هل باتت منظومة القيم والأخلاق والفطرة، مجرد وريقات ضعيفة في مهب الريح يعبث بها المختلون وشذاذ الآفاق ؟ .. وأسئلة كثيرة ظل يرددها أهالي قرية " جديدة الهالة " مركز المنصورة وهم يسمعون صراخا وعويلا واستنجادا في أحد منازلهم لعدة دقائق . ثم يطبق الصمت عليه ليكتشفوا فيه جريمة قتل بشعة لسيدة في نهاية الأربعينات ووالدتها المسنة التي يتجاوز عمرها سبعين عاما، ومن يكون القاتل ياتري؟ هل جاء لص من بعيد يسطو مسلحا علي البيت بغرض السرقة؟ وهل كانت النساء مطمعا لمحاولات الاغتصاب من قبل ضعاف النفوس؟ كلا فقد ظهر المجرم بثيابه الرثة التي شربت الدم واغتسلت بالعقوق والعصيان، ولم يتحرك بعيدا عن المكان كثيرا لهول ما فعله وملاحقة أهل القرية له حتي جاءت الشرطة. إنه الابن الضال الفاسد العاطل عن العمل البالغ من العمر 29 عاما، والذي كان رده علي وصايا ربه خيرا بأمه وجدته أن يمزقهما إربا وأن يسفك دمهما ظلما وعدوانا، وبدلا من أن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، رفع لهما سيف القتل وسقاهما كأس العذاب والتنكيل من باب الاستهتار والرعونة والضلال والبغي، وبدلا من أن يدرك أن الجنة تحت أقدام الأمهات حرص أن تكون النار تحت غضبها وحزنها وقهرها من فلذة كبدها، الذي تمنته رجلا صالحا كبقية الشباب، وضيعت عمرها الغض من أجله ولم ترمه في الشارع وتتزوج بغير والده بعد طلاقهما بأعوام .. صبري الذي لم يكن صابرا فشل في أن يكون شيئا نافعا رغم كل وسائل الإصلاح، لم ينجح في استكمال تعليمه، وعندما ضاق الحال بأمه الصابرة انتقلت معه للعيش مع والدتها العجوز ليتشاركا هموم الحياة، وليكونا سندا لبعضهما ضد عواصف الأيام ومحن العمر، وفي مقدمتها فساد الولد الذي التف حوله أصدقاء السوء، فأصبح مدمنا لسموم العصر من حبوب الهلوسة والمخدرات، يشتريها بأي ثمن وأي مال يمكن ليده الوصول إليه، ويقضي جل وقته علي المقهي في حالة ضياع مستمرة ، ولم يفلح صبري في العثور علي عمل شريف أو بالأصح لم يسع إليه، ولم يحاول مخلصا مجتهدا كبقية الشباب المكافحين، ولهذا كثيرا ما كان يواجه بعواصف من النقد والتوبيخ من والدته التي حاولت مساندته بكل ما تستطيع دون جدوي . ويوم الجريمة التي هزت الأرجاء وجلبت غضب السماء تملك الشيطان من صبري فحطم رأسي والدته وجدته ثم استخدم دماءهما في تلطيخ جسده، ودخل في حالة من الهذيان بكلمات غير مفهومة، معترفا في الوقت ذاته بفضليهما عليه في لحظات فقد فيها توازنه، واكتشف حجم ما اقترفت يداه، في مشهد يقترب كثيرا من قتل قابيل لهابيل في مقتبل الخليقة . وعندما سألته الشرطة والنيابة في التحريات والتحقيقات عن سبب جريمته أورد سببا لا يمكن لطفل صغير أن يصدقه. قال المتهم في أقواله: " طلبت مني والدتي أن أغلق التليفزيون، ووقتها كنت أتابع برنامجا أداوم علي مشاهدته، فرفضت تنفيذ أوامرها، وتطور الأمر إلي مشادة كلامية، وقبل أن يعلو صوتها أحضرت سكينا ووجهت إليها عدة طعنات قاتلة في مناطق متفرقة من جسمها، تدخلت جدّتي في محاولة لإنقاذها، وقبل أن تصرخ أجهزت عليها هي الأخري حتي سقطت جثة هامدة إلي جوار أمي ". لكنه في مرات أخري يبرر فعلته بأنه طلب منهما نقودا ليصرفها علي مزاجه وعبثه، لكنهما رفضتا طلبه لكونه غير منضبط ومستهتر ولا يعمل، فنشبت بينهم مشادة قام علي إثرها الابن بتنفيذ جريمته. وأفاد جيران المتهم في شهادتهم بأنه طلب من والدته مبلغا ماليا، ولضيق الحال رفضت لأنها تقوم علي تربيته منذ صغره لطلاقها من زوجها، الذي يعيش في قرية أخري وبعدها تطورت الأمور بحدوث مشادة قام علي إثرها بطعن أمه، وعندما صرخت جدته كتم أنفاسها ثم انهال عليها بطعنات في الرقبة والرأس، وجلس بجوارهما لفترة كبيرة يضع المياه علي وجهيهما محاولا إفاقتهما مرة أخري ، مؤكدين أنه عاطل وأنه يتعاطي المخدرات وسيئ السمعة. وبالتعاون مع أهالي القرية تمكن فريق من الشرطة، بإشراف العميد خالد الزيني مأمور مركز شرطة المنصورة، وقيادة الرائد رامي الطنطاوي رئيس مباحث المركز من إلقاء القبض علي صبري، الذي أرشد عن أدوات ارتكاب الجريمة، وهي " سنجة كبيرة الحجم ذات مقبض خشبي، ونصل معدني عليه آثار للدماء، ومفك، وقلة فخار مهشمة وعليها بعض آثار الدماء وحلة طبخ"، كما أرشد عن البنطلون الذي كان يرتديه أثناء الواقعة وعليه آثار الدماء بعد أن أخفاه تحت سرير أمه. وحاول الجاني التمثيل بأنه مختل عقليا، لكن هذا لم ينطل علي النيابة التي استمعت إلي اعترافاته التفصيلية بإشراف المستشار محمد الزنفلي، المحامي العام لنيابات جنوبالدقهلية، وتأكدت من سلامة قواه، فتم حبسه علي ذمة التحقيقات. ووجهت النيابة العامة له تهمة القتل العمد، وقررت عمل تحليل مخدرات له مع التنسيق مع شرطة مركز المنصورة لعمل معاينة تصويرية للجريمة.