بالرحمة تسعد الدنيا، وتزدهر الحياة، وتظفر بالخير والنعمة والرقة والتعطف والاحسان والسداد، وتنتهى الضراء والمشقة والآلام، ولذا دعا الله ورسوله اليها لكونها سبيل المغرة والنجاة والإنعام والإفضال والرشاد . وقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فكان الإسلام رسالة خير وبر وسلام، تنبذ الإرهاب والعنف، وتنقذ البشرية من دياجير الظلام، وعبادة الأوثان، وانحرافها عن شريعة الكبير المتعال. لقد كانت الإنسانية قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم فى أشد الاحتياج الى رحمة واسعة، يحملها الى البشر هاد رءوف رحيم، ليخلص الناس من الباطل والظلم والقسوة والاستبداد والضلال، ويوقف شقاء معاناتهم من حضيض الذل والهوان، ويقهر سطوة الفسق والفجور، وعبث الخرافات والأوهام وتقديس الأصنام، فجاءتهم نعمة الرحمة على يد رسول الله، تفيض بالرفق والعدل والإ حسان، وتقف بجانب المظلوم دون النظر الى لونه ووطنه وجنسه، وتقضى على بشاعة الأرجاس والأدناس، وشناعة التمادى فى ارتكاب الآثام. وكانت رحمة عظيمة كريمة، اعتمدت على فضل الرحمن الرحيم، الذى سبقت رحمته غضبه، ووسعت رحمته كل شىء، كما وسع علمه كل شىء. ففى القرآن: «ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما». وفيه أيضا: «ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبى الأمى». ويبدأ سبحانه سور القرآن ب : «بسم الله الرحمن الرحيم»، للدلالة على سعة رحمته وجلالها، وتأكيد فضلها وخيرها، وينهى عباده عن القنوط من رحمة الله، وإن تورطوا فى الذنوب والآثام. فيقول: «قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم». إن عظمة الرحمة عند رسول الله أتت ثمارها المباركة، فعندما اختصه الله بها، نقلت الناس من الظلمات الى النور، ومن الضلالة الى الهدى، ومن الغى إلى الرشد، وبالرحمة رسم لهم طريق الصلاح بعد فساد كبير، وسبيل العدل بعد ظلم فظيع، وكان هاديا «ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا»، حريصا على أن يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، يقول تعالى: « ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون»، ويشيع الرحمة بينهم فى أقواله وأفعاله ورسالته، ويبين أن: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله»، وأنه لا إيمان دون رحمة، ولابد أن تكون الرحمة شاملة ممتدة فياضة بعاطفة حية نابضة بالحب والود والرأفة، ترطب الحياة، وتنعش الصدور، وتصل الى الإنسان والدابة والطير، فأبعد الناس من الله تعالى هو القاسى القلب، أما القلوب الرقيقة اللينة فهى تخشى الله وترجو ا لآخرة، وأما القلوب القاسية فهى بعيدة، عن التراحم والتعاطف والتكافل والإيناس والبر والرفق والعدل. الإنسان على ارتفاع قدره، قد يدخل الناس فى إساءة يرتكبها فى هرة. يقول رسول الرحمة: «دخلت امرأة النار فى هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض». وعظمة الرحمة عند رسول الرحمة لا تغفل عن ذوى الأرحام واليتامى وغيرهم، فهم يستحقون أضعافا من الرحمة والرعاية، يقول رسول الله: «الراحمون يرحمهم الله تعالى، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء. الرحم شجنة من الرحمن، من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله» والشجنة القرابة المشتبكة اشتباك العروق، ويدل ذلك على أن المسلم مطالب بتأدية حق أقاربه وأن يقوى بالمودة الدائمة صلات الدم القائمة. ويقول أيضا: «يقول الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته». ويهتم باليتيم فيقول: «أرحم اليتيم امسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك».إن عظمة الرحمة عند نبى الرحمة تؤكد بوضوح أنه كان يعول على خلقه العظيم، ومنهجه الرشيد، ودينه الحق، وصراطه المستقيم، ولذا رأى الناس عهدا جديدا مشرقا حافلا بوجوه الرحمة والإصلاح والتوجيه، والتربية السامية، التى تنشر الفضائل والأخلاق، وتثبت الرحمة الواسعة الخالصة. لمزيد من مقالات د. حامد شعبان