منذ وقوع الهجمات الإرهابية فى يناير الماضى بباريس - وحتى الآن - والشرطة الفرنسية مازالت تواصل البحث والتحرى عن «حياة بومدين» وهى شريكة «أميدى كوليبالى» أحد المسلحين والمتورطة معه فى تنفيذ الاعتداءات، والتى يُشتبه حاليا فى وجودها بسوريا. تتكهن بعض التقارير الإخبارية بأن «بومدين» التى تبلغ من العمر 26 عامًا , ربما تكون الأكثر تطرفًا وارهابا من «كوليبالى»، وبرغم ذلك فإن أحد التساؤلات الأولى التى تعتزم السلطات الفرنسية أن توجهها ل«بومدين» عند القبض عليها هى:«إذا كانت قد قامت بهذه الجرائم تحت أي مؤثرات؟ أم أنها قامت بذلك بسبب أيديولوجية معينة واتجاه سياسى بعينه؟ أم أنها كانت قد فعلت ذلك من أجل المساعدة والتحريض؟». الأرملة السوداء وتقول الكاتبة «جين هوكرباى» فى مقالها الذى نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الدولية وترجمته عزة عبد ربه بالهيئة العامة للاستعلامات، والتى قامت بنشره على موقعها انه،: فى الوقت الذى سيتم فيه استنتاج الكثير خلال الأشهر القادمة من حقيقة فشل أجهزة الاستخبارات الفرنسية فى القبض على «حياة بومدين»، فإن عدم قدرة الغرب على تقدير الدور الذى تلعبه هذه المرأة فى الإرهاب ينبغى أن يخضع لأعلى درجات الدراسة والتدقيق ولنأخذ على سبيل المثال، الدور الذى تلعبه هذه المرأة الخطرة فى تنظيم «داعش» بالعراق والشام، ففى الوقت الذى يضطهد فيه التنظيم كثيرا من النساء إلا أن هناك أيضًا الكثير منهن ينجرفن للانضمام إلى صفوفه، ذلك أن ما يقرب من 10% من المجندين الغربيين بالتنظيم من النساء، وتعد النسبة أعلى بكثير فى فرنسا، حيث يُعتقد أن 63 مجندة من إجمالى المواطنين الفرنسيين الذين انضموا إلى التنظيم والبالغ عددهم 350 مواطنًا فرنسيًا من النساء. وتعد هذه الرواية جديدة وقديمة على حد سواء، فقد كانت المرأة منذ زمن طويل تشارك فى الإرهاب بكل ضروبه وأنواعه، بدءًا من النساء فى مجموعة «النازيين الجدد» فى أوروبا إلى نموذج «الأرملة السوداء» من النساء الانتحاريات فى «الشيشان». وفى حقيقة الأمر، فإنه على الرغم من الصور النمطية التى يجرى ترويجها بشأن حب المرأة للحياة المنزلية، بالإضافة إلى سلبيتها تلك الفكرة التى تفيد بأن المرأة يجب أن تكون دائمًا تحت تأثير الرجل، أو أنه دائما ما يتم التغرير بها للانضمام للعمليات الإرهابية، فإن هذا غير صحيح دائما، فهى فى كثير من الأحيان تنجر إلى التنظيمات الارهابية مثل «داعش» وغيرها بنفس القوة والدوافع التى تجذب الرجل، ومنها: حب المغامرة، وعدم المساواة، والتهميش، وجاذبية المسألة. الجماعات الجهادية «وبوكو حرام» وبمجرد انضمام المرأة، فإنها تقوم بارتكاب أعمال العنف ضد النساء الأخريات، بما فى ذلك العمل كجزء من كتائب جميعها من النساء، اللاتى يفرضن قوانين الأخلاق الأنثوية التى تتطلب فرض اللباس المناسب والمعتدل والفصل بين الجنسين، وتقوم هؤلاء النساء