها خافت من عقوبة البيع خارج الترجمان والذى تصل عقوبته من الغرامة 500 جنيه أو الحبس، هذا بخلاف صعوبة استرداد البضاعة بعد ذلك. ومن منطقة الترجمان تطالب البائعات بأن ترفع الحكومة ايديها عنهن وتترفق بهن كنساء معيلات لايدخل ييوتهن الا جنيهات قليلة لاتكفى حالاتهن وسط هذا الغلاء،!كما أن منطقة الترجمان غير صالحة للبيع لأنها منطقة منعزلة والزبائن يفضلون شوارع القاهرة والتي تناسبهم مجيئا وذهابا من والى العمل، وقد كانوا يبيعون فيها يوميا كل بضاعتهم. أما هدي عبد الرحيم مازن، ورضا محمد علي، ومبروكة عبد العزيز، ونجلاء جلال موسي، وسكينة سعد، وهند عبد الغني، فيؤكدون أنه مر 7أشهر والمكان يخلو تماما من الزبائن، «وهو أمر لايرضى ربنا». وعن سماح أحمد، ومجدي كساب، وعطا محمد، فقد أكدوا أنهم يريدون بديلا للترجمان والذى خسرهم أموالهم وتسبب في حالة الفقر التي يعيشونها وأنهم يعيشون في حالات من ضيق ذات اليد، وأكدوا أن عدد الباعة في سوق الترجمان تناقص من 2000الى 1000 بائع من أحياء غرب القاهرة وعابدين والموسكي والأزبكية، لأن المنتجات الصينية مسيطرة علي السوق كلها ولأنها «واكلة الجو» منهم على حد تعبيرهم، رغم جودة المنتجات المصرية عنها بمراحل، مما أدى لكساد البضاعة التي ابتاعوها من الحكومة ومن المسئولين بكثير من الضمانات وبنظام «البيع بالأجل»، ويمكن حل هذه المشكلة بالتعاقد مع الشركات التابعة للدولة -شركات الملابس على سبيل المثال- حتى يتم تنشيط السوق -وتقف على رجليها كما يمكن تأهيل المكان إعلاميا كتنزيل اعلان بالتليفزيون بأن سوق الترجمان به ملابس مصرية بأسعار مخفضة من الاقطان وملابس للأطفال، والصبر علي أصحاب البضاعة حتى رواج البيع وسداد المستحقات، وإن كان للبعض اقتراح آخر هو أن يتم نقل الباعة الجائلين من سوق الترجمان الى ساحة «باجور الثلج» بشارع الجلاء، على مرأى ومسمع من المشترين، -وعلى مسئوليتهم- فإنهم سيتكاتفون لتجهيزه كمكان دائم لرواج تجارتهم.