مع بداية الاحتلال الإنجليزي للسودان قامت مجموعة من الرحالة بالتقاط صور توثق شكل الحياة في جنوب السودان, الغريب أن هذه الصور تكاد تكون نسخة طبق الأصل من الصور التي التقطها زميلي المصور صلاح إبراهيم والاختلاف الوحيد بينهما هو أنها بالألوان وأن الفارق الزمني بينهما حوالي مائة عام. فالحياة في بعض مناطق الجنوب لم تصلها أي وسيلة من وسائل المدنية وبعضها يعيش بنفس الطريقة البدائية التي كانوا يعيشون بها منذ آلاف السنيين وبنفس المعتقدات التي يؤمنون بها منذ القدم. وحتي في المناطق التي بدأت تشهد تطورا ملحوظا وانتشارا للديانات السماوية نجد أن السلطة الأقوي لا تزال لمعتقدات القبيلة, الدينكا تؤمن بقوة الإله الواحد نيالاك والنوير يصدقون نبوءات المنجم نوبندق الذي تنبأ بالانفصال منذ100 عام والشلك بقدرة الملك وسلطته المطلقة وقبائل المورلي لهم أعرافهم الخاصة والتي تستحل خطف الأطفال ولكن برغم اختلاف معتقداتهم فإن القبائل كلها تجتمع في اعتبارها أن الأبقار أهم مصادر القوة والجاه وأهم سبب أيضا للنزاع بين القبائل أيضا. وفي جولاتي في مدن بور و ملكال و وأبيي و توريت وفي القري النائية سمعت أغرب الأساطير وتعرفت علي عادات وتقاليد تفوق الأساطير غرابة حكاية عصا النوير السحرية و(الطبلة) التي تطالب القبيلة باستعادتها من مصر والمورلي المصابة بلعنة العقم الجماعي و...... وتعالوا نقترب لنتعرف أكثر علي الجنوب. فارق كبير بين الحياة في العاصمة جوبا وأي عاصمة ولاية جنوبية أخري ففي ولاية جونجلي وهي أكبر ولايات الجنوب حجما وأكثرها سكانا ومسقط رأس الزعيم الراحل جون جارانج تشعر أنك تقترب أكثر من واقع حياة الجنوبيين فمدينة بور وهي عاصمة الولاية لا تكاد تميز فيها سوي فندق واحد بسيط ومبنيان متواضعان يتكونان من طابقين وهما لأحد البنوك مع بعض المباني المتواضعة الأخري من قبل الوزارات الخاصة بالولاية, وعلامة التطور الوحيدة التي غزت المدينة هو أبراج المحمول وهي الشيء الوحيد الذي يبدو ظاهرا في الأفق من بعيد ويمكن رؤيته من أي مكان في المدينة نظرا لأن الناس جميعها يسكنون في القطيات المساكن التقليدية. مدينة الصقور وأكثر ما يشد انتباهك في بور هو هذا الكم الضخم من الصقور والتي يصعب أن تراها في أي مكان آخر.. المئات منها إن لم يكن الآلاف منها تحوم في كل مكان بحثا عن ما يسد جوعها وربما هذا يفسر اختفاء العصافير والتي يبدو أنها فرت وتركت ساحة بور للصقور. وبور هي مسقط رأس عدد من زعماء الجنوب وهي كذلك معقل لعدد من حركات تمرد في الجيش والتي كان يتزعمها جورج أطور كما أنها شهدت صراعات متكررة ما بين القبائل وبعضها البعض وخصوصا ما بين قبائل المورلي والدنيكا والنوير لذلك فإن تواجد القوات المسلحة في كل مكان هو أمر معتاد الذي يلفت الانتباه هو أن الكثير من النساء يعملن كمجندات في جيش الحركة الشعبية وربما كان ذلك لتأمين الدخل حيث إن العاملين في الجيش هم أكثر الذين يحصلون علي رواتبهم بانتظام في حين أن بعض الجهات الأخري قد لا تحصل علي مرتباتها لستة أشهر متتالية وذلك مثلما كانت تشكو لي عفاف وهي تعمل في وظيفة بسيطة في إحدي الوزارات وكما أخبرني حكيم وهو أحد العاملين بالأممالمتحدة في الجنوب فإن الأمر لا يقتصر علي تجنيد النساء بل إن الجيش كان