بعد نحو خمس سنوات من اداء ألكسيس تسيبراس القوى فى صفوف المعارضة اليونانية، و بعد مغازلاته المتنوعة للناخبين، الذين عانوا طويلا من تدابير التقشف المفروضة على البلاد بضغوط من الدائنين، و استمرار خفض المرتبات و المعاشات و تسريح الموظفين و العمال و زيادة الضرائب. . كل هذا ساعده فى أن يحقق فوزا تاريخيا على غريمة أندونيس ساماراس الذى قاد حكومة ائتلافية عمرها عامان و نصف فقط، و بالرغم من أن سياسة الإصلاحات التى اتبعها ساماراس، و وضعت البلاد على طريق الخروج من الأزمة، إلا أنها كانت بمثابة الدواء المر الذى لم يستطع الشعب اليونانى تحمله أكثر من هذا.وأسفرت نتائج الانتخابات العامة بعد فرز جميع الأصوات، عن فوز تحالف اليسار الراديكالى سيريزا بزعامة ألكسيس تسيبراس، حيث حقق المركز الأول بنسبة 36.34 فى المائة وحاز على 149 مقعدا، فيما فاز حزب الديمقراطية الجديدة حزب رئيس الوزراء أندونيس ساماراس بالمركز الثانى بنسبة 27.81 فى المائة و حصل على 76 مقعدا، و حاز حزب الفجر الذهبى (اليمين المتطرف) على المركز الثالث و حقق 17 مقعدا بنسبة 6,28 فى المائة، يليه حزب النهر فى المركز الرابع و على 17 مقعدا، والحزب الشيوعي فى المركز الخامس محققا 15 مقعدا، وحزب اليونانيين المستقلين فاز بالمركز السادس و حصل على 13 مقعدا، و حل حزب الباسوك الاشتراكي على المركز السابع و الأخير و حاز على 13 مقعدا. و لعدم حصول تسيبراس على الأغلبية المطلقة فى البرلمان و هى 151 مقعدا، حيث ينقصه مقعدين فقط، فكان لابد من التعاون مع حزب آخر لتشكيل حكومة، و بالفعل عقد اجتماع مع زعيم حزب اليونانيين المستقلين الذى حاز على 13 مقعدا، ليكون لدى تسيبراس أغلبية 162 مقعدا فى البرلمان المؤلف من 300 مقعد، و صرح زعيم الحزب بانوس كامينوس بأنه أعضاء حزبه سوف يمنحون الثقة لحكومة تسيبراس، و لذلك وفقا للقانون تم إسناد تشكيل الحكومة لزعيم حزب اليسار سيريزا بطريقة مباشرة من قبل رئيس الجمهورية كارلوس بابولياس.و فور إعلان النتائج، أقر رئيس الوزراء اليوناني- المنتهية ولايته- أندونيس ساماراس، الذى كان يترأس حكومة ائتلافية من اليمين و اليمين الوسط، ( الديمقراطية الجديدة و الباسوك الاشتراكي) بخسارته فى الانتخابات التشريعية أثناء اتصال هاتفى مع زعيم اليسار المتشدد الفائز ألكسيس تسيبراس، مهنئا إياه بالفوز. وفى أول تعليق له على نتائج هذه الانتخابات، قال رئيس الحكومة اليونانية ساماراس إن “الشعب اليونانى قال كلمته ونحترم قراره”، وذلك بعد نشر نتائج غير نهائية تظهر بوضوح فوز حزب “سيريزا” اليساري، وقال ساماراس فى مؤتمر صحفى بعد الاعتراف بالهزيمة “أسلم بلدا هو على طريق الخروج من الأزمة وهو عضو فى الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو وآمل أن تحافظ الحكومة الجديدة على هذه المكتسبات”.
و ذكر ساماراس أنه وجد بلدا على شفير الكارثة وبدون آفاق قبل عامين ونصف لدى وصوله إلى السلطة، مؤكدا نجاحه فى إخراج البلاد من العجز و بناء أسس التنمية، و قال إن نتائج الانتخابات تظهر أن اليمين قاوم وظل واقفا على قدمية، موضحا أنه و حزبه مستعد للعب دور حاسم يكون ضامنا للاستقرار والإصلاحات.
وكان ساماراس قد أعرب فى وقت سابق عن أمله فى أن يؤيد المقترعون توجه البلاد الأوروبي، وقال ساماراس الذى يتزعم حزب الديمقراطية الجديدة أثناء قيامه بالتصويت فى أحد مراكز الاقتراع فى مدينة بيلوس بشبه جزيرة بيلوبونيس: “كلى تفاؤل فى أنه لا أحد يستطيع تعريض توجه البلاد الأوروبية للخطر. نحن سننتصر” مضيفا أن هذه الانتخابات حاسمة بالنسبة لمستقبل البلاد”، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن.
