الانتخابات العامة فى اليونان المقررة فى الخامس و العشرين من الشهر الحالى، ربماتدخل الشعب اليونانى مجددا فى نفق مظلم، فالبرغم من المنافسة الشرسة التى تشهدها هذه الانتخابات، بين جميع الأحزاب، و خصوصا بين حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ الحاكم حاليا، و حزب تحالف اليسار الراديكالى سيريزا و المتوقع فوزه، فإن النتيجة لن تأتى بجديد للشعب الذى يتجرع مرارة تدابير التقشف و يعانى يوميا منذ ست سنوات. فالشعب اليونانى يقع بين سندان اليسار المتطرف، و الذى قد يقلب الطاولة على الدائنين و أوروبا فى حال فوزه، مايعنى أن اليونانيين سيعشون فى دولة مفلسة تستمر معاناتهم معها لسنوات طويلة، و مطرقة حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ و الذى سيستمر فى فرض التدابير التقشفية الصارمة على الشعب، و الولاء للدائنين و تنفيذ ضغوطهم سعيا للخروج بالبلاد من الأزمة. نتائج استطلاعات الرأى المتواصلة فى البلاد، و التى تزداد وتيرتها يوما بعد يوم، كلما اقترب موعد الانتخابات، توجد حالة من التخبط وعدم وضوح الرؤية لدى المواطن اليونانى، إذ أن هذه الاستطلاعات وبدلا من أن تعكس حقيقة الموقف الشعبى تجاه الأحزاب المتنافسة المتصارعة، أصبحت وبحكم كونها غير أمينة ومنحازة فى أغلب الأحيان، تعرض نتائج متضاربة، تزيد الموقف اشتعالا و غموضا. وخلال الأسبوع الأخير، على سبيل المثال تم عرض نتائج مختلفة لعشرات استطلاعات الرأى، وكل منها خلص لنتائج مختلفة، بالرغم من أن هذه الاستطلاعات قد تمت فى الفترة نفسها وإلى حد كبير على العينةنفسها، حيث جاء حزب سيريزا اليسارى فى الصدارة بفارق ما بين 2,6 فى المائة وحتى 8 فى المائة، متقدما على حزب الديمقراطية الجديدة، غير أن التباين حدث فى تحديد الاتجاه، ففى الوقت الذى تقول فيه بعض الاستطلاعات إن الفرق بين الحزبين فى تناقص مستمر، تقول استطلاعات أخرى أن حزب سيريزا فى سبيله لتشكيل حكومة بمفرده و أنه سيحوز على أغلبية مقاعد البرلمان. و وفقا للمحكمة العليا فى اليونان، فقد قرر 25 حزبا و تحالفا سياسيا، بالإضافة إلى الحزبين الكبيرين المشار إليهما خوض الانتخابات ، فيخوض الانتخابات أحزاب الباسوك الاشتراكى، اليونانيين المستقلين، النهر، الحزب الشيوعى، الفجر الذهبى اليمينى المتطرف، الحزب الليبرالى، حزب غليتسوس، أعضاء اللجنة التوجيهية، حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ، حركة المقاومة الوطنية، حزب العمال الثورى، حزب الأمل الوطنى، و الاتحاد الوطنى للإصلاح الديمقراطى و غيره، أما التحالفات اليسارية فتتكون من أحزاب شيوعية ويسارية صغيرة و جماعات أنصار البيئة و الخضر، و تحالفات من ذوى الاتجاهات المستقلة. و وفقا للتقديرات الأولية، فإن انتخابات الخامس والعشرين من يناير سوف تكلف خزينة الدولة نحو 60 مليون يورو، بما فيها الرواتب الإضافية لرجال الأمن المناط بهم حراسة المقرات الانتخابية، وبالرغم من أن وزارة الداخلية المسئولة عن إجراء هذه الانتخابات كانت قد طلبت تخصيص مبلغا أوليا قدره 50 مليون يورو، فإن وزارة المالية لم تقر سوى 45 مليونا، علما بأن الانتخابات الأخيرة فى العام 2012، كانت قد كلفت خزينة الدولة نحو 42 مليون يورو فقط. وعلى هامش حملة الدعاية الانتخابية، وعد رئيس الوزراء اليونانى أندونيس ساماراس فى إطار حملته التى يقوم بها فى جميع أنحاء البلاد، بان لديه خطة لتوفير 770 ألف فرصة عمل جديدة بحلول عام 2021 إذا ما عاد إلى منصبه بعد الانتخابات، و ووعد بأن الوظائف ستكون فى سبعة مجالات رئيسية، بما فى ذلك السياحة والشحن والزراعة والمستحضرات الطبية، وستضخ فرص العمل هذه فى الناتج المحلى الإجمالى اليونانى ما يصل إلى 54 مليار يورو ، كما وعد ساماراس بتخفيف الضرائب وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية. من جانبه وعد الكسيس تسيبراس زعيم حزب تحالف اليسار الراديكالي، بأنه سيلغى الضريبة العقارية التى وضعتها الحكومة قبل عدة أعوام، و سيعمل على توفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل بمجرد توليه الحكم، و تخفيض الضرائب العادية و مساعدة الأسر و العاطلين، و كذلك يعيد التفاوض مع الدائنين لشطب جزء كبير من الديون السيادية، ويؤكد تسيبراس، إنه سيغير شروط اتفاقية خطة إنقاذ اليونان، ويضع حدا للتقشف الذى يفرضه الدائنون على الشعب اليونانى بتقنين حكومى. و ضمن الدعاية الانتخابية، جاء تحذير وزير المالية جيكاس خاردوفيليس، إلى زعيم حزب سيريزا اليسارى بشأن الأوضاع الاقتصادية المتقلبة فى البلاد، كنتيجة لعدم وجود استقرار سياسى، وركز وزير المالية على نقطة أساسية وهى ماذا سيفعل الحزب بالنسبة للأرباح المطلوبة على السندات اليونانية المقرر تسديدها فى شهر مارس المقبل، جاء هذا التساؤل فى إطار تصريحات تسيبراس زعيم حزب سيريزا، بأن حزبه بعد الفوز فى الانتخابات المرتقبة وبعد تشكيل الحكومة، سيقوم بإصدار سندات أذون خزانة ستكفل تغطية المبالغ المطلوب دفعها لتسديد أرباح سندات الاقتراض اليونانية. و استطرد وزير المالية مؤكدا صعوبة الموقف،و أن إجراءات استصدار أذون خزانة ليست بالأمر السهل، لأنها تحتاج إلى إقرار المفوضية الأوروبية التى ستلعب دور الضامن بين اليونان والدائنين فى الوقت الذى تهيمن فيه حالة من التوجس بين المستثمرين الأجانب تجاه مسيرة الاقتصاد اليونانى خلال الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذى سوف يكون له تأثير كبير على البنوك اليونانية التى ستعانى تباعا من قلة السيولة فى الأسواق المحلية. يذكر أن المطلوب من اليونان حاليا هو الانتهاء من برنامج التقييم من قبل الدائنين، فى أسرع وقت، وتقديم تقرير لجنة الترويكا فى موعد أقصاه نهاية فبراير المقبل، حتى يتسنى للحكومة الجديدة المنتخبة، سهولة الاقتراض من الصناديق الأوروبية العازمة على مساعدة اليونان، بشرط ضرورة الالتزام بتنفيذ برامج الإصلاح المتفق عليها مع الحكومة السابقة.