في إطار سعي القاهرة لتنويع علاقاتها وتحقيق شراكة إستراتيجية شاملة مع القوى الاقتصادية الكبرى في العالم. أجري الرئيس عبد الفتاح السيسى زيارة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبية في ديسمبر الماضي، لتعزيز الشراكة بمستوي يليق بمصر وريادتها بالمنطقة وسعيهما إلى تعميق العلاقات البينية، بالإضافة الي الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى «الشراكة الإستراتيجية الشاملة» كما أكد الرئيس أهمية المضي قدماً في مختلف مجالات التعاون بين مصر و روسيا الاتحادية ، منوهاً إلى اعتزاز مصر، حكومة وشعباً، بالعلاقات المصرية الروسية، ومعرباً عن تطلع مصر لزيارة الرئيس الروسي المرتقبة إلى القاهرة للتباحث بشأن العديد من المشروعات في مختلف المجالات، التي تشمل الطاقة، وتحديث المصانع التي تم تدشينها في مصر بخبرة سوفيتية سابقة، وتنمية منطقة قناة السويس، بالإضافة إلى التعاون مع مصر في مجالات البحث العلمي. والحقيقة أن بزوغ نجم العلاقات مع القطب الصيني والقطب الروسي في هذا التوقيت قادر على إعادة الاستقرار إلى المنطقة العربية والشرق الأوسط، خاصة أن الحقبة الماضية أثبتت فشل نظام القطب الواحد. شهدت العلاقات المصرية الروسية فترات كثيرة من التقارب، خاصة بعد مباركة الروس للثورة المصرية في 1952، وبعدها استطاعت مصر أن تنهض زراعياً وصناعياً بفضل المساعدة الروسية... ولا ينسى أحد الدور الروسي في حرب 1973. من جانبه أشار محمد حمزة, الباحث السياسي و خبير الدراسات الإستراتيجية الي ان العلاقات العسكرية بين البلدين تتلخص ، في جملة واحدة وهى أنه بدأها عبد الناصر وأصابها الفتور في عهد السادات واستعادها مبارك نسبيا. وقد تسلمت مصر أول صفقة من الأسلحة الشرقية فيما عرف باسم «الأسلحة التشيكية» منذ عام 1955 حتى عام 1956، أي كانت تجري في الجيش المصري عملية إحلال وتجديد من السلاح الغربي إلى السلاح الشرقي. وفي عام 1976 نقضت مصر «معاهدة الصداقة والتعاون» مع موسكو التي سبق توقيعها في عام 1971. وتقلصت مصر نوعيا عن شراء الأسلحة السوفيتية مع قرب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، في غضون سنة 1978 تقريبا، واتجهت منذ ذلك الوقت إلى شراء الأسلحة الأمريكية. واليوم روسيا تحتل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية في تصدير الأسلحة، وبالتالي تتنافس الولاياتالمتحدةوروسيا في تصدير السلاح إلى الدول النامية ، وتأتى المنطقة العربية في المركز الثاني من إجمالي صادرات روسيا من السلاح بنسبة تتجاوز 15% تقريبا، بعد الدول الآسيوية التي تحصل على نسبة 62% تقريبا من صادرات روسيا من السلاح ، كما أن روسيا تعتبر المورد الأكبر للسلاح إلى القارة الإفريقية ، وتأتى في المرتبة الثانية في كل من آسيا وأمريكا اللاتينية بعد الولاياتالمتحدة. ونظرا لما لمصر من سابقة خبرة طويلة في استخدام وتطوير الأسلحة, فتعد مصر نبراسا وقبلة يحتذي بها بدول القارة والدول العربية في عقد صفقات مماثلة. وأضاف محمد حمزة , كما جاء الخبراء الروس لمصر لتأكيد دعم موسكو للقوات المصرية بآليات ومعدات وتقنية عسكرية كانت عامل الحسم في الكثير من معارك حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر حتى انتهاء العمليات في معركة 73. ولا ننسى دور روسيا في إنشاء السد العالي أكبر مشروع مصري في العصر الحديث. وحالياً بدأ المصريون يراقبون تصريحات بوتين وأعجبوا بها.. فلقد رحبت موسكو بثورة 30 يونيو.. ووبخت من يعارضها.. ولذا فمن المتوقع أن تشهد العلاقات المصرية الروسية في الفترة المقبلة الكثير من التطورات والتعاون المتوقع في مجال ترميم السد العالي أو في مجال التسليح وبعض الصناعات الزراعية..جدير بالذكر ان العلاقات بين الدول لا تقوم علي صفقات السلاح ولكن علي العلاقات الاقتصادية في المقام الأول.
