من المعلوم أن أول هجوم ارهابي خطير قام به تنظيم القاعدة وقع في شرق إفريقيا.ففي عام 1998 تم تدمير مبني السفارة الأمريكية في كل من دار السلام ونيروبي في وقت واحد، وهو ما أودي بحياة نحو ثلاثمائة شخص. ومنذ ذلك الحين تتعرض إفريقيا لموجات متزايدة من الهجمات الارهابية، الأمر الذي يقوض مؤسسات الدولة ويعرقل جهود التنمية الوطنية. ولاتكمن خطورة الظاهرة الارهابية هنا في اتساع نطاق تهديداتها الأمنية ولكن في استخدام الساحة الإفريقية، بحسبانها نقطة ضعف استراتيجي، بهدف التدريب وتعبئة الموارد من قبل المنظمات الارهابية العالمية. وقد أدي هذا التصعيد الخطير في وتيرة ونطاق الهجمات الارهابية في إفريقيا أن يصبح الارهاب علي قائمة أولويات الاتحاد الإفريقي. ومنذ عام 2010 يتصدر موضوع الارهاب والتطرف البنود الدائمة في جدول أعمال مجلس السلم والأمن الإفريقي. وطبقا للبروتوكول المؤسس لهذا المجلس تم انشاء لجنة فرعية لمكافحة الارهاب. وقد أكدت قمة مالابو الإفريقية في العام المنصرم خطورة التهديدات الارهابية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء ، ومنطقة القرن الإفريقي بما في ذلك الصومالوكينيا وجيبوتي، ومنطقة أفريقيا الوسطي. ولاشك أن هذا الاهتمام الإفريقي بخطورة الارهاب وتأثيراته السلبية علي النهوض الاقتصادي المتوقع لكثير من دولها دفع إلي عقد أول قمة أفريقية حول الإرهاب والتطرف العنيف في نيروبي خلال شهر سبتمبر 2014. وقد نوقشت في هذه القمة مجموعة من الحلول الجديدة والمبتكرة التي تهدف إلي تعزيز الجهود الإفريقية لمكافحة الارهاب. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلي نوعين من التدابير إقرتهما هذه القمة. يرتبط أولهما بعملية معالجة نقاط الضعف المؤسسية في الدول الأعضاء والتي تجعلها عرضة للهجمات الإرهابية. وقد تم التركيز هنا علي ضرورة تأسيس آليات العدالة الناجزة، وتجفيف منابع تمويل الارهاب،والقضاء علي بؤر العنف المسلح والملاذات الآمنة التي يستخدمها الارهابيون، ومراقبة الحدود، وتعزيز قدرات أجهزة الشرطة والقوات المسلحة. وفي هذا السياق نبه مجلس السلم والأمن إلي ضرورة معالجة الأسباب الرئيسة المفضية للارهاب ومن بينها استمرار الصراعات العنيفة، وعدم تطبيق القانون، وشيوع الاستبداد السياسي والتهميش الاقتصادي والاجتماعي، وسوء الادارة. أما النوع الثاني من التدابير الإفريقية لمكافحة الارهاب فقد تمثلت في تعزيز المؤسسات الاقليمية والقارية ، بما في ذلك انشاء آليات جديدة لتحسين التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الأعضاء. وبالفعل تمت الموافقة علي الاقتراح الكيني بانشاء صندوق افريقي لمكافحة الارهاب، بالاضافة إلي انشاء آلية تعاون أجهزة الشرطة الأفريقية (أفريبول). ولعل هذا التوجه الإفريقي الجامع في مواجهة الإرهاب قد يؤدي إلي امكانية اصدار مذكرة اعتقال إفريقية بما يعنيه ذلك من قيام الدول باعتقال المشتبه بهم وترحيلهم للمحاكمة في دولة أخري.بيد أن نجاح هذا التوجه يعتمد علي انشاء وحدات مشتركة متخصصة في مكافحة الارهاب علي المستويين الإقليمي ودون الإقليمي في اطار القوة الإفريقية الجاهزة التابعة للاتحاد الإفريقي. وعلي المستوي الاقليمي أظهرت خبرة اقليم غرب أفريقيا تزايدا محموما في الأنشطة الاجرامية والارهابية العابرة للحدود. وقد ارتبط هذا التصعيد بالصراعات المسلحة في اقليم دلتا النيجر عام 2006، وعودة جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا عام 2009، واحتلال شمال مالي من قبل الجماعات الاسلامية المتطرفة في عام 2012. وقد كشف هذا المد الارهابي في المنطقة هشاشة الدولة الوطنية، وخطورة التهديد الذي يمثله الارهاب علي السلام والأمن والتنمية. وفي فبراير 2013 تبنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس) اعلان ياموسوكرو لمكافحة الارهاب، وهو ما يجسد تتمة لعملية شاملة بدأت في عام 2009وشارك فيها خبراء أفارقة وأجانب بالاضافة إلي مؤسسات المجتمع المدني, ويكتسب اعلان جماعة الايكواس لمكافحة الارهاب أهمية خاصة من عدة جوانب ،فهو قد تبني تعريفا مشتركا للارهاب. وعلي سبيل المثال تم النص علي أن الدول الأعضاء تدين وبشكل قاطع جرائم الارهاب وكل ما يتعلق بها سواء التحريض أو التمويل. كما أن وقوع أي هجوم ارهابي في دولة عضو يعد هجوما علي الدول الأعضاء كافة. ومن جهة ثانية نص الاعلان علي ضرورة تبني استراتيجية شاملة تنتهجها الدول فرادي وجماعات لمواجهة تهديد الارهاب.