«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأهرام فى جنوب السودان ..السلام على أبواب جوبا
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 02 - 2015

قد تتراجع عن الذهاب إلى جنوب السودان إذا علمت قبل السفر ان عدة مئات من أبنائها يعالجون فى مستشفى العاصمة من مرض الكوليرا, وقد ينتابك الخوف مما يتوارد من انباء شبه يومية عن وجود نزاعات قبلية مسلحة هنا, ولكن بمجرد أن تضع نفسك فى الطائرة المتجهة إلى جوبا تتراجع كل مخاوفك بسبب تلك الوجوه السمراء المبتسمة دائما حيث لا يخلو مقعد واحد من المسافرين الجنوبيين والآخرين من جنسيات أجنبية.
وقبل أن تهبط فى مطار جوبا الصغير المزدحم يمكنك أن ترى من شباك الطائرة قطعان الماشية الكبيرة بين الأشجار والحشائش تحيط بها مياه المستنقعات الضخمة, وبمجرد النزول من الطائرة تدهشك تلك الأعداد الكبيرة من الطائرات الضخمة التى تنقل المساعدات الانسانية والغذائية للجنوبيين , اما فى المطار نفسه فأنت مضطر للمرور على الحجر الصحى الاجبارى للكشف عن فيروس ايبولا الذى حصد أرواح الآلاف من الأفارقة فى عدة دول , وبمجرد الخروج من البوابة تنبهر لتلك السيارات الفارهة الفاخرة من احدث الطرازات والتى يقودها أمريكان وأوربيون يعملون مع المنظمات .فى جوبا ومنذ الوهلة الأولىترى نوعين من الحياة إحداهما للأثرياء الجنوبيين والمستثمرين واغلبهم من اوعندا واثيوبيا وكينيا والصومال وأخرى للفقراء والمهمشين , وفى كل الأحوال فإن اللون الاخضرالطبيعى يعطى لجوبا زهوا طبيعيا والحركة المعمارية تفوق الوصف , فالبناء فى كل مكان وأسعار الفنادق مبالغ فيها جدا رغم كثرتها .جنوب السودان اليوم واقع جنوب السودان اليوم يتحدث عن معاناة لامتناهية لشعب جسور و مناضل منذ العام 1955م فى السودان الموحد منذ انطلاق الطلقة الاولى فى توريت , حتى انتهت أطول حرب أهلية فى إفريقيا بين شد وجذب بالتوقيع على اتفاقية "السلام الشامل" فى "نيفاشا" بنيروبى فى 9يناير2005 لتنفصل دولة جنوب السودان بكل امراضها عام 2011 بعد التصويت بأكثر من 90%لصالح الانفصال لتبدأ مرحلة جديدة من المعاناة بسبب التمرد المسلج وفشل جهود المصالحة الافريقية والدولية. وكما يرى المحلل السياسى النور ييل فإن التركيبة الاجتماعية للقوميات الجنوسودانية هى "لب الازمة لأنها تتكون من قوميات أولية معقدة جداً عبارة عن 64قومية تتوزع فى 10ولايات و ثلاثة اقاليم وهى قبائل حرفتها الأساسية الرعى وتصل نسبة الامية فيها الى ما يقارب 90% و ولاؤهم الأكبر لقياداتهم داخل منظومة الدولة و الحزب و للقيادة الاهلية "السلاطين".
وبالنسبة لأوضاعهم الاقتصادية فليس هناك بنية اقتصادية تحتية , رغم انها بدأت فى النمو البطىء تدريجياً بالاعتماد على ما نسبتة 70% من المخزون النفطى للسودان الموحد سابقا . واصبحت دولة بترولية يعتمد اقتصادها الكلى على 98% على النفط .
ويضيف ييل : ان دولة الجنوب استقلت و فى جعبتها أكثر من 19 حزبا سياسيا اكبرها حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكم و جناحها المنشق حديثاً الحركة الشعبية لتحرير السودان (التغيير الديمقراطى ) بقيادة د: لام اكول اجاوين التى انشقت فى عام 2009م و بعض الاحزاب الاخرى .
وفيما يتعلق بالحركة الشعبية فان قياداتها جنرالات فى الجيش الشعبى ) وقد بنيت على توازنات "اثنية حسب التكوين النسبى الاجتماعى والتحالفات القومية للشعب الجنوبي.
أما فيما يتعلق بنتائج مؤتمر أروشا التنزانية فقد لا تكفى كما يقول ييل, لانها تتعلق فقط بالحوار الحزبى الداخلى وإعادة توحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان " التى تشرزمت الى ثلاث كتل رئيسية هى جناح الحكومة بقيادة الرئيس الحالى سلفاكير ميارديت وجناح المعارضة بقيادة النائب الأسبق وقائد التمرد رياك مشار وجناح المعتقلين السابقين بقيادة الأمين العام الأسبق باقان اموم , حيث سبقها مؤتمر الخرطوم للسلام برعاية صينية ولكن ارادة التوافق ما زالت غير متوفرة رغم أن الحكومة تعتزم إقامة الانتخابات العامة فى 30/6/2015م .
