مشكلة الاسكان تأتي دائما علي رأس قائمة الأولويات خاصة بالنسبة للمواطن محدود الدخل وبالتحديد للشباب في مقتبل العمر والذي يرغب في الحصول علي سكن من أجل الاستقرار وبناء أسرة.. ولذلك كان المشروع القومي للاسكان من أهم أولويات البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك.. فما هي الخطوات التي تم إنجازها بالفعل ؟ وهل أسهمت بالفعل في وصول الدعم الي مستحقيه ؟ ومدي نجاح القطاع الخاص في هذا المجال بمشاركته فيه؟ التساؤلات تجيب عنها السطور التالية. حيث يشير اللواء مهندس جلال سيد الأهل رئيس الجهاز التنفيذي للمشروع القومي للاسكان إلي أن هذا المشروع بدأ في أكتوبر2005 وكانت هناك4 آليات أساسية لتنفيذه أولها توفير الأراضي التي يتم إنشاء الوحدات السكنية عليها وبالفعل تم التنسيق مع جميع المحافظات والمدن الجديدة لتوفيرها حيث تم توفير18 ألف فدان في13 مدينة جديدة ومساحة أخري مماثلة في المحافظات.. وثانيها توفير الدعم اللازم للمشروع القومي للاسكان لتوفير500 ألف وحدة سكنية خلال6 سنوات بمعدل85 ألف وحدة سنويا( وكان هذا المعدل35 ألف وحدة فقط سنويا من قبل) حيث يقوم المواطن بسداد مبلغ قيمته5 آلاف جنيه وتقدم الدولة دعما له قيم مابين15 25 ألف جنيه.. أما باقي ثمن الوحدة قيمته30 ألف جنيه فيتم توفيره بواسطة قروض من البنوك نظام التمويل العقاري لمدة20 سنة فيقوم المواطن بسداد قسط شهري قدره160 جنيها تزداد سنويا بمعدل7.5% للفوائد.. وبذلك تكون الدولة قد وفرت دعما قدره7.5 مليار جنيه بمعدل1.2 مليار جنيه سنويا. أما الآلية الثالثة فهي تتمثل في بروتوكول مع البنوك لتوفير قيمة القرض للمواطنين وهذه البنوك هي بنك مصر والتعمير والاسكان والبنك الأهلي وشركة التمويل العقاري. القطاع الخاص وآخر هذه الآليات هي إشراك القطاع الخاص في المشروع وبالفعل نجحنا في دخوله الي هذه المنظومة لتوفير وحدات سكنية مساحتها63 مترا لمحدودي الدخل.. وهنا يثار تساؤلان هامان أولهما يتعلق بالمساحات ومدي مناسبتها للمعيشة.. حيث يجيب المهندس جلال سيد الأهل قائلا: إن هذه المساحات63 مترا مناسبة الي حد كبير خاصة بالنسبة لمحدودي الدخل لاسيما أنها مساحة صافية ويمكن لمن تتحسن أحواله المادية فيما بعد الانتقال الي وحدة مساحتها أكبر ولكنها في حقيقة الأمر محاولة لحل الأزمة.. أما التساؤل الثاني فهو يتعلق بالقطاع الخاص وماإذا كان دخوله قد أسهم في رفع سعر الوحدات السكنية وهو الأمر الذي أكده الكثير من المواطنين الذين أشاروا الي المغالاة الشديدة في ثمن الوحدات بالشكل الذي لا يتناسب مع دخولهم ويجعل من حصولهم علي وحدة سكنية أمرا صعبا المنال.. وهو الأمر المتوقع في واقع الحال حيث يقترن دخول القطاع الخاص في أي مشروع بمدي تحقيق الربح.. لذلك فما هي الضوابط التي تحكم ذلك ؟ وهنا تأتي الاجابة علي لسان رئيس الجهاز التنفيذي للمشروع القومي للاسكان بوزارة الاسكان مشيرا الي أن مشاركة القطاع الخاص تنحصر في12% فقط من الوحدات السكنية في المشروع( مساحات63 مترا) لاستثمار أمواله فيها وهو مانجحنا فيه بالفعل بدلا من اقتصار هذا الاستثمار علي بناء المنتجعات في المدن الجديدة والفيللات وغيرها وبالفعل فقد شاركت في المشروع143 شركة قطاع خاص وجهات وهيئات ونقابات وغيرها.. ولا يمكننا أن ننكر مبالغة بعض الشركات في الأسعار وإن كانت الأمور برمتها تخضع لقانون العرض والطلب فهناك بعض الطبقات داخل طبقة محدودي الدخل قادرة علي سداد ثمن الوحدات ناهيك عن أن السعر يختلف من منطقة الي أخري ففي مدينة العاشر من