أنا فتاة أبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما، ومن أسرة بسيطة، وأبى وأمى يعملان، وأنا أكبر أخواتي، ومنذ أن تفتحت عيناى على الدنيا وأنا المسئولة عنهم فى كل شيء، مسئولة عن البيت والدراسة وحل المشاكل، وألعب كل الأدوار، فأسرتى هى كل حياتى وإخوتى عندى رقم واحد، وعندما كنت صغيرة كان كل من حولى يروننى غريبة ومختلفة عن الآخرين، لا أحب مغادرة المنزل ولا أخرج فى الأعياد ولا أحب الضوضاء وأتكلم كثيرا عن الموت وأتحدث مثلما يتحدث الكبار ويقولون إنى أكبر كثيرا من سني، وعندما كنت فى المدرسة الثانوية كانت زميلاتى يريننى أيضا غريبة، لا أسمع الأغاني، ولا أعرف أسماء المطربين، ولا أشاهد أحدث الأفلام بل أعرف الأفلام العربية القديمة، وأحب المسرح والأوبرا فكنت علامة تعجب واستغراب للجميع، ولم أمر بمرحلة المراهقة ولا الحب، وكل حياتى للمذاكرة ولإخوتى ودخلت الجامعة ومرت وأنا على هذه الحال. وفى السنة الرابعة تقدم لى شاب من معارفنا قال إنه يحبنى ورفضته لأنى مشغولة فى دراستى ولم أهتم بالأمر مطلقا وتخرجت فى الجامعة وبدأت أسأل نفسى عن الحب والزواج، وأخذت قرارا بأنى لن أحب إلا شخصا واحدا، أرغب فى الزواج منه، ووجدتنى أكتب إليه الى زوج المستقبل منذ أربع سنوات. وتقدم الكثيرون من الشباب وكلهم جيدون ولكن هناك شيئا ينقصهم لا أعرف ما هو، ودون قصد أقارن بينهم وبين من أكتب إليه رسالتى وأتخيله ولكنى لا أجد فيهم من أتخيله منذ سنين، ليس فيهم من سيقرأ كلماتى وأجد نفسى أرفضهم جميعا وعندما أسأل عن السبب أقول (دون إبداء أسباب) أو (محصلش نصيب) وأقول فى نفسى: إنى أحب شخصا آخر، شخصا ما فى مكان ما متعلقة به منذ سنوات.. إنى أحبه وأعلم أنه يحبنى وإنه سيكون أحسن منى فى كل شيء خلقا وعلما ودينا، وإنه سوف يعيننى على طاعة الله وحسن عبادته، ولا أعرف من هو ولكنى أحبه وأعلن أننا سنتقابل قريبا وستكون حياتى كما تخيلتها، حياة مليئة بالحب والاحترام والتفاهم دون خلاف ولا مشاكل وحتى إن اختلفنا فسوف نحاول الوصول الى حل وسط والفيصل بيننا القرآن نحتكم إليه. عندما أقول ذلك إلى إخواتى أو صديقاتى يضحكن بشدة ويتهمننى بأننى أعيش وهما كبيرا، فهن لا يتخيلن فكرة أن أحب شخصا وأتعلق به سنوات وأكتب إليه دون أن أراه، ولا أتخيل أحدا لى زوجا غيره، أو أن أتزوج ولا يكون هناك شجار مع زوجى فحتى لو هناك حب لازم يكون فيه مشاكل هى الحياة كده حتى علشان يكون لها طعم، لكنى مقتنعة بما أفعله، شديدة الايمان بحلمى وبحياتى التى رسمتها منذ سنوات ولا أرى الحياة مثلما يرينها.. أرى أنها أجمل بدون خلاف أو مشاكل، أجمل بالحب والتفاهم، أجمل بالصوت المنخفض وليس الصراخ، أجمل كثيرا بالقرآن، عندما يقول لى أحد «بكره تتخطبى وتتكلمى طول الليل فى التليفون».. أقول له عندما أقابل زوج المستقبل وتتم خطبتنا لن نتحدث طول الليل فى التليفون لأنه ليس هناك وقت لأننا سنقرأ أكثر عن الزواج فى الاسلام، وكيف سنتعامل، وكيف سنبنى أسرة مسلمة سعيدة وقوية.. خطيبى لن يقول لى كلاما رومانسيا لأن هذا ليس من حقه ولا من حقى وأنا لا أحب أن آخذ شيئا ليس من حقي، إذا أراد أن يقول لى شيئا يكتبه لى مثلما أكتب إليه منذ سنوات، ليته يكتب لى دون أن يرانى مثلما أفعل، وعندما نتزوج يقرأ كل منا كلمات الآخر حينها ستكون كل كلمة بحسنة، وليست بسيئة.. أنا شديدة الايمان بالقاعدة الفقهية التى تقول (من تعجل شيئا عوقب بحرمانه) وأنا لا أتعجل الحب ولا الزواج، كل شيء سيأتى فى وقته.. فقط نحسن الظن فى خالقنا فالصبر وحسن الظن عبادة. إذا قلت هذا الكلام أمام الآخرين، هناك من يقول ربنا يبارك فيك وهناك من يتعجب بشدة، وكأن حياتى التى رسمتها فيلم أو رواية خيالية. إننى أداوم على قراءة بريدك وأرى فى كلماتك الحكمة وأسألك هل ما أعيشه منذ سنوات وهم كبير كما يقولون؟ هل أنا فعلا غريبة؟ هل حياتى الزوجية فى المستقبل لابد أن يكون بها شجار وخلاف حتى تسمى حياة طبيعية، وهل الحياة دون خلاف والحياة بالحب هى الاستثناء أم العكس؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ما أجمل ما قلته، وما أحلى الكلمات الرائعة التى احتوتها رسالتك النابعة من قلبك، لكن ليس هناك من يتصف بمثل ما تطلبين فى فارس أحلامك، بحيث يتطابق معك فى كل شيء، فالاختلاف سنة الحياة، والأصل فى العلاقة الزوجية الناجحة أن يكون فيها توافق بين الأزواج وليس تطابقا كما تريدين، فإذا صادفت من هو على شاكلتك بالتمام فهذا الذى أردت، وليوفقك الله الى زيجة ناجحة معه، وإذا جاءك من يطلب يدك وتتوسمين فيه أن تبنيا معا أرضية مشتركة لحياتكما المستقبلية، فلا تترددى فى قبوله زوجا لك، فالعشرة تؤلف القلوب، وتقرب الأفكار، مادام الاحساس بالأمان متوافرا بين الطرفين. ولا عجب فيما رويته عن إحساسك، بل هو إحساس راق، ينم عن نقاء معدنك، وسعيك الى حياة مستقرة وجميلة، وإنى على ثقة بأن الله سوف يهبك الزوج الذى يقدرك، وتبنيان معا عشا هادئا قائما على الحب والسعادة.