دولة واعدة
فى الطريق للقاء رمضان محمد عبد الله القيادى فى الحركة الشعبية لتحرير السودان قال لى رفيقى الاعلامى ماك كريستوفر نحن نعتز بدستورنا الذى يمنح الفرد فى الجنوب الحرية فى كل شيء خاصة فيما يتعلق بحقه فى الاعتقاد ومن المعتاد هنا ان تجد شخصا مسيحيا وشقيقه مسلم ووالدهما بلا دين وحقه فى ممارسة حياته وفقا لأعراف القبيلة التى ينتمى إليها , ويضيف ورغم ان الدستور ينص على ان الانجليزية هى اللغة الرسمية الا انك كما ترى فان معظم السكان يتكلمون العربية الفصحى او عربية جوبا وهى لغة تخلط بين العربية واللغات الإفريقية فى بلادنا , وقال ان حدودنا ممتدة مع 6 دول وهى السودان الشمالى واثيوبيا وكينيا واوغندا والكونغو وإفريقيا الوسطى ولذلك فانك ستلاحظ كثرة أبناء هذه الدول هنا حيث يأتون للعمل والتجارة والاستثمار .ومما قاله ماك فان جنوب السودان دولة واعدة وغنية بالثروات والماء العذب والمراعى ولكنها تحتاج الى إدارة حديثة .ويضيف ان الحرب التى بدات منذ ديسمبر 2013 تسببت فى قتل مالا يقل عن 500 ألف شخص ولجوء أكثر من مليون آخرين إلى مناطق بعيدة عن المواجهات .
فى مقر الحركة الشعبية بجوبا ابدى رمضان سعادته بوجود الأهرام هنا وقال ان جنوب السودان كدولة جاءت بعد مخاض عسير عبر كفاح استمر اكثر من 50 عاما حتى تحقق الاستقلال وحصل ابناؤها على حريتهم وبدأوا فى بناء المؤسسات بمستوياتها القومية والولائية ( المحلية ) فى الولايات العشر التى تتكون منها الدولة. ويضيف : لقد حققنا الكثير ولكن ما زال أمامناالأكثر لتلبية طموحاتنا وعلى حكوماتنا تقع اعباء كثيرة بسبب ميراث الماضى المظلم , فلم يكن لدينا طرق على سبيل المثال أماالآن فيمكنك ان تذهب الى جنوب افريقيا عبر طريق مرصوف , كما زادت نسبة التعليم فى بلادنا من حيث العدد وما زال طموحنا لإيجاد مقعد لكل طفل جنوبى فى المدرسة, وعندما سألته عما يقال انه مشكلة هوية للجنوبيين بسبب تعدد اللغات والاديان قال : ليس أمامنا اى تحد فى هذا المجال فنحن دولة كل شعبها افريقى مكونة من 46 قبيلة تتكلم 64 لغة وكلها مصانة وفقا للدستور ونطمح الى تعليمها فى المدارس فى المستقبل القريب أما حرية الاعتقاد فهى مكفولة بنص القانون . وحول العلاقات المصرية الجنوبسودانية قال رمضان : ان عددا كبيرا من ابناء الجنوب تعلموا فى مصر منذ أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى الآن ومنهم نائب رئيس الجمهورية الحالى وعدد من الوزراء والسفراء وما زلنا نامل لان تقدم مصر مزيدا من المنح الدراسية للجنوبيين ونحن سعداء بدورها الإفريقى الداعم لقضايانا وقال : يجب ان نمضى الى آفاق ارحب ولن ننسى ان مصر هى أول دولة أقمنا فيها مكتبا للحركة وكانت من اوائل الدول التى اعترفت بنا .
شرعية الدولة بعد الانتخابات
قبل ان اذهب للقاء ماثيو مايور سألت صديقى ماك عن الأعداد الكبيرة للدراجات البخارية التى تجوب الشوارع وتتمركز أمام المصالح الحكومية والفنادق فقال : إنها البودا بودا ومعناها وسيلة مواصلات لذوى الدخول البسيطة حيث لا توجد مواصلات عامة ولا يوجد ما تسمونه فى مصر بالدعم فلتر البنزين هنا ثمنه 7 جنيهات والحكومة لا تقدم مواد غذائية بأسعار مدعمة لغير القادرين .
وقال لى مايور إننا نهنئ المصريين بقائدهم الرئيس عبد الفتاح السيسى ونهنئهم على توجهات الحكومة المصرية الجديدة فى افريقيا وخاصة جنوب السودان ونتمنى لمصر الازدهار وأضاف : نحن حركة وطنية صديقة لمصر منذ الستينيات وعلاقتنا على المستوى الشعبى وثيقة ومترابطة , وغض النظر عن المشروعات التى تقيمها مصر الان فى بلادنا وعندما سألته عن امكان احياء مشروع قناة جونجلى قال : مشروع قناة جونجلى واجه فى التسعينيات مشاكل فى جنوب السودان، والسبب يرجع إلى أن مواطنى الجنوب يرون أن حفر قناة سيكون لها تأثيرات سلبية بالنسبة للقبائل فى المنطقة حيث لم يتم استشارتها قبل البدء فى تنفيذه ، وإحدى هذه التأثيرات السلبية هى إحداث نزاعات فيما بينها ، لأن الأراضى الموجودة فى المناطق التى سيتم عمل مشروع القناة ملك لعدد من القبائل هى الدينكا والنوير، والشوبه، ولكل قبيلة أراضيها. ، وسيصل تأثير القناة فى الأمطار التى تسقط على الجنوب، وستحدث مشكلة بسبب الرعى والمياه، وبذلك سيفتح باب جهنم لمشاكل القبائل، لن تستطيع حكومة جوبا حلها بمواردها المحدودة. إضافة إلى ذلك، فهناك ثروة سمكية كبيرة فى الجنوب، والقبائل التى تستفيد بها ستتأثر حال إقامة هذه القناة. وبالنسبة لإمكان استئناف مشروع قناة جونجلي، فهذا سيحتاج إلى وقت طويل وتمويل كبير جدا، وذلك لأن القبائل فى جونجلى وغيرها ستحتاج إلى الانتقال إلى مناطق أخرى جديدة ومأهولة وبها خدمات مدارس وصحة، حيث كانت الحكومة السودانية قد قامت ببناء مدارس ومستشفيات فى بعض المناطق الجنوبية التى تعيش بها هذه القبائل التى ستترك أراضيها. أما فيما يتعلق بسد النهضة فموقف حكومة جنوب السودان معروف وهو عدم الاعتراض على فكرة السد وباختصار فاننا يمكننا المساعدة فى تقريب وجهات النظر المصرية الاثيوبية.