200 سنة من العلاقات
هذا ويعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الإمبراطورية الروسية ومصر إلى أكثر من مائتين وخمسة وعشرين عاما عندما أصدرت الإمبراطورة يكاترينا الثانية مرسوما عام 1784 يقضي بتعيين أول قنصل روسي في الإسكندرية، لكن أول قنصلية روسية افتتحت بشكل فعلي في القاهرة يعود تاريخها إلى العام 1862 . ومع تشكل الجمعية الروسية للملاحة والتجارة عام 1856 ودخول قناة السويس قيد الخدمة، بدأت العلاقات الروسية المصرية تأخذ طابع التعاون في مجالات عدة بما فيها التعاون في مجال ري الأراضي والجيولوجيا والآثار والسياحة والطب والثقافة. وتمت الخطوة الأولى للتعاون المصري الروسي في أغسطس عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي. وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 حين قدم الاتحاد السوفيتي لمصر المساعدة في تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالي. وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينيات – الستينيات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألمونيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية. وتم في مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي. وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينيات بأسلحة سوفيتية. ثم تراجعت العلاقات العربية الروسية في فترة التسعينيات وكانت بمنأى عن قضايا المنطقة العربية، واليوم أصبحت طرفا ً في المعادلة الدولية من خلال المنطقة العربية بقضاياها الأكثر حراكاً للقوى الكبرى الدولية والإقليمية. وكان التوجه الروسي إلى المنطقة العربية لا تسعى فيه روسيا إلى مجرد تحقيق المكاسب السياسية أو أن تتمكن من ممارسة دور أمنى أو عسكري لمنافسة الدور الأمريكي المتواجد بقوة في المنطقة العربية، وإنما كانت تعمل من أجل شراكة إستراتيجية اقتصادية وتقنية تتمكن من عائد اقتصادي مباشر لروسيا، ولذلك كانت المصالح الروسية في المنطقة ترتبط بالدول ذات القطاعات النفطية للتركيز على مصادر الطاقة ، ومن خلال التعاون التقني في المجالات الصناعية ، بالإضافة إلى التعاون العسكري، وبالتالي أصبح لروسيا مصالح مشتركة مع الدول العربية عليها أن تحافظ عليها حتى مع بداية التغيير في الأنظمة العربية، وبذلك كان مجال الطاقة على قمة أولويات السياسة الروسية تجاه المنطقة العربية لاسيما دول الخليج العربي حتى أصبح قطاع الطاقة هو جوهر الشراكة العربية الروسية.
هذا وقد أكد د. صلاح جودة, مدير مركز الدراسات الاقتصادية الي أنه من الملاحظ أنه ازداد حجم الصادرات الروسية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2010، بنسبة 32.5% حتى 335.4 مليار دولار وحجم الواردات بنسبة 37.8% حتى 205 مليارات دولار، ليشكل فائض الميزان التجاري خلال الفترة المذكورة 130.4 مليار دولار، ما يزيد على المؤشر ذاته في الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 24.9%. ، بلغ التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية 5.5 مليار دولار في عام 2006 ، وكانت مصر والجزائر والمغرب في مقدمة الشركاء التجاريين لروسيا في المنطقة في حين أنه من المعتاد أن يميل الميزان التجاري لصالح روسيا بفارق كبير، وفى مطلع العام 2010 بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والعالم العربي 10 مليارات دولار، وفى العام2012 بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية 14 مليار دولار. وأضاف صلاح جودة, ومع مصر فقد تقلص نطاق التعاون العملي في التسعينيات. ولكن من الملاحظ أنه ينمو باطراد في السنوات الأخيرة. وقد بلغ حجم تبادل السلع والخدمات بين البلدين في عام 2006 نحو مليار و950 مليون دولار. ويشكل التبادل التجاري منه قرابة المليار و200 مليون دولار.وقد ازداد حجم التبادل التجاري في السنوات الأربع بنحو 5 أمثال. وهو يشكل الآن أكثر من ملياري دولار. وبلغ التبادل السلعي بين البلدين في عام 2008 نحو 2.065 مليار دولار. وتشغل الخامات والمواد الغذائية وزناً نوعياً عالياً في الصادرات الروسية بينما تشكل المنتجات الزراعية والسلع الاستهلاكية البنود الأساسية في الصادرات المصرية. هذا ويشهد التعاون بين مصر وروسيا في مجال الطاقة على التقدم الملحوظ للتعاون الروسي المصري الأمر الذي يبدو واضحاً في ميادين استخراج وإنتاج النفط والغاز الطبيعي. كما أنجز الخبراء المصريون والروس العمل الخاص بإعداد اتفاقية ثنائية حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية. ويرى العديد من الخبراء أن اختيار روسيا كشريك لتحقيق البرنامج الذري المصري أفضل من التعاون مع الولاياتالمتحدة في هذا المجال. كما أبدت روسيا استعدادها لصيانة المصانع المصرية التي سبق ان ساهم الروس في إنشائها في مصر وبحث تمويل خطى المترو الجديدين ومناقشة إنشاء صوامع روسية لتخزين القمح في مصر .ولوضع كل تلك الاتفاقيات والتفاهمات موضع التنفيذ أعلن الجانبان المصري والروسي نيتهما عقد اجتماع للجنة الحكومية الروسية المصرية للتعاون الاقتصادي والتجاري في نهاية مارس المقبل. ومن الناحية السياحية, فقد أكد وزير السياحة هشام زعزوع، أن مصر تتمتع بثقة كبيرة لدى منظمي الرحلات ووكلاء السفر الروس خاصة مع الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد كما أن المقصد السياحي المصرى يتصدر ترتيب البلدان التي زارها السياح الروس، متوقعاً أن يصل العدد إلى 3 ملايين سائح بنهاية العام الجاري.