مازال حصول المواطن البسيط فى أنحاء الوطن العربي على أمنية العلاج والرعاية الصحية له ولأبنائه وأسرته، صعبة المنال خاصة فى ظل الظروف الأخيرة التى تشهدها المنطقة، من نزاعات وإرهاب وحروب أسفرت عن ملايين الجرحى والمصابين والشهداء واليتامى والأرامل. "الأهرام" التقت مجموعة من أبرز الأطباء العرب المسئولين عن الوضع الصحى فى بلادهم، وذلك على هامش مؤتمر اتحاد الأطباء العرب الذى أقيم فى العاصمة السودانية الخرطوم أخيرا. وقد جاءت الإحصائيات والأرقام التى ذكرها الأطباء صادمة، ولكنها تعكس تدهورا خطيرا فى منظومة الصحة العربية التى تحتاج مزيدا من الدعم إن لم يكن التبنى الكامل من قبل الحكومات ووضعها على رأس أولوياتها، حتى يحصل المواطن العربى على خدمة طبية حقيقية وقت الحروب والأزمات وفى الحالات العادية.أما الوضع فى سوريا فهو ليس أفضل حالا، حيث أكد الدكتور محمد حسان مغربية مدير الإدارة الطبية للرابطة الطبية للمغتربين السوريين أن إحصائيات الأممالمتحدة عن الوضع الإنسانى فى سوريا، أكدت أن هناك أكثر من 10 ملايين سورى فى حاجة إلى مساعدات إنسانية وطبية، منهم 6 ملايين ونصف مليون داخل سوريا، كما توقعت الهيئة المسئولة عن المساعدات التابعة للأمم المتحدة " الأوتشا " أن يصل عدد الجرحى إلى مليون ونصف مليون جريح تقريبا مع نهاية العام الحالى، متوقعا أن يفوق العدد ذلك بكثير. وأكد مغربية أن الخسائر البشرية من الأطباء منذ اندلاع الأزمة فى سوريا وصلت إلى 590 شهيدا، كما تم تدمير 190 مستشفى، وأدى القصف وتدهور الوضع الأمنى إلى هجرة معظم الأطباء إلى دول الجوار، ولم يبق من الأطباء داخل المدن التى تحت سيطرة المعارضة إلا طلاب كلية الطب وحملة الماجستير. تطرق مغربية إلى الحديث عن الوضع الطبى فى المدن السورية التى يسيطر عليها تنظيم داعش مثل دير الزور وريف دمشق، حيث أكد أنه أصبح من المستحيل وصول القوافل الطبية التابعة للرابطة أو للأمم المتحدة إلى هناك، نظرا لأن التنظيم رفض دخول المساعدات إلا بعد تغيير شعار الرابطة الذى كان يحمل العلم السورى الموجود على السيارات وحاويات الأدوية، ووضع علم التنظيم بدلا منها، الأمر الذى اضطرهم إلى تغيير الشعار إلى شعار "طبى" آخر حتى يتمكنوا من إيصال الإسعافات اللازمة للمرضى.
وناشد مغربية الدول العربية والمجتمع الدولى بالتبرع لعلاج المرضى السوريين عن طريق الأممالمتحدة " الأوتشا" لأنها من تنظم عملية توصيل المساعدات للداخل السورى بعد قرار الأممالمتحدة بالموافقة على عبور الحدود، وهى حاليا قامت ببناء حوالى 23 مستشفى ومركز رعاية أولية داخل سوريا.
وعن الوضع الصحى فى لبنان، يقول الدكتور وسيم علوان الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء العرب فى لبنان، إنه ومع تصاعد أعمال العنف فى سوريا بدأ تدفق اللاجئين السوريين إلى الأراضى اللبنانية، ومع زيادة الأعداد أصبح الأمر يشكل عبئا على الحكومة اللبنانية التى تواجه مشكلات فى منظومتها الصحية، وتعانى من تردى الوضع الصحى فى الأصل، إلا أن الوضع تحسن مع وصول إمدادات الأممالمتحدة والصليب الأحمر الطبية.وعن الوضع الصحى فى ليبيا، يقول الدكتور عبد الرحمن محمد نائب نقيب الأطباء الليبيين، إنهم يعانون من نقص شديد فى الأطباء، خاصة أطباء الجراحة والأوعية الدموية، مشيرا إلى أن التوتر السياسى والعسكرى انعكس على موازنة الدولة مما أدى إلى تأخر صرف مستحقات وزارة الصحة وتقهقر خدمات الإمداد الطبية.وأضاف عبد الرحمن، أن ليبيا تعانى أيضا نقصا حادا فى الأدوية نتيجة هروب المستثمرين الأجانب (أصحاب شركات الأدوية الكبرى)، وذلك بعد أن عجزت الحكومة عن سداد مستحقات تلك الشركات، كما أن هناك صعوبة أيضا فى توصيل الإمدادات الطبية من العاصمة طرابلس لبعض المدن مثل الزنتان وطبرق وبنغارى، ويتم الاستعانة بالهلال الأحمر الليبى فى بعض الأوقات للقيام بعملية التوصيل.ويرى الطبيب الليبى أن حل مشكلات المنظومة الصحية فى البلاد يبدأ بعودة الاستقرار وحقن الدماء الليبية، داعيا إلى ضرورة ضبط الحدود لمنع عمليات تهريب المستلزمات الطبية وتدريب الكوادر البشرية واستجلاب أخرى أجنبية، هذا بالإضافة إلى وضع خطة لعودة الأطباء المهاجرين نظرا لحاجة البلاد إليهم.
من جانبه، أكد الدكتور عبد القوى الشميرى أمين عام نقابة الأطباء اليمنيين أن كثرة عدد النازحين داخل اليمن نتيجة الأوضاع غير المستقرة و الصراعات المسلحة مثلت عبئا كبيرا على المنظومة الصحية اليمنية، التى تعانى من نقص التمويل حتى قبل الثورة، فهناك آلاف اليمنيين يلجأون إلى مصر على سبيل المثال لتلقى العلاج على نفقتهم الخاصة نتيجة سوء الوضع الصحى فى اليمن، كذلك هناك مئات الجرحى اليمنيين يذهبون للعلاج أيضا فى الأردن والهند لنفس الأسباب، فمعدل انفاق اليمنيين على العلاج خارج البلاد تعدى نصف مليار دولار.
وكحال باقى الدول العربية تبقى الميزانية المخصصة للصحة فى اليمن متدنية، كما يقول الشميرى، حيث تبلغ 4% من ميزانية الدولة، كما أن هناك قصورا فى نظام التأمين الصحى.
كذلك مشكلة احتكار القطاع الخاص لمعظم المستشفيات أدى إلى زيادة العبء على المواطن، وآخر الدراسات اليمنية تؤكد أن 90% من الإنفاق على الصحة يتحمله المواطن اليمنى.