الحرب ليست قبلية وأسبابها سياسية
رغم ان اللغة الرسمية للبلاد هى الانجليزية الا ان القضاء هو الوحيد المستثنى حيث يجرى التعامل امام المحاكم بالعربية ايضا وفقا لرغبة المتقاضين , هذا ما قاله لى المحامى والناشط السياسى أقوك ماكور الذى يرى ان العام الماضى ومنذ ديسمبر 2013 هو اكثر السنوات ظلاما فى تاريخ البلاد بسبب الحرب والقتلى والمصابين والنازحين بين صفوف الجيش الشعبى والمدنيين ويقول ليس صحيحا انها كان صراعا قبليا ولكنها ناتجة عن معركة سياسية داخل صفوف الحزب الحاكم ولعل التفاق الذى جرى فى اروشا التنزانية يكون قد اجهض كل الشائعات حول وصفها بالقبلية حيث اعترف طرفا النزاع وهما جناحى الرئيس سلفاكير ونائبه السابق مشار بان ما جرى من اختلاف فى الحركة الشعبية هو سبب الصراع . أما عن رؤيته للمصالحة فيقول ماكور ان اتفاق اروشا يقدم خارطة طريق لاتفاق قادم يؤدى لاستقرار البلاد واعادة ترتيب الحزب من الداخل وهو ما سيؤدى لوقف اطلاق النار , خاصة ان مستقبل الاستثمار والتنمية مرهون بالاستقرار وقد تعب الجميع من الحرب . حيث قامت مجموعة من الأحزاب- 18 حزبا –برفع دعوى ببطلان إجراء الانتخابات فى 30 يونيو القادم باعتبار ان المفوضية القومية للانتخابات قد خالفت مواد الدستور والقانون حيث انه لم يتم حصر عدد السكان وفقا للمادة 114 من الدستور كما خالفت القانون الذى قرر ضرورة رسم الدوائر الانتخابية قبل الانتخابات ب 12 شهرا وهو ما لم يتم بسبب المواجهات المسلحة فى عدة ولايات . ويضيف اكوك ماكور ان يوم الانتخابات سيكون فى فترة الإمطار وهو ما يمنع المواطنين من التصويت لوعورة الطرق وغزارة الامطار وهو ما دعا الأحزاب الى تقديم الطعن للمحكمة العليا للفصل فيه .
سألت ماكور عن كيفية تعامل القانون مع العادات والتقاليد المختلفة باختلاف القبائل وتعدد الثقافات فقال :لكل قبيلة فى دولة الجنوب عاداتها الخاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وخاصة الزواج والطلاق وعلى سبيل المثال فان الزواج فى قبيلة الدينكا بالأبقار ويلتزم بذلك الغريب الذى يريد الزواج من فتياتها , فى حين ان قبيلة الباريا يمكن ان يتم التقييم بالأموال اما ما يتعلق بالقانون العام ففى العادة لا يتم اللجوء إليه الا فى مشاكل الطلاق وهنا اؤكد ان القانون العام يغترف بالحلول العرفية للقبائل .
السيسى اعاد لمصر هيبتها
جوبا تلك اللؤلؤة السمراء غالبا سماؤها ملبدة بالغيوم ولكن شمسها لا تغيب , فى طريقى للقاء توت قلواك منمى مستشار رئيس الجمهورية -المتواجد حاليا فى اثيوبيا - كانت العاصمة تبدو وكأنها تعوض سنوات الحرب فالشوارع مزدحمة والمحال والمطاعم الشعبية منتشرة فى الشوارع تفتح ابوابها حتى السادسة مساء فقط , أما من يرغب فى السهر فعليه بالفنادق فقط .
يقول توت انه بعد انفصال الجنوب أصبح السودان الكبير يجمعنا شمالا وجنوبا ونؤكد اننا نسير فى الاتجاه الصحيح فقد اختصرنا مسيرة عشر سنوات من العمل فى عامين فقط ونمتلك من الثروات الزراعية والبترول ما يؤهلنا لمنافسة جنوب افريقيا والرئيس ازار أديس أبابا لاستكمال مسيرة السلام الوشيك, ويرى ان التحدى الحقيقى هو كيفية إدارة الدولة لصالح كل أبنائها. وبالنسبة لمصر قال : وكل يوم هناك جديد فى علاقاتنا مع مصر، فالعلاقات بين البلدين قديمة، ، فلقد اعتبرنا أنفسنا فى جنوب السودان عندما كنا ضمن السودان الموحد بلدا واحدا مع مصر. والعلاقات بين الشعبين متميزة و قديمة كقدم النيل الذى لا يعرف أحد متى نشأ، كما أنها قوية جدا وتتطور بشكل سريع . وفى رأينا أن حكمة الرئيس عبدالفتاح السيسى هى التى أدت إلى الانفراجة فى هذا الملف، ونحن على يقين أن مصر ستتخطى مشكلة سد النهضة وموضوع مياه النيل، وستعود قوية جدا لحوض النيل، فالقاهرة لديها إمكانات كبيرة جدا لمساعدة دول الحوض فى كثير من المجالات، فوجود مصر القوية دعم لجميع الدول الأفريقية وليس لدول حوض النيل وحدها . وقبل أن أغادر قال توت : نحن نشكر شعب مصر وقادتها الذين وقفوا مع حقوقنا فى الحرية والتعليم , ونرى ان الرئيس السيسى قد أعاد لمصر هيبتها التى كادت ان تفقدها وانه يقدمها بالصورة الصحيحة لدول العالم مشيرا إلىأن الرئيس سيلفاكير رفض تلبية دعوة الرئيس الأسبق محمد مرسى لزيارة مصر، لأنه كان متأكدا من عدم استمراره فى حكم البلاد، فالجنوبيون كانوا خائفين على مصر من طريقة حكم الإخوان, و نحن سعداء فى الوقت الحاضر بالانفراجة التى تحققت بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا وبقية دول حوض النيل.