من جانبه أعلن أليكسيس تسيبراس خلال خطاب الفوز أن “الشعب اليوناني سطر التاريخ” وهو “يترك التقشف وراءه”، معلنا فوز حزبه اليسارى فى الانتخابات التشريعية، وقال أمام الآلاف من أنصاره الذين تجمعوا فى ميدان جامعة أثينا بعدما رفض الذهاب إلى مقر قصر زابيو الذى دوما يعلن من داخلة الفائزين فى الانتخابات منذ عشرات السنين”إنها إشارة مهمة لأوروبا التى تتغير و الفوز هو أن الشعب اليونانى يعنى نهاية الترويكا”. و يعتبر تسيبراس و الذى يبلغ من العمر 40 سنة هو أصغر رئيس وزراء يونانى منذ 150 عاما، كما أن اليسار يحكم اليونان لأول مرة منذ إنهاء الحكم الديكتاتورى فى اليونان عام 1974.
يذكر أن هيكلية “الترويكا” التى تشرف على الاقتصاد اليونانى بقيادة الاتحاد الأوروبى والبنك المركزى الأوروبى وصندوق النقد الدولي، تعهدت منذ 2010 بتقديم قروض بحوالى 240 مليار يورو مقابل سياسة تقشف قاسية، و لكن يعانى منها ملايين اليونانيين خصوصا من الطبقات الفقيرة و المتوسطة، و هذه الآلية جعلت الدائنين يتحكمون فى سياسة البلاد مما آثار غضب و حفيظة الشعب اليونانى الذى يسعى إلى حياة كريمة مثل غيره من الأوروبيين.
وقال تسيبراس إنه يعي جيدا بأن اليونانيين لم يعطوه شيكا على بياض، موضحا انه أمام فرصة مهمة من أجل اليونان وأوروبا، وعلى صعيد المفاوضات الحاسمة مع دائنى البلاد، قال زعيم سيريزا اليسارى إن الحكومة اليونانية الجديدة ستكون مستعدة للقيام بحوار جدى و وضع خطة وطنية وخطة حول الديون، حيث أن من بين النقاط الرئيسية للبرنامج الاقتصادى لحزب سيريزا هو وضع نهاية للإجراءات التقشفية والتفاوض مجدداً حول الديون الضخمة التى ترزح تحتها البلاد بمعدل 175 فى المائة من صافى الناتج المحلي.
وأوضح الكسيس تسيبراس أنه لا يوجد فائزون ومهزومون فى الانتخابات، فالأولوية هى مواجهة جروح الأزمة وتحقيق العدالة ومحاربة الفساد، وطرد الخوف والعيش بكرامة للشعب اليونانى كله، مشيرا إلى هؤلاء الشباب وأساتذة الجامعات والأطباء الذى غادروا البلاد كمهاجرين إلى دول العالم الأخرى بحثا عن حياة افضل.
وتلقى تسيبراس العديد من برقيات التهنئة من الخارج، بالرغم من قلق زعماء أوروبا حول برنامجه الاقتصادى مستقبليا، وسارع رئيس البرلمان الأوروبى بإرسال برقية التهنئة، و مثله الرئيس الفرنسى الذى دعا إلى التعاون الثنائى فى مجالات التنمية، ولكن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون حذر من أن الانتخابات اليونانية سوف تزيد من الغموض الاقتصادى فى شتى أنحاء أوروبا.
و جاءت المشاركة فى الانتخابات اليونانية و التى هى كانت مبكره، نظرا لعدم التمكن من انتخاب رئيس للجمهورية، جاءت المشاركة فيها قوية، حيث سجلت نسبة المشاركة 64 فى المائة بالرغم من الإحباط الذى كان يهيمن على الناخبين، و كان للازمة المالية التى تعانى منها أثينا فى السنوات الأخيرة، الأثر الكبير فى معاقبة الحزبين الكبيرين ( الديمقراطية الجديدة بزعامة ساماراس و الباسوك الاشتراكى بزعامة فينزيلوس، و تراجعهما فى هذه الانتخابات.
و لم يحقق حزب حركة الاشتراكيين الديمقراطيين الذى أسسه قبل أيام رئيس الوزراء الأسبق جورج باباندريو – المنشق عن الباسوك الاشتراكي- لم يحقق النسبة التى تؤهله لدخول البرلمان حيث حصل على نسبة 2,46 فى المائة فقط، وترك تأثيرا سلبيا كبيرا على حزب الباسوك الاشتراكي، حيث تسبب فى تفتيته وانقسام مؤيديه.