الحوكمة.. خطوة قبل الأخيرة في عملية الإصلاح المصرفي التي بدأتها مصر منذ أكثر من عشر سنوات, وهذه الخطوة تعني مبدأ تقسيم العمل, وتوزيع المسئوليات بدلا من وضعها في يد شخص واحد هو الرئيس. الحوكمة بدأت بمجلس إدارة البنك المركزي في تشكيله الجديد الذي إستبعد كل رؤساء البنوك العامة والخاصة حتي لا يكون هناك أدني تضارب في المصالح, وإنتقل المفهوم للبنوك المصرية ليكون في كل بنك, رئيس, ثم نائبا للرئيس وعضوا منتدبا بمعني أخر رئيسا تنفيذيا يقوم بمباشرة العمل اليومي. بدأ ذلك في عدة بنوك من أشهرها البنك التجاري الدولي الذي عين هشام عز العرب رئيسا لمجلس الإدارة يضع الإستراتيجية ويتولي جانبا من المهام الكلية وأعمال الرقابة, ومعه هشام رامز نائبا للرئيس وعضوا منتدبا يقوم بالعمل اليومي كرئيس تنفيذي. وأحدث البنوك التي طبقت هذا الإتجاه بنك الشركة المصرفية العربية الدولية حيث تم تعيين محمد نجيب رئيسا تنفيذيا للبنك, وحسن عبد المجيد عضوا منتدبا, في الوقت الذي شغل فيه الدكتور حسن عباس زكي مهام رئيس مجلس الإدارة, وحتي بعد أن إعتذر الدكتور حسن عباس زكي عن الإستمرار كرئيس للبنك لظروفه الصحية نظرا للسن(96 عام), تم تعيين محمد نجيب رئيسا للبنك وحسن عبد المجيد نائبا للرئيس وعضوا منتدبا. وحول هذا الموضوع يقول حسن عبد المجيد: مما لاشك فيه أن هذا البنك سيظل مدينا للدكتور حسن عباس ذكي الذي أسسه في السبعينيات وتمكن من أن يجعله بنكا قويا وفقا لحجمه كأحد البنوك المتوسطة, ودائما سنظل نذكره بكل الحب والعرفان وكنا نتمني أن يظل معنا رئيسا مدي الحياة, فهو ليس مجرد رئيس ولكنه تحول إلي رمز ولكن, لا يمكننا إلا النزول علي رغبته وحقه في الراحة بعد كل هذا العطاء من أجل الوطن. وبالنسبة لمسألة الفصل بين إدارة البنك والعمل التنفيذي, هذا ليس إلزاما من البنك المركزي ولكنه بمثابة التوصية, وهذا ليس كل الحوكمة ولكنه أحد جوانبها. والتجربة نأخذها من الخارج والبنوك العالمية الكبري التي طبقتها, الهدف منها أن يكون الرئيس برلمانيا, والرئيس التنفيذي منشغل بالأعمال التنفيذية وتسيير العمل, وهذا لتفعيل دور مجلس الإدارة وجميع الأعضاء الممثلين به من جانب, والناحية الأخري أن يكون الرئيس مراقبا للعمل التنفيذي, وقادرا عن نقده في مجلس الإدارة, وقادرا علي التوجيه ووضع الإستراتيجيات العامة, هذا حتي لا يتحول الرئيس إلي خصم وحكم في ذات الوقت, يضع السياسات, وينفذها, ثم يدافع عنها في مجلس الإدارة. ومن هنا فالفصل بين السلطات مطلوب, لمزيد من الفاعلية لكل الأطراف, وللرقابة الكفء, وللشفافية الكاملة. والحقيقة أن المهام التنفيذية موزعة بيني وبين رئيس البنك, وهو ذات التقسيم قبل أن يتركنا الدكتور حسن عباس ذكي. ويضيف تأسس بنك الشركة المصرفية العربية الدولية عام1976, مع حركة الإنفتاح المصرفي الكبيرة التي شهدتها مصر في بداية السبعينيات وفي أعقاب حرب أكتوبر المجيدة. والمساهم الرئيسي في البنك هو المصرف العربي الدولي الذي أسسه ليكون ذراعه المصرفية للتعامل بالجنيه المصري, وشارك في تأسيسه شركات تأمين مثل