فرص واعدة ومستثمرون غائبون !
ملا تزال جنوب السودان بلدا مفتوحة أمام الاستثمار و الأيدى العاملة بكل تخصصاتها رغم سيطرة الصين وأوغندا وكينيا وإثيوبيا على السوق التجاري , جوبا تستورد كل شيء ولا تصدر إلا البترول , وتحتاج كل شيء الا المياه العذبة والهواء النقي .
قال لى الدكتور تونى جاجا نائب أمين عام اتحاد رجال الأعمال هنا نحن دولة متعددة الثروات وقد قدمت زيارة الرئيس سيلفاكير إلى مصر مؤخرا لرجال الأعمال في البلدين فرصة كبيرة لبدء أنشطة استثمارية فالجنوب بلد متعدد الثروات وقوانين الاستثمار تحمى الجميع , وأضاف نحن هنا فى اتحاد رجال الأعمال نكرر الدعوة للمستثمرين المصريين لتكوين اتحاد مشترك لرجال الأعمال في البلدين وهى فكرة قديمة ولم يتم تفعيلها .
وقال : منذ فترة قريبة جاءنا مستثمرون من مصر كما توجهنا لشركة لمقاولون العرب قبل أيام ودعوناهم للقدوم والعمل هنا فى مجال الطرق والإسكان أما سيمون دينج بول رئيس نقابة العمال فى جنوب السودان فقال : إن مرتبات الموظفين هنا تتراوح بين ما يوازى 50 دولارا و450 للدرجة العليا ولا يوجد هنا علاوات ولا حوافز أما القطاع الخاص فلا للعاملين به مرتبات معينة ولا يوجد تأمينات على العاملين , ويواصل نحن دولة في بدايته ولا يوجد مؤسسات بالمعنى الحقيقي وعدد العاملين المنضمين للنقابة فى 85 فرعا بجميع الولايات لا يزيد على 1000 عامل .
ويضيف لقد وقعنا مذكرات تعاون مع اتحاد العمال فى القاهرة , واتفقنا على تقديم الجانب المصري ل10 منح تدريبية دراسية لعمال من الجنوب في مصر , ونحن الان نطالب بتفعيلها للحصول على الخبرات .أين أنتم من جنوب السودان ؟وعندما قابلت الحاج أمين عكاشة وهو رئيس اتحاد البنوك الوطنية ومستشار الغرفة التجارية والذى يشار إليه هنا باعتباره رجل أعمال وطني أشاد بدور مصر إثناء النزاع المسلح بين الشمال والجنوب حيث إنها لم تتدخل عسكريا لصالح احد الطرفين وكان موقفها حياديا لاعتبارها الأخ الأكبر للجميع .
وقال : يجب أن تقوم علاقات بين شعب وادي النيل في البلدان الثلاثة مصر وشمال وجنوب السودان بحيث نبحث عن رؤية لإنشاء اتحاد كبير يهتم بالتنمية البينية , وقد قلت هذا أمام المصريين عندما كنت مرافقا للرئيس سيلفاكيرأثناء زيارة للقاهرة مؤخرا .
وأضاف : تأتينا البعثات الطبية وموقف مصر كان مشرفا خلال العام الماضي عندما أرسلت مساعدات طبية وغذائية للمتضريين من الحرب ولكن أين رجال أعمالكم ؟ البلد مفتوحة وآمنة وفرص التجارة والاستثمار كبيرة ونحن نستورد ما قيمته 16 مليار دولار سنويا سلع غذائية ومنسوجات وأدوية ولكن بسبب غياب التنسيق التجاري بين البلدين فإننا نشترى السلع المصرية عن طريق الخرطوم أو دبي ! وأنهى اللقاء بقوله نحن جاهزون لاستضافة رجال الأعمال المصريين وتقديم كل التيسيرات لهم لزيادة حجم التبادل التجاري الذي لا نعرف له رقما محددا حتى الآن نظرا لتدنيه الشديد .
جوبا ..مدينة تحرسها الأشجار
لام أكول: مخاوف من عقوبات دولية
طرق محدودة جدا هي المرصوفة في مدينة جوبا وكذلك محلات تجارية قليلة وأسواق لا يتجاوز عدد روادها العشرات , ومساحات واسعة من الأراضي محاطة بأسوار ممتدة من الصفيح , المدينة الصغيرة الآمنة يحرسها المئات من الجنود والآلاف من أشجار النيم العملاقة , ومع ذلك فما زالت تنتظر تنفيذ مئات المشروعات الكبري لتوفير الخدمات للمواطنين .
