تهدف منظومة النقل إلى الإستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة لتوفير متطلبات نقل الأفراد والسلع بالمستوى المناسب وبأقل تكلفة ممكنة. وإنتاجية منظومة هى الطاقة التحميلية المنتجة متمثلة فى إجمالى مكان لراكب كيلومتر» أو « مكان لطن كيلو متر». وفى الدول المتقدمة عادة ما يركز المسئولون المعنيون بمنظومة النقل على الإستخدام الكفء لعناصر الإنتاج المادية والبشرية المتاحة. وذلك بإختيار وسيلة النقل المناسبة كذا حجم وحداتها ومواصفاتها وفقاً لطبيعة وظروف التشغيل . مع التأكد من توافر تسهيلات النقل المناسبة من طرق وخطوط سكة حديد ومسارات مائية ومطارات وموانئ ، كذا إختيار القوى العاملة من طاقم تشغيل وفنيين وإداريين بالمستوى المناسب وبالأجر العادل ، بالإضافة لتطبيق نظام مدروس لتسعير الخدمة وضبط تحصيل الإيراد. وكفاءة منظومة النقل بصفة عامة - لا تنحصر فى ترشيد إستخدام الإمكانات المتاحة لإنتاج الطاقة التحميلية، بل كذلك وبنفس الدرجة من الأهمية دقة مراعاة أن يتوافق إنتاج تلك الطاقة كماً وتوقيتاً مع حجم ونوعية الطلب. حيث إن الأسس الحاكمة لصناعة النقل بالذات تقضى بأن المنتج (الطاقة التحميلية) يستهلك فور إنتاجه سواء إستخدم أم لم يستخدم. علماً بأن معظم - إن لم يكن كل -هذا لا يراعى عند اختيار وتشغيل وسائل النقل ووحداتها، سواء على المستوى القومى او على مستوى القاهرة . فمنظومة النقل بالقاهرة الكبرى تعانى من خلل تخطيط خدمات ومسارات النقل الجماعى ، سواء لعدم إستخدام وسيلة النقل المناسبة فى المكان المناسب حيث إن «لكل وسيلة نقل مكانا معينا تعطى فيه مستوى خدمة أعلى وبتكلفة أقل» ؛ أو لعدم مراعاة حجم الحركة فى نطاق المناطق الرئيسية فى التجمع السكانى بالمقارنة بحجم الحركة ما بين تلك المناطق . والأخطر من هذا إتباع المسئولين لسياسات خاطئة بتحفيز المنافسة بين مشغلى وسائل النقل، بما يتناقض مع الأسس العلمية لتنظيم النقل ، والتى تحتم ضبط المنافسة بين مختلف وسائل النقل بل ومختلف مشغليه . وذلك بهدف تأمين مستوى مناسب من الخدمة فى مختلف المناطق المتطرفة قليلة الكثافة السكانية على أًطراف التجمع السكانى وفى التوقيتات خارج وقت الذروة ، بالإضافة لخفض جذرى فى تكلفة الخدمة بوجه عام . ومما يبعث على الدهشة أنه قبل ستين عاماً كانت هذه التنظيمات مطبقة إلى حد كبير فى مصر والقاهرة على وجه الخصوص. ليس بناءً على الأسس العلمية المتعارف عليها ، بل نقلاً عن ممارسات مطبقة بالدول المتقدمة التى كانت تساهم فى التخطيط والتشغيل لوسائل النقل بالقاهرة حينذاك. وبعد كل هذه السنوات أصبحت منظومة النقل بالقاهرة تتحكم فيها السياسات والقرارات التى تتناقض تماماً مع الأسس العلمية المقننة والمطبقة بالخارج. ومن أبرز وأخطر هذه السياسات دعم السيارة الخاصة سواء من ناحية تكلفة تشغيلها أو مستوى الخدمة التى تقدمها ؛ خلافا لما يتم مع النقل الجماعى . وكفاءة إختيار وسيلة النقل المعينة ترتبط بالعناصر الآتية: كثافة حجم الحركة حيث إن الاستخدام الإقتصادى لخط سكة حديد على سبيل المثال- يقتضى وجود حد أدنى لحجم المنقول. بما يمّكن من توزيع التكاليف الثابتة لإنشاء هذا الخط وتشغيله. المسافة التى يقطعها المنقول. حيث عادة ما تعطى السيارة مستوى خدمة أعلى وبتكلفة أقل للنقل للمسافات القصيرة، والسكة الحديد للمسافات المتوسطة، والطائرة للمسافات الطويلة. مدى حاجة المنقول لإستخدام أكثر من وسيلة نقل فى رحلته من «الأصل» إلى « المقصد». وهو ما يضعف قدرة السكة الحديد على منافسة السيارات. حيث يتحمل المنقول تكلفة الشحن والتفريغ لأكثر من مرة. إلاَّ أن سلبيات ذلك بالنسبة للسكة الحديد تتلاشى كلما كانت رحلة المنقول لمسافة أطول. وكفاءة منشأة النقل و منظومة النقل بصفة عامة يرتبط بأسس التسعير المستخدمة. علماً بأن هناك سبعة أسس لتسعير نقل السلع والمواد الخام بالولايات المتحدة , وإستخدام أى من هذه الأسس يرتبط بطبيعة المنقول وظروف نقله؛ إلاّ أن لكفاءة الإدارة دوراً مهماً فى إختيار نظام التسعير الذى يحقق لها أكبر عائد ممكن. ويلاحظ أن هناك خللا كبيرا فى نظم التسعير المطبقة حالياً لمختلف وسائل النقل فى مصر، وخاصة فى حالة النقل بالسكة الحديد سواء للركاب أو للبضائع. وهو ما يعتبر من العوامل الرئيسية التى أدت إلى دفع المنقول لاستخدام وسيلة النقل غير المناسبة. حتى أن أصبحت السكة الحديد لا تنقل إلَّا نحو5% من إجمالى المنقول، والنقل النهرى نحو 1%، بينما94 % ينقل بالسيارات. والخلل الخطير فى المنظومة الحالية للنقل وبالتالى المرور- بالقاهرة الكبري، أن هيئة النقل العام مسئولة -أساساً- عن النقل الجماعى بمحافظة القاهرة التى تتبعها. وإستثناءً تمد خدماتها لمحافظة الجيزة وأجزاء القاهرة الكبرى من محافظة القليوبية. هذا كما أن مترو الأنفاق يتبع وزارة النقل. وكل محافظة تمنح تراخيص تشغيل شركات نقل جماعى خاص فى نطاق المحافظة. أما مشروعات النقل من طرق وكبارى ونقل نهرى ونقل جماعى بالأتوبيسات وخطوط سكة حديد ضواحى ، فلكل جهة مشروعاتها الخاصة التى عادة ما تعالج مشاكل جزئية . وكما أنه كثيراً ما يتم التركيز على الحلول سريعة العائد، حتى ولو أدت لمشاكل أكبر فى الأمد الطويل. وعادة ما تتم دون تنسيق فى إطار منظومة متكاملة. إن وجود منظومة نقل تَّرشد من إستخدام الإمكانات المتاحة سواء من مصادر داخلية أو خارجية- وتأخذ فى الحسبان الأسس العلمية لتنظبم النقل بصفة خاصة كذا الظروف الإقتصادية والإجتماعية السائدة ، هو المدخل الواقعى لحل المشكلة المتفاقمة والمؤرقة لكافة المسئولين والمواطنين ؛ مشكلة النقل والمرور بالقاهرة.
د. سعد الدين عشماوى لمزيد من مقالات د.سعد الدين العشماوى