مصر للتأمين والشرق للتأمين إلي جانب شركة المقاولون العرب للإستثمارات. رأس مال البنك المرخص به200 مليون دولار والمدفوع150 مليون دولار. وندرس زيادة رأس المال حسب ظروف السوق حيث بلغ حجم الميزانية13 مليار جنيه, والبنك يصنف ضمن البنوك المتوسطة الحجم بالنظر إلي حجم الأصول والميزانية وعدد العملاء وما يقدمه من خدمات, وحصته السوقية في حدود نسبة ال1%. وتم الإتفاق مع الأستاذ محمد نجيب علي ضرورة دفع البنك في المرحلة المقبلة وزيادة تنافسيته وحصته في السوق. والحقيقة أن سياسة الكوابح للطفرات السريعة كانت مطلوبة خاصة في فترة الثمانينيات, فسياسة البنك في إدارة الأصول والأموال سياسة متحفظة للغاية وهي سياسة لها مميزاتها وعيوبها أيضا, فمن أهم المميزات أن السياسة المتحفظة في إدارة محفظة القروض حمت البنك من مشكلة التعثر التي عانت منها معظم البنوك المصرية في الثمانينيات والتسعينيات, فنسبة القروض غير المنتظمة لا تزيد علي2% من محفظة الإقراض ولا تصنف علي إنها متعثرة, فالبنك لم يكن يدخل في قروض مشتركة, ونظام التجزئة محدود حتي عام2004 حيث بدأ كل هذا يتغير وبدأنا ندير قروض مسوقة, والأن لدينا كل المنتجات الموجودة بالبنوك الأخري. وحول التغير في سياسة البنك منذ إلتحاقه بالعمل به عام2004 وحتي الأن يقول: أنه بدأ مع دخوله البنك مرحلة جديدة حيث وضع الدكتور حسن عباس ذكي ثقته به, وهذا أعطاه مجالا كبيرا للحوكمة مما ساهم, في رفع قيمة ميزانية البنك من400 مليون دولار إلي2 مليار دولار حاليا. فقد شهدت الودائع نموا مضطردا ثم إستقرارا حيث بلغت9 مليارات جنيه أفراد ومؤسسات, ومعظم المودعين ينتمون إلي الطبقة المتوسطة والأعلي من المتوسط والمؤسسات الكبيرة. أما بالنسبة للإقراض أقول أن لدي بنك إس إيه أي بي شروطا قوية ومعايير قاسية فالشطارة ليست في إخراج أموال للتوظيف, ولكن الشطارة في كيفية إستعادة هذه الأموال بالربح حيث أن نسبة الإقراض للودائع تصل إلي50%. والسر في إنخفاض نسب التعثر هو أن سياسة البنك متابعة العميل ووضع مخصصات100% إذا تأخر في دفع قسط من الأقساط. وحول نشاط البنك في التجزئة المصرفية يقول حسن عبد المجيد: لدينا21 فرعا في القاهرة والمحافظات مثل دمياط وبورسعيد والمحلة والمنصورة وطنطا والسويس, وبالطبع القاهرة والأسكندرية. ولدينا خطة لزيادة عدد الفروع لتصل إلي25 فرعا من خلال زيادة رأس المال, يعني مبدئيا هناك4 فروع جديدة. والمسألة ليست بعدد الفروع ولكن بحسن إختيار موقع الفرع وتوزيع الفروع والتسويق. ومنذ عام2004 تبنينا خطة واستراتيجية لتحسين موقعنا التنافسي في مجال التجزئة المصرفية, بدأنا في إقراض الأفراد لشراء السياسات, وأصدرنا بطاقات إئتمان وكنا في وقت سابق منافس قوي في مجال الإقراض لشراء السيارة ولكن كبر حجم هذه النوعية من الإقراض, وعدم إنتظام كثير من العملاء في السداد خاصة بعد الثورة دفعنا لشئ من الفرملة. في التجزئة المهم متابعة العميل ودراسة تدفقاته النقدية بشكل جيد, إضافة إلي ضرورة وجود دخل ثابت كالراتب مثلا بحيث يمكن للبنك الخصم المباشر منه للقسط. وعن