عندما التقيت بالدكتور لام أكول وزير الخارجية السابق وزعيم المعارضة فى جنوب السودان ورئيس حزب الحركة الشعبية ( التغيير الديموقراطى )وهو الحزب الثاني من حيث الجماهيرية هنا قال لى : لم نسمع فى الجنوب أية دعوات أو مطالب بإعادة الوحدة مع الشمال كما يتردد في إعلام الخرطوم ونحن لا نلوم الانفصال ولكن نلوم القائمين على تحقيق أهدافه التي ناضلنا من اجلها عشرات السنين . وقال علاقتنا بالمصريين هى الأهم خاصة على المستوى الشعبي منذ أيام الري المصري قبل ثورة 1952وما زالت مشروعاته في ملكال على سبيل المثال خير شاهد , ورغم أن هذه العلاقات تعرضت لهزة عام 1974 بسبب مشروع قناة جونجلى الذي كان سيتم تنفيذه دون مشاورة المواطنين وعدم تقديم بدائل لتعويضهم عن أراضيهم هناك الا أنها سرعان ما عادت كما كانت . ورغم اننى كنت من المعارضين البارزين للمشروع إلا إننا لم نكن نرفضه من حيث المبدأ ولكن كنا نشترط إيجاد البديل وإنشاء مشروعات تنموية , وفهمت من كلامه أنه بالإمكان إعادة فتح ملف قناة جوبا مع مراعاة التغلب على المشاكل الناجمة عنة وتلافى أثاره الضارة على مواطنى المناطق التى سيتم فيها تنفيذ المشروع إذا تم الإتفاق علي ذلك . من السهل تحقيق السلام ولكن ! وأود أن أضيف انه اثناء الحكم الاقليمى وفرت لنا الدولة المصرية المنح التعليمية واعتقد انه تمت زيادتها خلال اللقاء الأخير بين الرئيس سيلفاكير والرئيس السيسي في القاهرة , وبالإضافة إلى المستشفى المصرى ومشروعات الكهرباء والمياه التي تنفذها مصر هنا هناك ألاف الفرص أمام المصريين لمشاركة إخوانهم في الجنوب في كل المجالات . وكما ترى فان الصينيين لهم اليد الطولى حيث أنهم يستثمرون في البترول ولهم العديد من المشروعات كإنشاء المطار و إضاءة شوارع جوبا بالطاقة الشمسية ورصف الطرق ونحن الدولة الوحيدة فى العالم التي يتواجد بها جنود صينيون وعددهم 700 ويتواجدون هنا تحت مظلة الأمم المتحدة . سالت د . لام عن أفاق السلام المتوقع بعد اتفاق أروشا فأجاب : من السهل تحقيق السلام ولكن بشروط أهمها انه بعد توحيد أجنحة الحركة الشعبية الثلاثة كما ينص الاتفاق يجب أن يعقبه توقيع اتفاقية سلام وعودة جناح المعتقلين والسؤال هل سيحدث ذلك ؟ وهنا أحذر من أن فشل هذا الاتفاق معناه استمرار الحرب وفرض عقوبات دولية , لان الإيجاد قرروا فى نوفمبر الماضي انه إذا لم تتوقف الحرب فقد يتدخلون عسكريا دون إذن من الطرفين لحماية المواطنين من القتل والتشرد واللجوء القسري .
سألت الدكتور لام أكول عن التواجد الكبير للأجانب الذي لاحظته في شوارع جوبا فقال : هذا يرجع إلى ما قبل الانفصال فالحكومة فى الجنوب لم تتمكن من توفير خدمات الأمن والصحة والتعليم وعلى سبيل المثال فان 70 فى المائة من خدمات الصحة تقدمها منظمات ومانحون أجانب وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم وإنشاء المدارس وطباعة الكتب . وأضاف لقد حصلنا على عوائد بترولية قيمتها 20 مليار دولار في الفترة خلال 2005 وحتى 2011 ولقد قال الرئيس سيلفاكير بنفسه انه تمت سرقة 4 مليارات منها من المسئولين والموظفين بالحكومة . كما أضاف انه يتواجد هنا 12,500 جندي تابعين للأمم المتحدة و3 آلاف تابعين للاتحاد الإفريقي وان الوصول للسلام هو الحل الوحيد لبدء معركة التنمية لان الانتصار العسكري مستحيل أمام أي من الطرفين المتصارعين وأنه لابد من تقديم تنازلات .
الهوية ومؤسسات الدولة
عندما استفسرت من الدكتور لام عما يثار بشان وجود أزمة هوية في المجتمع الجنوب سوداني قال : نعم لدينا مشكلة في الهوية ونحن لم نخلق بعد المؤسسات القوية القادرة على الصمود أمام الهزات الاجتماعية والسياسية والأمنية رغم أن الفترة الماضية كانت كافية لخلق هذه المؤسسات . نحن الآن أفضل ولكننا كنا نطمح للأكثر فليس صحيحا أننا بدأنا من الصفر وليس صحيحا أننا لا نملك الكفاءات . وطالب بضرورة الاعتراف بان انفصال الجنوب نتج أساسا بسبب سوء إدارة التباين الاجتماعي الاثنى والديني والعرقي فى السودان الكبير ,بسبب محاولات فرض الثقافة العربية على الآخرين بالقوة , ونحن بلد متنوع بنفس القدر في السودان قبل الانفصال وبدلا من وجود 250 قبيلة أصبحنا 64 فقط لكل منها خصوصياتها ولذلك فلابد من خلق وضع عام يحتوى كل مكونات المجتمع .