يضم آلاف الأطفال قبل اتفاقية السلام وذلك للسبب نفسه وهو توفير لقمة العيش للأسرة ولكن هناك عدة جهات دولية وفي مقدمتها اليونيسيف قامت بضغوط لتسريح هؤلاء الأطفال والحقيقة أن ما وجدته في بور كان هو نفسه ما شاهدته فيما بعد في توريت وولاية وراب( وهي مسقط رأس الرئيس سيلفا كير) وكذلك ولاية بحر الغزال وعاصمتها ملكال ولكن بسبب أن الأخيرة كانت مقرا للحاكم الإنجليزي أثناء الاحتلال فإن شوارعها الرئيسية متسعة وتحمل بعضا من التخطيط ربما أكثر من جوبا نفسها وكذا فإن متاجر وسط المدينة تحمل بعضا من ملامح السوق القديم في الخرطوم. ما بين ولايات الشمال والجنوب. غير أن هذه المدنية علي كل ما تعاني منه إلا أنها أفضل بكثير من أي قرية نائية في الجنوب فأغلب القري لا تزال تعاني من نفس الظروف القاسية التي كانت تعاني منها دوما سواء أثناء الحرب أو حتي من قبل ذلك. ففي حين أن مشاهد عري النساء والأطفال تكاد أن تكون قد اختفت إلي حد كبير من المدن نجد أن نسبة كبيرة من النساء في القري لا يغطين الجزء العلوي من أجسادهن علي اعتبار أن ذلك هو جزء من العادات والتقاليد المعتادة في الجنوب. أيضا لايزال بعض من تلك القري مثل قرية( الكرمك) الواقعة بالقرب من الحدود مع أثيوبيا تقوم بإفراغ جذوع الأشجار وتستخدمها مثل( الزير) لتخزين مياه الأمطار لاستعمالها في أوقات الجفاف لعدم وجود وسائل أخري للحصول علي المياه تماما, كما كان يفعل سكان تلك المناطق من آلاف السنين دون أي تغيير, ونسبة تلك القري من الجنوب ليست قليلة بل هي النسبة الأكبر في معظم الولايات ولا يقتصر الحفاظ علي العادات في المظهر وإنما ينسحب بشكل أساسي علي المعتقدات والتي لا تزال معظم القبائل الجنوبية تتمسك بها سواء في المدن أو في القري وحتي الذين قاموا بتغيير معتقداتهم وأصبحوا ينتمون إلي المسيحية أو الإسلام لا يزالون متأثرين بتلك المعتقدات. فجون دينق وهو أحد القضاة العرفيين الذين التقيت بهم في مدينة بور وهو ينتمي إلي قبيلة الدينكا وتحدث قائلا: الدينكا هي أكبر قبائل الجنوب وتعدادها يمثل حوالي49% من تعداد الجنوب أي أن يتراوح ما بين4 إلي5 ملايين نسمة وهي كانت دوما أغني القبائل وينتمي إليها أصحاب السلطة والنفوذ في الجنوب. والدينكا تختلف عن سائر القبائل النيلية في أنها وحتي قبل انتشار المسيحية والإسلام فيها كانت تؤمن بأن هناك إلها في السماء يطلقون عليه نيالاك( وهي تعني الأسمي أو الأعلي) وكما يعتقدون في قوة وسيطة يطلقون عليها( دينج ديت) حيث يعتبرونه كائنا روحيا وسيط بينهم وبين نيالاك. والرجل في قبيلة الدينكا لابد أن يكون له أولاد فإن مات قبل أن يتزوج أو كانت له زوجة ولم ينجب يقوم شقيقه بالزواج له أو يتزوج من أرملته علي أن ينتسب من ينجبهم من أبناء إلي الشقيق المتوفي أما بالنسبة للميراث فإن البنت لا ترث وغالبا ما يكون للابن الأكبر من الزوجة الأولي نصيب الأسد من الميراث فهو يرث حتي زوجات والده فيما عدا والدته, وتتفق قبيلة النوير مع الدينكا في كثير من تلك العادات في المسيحية. وربما أهم ما يميز الزواج في تلك القبائل هو شرط أن يكون الزواج من خارج نطاق العائلة الواحدة فالبنت لا تتزوج من ابن عمها كما هو معتاد مثلا في قبائل الشمال وربما هذا يفسر أنه يندر أن تشاهد أطفالا. معجزات