إقراض البنك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة أوضح قناعته بضرورة تحقيق إنضباط مطلوب في منظومة مثل هذه المشروعات. فالبداية خاطئة وهو منح تمويل لمشروعات مبعثرة هنا وهناك, وهذه المشروعات حتي مع وجود قدرات إنتاج كفء, لا يوجد لديها خبرات تسويقية وإدارية ومحاسبية وبالتالي فهي معرضة لخسائر إذا لم تجد أسلوبا لتعويض هذا النقص في مثل هذه المهارات, ومن هنا أري ضرورة أن يتم ربط المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمشروعات كبيرة وبحيث تكون هذه الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمثابة صناعات مغذية لصناعة أكبر, مثل الصناعات المغذية للسيارات, صناعات أخري مثل الملابس الجاهزة يمكن لمصنع صغير أن يقوم فقط بتصنيع كم قميص لمصنع كبير, وشركة أخري توزع الإنتاج وتبيعه, ورابعة تسوق له, وخامسة تصدره, وهكذا لا تتحمل المشروعات الصغيرة بتكلفة إدارة ومحاسبة وتسويق وتصدير, ويقتصر دور هذه الشركات علي تصنيع جزء صغير من المنتج ولكن تنتجه بكفاءة وتميز. هذا ما يحدث في الدول المتقدمة, ولكن بأسلوبنا في مصر النظرة فقط للتمويل وحث البنوك علي إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليبدأ بعد ذلك ماراثون الجري وراء العملاء للسداد. لابد أن يكون لدينا رؤية تبدأ بتحديد الصناعة أو مجموعة الصناعات التي لنا ميزة تنافسية بها ثم نحدد العناصر الداخلة في هذه الصناعة. علي سبيل المثال في الصين قرية كاملة مهمتها تصنيع ياقة القميص, قرية ثانية تجمع كل أجزاء القميص التي تم تصنيعها في قري مختلفة لتنتج القميص, ثم يتولي بيعه بعد ذلك أفراد أخرون. وعن أوضاع البنك بعد الثورة يقول: الوضع بعد الثورة لا نتوسع وفي ذات الوقت لا نتوقف, ولا نستطيع أن نتوقف لإن الودائع التي لدي لها تكلفة وأدفع عنها عائد وبالتالي لايد من التوظيف ولكن كما يقولون التوظيف الأمن هذا يعني أننا نعمل ونبحث عن أفكار جديدة غير تقليدية تتناسب والمرحلة التي نعيشها. بالتأكيد نحن لم نصل للمستهدف من حيث التوظيف وهذا سينعكس علي ميزانيات البنوك لعام2012 حيث أن ميزانيات2011 لم تكن سيئة بسبب نتائج أعمال2010 التي دعمتها, إن مصر تمر بظرف صعب والإقتصاد شبه متوقف, عبارة عن إنفاق بلا عائد, المطالب الفئوية تضغط بشدة, الامن غائب وهو أكبر خطر.. لو عاد الأمن يمكننا التغلب علي كل المشاكل. واقول إننا كبنوك لن نهرب من الميدان وسنستمر في دعم الإقتصاد. بالنسبة للودائع فقد سجلت زيادة بعد الثورة, كنا نتوقع إنخفاضا ولكن ما حدث العكس هناك إقبال من المواطنين علي إيداع مدخراتهم بالبنوك خوفا عليها من السرقة بسبب الحالة الأمنية السائدة. أما بالنسبة للإقراض بعد الثورة فمستقر, لانزال نقرض المشروعات التي سبق التعاقد عليها, والبنوك كلها وضعت قواعد منضبطة للإقراض حيث تغيرت النسبة من واحد إلي واحد أصبحت40% من البنك و60% من العميل, هذا التحوط يرتبط أيضا بقراءة جيدة للتدفقات النقدية المستقبلية للعملاء, ويمكن أن أصل لأقل من هذه النسبة إذا كانت البضاعة التي يتم تمويلها