حكايات افريقية من جنوب السودان
تعتبر قبيلة الدينكا من أكبر القبائل السودانية إذ تمثل نسبة تتراوح ما بين 40% و 50% من شعب جنوب السودان . وهناك أسطورة تقول : إن جد الدينكا يسمى ( دينج دين ) وتعنى بلغة القبيلة : ( ربنا الكبير ) ففى زمن من الأزمان السحيقة , تلبدت السماء بغيوم كثيفة و برق و رعد , وعم ظلام دامس ,
فانهمرت أمطار غزيرة ثم لمع برق مضئ بدد كل الظلمات مصحوبا بصوت وكلام مع انهمار الأمطار والغزيرة , ونزلت من السماء فتاة جميلة ممشوقة القوام , فارعة جميلة اسمها ( ألوت وتعنى الكلمة فى لغة الدينكا بنت الغيم أو الغمام, فولدت ولدا صغيرا بأسنان تامة ثم قالت لمن حولها : هذا الولد جاء معى من السماء , وإذا أردتم أن يتكلم , أحضروا ثيرانا بيضاء فاذبحوها التماسا للكرامة وعندما ذبحوا الذبائح , وأقيمت الشعائر انهمرت أمطار غزيرة ثانية لتصعد عبرها ألوت إلى السموات العلى , وتترك الولد المعجزة ( دينج دين ( يكلم الناس ويأمرهم بأن يجعل كل فرد منهم ممن يملكون الأبقار عددا منها وقفا عليه يحرم التصرف فيها بالبيع والشراء لكن يجوز الاستفادة من ألبانها ولحومها أو ذبحها فى الأعيادومن عادات الدينكا التى ما زالت مستمرة حتى الآن إذا مات الشاب عازيا فإن أباه او أخاه آو أحد أقاربه يتزوج باسمه ليحمل الأبناء اسم المتوفى . فموت أحدهم لا يعنى انتهاء وجوده بينهم ولكن تسير الحياة وكأنه ما زال حيا . النوير والدينكا ينتمون إلى جد واحد ، ولكل قبيلة من قبائل النوير الرئيسية زعيم روحى مقدس يقوم عندهم مقام هو الكجور .ومن عادات وتقاليد النوير التى يحافظون عليها عدم الختان، فهم لا يختنون ذكورهم أو إناثهم ويدفن الميت بالقرب من بيته ويمنع مرور أى شخص بالقرب منه لمدة أسبوعين .والنويرى لا يشيع جثمان جدته أبداً ولا يمشى فى جنازتها، ومن أغرب عادات قبيلة النوير أن الابن الأكبر عندما يموت أبوه يعتبر كل زوجات أبيه له إلا أمه ومن ينجبه من أولاد لقاء تلك الزيجات فهم إخوة وليسوا أبناءه وهم بذلك يشتركون مع الدينكا فى نفس التصرف إزاء زوجات الأب .
كلمة باريا تعنى الغريب، وهم فى الأصل انحدروا من الهضبة الاثيوبية قبل أكثر من سبعة قرون وهم من أطلقوا على مدينة جوبا هذا الاسم، وذلك نسبة إلى نهر جوبا بالحبشة . من عادات الباريا ألا يقتلون الفهد لأنه يعتبر أخاً لهم. وبعضهم لا يقطعون نوعاً من الأشجار أبداً لأنهم يرون أن بها سراً مقدساً .ومن العادات الجميلة عند قبيلة الباريا انهم يعينون بعضهم فى تكاليف الزواج، وإذا حوكم أحدهم بالغرامة فإنهم يدفعون الغرامة سوياً .
هناك أسطورة تقول أن اللو هو الإنسان الأول الذى لم يولد لأب و أم طبيعيين ولكنه خرج من باطن الأرض، إذ يعتقد إن أبيه هو جوك اى الإله وأمه هى الأرض
ومن عادات الاشولى انه عند ولادة المرأة فان الأم الجديدة تمتنع عن ممارسة بعض الأشياء التى كانت معتادة عليها من قبل والتى تختلف فى حالة كون المولود بنتا أو ولدا فمثلا فى حالة ولادتها لبنت فإنها تمتنع عن أكل اللحوم وتمتنع من الخروج من الدار لمدة ثلاثة أيام أما إذا كان المولود ولدا فتكون مدة الامتناع أربعة أيام ,و تحرص الأمهات على ربط قلائد حول عنق الطفل لحمايته من السحر أو (العين) والأمراض . ولامرأة الاشولى حق تطليق نفسها من زوجها، أما فى حالة رغبتها الزواج بأخر فان الزوج الجديد يجب عليه دفع المهر لزوجها السابق .
وعادة ما يدفن الميت أمام مدخل منزله، ويتم زرع أشجار حول مقبرته هذا بالنسبة لعامة الناس أما بالنسبة للزعماء فإنهم يدفنون فى مقابر خاصة بهم . ويعتقد الاشولى أن موت الشخص موتا طبيعيا نوعا من سوء الحظ، أما إذا مات الشخص فى الغابة أثناء الصيد، أوفى معركة، فانه يعتبر محظوظا على الرغم من انه لم يدفن فى بيته.
يتميز مجتمع المابان بقيامه على أساس عشائرى والذى يستند إلى النظام الاموى نسبة إلى إلام . وبحكم ان وهم مجتمع زراعى فمعظم قيمهم وعاداتهم شكلتها البيئة الزراعية والصيد، ليس لدى المابان نظام أدارى معروف ولكن يتمتع رجال الدين بسلطة ووضع مقدر داخل المجتمع . ولدى المابان مناسبتين اجتماعيتين هامتين هما الأضحية والتى تعرف باحتفال الاعتراف والمباركة ويتم الاحتفال بهذه المناسبة فى شهر أكتوبر من كل سنة، حيث يتوجه الأفراد للإله لطلب الغفران والعفو منه ليغفر لهم الأعمال السيئة و الذنوب التى ارتكبوها فى السنة، كذلك يطلب من الإله التسامح، والصحة للإنسان والحيوان.
