عندما أعلنت الدولة عن مشروع الاسكان المتوسط "دار مصر" شعرت قطاعات عريضة من المواطنين ببداية انفراج أزمة الاسكان لكن صدمتهم أسعار الشقق ، والتى تراوحت أسعار المتر فيها بين 2800 و 4250 جنيها ، وقال البعض إن أسعار الاسكان المتوسط سببت طفرات فى أسعار الوحدات السكنية فى المدن الجديدة والقديمة على حد سواء بنسب بلغت نحو 30% ، دفعنا ذلك الى محاولة تقصى رأى المواطنين والخبراء والمسئولين. فى البداية يقول أشرف عبد النبى – مدرس وفى الثلاثينيات من العمر- لا أتصور ان أسعارا كهذه يتحملها أى فرد من الطبقة المتوسطة ، فمن منا يستطيع دفع من 60 الى 100 ألف جنيه مقدم شقة ويتحمل أقساطا تبلغ ثلاثة آلاف جنيه وقد تزيد ، وكيف يربى أولاده وينفق على نفسه وكلنا بالكاد نفى باحتياجاتنا ، ويرى أن الحل فى توفير شقق بالايجار بمساحة معقولة ولتكن 100 متر حتى تستوعب أسرة من خمسة أو أربعة أفراد مثلا مع ضمان توافر وسائل العيش بالمنطقة كالمساجد والمدارس والمناطق التجارية والدواوين الرسمية للمرافق وخلافه لتقليل الحاجة للانتقال الى المناطق القديمة ، ويحذر من مافيا الاستغلال التى تمنع أصحاب الحقوق من الوصول اليها لأنهم من العوامل الرئيسية لارتفاع الأسعار، فمثلا من حصل على أى شقة من الدولة لاتتاح له أخرى لأن غيره أولى ويصبح اللجوء الى القرعة فى أضيق الحدود لإعادة بث الثقة الغائبة ، كما يقترح أن تكون الوحدات السكنية مقسمة طبقا للمهن كالعمال والمهنيين والمدرسين والمحامين والمهندسين وغيرهم ليكون المستوى متقاربا . أما وائل خليل - موظف بهيئة الموانئ البرية- فيرى أن الحكومة ممثلة فى وزارة الاسكان تبالغ فى تقدير الأسعار مما أدى لاشتعالها بشكل مخيف ، فبدلا من أن يؤدى طرحها الى الانخفاض بما يناسب الدخول أو حتى ثباتها سببت زيادتها بفضل هذا القرار غير المدروس والغريب ، وأضاف لابد من امتصاص هذا الغضب المكبوت فى صدور الناس ، والذى زاد بعد الاعلان عن حجزها بسرعة من قبل الراغبين ، والسؤال : هل الدولة تدعم الأثرياء بجمع أموالهم واستثمارها لهم وتترك من بدأ حياته فى وحدة سكنية صغيرة بالإيجار الجديد على أمل تيسر الأحوال مستقبلا والانتقال لشقة أوسع تستوعب أسرة أكبر ، ويرى أن الحل فى توزيع أراض على جهات العمل المختلفة مثل هيئة الموانئ التى يعمل بها والتنفيذ والبناء يقع على كل حاجز طبقا لفترات وأسعار محددة تناسب القدرات الحقيقية للدخل حتى التشطيب النهائى والسكن فيها ومن لايلتزم تسحب منه وتعطى لغيره. ومثال ثالث صاحبه محمد جابر - موظف بإحدى المؤسسات الكبرى - يقول إن من وضع هذه الأسعار لايعرف معاناة السواد الأعظم من الشعب فى السكن ، ومن يستطيع السكن بهذا السعر؟ مبالغة كبيرة يقول المهندس سيف الله أبوالنجا رئيس جمعية المهندسين المعماريين والنائب السابق للاتحاد الدولى للمعماريين : الحل الأمثل فى إنشاء مناطق تجارية ومولات يمكن عن طريقها تحصيل مبالغ ضخمة لها مردود كبير ندعم به محدودى الدخل ، ويشير الى أننا لدينا 34 مليون حالة زواج تحتاج 17 مليون شقة خلال عشر سنوات بما لا يقل عن 1,5 مليون شقة سنويا، يضاف اليهم من تزوج في وحدة صغيرة ولايستطيع الاستمرار فيها بعد زيادة أفراد أسرته. ويقول المهندس الاستشارى صلاح حجاب رئيس جمعية التخطيط العمرانى من المفروض أن تكون الدولة قد وضعت فى الحسبان أن التكلفة هى الأرض والمنشأ والخدمات الكاملة فى الموقع ، وهذا نظريا يجب أن يكون بالقيمة التى تكفل توفير أراض أخرى لأصحاب الدخول الضعيفة ، إضافة الى أن قيمة القسط يجب ألا تزيد بأى حال على ربع دخل الأسرة وبما يوائم أسعار المنطقة المحيطة ، لكن الحل من وجهة نظرى بإحدى طريقتين الأولى : إعادة نمط التأجير وليس التمليك - الذى بدأ عام 1970 - ليستطيع متوسط الدخل العيش بكرامة ، والطريقة الثانية تخصيص أرض للقادر على البناء فى الأمد الزمنى المحدد لاستكمال المرافق فيصبح العقار جاذبا للمواطن واستقراره ، وأؤكد أنه إذا تم تنفيذ هذا المبدأ سيكون أيضا فى حدود ربع دخل الأسرة وهو أهم عوامل الاستقرار فى مصر لأن الصحارى شاسعة وإن لم نستغلها ، فسوف نظل حبيسى الوادى الضيق . غير مدعومة المهندس خالد عباس نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة يتساءل: من قال إن هذه الوحدات لمتوسطي الدخل؟ ويضيف: كل ما هناك أنها تستهدف الطبقة فوق المتوسطة التى لديها مال يعادل مقدمات هذه الوحدات أى نحو 200 ألف جنيه وهو لايكفى لشراء وحدة تناسب حاجتها بأسعار السوق الآن لذا كانت مبادرة الدولة بطرح هذه الوحدات ال 30 ألفًا وهى غير مدعومة من الدولة بالمرة ، لكننا نتمتع بثقة فى السوق تدفع الكثيرين الى الإسراع بالحصول على وحدات سكنية ننشؤها نحن ، كما أنها أقل من سعر نظيرتها ، والسبب فى اندهاش الناس هو ظنهم أن الدولة تقدم الشقق مجانا أو بأسعار زهيدة، وهو ما لم يتحقق فى الدفعة المطروحة الآن ، فنحن لم نقدم سوى "تمويل عقارى ميسر". وأضاف أننا لم ننس محدودى ومتوسطى الدخل فقد سعينا مواكبة منا لارتفاع الأسعار الى زيادة مساحة الإسكان المتوسط المدعوم من الدولة من 80 الى 90 مترا ، كما طلبنا زيادة دخل من يشملهم هذا الدعم من 2500 جنيه للأسرة الى 3000 جنيه شهريا لتوسيع قاعدة المنتفعين ، ونأمل زيادتها أكثر من ذلك ، وبهذا يتضح انحيازنا فعليا للسواد ألأعظم من الشعب. توازن السوق العقارية أما المهندس أمين عبد المنعم - نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة - فيقول :تم طرح الوحدات الأخيرة للوفاء بغرض توفير وحدات سكنية بمساحة مناسبة بمسطح من 100 الى 150 مترا مربعا، وهو ما لم يحدث منذ فترة من قبل وزارة الاسكان ، وكان التركيز علي شريحة الاسكان الاجتماعي والقومي ومحدودي الدخل، لذا كان تدخل هيئة المجتمعات لاحداث توازن في السوق العقارية لندرة توافر تلك الوحدات بمواصفات ومساحات مناظرة لتوفير وحدة داخل تجمع عمراني سكني ( كمباوند) بتكاليف اقل من المعروض حاليا في السوق مع مراعاة التنوع في السعر، فمثلا المدن التي لم يكتمل نموها كاملا مثل السادات وبدر والعاشر الأسعار فيها أقل ليرتفع السعر نسبيا مع تحقيق هامش ربح في المدن المكتملة النمو وبها ندرة من الاراضي مثل القاهرة الجديدة ودمياط الجديدة واكتوبر والشروق والعبور ليتحقق هدف المرحلة التي تشمل 30 ألف وحدة بتغطية تكاليف الانشاء والمرافق والموقع العام وبأسعار تقل عن مثيلتها لدى المطورين العقاريين بنسبة لاتقل عن 25% ، أى أن الهدف الحقيقى من الدفعة الأخيرة توفير احتياجات شريحة من المجتمع لديها أموال لاتكفى ثمن وحدة داخل مجتمعات سكنية لأن أسعارها خيالية وفوق طاقتها بكثير ، أما بخصوص وحدات الإسكان المتوسط فجار طرح 250 ألف وحدة بمساحة 90 مترًا مربعًا وبدعم من الدولة مع توفير تمويل عقارى لمساعدة الراغبين فى حيازتها على سداد قيمتها بقروض ميسرة . وأخيرا يقول المهندس سامى أبوزيد - رئيس الإدارة المركزية للبنية الأساسية بهيئة التخطيط العمرانى - إذا نظرنا للموضوع نظرة متكاملة سندرك أن الدولة تقدم ثلاث فئات من الوحدات السكنية للأولى بالرعاية بحق انتفاع بمساحة فى حدود 45 مترًا مقابل مبالغ زهيدة ، ولهم بعد ذلك الحق فى وحدات الإسكان الاجتماعى 60– 80 مترا المدعومة من الدولة بقيمة تصل الى 50 ألف جنيه من قيمتها ، وعدد هذه الأخيرة مليون وحدة سكنية مقسمة على خمس سنوات بواقع 200 ألف سنويا ، كما تقدم قطع أراض من 400 الى 600 متر للإسكان العائلى ، وللعلم فإن الوحدات ال30 ألفا ليست ضمن هذا العدد. وفى النهاية تجب إعادة الثقة الغائبة للناس ، صحيح أن ذلك يحتاج وقتا وجهدا وشفافية مصحوبة بحجم أعمال يكفى الاحتياجات وأسعار تدفع الناس الى السكن فى المدن الجديدة بشكل حقيقى وليس بأطلال مهجورة ، والنظر للموضوع على أنه هدف قومى بعيدا عن الربح القريب لأن الأمر لم يعد يحتمل ترف التخاذل والتهاون.