بعد أحداث 11 سبتمبر التى استهدفت برجى التجارة العالمى فى نيويورك خرج علينا رئيس تحرير «النيوزويك» حينذاك فريد زكريا بسؤال: لماذا يكرهوننا؟ متجاهلا رصيد وتراكم السياسات الأمريكية البغيضة بحق دول منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى ودعمها جماعات التكفير المسلحة فى أفغانستان التى حاربت الاتحاد السوفيتى بدعم مالى ومخابراتى ولوجيستى أمريكى، وهو الدعم الذى انتقل بعد ذلك لدعم ما أطلق عليه تيارات الإسلام السياسى المتمثل فى الإخوان المسلمين بكل رصيدها الفكرى التكفيرى، الذى يستند إلى الأب الروحى لكل تلك الجماعات الإرهابية: الإخوانى سيد قطب؛ الذى يكفر الدول و الشعوب و الحاكم و المؤسسات التى لا تحكم بشرع الله من وجهة نظره. وبدورنا نحن ملايين الشعب المصرى التى خرجت فى 30 يونيو 2013 كى تتخلص من حكم جماعة الإخوان التكفيرية نكرر على مسامع الذى لم يسمعنا فى الغرب سؤالا: لماذا لا تفهموننا؟؛ لماذا لم تفهموا أن الشعب المصرى الذى خرج للشوارع ولم يعد بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المخلوع محمد مرسى فى نوفمبر 2012، والذى اعتبر انقلابا شاملا على الديمقراطية و إخلالا بالعقد بينه وبين الشعب الذى انتخبه بأغلبية بسيطة حين منح نفسه صلاحيات تفوق صلاحيات الآلهة؛ خرج الشعب ولم يعد حتى اكتمل أكبر حشد بشرى شهده التاريخ فى 30 يونيو وتكرر فى 3 يوليو و26 يوليو 2013، و تدخل الجيش لمنع حرب أهلية بين أنصار مرسى وتلك الملايين؛ ورغم ذلك وقف الغرب فى معظم العواصم مساندا لمطلب جماعة الإخوان، ونظامها السياسى فى العودة رغم أنف المصريين؛ ورغم كل أحداث العنف والإرهاب التى ارتكبها أتباع الجماعة لم يصدر بيان إدانة ضد الإخوان وأصرت واشنطن دائما على عدم إدانة جماعة الإخوان بأنها جماعة إرهابية تستخدم العنف ضد مؤسسات الدولة وجيشها وضد المدنيين. أغلبية المواطنين فى بلادى مصر يكرهون إدارة باراك أوباما و معظم نظم الحكم الغربية، ويرون انها تدعم الإرهاب، وأنها هى التى أوجدت داعش، كما أوجدت القاعدة من قبل وتدعمها ماليا وتسليحيا ولوجيستيا من خلال حلفائها فى المنطقة: قطروتركيا وإسرائيل؛ هذا واقع لا ينكره أحد؛ بل داخل كل مواطن مصرى حقيقة راسخة بأن الدعم الأمريكى المباشر للإخوان انتقل بعد سقوطهم فى مصر وعدد من بلدان الربيع العربى إلى جماعات أنصار بيت المقدس وداعش وأجناد مصر وغيرها من الجماعات التى تعمل لصالح الإخوان، انتقاما من نظام الحكم فى مصر برئاسة الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى الذى تسبب من - وجهة نظر الغرب - فى تعطيل مسيرة و سيطرة جماعات الإخوان وبقية تيارات الإسلام السياسى على مشهد الحكم فى كل بلدان المنطقة، والعمل على جذب كل المتشددين فى الغرب وخاصة فى أوروبا إلى مناطق تسيطر عليها الإخوان وتحت رعايتها حيث كان الإخوان برعاية تركيا يقدمون أنفسهم على أنهم قادرون على ضبط إيقاع المشهد فى مصر وتونس والأردن وليبيا وسوريا واليمن والسودان والمغرب والجزائر والعراق، وأنها قادرة على ضبط إيقاع وحركة جماعات التكفير والسلفيين وكان اتفاق حماس وإسرائيل، وتوقيع حماس على اتفاق وتعهدها بوقف عمليات المقاومة تحت مسمى وقف الأعمال العدائية مقدمة لقدرة الإخوان على إخضاع حماس الجناح العسكرى للإخون المسلمين وأحد فروع التنظيم الدولى للجماعة والسيطرة عليها بما يخدم المصالح الأمريكية ومصالح إسرائيل. لماذا لا تفهمون أن عودة مرسى والإخوان بعد كل هذا الدم الذى سال والعنف والإرهاب أصبحت مستحيلة، وأن عدم إدانتكم لإرهاب الإخوان أفقدكم المصداقية وفضح أنكم تكيلون بمكيالين وأن دم المواطن المصرى أو العربى مسلما أو مسيحيا رخيص مقارنة برد فعلكم على الدماء التى سالت على أيدى الإرهاب فى حادثة «شارلى إبدو»... مصر فى حالة حرب على الإرهاب والمواطن يدرك أنه يجب أن يقف خلف جيشه الوطنى فى مواجهة تلك الموجة التى يرى أنه يقف خلفها الإخوان وجماعات التكفير الدينى والسياسى، بدعم واضح من واشنطن والغرب؛ المواطن يؤيد الجيش فى حربه ويخاف عليه من مخطط استراتيجية شد الأطراف التى تسعى إلى جر القوات المسلحة المصرية إلى جبهات متعددة فى ليبيا وسيناء وغزة واليمن وربما إثيوبيا، إذا ما تهدد شريان الحياة مياه النيل وغيرها من الجبهات التى تستهدف الجيش وتريد تمزيقه، على اعتبار أنه آخر جيش عربى متماسك بعد انهيار جيوش ليبيا واليمن والعراق وسوريا؛ ولكن احساس الغضب والمطالبة بالثأر ستجعل الجيش والشعب يتعاملان بقدرة واحترافية تحافظ على الجيش، وفى نفس الوقت تهدىء من روع وأثر فيديو مقتل 21 مصريا على أيدى داعش ليبيا. لن يجد الأمريكان إجابة على سؤال فريد زكريا لماذا يكرهوننا؟ قبل أن يجيبوا على سؤال المصريين لماذا لا يفهموننا؟ لأن الفجوة التى خلفتها السياسات الأمريكية والتناقض الذى دفعها للتعامل ودعم كل حركات التطرف الدينى أوجد لدى المواطن المعتدل الذى يسعى للعيش فى سلام واستقرار ضغينة وكراهية تجاه كل ما هو أمريكى. لمزيد من مقالات جلال نصار