بتشغيل نقاط التفتيش، ويذهبن فى مهمات اقتحام المنازل، كما تفيد التقارير بأنهن يعملن فى التجنيد، وفى تدريب النساء الانتحاريات، وكزوجات وربات بيوت يعملن فى جمع التبرعات والدعاية. كما يساعدن فى تلميع صورة التنظيم عن طريق نشر صور لأنفسهن وهن يشربن «اللبن المخفوق»، ويكتبن المحادثات على شبكات التواصل الاجتماعى «الفيس بوك»، ويرسلن التغريدات الطريفة على «التويتر». الأوروبيات فى داعش ولكن فى وسائل الإعلام تحاول المرأة اللحاق بالركب عندما يتعلق الأمر بالفهم الكامل للدور الذى ستلعبه فى الجماعات الجهادية، ويتمثل جزء كبير من المشكلة فى الميل إلى التركيز على العنف الإرهابى الذى ستمارسه ضد المرأة، سواء كان ذلك فى شكل الخطف الجماعى الذى قامت به جماعة «بوكو حرام» مع طالبات المدارس فى نيجيريا، أو العنف الجنسى والاسترقاق والخطف والزواج القسرى الذى يمارسه تنظيم «داعش» ضد المرأة، ومن خلال عدسة تصويرالنوع (ذكر أو أنثى)، نحن لانفضل أن نرى الإرهاب يضع الرجال المتطرفين أمام النساء وتصوير الغرب على أنه المدافع الوحيد عنهن، وبدلاً من ذلك يجب البحث عن العوامل المحددة التى تجذب المرأة إلى الجماعات الإرهابية والأدوار التى تلعبها ومعالجتها، وعلى سبيل المثال: تحدثت النساء الأوروبيات اللاتى انضممن إلى تنظيم «داعش» عن مدى العزلة والتهميش والقيود المفروضة على الممارسات الدينية لهن فى بلادهن، مثل الحظر الذى فرضته فرنسا على ارتداء النقاب فى الأماكن العامة، الأمر الذى دفع بهن إلى الانضمام للتنظيم، وفى ضوء ذلك يجب التأكد مما نُقل عن أن «بومدين» فقدت وظيفتها كأمينة صندوق بسبب ارتدائها النقاب، كذلك الجهود المبذولة للحيلولة دون مغادرة النساء إلى العراق وسوريا، لذلك ينبغى أن تعالج هذه المظالم. الفتيات الانتحاريات وقد لا يبدو هذا الأمر كافيًا، ولكن بالنسبة لبعض الحكومات فإن مثل هذه الأساليب المستهدفة تعد بعيدة المنال. فمازال الكثيرون ينكرون مشاركة المرأة من الأساس فى الإرهاب، لاسيما فى الجماعات الجهادية، أو أنهم يركزون فقط على دور المرأة فى منع الرجال من التطرف، وفى الوقت نفسه تقوم تلك الجماعات الإرهابية نفسها بنشر المزيد من الانتحاريات اللاتى يمكنهن التهرب من كشف شخصياتهن الحقيقية بسهولة بسبب ارتدائهن النقاب، وفى وقت سابق من هذا الشهر، قامت جماعة »بوكو حرام« بتفجير قنابل مربوطة حول خصر ثلاث فتيات، ربما من فتيات المدارس اللاتى قامت باختطافهن، واللاتى استطعن المرور من حراس الأمن بسبب صغر سنهن ولجنسهن. وتجدر الإشارة إلى أن الإرهابيين يتعاملون بشكل إستراتيجى فيما يتعلق باستغلال النساء بطرق مرعبة تقشعر لها الأبدان على نحو متزايد، ولمحاربتهم يتعين علينا أن نتجاوز الافتراضات الساذجة السابقة حول النوع والإرهاب، وأن نصبح جادين فى مساعدة النساء والفتيات اللاتى يسرن على هذا الطريق المهلك، فضلاً عن احتمال كونهن ضحايا.