فى الخامس عشر من ديسمبر عام 2012 انتقلت إلى جوار ربها راضية مرضية الفنانة الكبيرة زينب صدقى عن عمر ثمانية وتسعين عاما قضت معظمه فى أعمال فنية أكثر من رائعة أيام زمن الفن الجميل بالمشاركة مع عمالقة المسرح وقتها أمثال السيدة روز اليوسف وأمينة رزق وفاطمة رشدى ويوسف وهبى، وكرمتها الدولة (زمان) فمنحتها جائزة الجدارة وقدرها بالتمام والكمال (1000) ألف جنيه لاغير وكان للجنيه الواحد وقتها «شنة ورنة»، ثم تبع ذلك بسنوات حصولها على جائزة الرواد الأوائل، وكان آخر عهدها بالتمثيل قيامها بأداء مشهد الوداع، وهى مسجاة على فراش الموت لبضع دقائق فى فيلم «الراهبة» للمخرج الشهير حسن الإمام وفيه هزت قلوب المشاهدين، ومن العجيب انه بعد أكثر من أربعين عاما أدت الفنانة القديرة كريمة مختار دورا مشابها باقتدار فى مسلسل تليفزيونى أبكت فيه مصر كلها وظل الكثيرون يرددون اسمها فى المسلسل «ماما نونا» بتأثر شديد، وكأنه واقع حقيقى وليس تمثيلا، انها عبقرية الفنان الموهوب عندما يجسد شخصية بكل أبعادها. وتشاء تصاريف القدر التى لا يعلم اسرارها إلا علام الغيوب أن تسقط الفنانة زينب صدقى على خشبة المسرح فى أثناء التمثيل وتصاب بكسر فى الساق، فاعتزلت المسرح واستمرت فى اداء أدوار سينمائية قصيرة آخرها فيلم (الراهبة) عام 1965. والمعروف ان أى فنان موهوب يتألق ويبدع كلما تقدم به العمر لما يكتسبه من خبرات متزايدة فيواصل تقديم أروع ما لديه إلا إذا كان يعمل فى جهة حكومية لها قوانين «محنطة» تفرض عليه موادها الجامدة التوقف عن العمل عند بلوغ سن الإحالة على المعاش، وهذا ما جرى مع فنانتنا الكبيرة زينب صدقى عندما وصلت إلى سن التقاعد من المسرح القومى لتجد نفسها بلا عمل مع معاش شهرى ضئيل لا يضمن لها حياة كريمة بقية عمرها، وهنا نظم عشاق فنها حملة دعاية واسعة جمعوا فيها تبرعات طيبة للغاية تم رصدها لشراء وثيقة تأمين تحصل بموجبها على معاش شهرى معقول. ولاعتزاز الفنانة القديرة بكرامتها وحتى لا تثقل على الآخرين بأى مصروفات أخرى فإنها فضلت الاقامة فى احدى دور المسنين على حسابها الخاص، وحتى عندما عرض عليها المسئولون علاجها على حساب الدولة اعتذرت شاكرة مؤكدة أن لديها مقدرة مالية تكفى كل ما يلزم علاجها وذلك حتى لا تحمل الدولة أى مصروفات أخرى ليقينها أن هناك آخرين من أبناء الشعب البسطاء غير القادرين هم الأولى بها، وهو بلاشك موقف إنسانى نبيل كرره بعض فنانى مصر الحاليين أمثال محمود عبدالعزيز وسيد زيان وشريهان حفظهم الله ورعاهم. واتذكر موقفا إنسانيا نادرا لا يقدم عليه إلا فنان أصيل فقد بلغ الفنانة زينب صدقى وهى طريحة الفراش فى دار المسنين خبر حادث مؤلم، وهو انهيار جسر مصرف مائى كبير لتندفع مياهه الكاسحة فى اتجاه قرية زاوية عبدالقادر بغرب الإسكندرية، ولان بيوتها مهترئة وسكانها «غلابة» فقد انهارت بسرعة جدران بيوتها على رءوس سكانها ليجد أهلها المساكين مع أولادهم أنفسهم فى العراء تحت رحمة البرد القارس والأمطار المتواصلة، فما كان من هذه الفنانة الإنسانة إلا أن بادرت على الفور بإرسال كمية من البطاطين والأغذية ومعظم ما تملك من نقود إلى المسئولين ليتولوا توزيعها على أهل القرية المنكوبة مشاركة فى ذلك سائر أهل مصر الخيرين. وبهذا التصرف الأخلاقى النبيل اثبتت زينب صدقى أنها بالفعل فنانة أصيلة مظهرا وجوهرا وأنها يرحمها الله تختلف تماما عن بعض المنتسبين إلى الوسط الفنى والذى يتحصل بعضهم على الملايين وعندما يمرض يدفع معارفه إلى كبار مسئولى الدولة فيلحون عليهم بضرورة علاجه على حساب الدولة فى الخارج مع مرافق من أهل الحظوة وهو يعلم أن كل مصروفات هذا العلاج يتم تحصيلها من أموال الشعب الكادح ولكنها اساليب من يملكون أموالا طائلة لا يوظفونها فى خير ولا يقدمون بها كشف ضرائب، فهل من العدل والشرع والمبادئ الأخلاقية علاج أصحاب الملايين على حساب الملاليم؟ صبرى عبدالعال