أما المناسبة الثانية فهى عيد الحصاد والذى يطلق عليه (قاتى)و يتم الاحتفال بهذا العيد فى شهر ديسمبر، و فى هذه المناسبة يتم تجهيز الفتيات اوالفيتان فى عمر الزواج للزواج، وفيه تذبح الذبائح، ويقدم الطعام، ويرتدى الفتيان والفتيان الملابس الزاهية وعقود من السكسك (الخرز).
ينقسم مجتمع الانواك الى عشيرتين، (تنق قوك) و(تنق اودولا) ودائما ما يكون بينهما تنافس على النفوذ والسيطرة، ولكل قرية عند الانواك (ناي) اى ملك، أو (كويى-لواك) يكون مسئولا عن الشئون الإدارية بالقرية.
وهو مجتمع تعاونى، اذ تعتبر مشاركة الآخرين للموارد والممتلكات ضرورية، خصوصا فى أوقات المجاعات والإمراض، ويشارك الانواك جماعيا فى بناء منزل الملك، وحصاد وزراعة مزرعته، وفى مقابل ذلك يقوم الملك بتقديم الأكل والشراب ، و بعد اكتما ل البناء يحتفل الجميع بالغناء و الرقص لعدة ايام.
وتسمى الفتاة البالغة (نياكو) والفتى (وادمارا) اى مستعد للزواج، حيث يدفع الفتى مهرا من الخرز وقليلا من الماشية ولا يتزوج الانواك من الأقارب والذى يعتبر أمرا مكروها جدا ووصمة عار اجتماعية تتطلب ممن يخالفها مغادرة و هجرة المنطقة،, و نتيجة لتقديم الخرز كمهر للعروس والذى يعتبر من ضمن ممتلكات الاسرة فقد يأخذه شقيق العروس لتقديمه كمهر لعروسه اى قد يتم تداوله فى عدد من الاسر ونتيجة لعملية التداول هذه قد تنهار عدة زيجات فى حالة حدوث طلاق فى احداها اذ لابد من اعادة الخرز الى صاحبه ، خصوصا عندما يصبح الخرز نادرا.
تقاليد الزواج عند الكوكو صارمة جدا، الزواج من الاقارب ممنوع ولكن يفضل الزواج من داخل القبيلة، حيث يتم ارسال مبعوث من اهل الفتاة الى اهل العريس لتحديد موعد لزيارة اهل العريس لبيت الفتاة، وعند الزيارة يتم دفع مبلغ قبل دخول المنزل وهو ما يعرف بحق الباب، ثم يتم احضار الخطيبين ويتم استجوابهما وإن كانوا يعرفون بعضهم البعض و أين التقوا .
ويدفع الكوكو عند الزواج بقرتين وثورا، وواربعة اغنام وحربتين، وبعض النقود، بعد دفع المهر تاخذ الفتاة لبيت الزوجية للاحتفال، و تمكث وصيفات العروس معها مدة 10 ايام بعد الزواج.
ولديهم ايضا ظاهرة خطف البنات عند ما ترفض الأسرة العريس لكن دفع المهر للعروس المخطوفة لابد منه حتى لو كان ذلك بعد فترة طويلة من الزمن.
النظام الابوى هو النظام السائد داخل قبيلة المندارى، وعادة يعيشون فى شكل مجموعات صغيرة تتراوح اعدادها بين 15 الى 50 فردا حيث تشكل هذه المجموعات مجموعة من القرى المتناثرة، و يكون لكل قرية زعيم يعيش حوله أبناؤه وأحفاده وأسرهم بالإضافة إلى بعض الأقارب من ناحية الأم، والزعامة لدى المندارى وراثية من خلال الابناء ويطلق على الزعيم لقب (مار لو جور)، وايضا لديهم رئيس لمجلس الزعماء يدعى مار لو توكيت
من العادات المحترمة عند المندارى الكرم ، ويعتبر البخل والطمع وصمة عار اجتماعية ،حيث يتم ترديد الاغانى الساخرة عن البخيل .وترفض البنات الزواج به اذا تقدم من اشتهر او عرف بالبخل، ولدى المندارى اعتقاد ان تذمر البخيل قد له يجلب المرض
ويؤمن المندارى بوجود الاله ويطلقون عليه (نوقن) الذى يسمع ما يقوله الناس، ويحاسب الناس على اعمالهم، ويمارسون طقوسهم الدينية من خلال (وسيط) اى رجل دين والذى غالبا مايكون احد الزعماء من ملاك الاراضى، او الطبيب الذى يطلق عليه (بنيتون) وهو ايضا يعتبر شخصية مقدسة حيث يقوم بعلاج امراض الناس.
تعتبر سرقة المواشى من الاخرين شجاعة ونوعا من الفروسية. يتم الاحتفاء فى أى مناسبة هامة بذبح ثور، لضمان مشاركة ارواح الاجداد، اضافة الى توفير طعام للاصدقاء والاقارب المجتمعين.
وعندما ينوى الشاب الزواج يتلقى دعما من والده واقاربه لتوفير المهر وهو عبارة عن ماشية،ويتم تقسيم المهر بين اهل الفتاة، ويصف المورلى الاقارب (اتنوك) بأنهم "الناس الذين يتقاسمون الماشية فيما بينهم". يعتبر المورلى زواج الاقارب شيئا مكروها ومنبوذا جدا ويسمى (نقيليده) وفى الماضى كان عقوبة هذا النوع من الزواج هى الموت
اوفى الماضى كان المورلى يتركون جثة الميت فى العراء لتأكلها الطيور والحيوانات المتوحشة لانهم يعتقدون انه فقط عند ذهاب (اللحم) تصعد الروح الى السماء
ويعتقد المورلى فى اله و يدعونه (تامو) وهو الذى خلق الكون وقادر على كل شئ، كلمة السماء والاله عندهم تعنى نفس الشئ، يؤمن المورلى بأن الارض مسطحة وان منطقتهم هى مركز الارض. يعتقد المورلى ان الاراوح ايضا تنتقل الى الحيونات. فى كل 5 الى 6 سنوات يقوم المورلى بالحج الى منطقتهم المقدسة للتقرب من الاله يقطن بالقرب من المورلى (الدينكا) والذين يسمونهم (جونق كوث) وهم فى صراع دام معهم حتى الآن بسبب الغارات التى يقومون بها لسرقة أبقار دينكا بور.
عربية جوبا
في الدستور الجنوب سوداني تعتبر اللغة الانجليزية هي اللغه الرسمية ، ولكن هناك مجموعات قبلية تنطق بالمئات من اللهجات وعشرات اللغات . أما اللغة العربية في جنوب السودان فتعرف باسم «عربية جوبا»،
وقد تكونت في القرن التاسع عشر بين أحفاد الجنود السودانيين وهي منحدرة من لغة قبيلة باري وتستخدم على نطاق واسع. كما توجد ثلاث لغات أفريقية يتم استخدامها بشكل كبير وهي: «طوك جينق»، وينطق بها أكثر من 5 ملايين نسمة و«طووك ناس» التي ينطق بها حوالي 2 مليون شخص، وطووك شلوا التي ينطق بها حوالى مليون شخص. بينما تستعمل القبائل في ولايات الوحدة و جونجلي وولاية أعالي النيل لغة النوير ولا زالت «عربية جوبا» حتى اليوم هي وسيلة التواصل والتفاهم بين أغلبية القبائل ، على الرغم من مناداة بعض المسئولين الجنوبيين المتشددين بإلغائها من التداول في الدولة الجديدة.
35 مليون رأس ماشية .. نعمة أم نقمة ؟
تعد الثروة الحيوانية أهم ما تمتلكه دولة جنوب السودان بعد البترول, وتبلغ نحو 11 مليونا من الأبقار، و12 مليونا من الماعز، و 12 مليونا من الأغنام وفقا لإحصاءات وزارة الزراعة والغابات والسياحة والثروة الحيوانية , في حين يتراوح تعداد سكان البلاد بين 9 و12 مليون نسمة تقريبا حيث لم يتم إحصاء رسمي للسكان بعد الانفصال عام 2011 .
ورغم ذلك فان هذه الثروة في نظر البعض تعتبر لعنة كما يقول أشول لوكا فهي مورد لا يستفيد الناس منها ويربونها أساسا لكسب السمعة والهيبة والوجاهة الاجتماعية . ويضيف أن قيمة الثروة الحيوانية في جنوب السودان تقدر بنحو 2.2 مليار دولار - أي أنها تمثل أعلى نصيب للفرد الواحد في كل القارة الأفريقية , لكن كل هذه الثروة كغيرها من ثروات الجنوب لا تدار بأسلوب استثماري أو تسويقي و إنما تتسبب أيضا في ندرة المياه وتدهور البيئية. فالناس يريدون فقط امتلاك الآلاف من الماشية لضمان احترامهم في مجتمعاتهم و مناطقهم رغم ان هذا هو السبب في ندرة المياه وانهيار المراعي في موسم الجفاف فى دولة غنية جدا بالماء العذب .فمعظم الرعاة يبجلون الماشية في جنوب السودان ولا يقبلون باى حال ذبح بقرة واحدة لتناول لحمها. وبالتالي فان الدولة مضطرة للاستيراد من أوغندا وإثيوبيا للاستخدام الغذائي . ويضيف انه في تقرير لبنك بنك التنمية الأفريقي فإن 80 في المائة من أهالي جنوب السودان يعيشون في مناطق ريفية، ويعتمدون على الزراعة والرعى وصيد الأسماك. وفي العديد من هذه المناطق تستخدم الأبقار في الغالب لدفع مهر العروس وأيضا كتعويض في حالات القتل أو الزنا , فرعاة الماشية يفخرون بالعدد وهذا يؤدي إلى الرعي الجائر و يتسبب في سوء استخدام الموارد المائية.ويري لوكا أن الأسلوب الأكثر استدامة هو خفض عدد الحيوانات والاهتمام بنوعيتها وإدخال وسائل الزراعة المستقرة والتسويق الاستثماري لها . وهو ما يمكن المزارعين من حصاد العشب لجعل القش لاستخدامه في فترة عدم توفر العشب الحية . ويضيف: إذا أمكن إدارة الماشية بطريقة مربحة لأصحابها، سيكون من شأن هذا أن يقلل من حالات الصراع على الماء والكلأ و الإضرار بالبيئة ويحسن نوعية الثروة الحيوانية. ويؤكد أروب ماجوك الباحث في جامعة جوبا : أن الاستغلال غير المنظم للأرض يرجع جزئيا إلى عدم وجود سياسة واضحة من قبل الحكومة , مضيفا أنه تم التركيز بصورة مبالغ فيها على استخراج النفط الذي يمثل 98 في المائة من عائدات جنوب السودان مطالبا الحكومة بإشراك مراكز الأبحاث فى إجراء دراسات حول كيفية إدارة موارد البلاد بأسلوب أفضل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.