عصا النوير أغرب القصص التي استمعت إليها كانت من بعض أبناء قبائل النوير فهم يؤمنون بعدد من الزعماء الروحيين ويعتبرونهم وسطاء بينهم وبين الرب ويطلقون عليهم الكجور وهو من تكون لديه القدرة علي علاج الأمراض وحل المشكلات والتنبؤ بالمستقبل وهو من تطلب بركته لنزول المطر. وغير أن أشهر كجور لدي قبائل النوير هو نوبدنيق بونق فجميع قبائل النوير تؤمن بصدق نبواته ونوبدنيق والذي يعني اسمه( هبة الرب) كانوا يعتبرونه نبيا مرسلا من الرب. ونوبدنيق رحل عام1906 لكن قبائل النوير تؤمن بصدق نبوءاته وخصوصا أن معظمها تحقق علي مر المائة عام الماضية ومنها دخول الديانات إلي الجنوب والصراع بين الشمال والجنوب السوداني, وتنبأ بأن الجنوب سيكون له علمه الخاص وكيانه المنفصل المكون من عشر ولايات وهناك نبوءات أخري لم تتحقق بعد ولكن أهل النوير يؤمنون بها بشكل كبير وهي أن هناك انفصالا سيحدث للجنوب وسيكون دولة مستقلة وأن الرخاء والسلام لن يعم علي الجنوب بعد الاستقلال إلا عندما يتولي أحد قادة النوير الحكم. فتش عن النقارة( الطبلة) في مصر ونوبدنيق كانت لديه عصا ونقارة( طبلة) يؤكد كل من التقيتهم من أبناء النوير أن بهما قوي خارقة فجوزيف مادوك وهو المستشار السياسي لريك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب تحدث عن رواية يصدقها النوير تتحدث عن أن نوبدنيق منع بعصاه تقدم القوات البريطانية لمكان إقامته وأنه عندما يرفعها في وجه أي شخص كان يمنعه من الحركة كما أنه كان يستخدمها لسقوط الأمطار, وهذه العصا التي يحرص كل نويري علي وصفها لأبنائه كانت قد استولت عليها إنجلترا وقام باحث إنجليزي بتتبعها حتي اشتراها من مزاد في لندن ثم قرر إعادتها للنوير في الجنوب وبالفعل خرج آلاف الجنوبيين في العام الماضي لاستقبال عودة العصا للجنوب وفي مقدمتهم رئيس الحكومة ونائبه ويقال إن النوير أرادوا استعراض قوة العصا فقاموا باستخدامها بطريقة نوبدنيق وتغنوا بترانيمه فانهمرت الأمطار فجأة. ويعتبر النوير أن عودة العصا معناه اقتراب موعد تحقق نبوءات نوبدنيق عن الانفصال وعن إمكانية أن يتولوا مقاليد الحكم في الجنوب. الغريب أنني التقيت بعمدة إحدي قبائل النوير في ملكال ويدعي جوردن بول وتحدث بكل فخر عن معجزات العصا ثم نظر لي نظرة حادة وقال لي لقد استعدنا العصا من إنجلترا وبقي أن تستعيد نقارة نوبدنيق من مصر حيث أن إنجلترا بعد استيلائها علي مقتنيات الكجور أعطت النقارة في مصر ونفس هذا الكلام تتكرر من سارة جيمس وهي تشغل منصبا سياسيا مهما حيث قالت لي إن البعض كان يؤكد وجودها في المتحف المصري وأن هيئة الآثار تعرف مكانها!! والأعجب أنني عندما التقيت بالدكتور ريك مشار نائب الرئيس أكد المعلومة( النقارة) وقال إنهم سيطالبون بعودتها من مصر وعندما سألته عن أن البعض يرجح أن النبوءة الخاصة بتولي نويري للحكم في الجنوب لو حدث انفصال تخصه هو شخصيا فابتسم برضا وقال سوف نري ولكن لا تعليق آخر لدي. الرث ملك الشلك.. وإذا كانت قبيلة الشلك تنتمي لنفس المجموعة القبلية النيلية التي تضم النوير والدينكا إلا أنها تمثل التعداد الأقل بينهم كما أنها تختلف كثيرا عنهما بداية من شكل الشلوخ. والتشليخ هو عادة لدي كل قبائل الجنوب وخصوصا النيلية وهي تعني عمل تشريط وجروح معينة