رمضان مثلا يصل ثمن الوحدة السكنية63 مترا الي80 ألف جنيه بينما في مدينة6 أكتوبر يصل ثمن مثيلتها الي100 ألف جنيه وفي نفس الإطار يجب ألا نغفل أن هناك ثلاثة عوامل أساسية تتحكم في سعر الوحدة السكنية هي قيمة المنشأة وقيمة المرافق والأرض.. فلاشك أن الدولة تقدم للمواطن الوحدة وتحمله قيمة المنشآت فقط بدون المرافق والأرض بينما القطاع الخاص يضع هذه التكاليف الثلاثة في تحديد السعر أي التكلفة الفعلية بالاضافة الي هامش ربح.. وبالفعل لم تترك الدولة المواطن يواجه مشكلة المغالاة في سعر الوحدة السكنية من القطاع الخاص دون تدخل منها حيث تقوم بمنح10 آلاف جنيه كدعم للمواطن الذي قام بالشراء من القطاع الخاص مما يسهم في تخفيض قيمة الوحدة بالنسبة له. ضوابط التطبيق أما فيما يتعلق بالضوابط التي تضعها وزارة الاسكان للرقابة والمتابعة علي القطاع الخاص في البناء وعدم المغالاة في الأسعار.. فإننا نؤكد أن الأمر يخضع للعرض والطلب لذلك فإنه لا يمكنناالتدخل في تحديد سعر الوحدات السكنية بينما تنحصر المراقبة والمتابعة فقط علي محوريين هما أن تكون المساحة63 مترا صافية وأن محدودي الدخل فقط هم الذين حصلوا علي الوحدات السكنية وتتم مراجعة ذلك بالقطع.. وعلي الجانب الآخر فهناك شروط بالفعل قد تم وضعها منذ الاعلان عن المشروع في ديسمبر2005 حتي مارس2008 لضمان حصول المستحقين علي هذه الوحدات وأهمها أن يكون المواطن غير حاصل علي وحدات سكنية وكذلك أن يكون من محدودي الدخل فإذا كان أعزبا لا يزيد راتبه الشهري علي1000 جنيه وتم رفع هذا الشرط مؤخرا الي1750 جنيها وإذا كان متزوجا فلا يزيد راتبه عن1500 جنيه وتم رفعها مؤخرا الي2500 جنيه. وبالنسبة للقطاع الخاص أيضا فهناك مخطط مستقبلي يتمثل في قيامه بتنفيذ300 ألف وحدة سكنية في المدن الجديدة تحصل وزارة الاسكان منها علي56 ألف وحدة ضمن الجاري تنفيذها في المشروع. أما إذا عدنا إلي تفاصيل المشروع القومي للاسكان والكلام لايزال علي لسان اللواء مهندس جلال سيد الأهل فإننا نجد أن هذا المشروع والذي تبلغ تكلفته الأساسية كحجم إستثمارات سواء من الدولة أو من القطاع الخاص أو البنوك( فيما يتعلق بالقروض) إلي34 مليار جنيه.. والذي وفرت الدولة له7.5 مليار جنيه كدعم مباشر بالاضافة إلي14 مليار جنيه تكلفة مرافق قامت بتنفيذها هيئة المجتمعات العمرانية.. فهذا المشروع يعتمد في الأساس علي7 محاور رئيسية أولها توفير وحدات سكنية بنظام التمليك مساحتها63 مترا في المدن الجديدة والمحافظات. والمحور الثاني توفير وحدات بنفس المساحة بالايجار في المدن الجديدة والمحافظات.. والثالث هو توفير قطعة أرض150 مترا مربعا ومنحها للشباب لبناء وحدات سكنية عليها بنظام ابني بيتك والرابع هو توفير أراضي مرفقة بسعر التكلفة للمستثمرين العقاريين واصحاب المصانع لتوفير وحدات سكنية بمساحة63 مترا لمحدودي الدخل( القطاع الخاص) والمحور الخامس يتمثل في توفير وحدات سكنية في مدينة6 اكتوبر مساحتها63 مترا تسمي بيت العيلة.. والسادس هو توفير وحدات سكنية بمساحة42 مترا مربعا للمواطنين الأولي بالرعاية.. أما آخر هذه المحاور السبعة فهو توفير نمط اسكاني يسمي البيت الريفي بالمحافظات التي لها ظهير صحراوي وذلك بمساحة قدرها63 مترا وبالنسبة للموقف التنفيذي للمشروع بمحاوره السبعة فقد تم تسليم وجار تسليم305 آلاف وحدة سكنية في المدن الجديدة والمحافظات بما يعادل60% من حجم المشروع أما النسبة المتبقية فإنه جار تنفيذها وتتمثل في213 ألف وحدة سكنية بالمدن والمحافظات. عقبات تواجه المشروع أما فيما يتعلق بالمشكلات التي واجهت المشروع فهي تتمثل في توفير الأراضي في بعض المحافظات وتم التغلب عليها سواء بالشراء أو بالبناء علي أراضي هيئة الأوقاف بعد عمل بروتوكول معها لتنفيذ100 ألف وحدة سكنية علي أراضيها.. وكذلك مشكلة مع المستفيدين أو المستحقين في تطبيق شروط المشروع( المشار إليها سلفا) بالاضافة إلي شروط البنوك وتم التغلب عليها بتوفير القروض وتوفير الضامن.. الرقابة مطلوبة علي الأسعار وجهة النظر الاقتصادية كان لابد من التعرف عليها وهو ما تعبر عنه د. يمن الحماقي وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري ورئيس قسم الاقتصاد بجامعة عين شمس حيث تري أن هناك بالفعل فجوة شاسعة ما بين العرض والطلب في قطاع الاسكان يعاني منها تحديدا الطبقة المتوسطة وطبقة محدودي الدخل خاصة أن التمويل العقاري غير قادر علي حل هذه المشكلة فأصبح موجها للطبقة فوق المتوسطة حيث أن مرتب أي شاب في مقتبل العمر لايتوافق مع تحديد قسط شهري ضخم خاصة مع إنخفاض الأجور نظرا لانخفاض الانتاجية.. لذلك فإن الشق الايجابي للمشروع ملموس ويتمثل في أنه مشروع مدعم بالكامل من قبل الدولة أي أن تكلفته ليست مغطاة وكذلك فهو يحوي بين طياته تنشيطا لسوق العقارات ومواد البناء وتوسعا عمرانيا وفتح آفاق لمناطق جديدة في المجتمعات العمرانية وكذلك إتاحة فرص عمل ومنح فرص للشباب للاستقرار الأسري وما يتبعه من زيادة الانتاجية.. وكذلك مشاركة القطاع الخاص في المشروع وإن كان لهذه الجزئية جانب سلبي يتمثل في عدم المراجعة بالشكل الكافي علي المساكن التي يتم إنشاؤها وتسليمها للشباب وكذلك الأمر متروك للمقاولين للمغالاة في الأسعار ورفع التكلفة في حين أن هناك تكاليف معيارية للبناء يجب متابعتها أولا بأول ونموذج لأسعار مواد البناء يجب وضعه للتعرف علي التكلفة الحقيقية للوحدة السكنية بناء علي تجزئة التكلفة الأمر الذي يسمح بالتعرف علي الفرق في التكلفة في حالة حدوث أي تغيير في سعر أي عنصر من عناصر البناء.. لذلك فنحن نري كما تضيف د. يمن الحماقي أن هناك ضرورة لمراقبة ومتابعة التنفيذ من قبل وزارة الاسكان ودعم قدراتها الرقابية علي تكاليف الانشاء وكذلك كفاءة التنفيذ نفسها حيث إن الثروة العقارية مهددة بسبب سوء التنفيذ وليس أدل علي ذلك من مشكلات المرافق ونقص المياه وغيرها مما يقلل من حجم الاستفادة من المشروع.. أما فيما يتعلق بمدي مساهمة هذا المشروع في وصول الدعم إلي مستحقيه فإن ذلك بالقطع يتوقف علي مدي الدقة والالتزام بالشروط المحددة التي يتم علي أساسها إختيار المواطنين للحصول علي الوحدات السكنية ارتفاع التكلفة المهندس محمد الهياتمي أمين عام الاتحاد المصري للبناء والتشييد يؤكد من جانبه نجاحا لمشروع باسهامه في حل أزمة الاسكان أو علي الأقل التخفيف من حدتها.. وإن كان الارتفاع في تكلفة المباني أمرا خارجا عن إرادة القطاع الخاص دون شك نظرا لارتفاع أسعار مواد البناء.. وإن كان في الوقت نفسه يسعي لتحقيق التوازن في المعادلة بحيث يحقق هامش الربح المعقول.. لذلك فإنه إذا كانت المغالاة في الأسعار من بعض الشركات تمثل جزءا من المشكلة فإن الجزء الأكبر منها يقع علي عاتق عزوف الشباب نفسه عن السكن في التجمعات العمرانية الجديدة خصوصا في السادات والعاشر من رمضان وغيرها خاصة مع عدم وجود خطوط مواصلات إليها بالشكل الكافي وبالتالي صعوبة الوصول إليها فالأمر لايجب النظر إليه علي أنه مجرد سكن فقط.. وعلي الجانب الآخر فلابد من البحث عن نظم تخفض من قيمة تكاليف الانشاء وإرتفاع قيمة الأراضي.