لا يتم تصريفها في الأسواق بالسرعة المطلوبة. أما بالنسبة لتأسيس الشركات فبالتأكيد شهد تراجعا بعد الثورة, والتمويل الأكثر نشاطا يتجه إلي التجارة حيث أن دورتها سريعة وتجنب البنوك مخاطر الإستثمار طويل الأجل. وحول إقراض قطاع السياحة يقول:كل ما يحدث علي الصعيد السياسي وحالة الفوضي والإضطراب والتردي الأمني كل هذا يعني خراب بالنسبة لقطاع السياحة. السائح الموجود في مصر حاليا لا يحقق الدخل المطلوب فهو سائح تقريبا ببلاش يعني500 يورو لسائح يقيم أسبوع في مصر ينتقل بين القاهرة وشرم والغردقة ومرسي علم, هذا السائح لا يحقق الدخل الكافي لتغطية التكلفة بل يحقق خسائر ولكننا نستفيد بتشغيل العمالة حتي لايحدث مزيد من التشريد للعاملين في هذا القطاع الحيوي والخطير. البنوك تقف موقف بطولي من حيث مساندة هذا القطاع علي مدي عام كامل, ولانزال صامدين معهم ولن نتركهم ففي النهاية من يعمل بهذا القطاع هم أبنائنا وأبناء هذا البلد. وعن قطاع المقاولات يقول:هذا القطاع أيضا لديه مشاكل كثيرة, وفي بنك الشركة المصرفية لا توجد لدينا مشروعات كثيرة في مجال المقاولات. وهذا القطاع لا يعاني من مشكلة إلا إذا قامت جهات الإسناد بإلغاء العملية. وبالنسبة لدور البنوك أقول أن البنوك دورها في اليوم الأسود قبل اليوم الأبيض, وهو ما يعني أن البنوك ستقف مع العميل طالما كان التأثير لأسباب خارجة عن الإرادة, ولا توجد شبهة فساد. هذا المفهوم موجود في البنوك كلها كبيرة وصغيرة, مساندة العميل ألف باء العمل المصرفي وإلا من أين سأستعيد أموالي التي هي في الأساس أموال المودعين؟ في صناعة البنوك في العالم أجمع إذا تعثر العميل لظروف خارجة عن إرادته لابد من مساندته. البنك مع العميل في الضراء والسراء. وحول سياسات سعر الصرف يقول أن سياسات البنك المركزي المصري مضرب أمثال العالم أجمع, إدارة السياسة النقدية باحتراف, التصدي للأزمة المالية العالمية حيث تمكن البنك المركزي من العبور بالبنوك المصرية لبر الامان. والبنك المركزي يدير السياسة النقدية باحتراف, كما أنه يراقب حركة سعر الصرف للتأكد من عدم وجود مضاربات ضارة ومن ثم فسعر الدولار أمام الجنيه شبه مستقر علي مدي عام كامل هو عام ثورة. ويؤكد قدرة البنوك علي تمويل أي سندات دولارية ويقول:لدينا فائض دولارات كبير, البلد مليانة دولارات, وطرح سندات قيمتها ملياري دولار كما تردد سيتم تغطيتها سريعا جدا, الدليل أن البنك الأهلي طرح سندات دولارية منذ فترة قصيرة وتمت تغطيتها بأسرع مما كنا نتخيل. وحول العلاقة بين الرئيس والعضو المنتدب في بنك إس إيه أي بي يؤكد حسن عبد المجيد أنها متميزة فهناك أدوارا تنفيذية علي كل من الرئيس والعضو المنتدب, ويتم تقسيم العمل بشكل ودي, وهناك تفاهم متبادل, ليس بين الرئيس ونائبه فقط, ولكن بين جميع قيادات البنك, وبين الجيل الأكبر والجيل الجديد. نحن لا نستورد الكفاءات, فلدينا مخزون كبير منها, وطالما كان هدف الإدارة الصالح العام فهذا يضمن النتائج مقدما. وتوقع أن ينطلق البنك في المرحلة المقبلة, وأن تتضاعف حصته في السوق خلال فترة وجيزة.