بالوجه تعطي بعد التئامها ندوبا وعلامات تظهر انتماء صاحبها القبلي, والتشليخ لدي النوير والدينكا عبارة عن تشريط يتم بخطوط أفقية أو رأسية ويختلف عددها من قبيلة لأخري وتتراوح بين ثلاثة وستة أما بالنسبة للشلك فالتشليخ عبارة عن عدة ندوب تبدو كالحبات المستديرة علي الجبهة. وبخلاف التشليخ يتميز الشلك بأنهم لديهم أمهر الزوجات في أعمال المنزل كما يتميزون في رقصاتهم عن كل قبائل الجنوب. غير أن أكثر ما يميز الشلك عن سائر قبائل الجنوب هو أن لديهم زعيما روحيا واحدا لكل القبائل في الجنوب وهم يطلقون عليه الرث أو المك ولديه سلطة دينية روحية وسلطة دنيوية ويعتقد الشلك أن المك هو حي أبدي وأن روحه تتجسد عبر التناسخ في كل مك جديد وبحسب ما قاله مك الشلك كونفداك فديت( وهو كان يشغل منصب مدير بنك قبل أن يتم اختياره) فإن تاريخ الشلك بدء في القرن الخامس عشر وهناك أكثر من ثلاثين مكا في تاريخ القبيلة والرث أو المك يتم اختياره من خلال لجنة مكونة من خمسة أو ستة بيوت للرث السابق برئاسة شخص يطلق عليه اجايا ويتم اختيار المك علي أنه خال من أي تشوهات أو أمراض ومعروف بحسن السمعة ويمكن أن يكون من أبناء المك السابق شرط أن يكون ولد بعد أن أصبح مكا وعليه فابن المك الأكبر لا يمكن اختياره كوريث لوالده في المنصب ولكن تكون له مهمة أخري وهي أنه الوحيد الذي يمكنه مراجعة المك في قراراته. والمك لديه كل السلطات بما فيها الحكم بالموت. غير أن الشيخ عبد الله أبيانق وهو من قبيلة الشلك وتحول للإسلام منذ عشرين عاما فيقول إن مؤسس مملكة الشلك في الأساس هو نيكانق وهو زعيم روحي وهناك من يقول إنه كان مولود بنوع من الإعاقة وكان من عادة القبائل التخلص من الأطفال الصغار المولدين بإعاقات مختلفة ولكن يبدو أن والدته لم تتخلص منه وبدأ يكبر وأثار شكله أعجب الناس ثم بدأ يقوم بأفعال عديدة تثير إعجاب الناس وجعلوه مكا لهم. ولكن الآن فيتم اختيار الملك في أتم صحة ولا يعاني من أي مرض وغالبا ما يكون للملك عشرات وربما مئات الأبناء لأنه يمكن لأن تكون له40 أو50 زوجة ويضيف قائلا إنه بالرغم من تحول الكثير إلي ديانات أخري فإن سلطة المك لم تزول ولا تزال هي الأقوي. المورلي قلب الأسد القبيلة التي أثارت اهتمامي كثيرا وأعياني البحث للوصول إلي بعض من أفرادها كانت هي قبيلة المورلي وعندما أردت السفر إلي منطقة البيبور وبوما بولاية جونجلي حيث يوجد أكبر تجمع لقبائل المورلي قيل لي إن المسافة قد تستغرق14 يوما نظرا لوعورة الطريق ناهيك عن خطورته التي تتمثل في بعض المضايقات الأمنية سواء من بعض المتمردين من جيش الحركة الشعبية أو القبائل التي تتنازع علي السيطرة علي بعض المناطق. وسر اهتمامي بقبائل المورلي هو ما سمعته عن صراعهم مع قبائل الدينكا والنوير وكيف أنهم يعانون من ظاهرة عقم جماعي علي مستوي القبيلة فكما أخبرني الدكتور أكوت يار وهو كان وزيرا للصحة بولاية جونجلي لمدة15 سنة حيث قال لي أن الحرب والظروف الاقتصادية كانت سببا في عدم توفر دراسات واضحة لمشكلة العقم هذا وكل محاولات المنظمات الدولية لدراسة ذلك لا تزيد علي دراسات محدودة والتي تشير إلي انتشار الأمراض التناسلية بين نساء ورجال القبيلة ونظرا لبعدهم المكاني يصعب انتقالهم للعلاج وهو ما دفع المجلس التشريعي لمناقشة