وتقوم هذه الاستراتيجية علي ثلاثة ركائز هي: المنع والملاحقة واعادة البناء. وتعد الركيزة الأولي الأهم حيث أنها تتعامل مع مسببات التطرف والعنف. أما الملاحقة فإنها تعني سرعة استجابة الدولة من خلال التحقيق واحباط الخطط الارهابية وضمان اجراءات العدالة ، في حين أن إعادة البناء ترتبط بمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالارهاب وحملات مكافحته. وفي أوائل العام الماضي أُعلن عن تشكيل مجموعة الدول الخمس في الساحل الإفريقي والتي تضم كلا من موريتانياوماليوالنيجر وتشاد وبوركينا فاسو. وقد اتخذت هذه المجموعة من نواكشوط مقرا لها. وهي تهدف إلي تبني مشروع مارشال أفريقي بغية احتواء الجماعات الجهادية المتطرفة، وتنسيق خطط التنمية الخاصة بالدول الأعضاء. ولعل جميع الاستجابات السابقة علي تنوعها تعكس مدي الاهتمام الإفريقي بتحديات الظاهرة الارهابية. وعلي صعيد التجارب الوطنية يمكن الاشارة إلي خبرة كل من كينياونيجيريا في مكافحة الارهاب. ففي أعقاب الهجوم الارهابي علي مركز تسوق ويستجيت في سبتمبر2013،اتخذت السلطات الكينية سلسلة من الإجراءات لتعزيز الأمن الداخلي ومنع الارهاب. ولعل من أبرز تلك المبادرات مبادرة اعرف جارك أو «نيومباكومي» والتي تعني تقسيم الأحياء إلي مجموعات من المنازل، قوام كل منها عشرة منازل. ويتمتع شخص مسئول عن كل مجموعة، وهو أشبه بشيخ الحارة عندنا أيام زمان، حيث يتولي مهام تبادل المعلومات مع الأسر العشرة حول أي أنشطة مشبوهة. وفي أوائل أبريل 2014 دشنت الحكومة الكينية عملية مراقبة السلم (أوسلاماووتش) والتي تهدف إلي الكشف عن المهاجرين غير الشرعيين، واعتقال ومقاضاة الأشخاص المشتبه في تورطهم في أنشطة إرهابية، وتحديد أماكن إيواء المجرمين ومنعا لانفلات الأمني بشكل عام. ولم يقف الأمر عند هذا الحد حيث أقرت كينيا مشروعا باهظ التكلفة لتثبيت كاميرات المراقبة الأمنية في المدن الكبري.ولعل أكثر إجراء إثارة للجدل في التجربة الكينية يتمثل في التعديلات القانونية التي أقرها البرلمان في ديسمبر الماضي بحيث أطلقت يد الشرطة في الاعتقال وتوسيع دائرة الاشتباه. وعلي الرغم من فشل الحلول الأمنية في مواجهة بوكو حرام في الخبرة النيجيرية فقد استطاعت بعض الأجهزة الحكومية صياغة ما يمكن تسميته بالاقتراب الناعم لمنع التطرف الفكري والعنف علي المدي الطويل. ويحاول هذا الاقتراب ادماج المرأة في جهود مواجهة قضايا الارهاب والعنف المسلح.إذ يتم تدريب الأمهات علي طرق مكافحة التطرف الفكري والديني ومراقبة أي تغيرات سلوكية تطرأ علي أطفالهن. وبعد تعدد جرائم اختطاف وقتل الاطفال في نيجيريا خرجت المسيرات النسائية رافعة شعار» لدينا المزيد من بوكو حرام» ، في اشارة للفشل الحكومي في مواجهة المد الارهابي. ولايقتصر هذا الاقتراب النيجيري علي ادماج المراة ولكنه يشمل اعادة النظر في مناهج التعليم بهدف التوكيد علي مهارات التفكير النقدي وغرس قيم الابداع والقبول بالآخر. وتُظهر الخبرة الفاحصة لهذه التجارب الإفريقية علي تنوعها في مواجهة الارهاب أوجه قصور وتحديات كبري.فالمعالجة الأمنية والاعتماد علي التكتيكات العسكرية التقليدية كما هو الحال في نيجيريا والكاميرون لا تستطيع تجفيف منابع التطرف والارهاب علي المدي البعيد.أضف إلي ذلك فإن ضعف نظم مراقبة الحدود وفشل الدولة أو هشاشتها يجعل من إفريقيا بيئة حاضنة لكثير من الجماعات الاجرامية والارهابية . وتطرح قضية ضعف الموارد المالية والبشرية اشكالية الشراكة مع القوي والمؤسسات الدولية المانحة التي ترتبط بأجندة سياسية معينة في فهمها للظاهرة الارهابية والتي قد لا تتطابق بالضرورة مع الفهم الإفريقي. ولعل حالة التدخل الغربي في ليبيا وما خلفته من فوضي عارمة بعد سقوط نظام القذافي تعبر عن تناقض الرؤيتين الغربية والإفريقية في تعريف الارهاب. لمزيد من مقالات د. حمدى عبد الرحمن