الموضوع لدفع الحكومة لإرسال لجنة رفيعة المستوي لدراسة العوامل البيولوجية المسببة للمشكلة ولكن كان نقص الموارد المادية حائلا أمام عمل دراسة جادة, المهم أن قبيلة المورلي قامت بحل تلك المشكلة علي طريقتها الخاصة وهي خطف أطفال القبائل الأخري الذين يقومون بتربيتهم كأبنائهم حتي يضمنوا استمرار انتمائهم لهم يدفعونهم بمجرد بلوغهم لقتل أحد أفراد قبيلتهم الأصلية, وهو ما يؤدي إلي تفجر صراعات مسلحة بين تلك القبائل هناك بين الحين والآخر وهذا هو السبب في صعوبة جمع السلاح في ولاية جونجلي فرغم أن كوال مادينق حاكم ولاية جونجلي أخبرني أنه تم جمع80% من الأسلحة الموجودة مع الأهالي فإن أغلبية من قابلتهم سواء في الولاية أو خارجها أكدوا لي أن ما قاله قد ينطبق علي العاصمة بور وبنسبة أقل بكثير من التي ذكرها الوالي في حين أنه يصعب سحبها في باقي المدن وخصوصا التي تتواجد فيها المورلي مثل البيبور وبوما والذين يرفضون تسليم أسلحتهم خوفا من انتقام القبائل الأخري منهم إذا ظلوا بدون سلاح وكذلك القبائل المجاورة تصر علي الاحتفاظ بسلاحها للتصدي لهجمات المورلي إذا حدثت ولذلك تعتبر من أخطر المناطق في الجنوب رغم أنها تعد من أجملها في ذات الوقت وربما هذا ما دفع الإمارات للمغامرة والبدء في الاستثمار هناك فكما أخبرني الشيخ فلاح الأحبابي ممثل الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان لشئون أفريقيا أنهم أنفقوا مائة مليون دولار علي إنشاء سفاري مفتوحة في تلك المنطقة ستكون أجمل من سفاري كينيا ورغم من أنهم حققوا نسبة تفاهم جيدة مع المقيمين في المنطقة فإن الصراعات التي تدور بين الحين والآخر وكذلك الطقس وصعوبة نقل المستلزمات المطلوبة للمشروع بسبب الأمطار والطرق أدت إلي عدم إتمامه حتي الآن. جمعتني الأقدار بعد ذلك في المطار بأحد أبناء المورلي الذين سافروا للحياة في الخارج حيث قال لي إن أبناء قبيلته يعتبرون من أكثر الجنوبيين شجاعة فهم قادرون علي مواجهة الأسود وقتلها بأبسط الأسلحة والبعض يعتبرونهم قساة ويرفضون التعامل مع الأغراب ولكن المشكلة تكمن في الإهمال المستمر لهم علي مر العصور والحكومات المتعاقبة حتي بعد توقيع اتفاقية السلام فإن المورلي لم تستفد شيئا من دخل البترول في حين أن المستفيد الأول هم أبناء قبيلة الدينكا وهذا الإهمال ما دفعهم إلي أن يكونوا متشككين دائما في الآخرين. تلك هي إذن بعض من القبائل التي تتحكم وفقا لصراعاتها وتحالفاتها في مصير الجنوب, فالمورلي دائما في صراع مع الدنيكا والنوير في ولاية جونجلي والنوير والدنيكا بينهما صراع ترتفع درجة سخونته بين الحين والآخر, ورغم محاولة سيلفا كير إرضاء جميع الأطراف ووجود تمثيل لمعظم القبائل المحورية في حكومته فإن المخاوف من انفراد الدنيكا بالحكم ليست هينة والخلافات والاقتتال بين القبائل وبعضها البعض يزداد وبحسب تقارير الأممالمتحدة فإن نهايات عام2009 وعام2010 شهدت أعلي نسبة قتلي بسبب الصراع بين القبائل منذ توقيع اتفاقية السلام حيث وصل عدد القتلي لما يزيد علي2500 قتيل, كما وصل عدد اللاجئين والذين فروا من قراهم إلي390000 في عام2009 قياسا178000 في عام2008 وذلك وفقا لتقرير المجلس النرويجي للاجئين. هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة