«الدراسة في موعدها».. 22 تنبيهًا من «التعليم» قبل انطلاق العام الدراسي الجديد (صور)    جبران: قانون العمل الجديد يراعي حقوق وواجبات أصحاب العمل والعمال    رسميًا.. 11 فرصة عمل في الأردن بمجالات الرخام والبلاستيك (رابط التقديم)    تباطؤ الزيادة 17%.. «المصري اليوم» تحلل تعداد مصر السكاني آخر عامين    انطلاق أولى فعاليات مبادرة «كن مستعدًا» بمركز التطوير المهني بجامعة المنيا    رئيس المجلس الأوروبي: الوحدة بين أوروبا وأمريكا ضرورية لتحقيق سلام في أوكرانيا    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه حكومته بالإشراف على عمليات الإغاثة بعد الفيضانات العارمة    أوامر ملكية: إعفاء مسؤولين في السعودية    ماستانتونو عن انضمامه إلى ريال مدريد: "حلم الطفولة تحقق"    الدنمارك تحصد برونزية بطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    ليس سانشو.. روما يسعى للتعاقد مع نجم مانشستر يونايتد    الأهلي يضم عزة الفولي لتدعيم فريق الكرة النسائية    عُثر على جثته بالزراعات.. مصرع شخص بعيار ناري على يد ابن عمه في الفيوم    غرق شاب أثناء السباحة في مياه الترعة بأسوان    نقيب السينمائيين يرثي مدير التصوير تيمور تيمور برسالة وداع حزينة    صلاح عبد العاطي: إسرائيل مشروع استعماري يهدد الأمن القومي العربي والدولي    خالد الجندى: مخالفة قواعد المرور حرام شرعًا    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأجندة الإجازات الرسمية    جولة مفاجئة لوكيل صحة بني سويف لمتابعة مستوى الخدمة بمستشفى الحميات    وكيل صحة الشرقية ورئيس جامعة الزقازيق يبحثان سبل تعزيز التعاون المشترك    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    بعد تراجعه.. هل تستطيع مصر استعادة مستويات انتاج الغاز بحلول 2027؟    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص بطريق "الإسماعيلية- الزقازيق" الزراعى    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    أسعار الفراخ بأسواق مطروح الأحد 17-8-2025.. الكيلو ب 70 جنيها    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خميس النقيب يكتب: الرحمة المهداة

جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- صفات الجمال والكمال البشري، وتألّقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخِصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، والعدو والصديق، وتملكت هيبتهُ القاصي والداني، والأبيض والأسود.
وأجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها –صلى الله عليه وسلم- خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير، كيف لا؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين، فقد وهبه الله قلبًا رحيمًا، يرقّ للضعيف، ويحنّ على المسكين، ويعطف على الخلق أجمعين، حتى صارت الرحمة له سجيّة، شملت الصغير والكبير، والغني والفقير، والمؤمن والكافر، فنال بذلك رحمة الله تعالى، فالراحمون يرحمهم الرحمن.
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ" قال الحسن البصري هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه اللّه به، وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" ثم قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" والفظ: الغليظ المراد به ههنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك: "غَلِيظَ الْقَلْبِ" أي لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن اللّه جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم، كما قال عبد اللّه بن عمرو: إني أرى صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الكتب المتقدمة (أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح)، ولهذا قال تعالى: "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ" ولذلك كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم.
رحمته بالأطفال
كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم، حتى كان كالوالد لهم، يقبّلهم ويضمّهم، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر، كما فعل بعبد الله بن الزبير عند ولادته.
وجاءه أعرابي فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب الأعرابي وقال: "تقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: (أو أملك إن نزع الله من قلبك الرحمة؟).
وصلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبي، أسرع في أدائها وخفّفها، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز في صلاتي، كراهية أن أشقّ على أمّه"، رواه البخاري ومسلم.
وكان يحمل الأطفال، ويصبر على أذاهم، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتبعه إياه) رواه البخاري.
وكان يحزن لفقد الأطفال، ويصيبه ما يصيب البشر، مع كامل الرضا والتسليم، والصبر والاحتساب، ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه، فقال سعد بن عبادة - رضي الله عنه: " يا رسول الله ما هذا؟ " فقال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده).
رحمته بالشباب
أنه كان يراعي ما ركَّبه الله بهم من غرائز، فيمكن أصحابه من أن يقضوا وطرهم المباح؛ فعن مالك بن الحويرث: أتينا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أُصَلِّي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم؛ رواه البخاري ومسلم، أمَرَهم بالرجوع إلى أهلهم بعد طول للمدة التي غابوا عنهم ليكونوا بجواره يصلون معه ويتعلمون منه، أمرهم بالعودة شفقة بهم ورحمة بأهليهم ليقضوا وطرهم المباح. (رحم الله من عباده الرحماء).
رحمته بالنساء
لما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل، كانت العناية بهن أعظم، والرفق بهن أكثر، وقد تجلى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه، فحث صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهن، وكان يقول: من ولي من البنات شيئًا فأحسن إليهن كن له سترا من النار، بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال: ألا واستوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة.
وضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه.
رحمته بالمسنين
قال صلي الله عليه وسلم: ما من شاب يكرم شيخ مسن إلا قيض الله من يكرمه في سنه.. صحيح وورد ليس منا من لا يرحم صغيرنا ولا يوقر كبيرنا.
رحمته بالضعفاء عمومًا
كان يقول في شأن الخدم: "هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"، وقال صلي الله عليه وسلم: "إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه"، رواه ابن ماجة وأصله في مسلم.
رحمته بالفقراء والمساكين
أنه كان يتألَّم إذا حصلتْ لهم شدة، ونزلت بهم فاقة، فيُسارع بالعَمَل على رفع ما نزل بهم؛ فعن جرير بن عبد الله: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة، مجتابي النِّمارِ أو العباء، متقَلِّدي السيوفِ، عامتهم من مُضَر، بل كلهم من مضر، فتَمَعَّرَ وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن، وأقام فصلى، ثم خطب، فقال: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... إلى آخر الآية... إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"( النساء)، والآية التي في الحشر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ..." تصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، مِن صاع تمره، حتى قال: ولو بِشِقِّ تمرة، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادتْ كفُّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابَع الناس حتى رأيتُ كومَيْن مِن طعام وثياب، حتى رأيت وجْه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّل، كأنه مُذْهَبَةٌ؛ رواه مسلم.
فحين رأى الفاقة التي بالمضريين تكدر خاطره، ودعا أصحابه إلى مواساتهم، فلما حصل لهم ما يكفيهم سُرَّ بذلك، وهكذا المسلم يعمل على قدر وسعه بقضاء حوائج المحتاجين؛ "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ" (الطلاق: 7).
رحمته بالمدينين المتعسرين
أنه كان يعمل على قضاء ديون المدينين من أصحابه من بيت مال المسلمين حينما وجد، وذلك كان في آخر حياته، حيث وجد الفيء والغنائم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من مؤمن إلا وأنا أَوْلَى به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إنْ شِئْتم: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، فأيما مؤمن مات وترك مالًا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينًا أو ضيَاعًا -أي: أولادًا فقراء- فليأتني فأنا مولاه؛ رواه البخاري ومسلم.
وقبل وجود المال في يديه كان يحث أصحابه على الإعانة في قضاء دين من أفلس وخسر في تجارته؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها -أي: اشتراها- فكثر دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تصدَّقوا عليه، فتصَدَّق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لغرمائه: (خُذُوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك) رواه مسلم.
فهذا الرجل اشترى ثمرة النخل؛ رجاء أن يربح ويغنيه الله من فضله، لكن جاء الأمر على خلاف ما كان يتمنى، فأمر النبي بمساعدة هذا المعسر في قضاء دينه، وأمر غرماءَه أن يأخذوا ما تصدق به عليه، فليس لهم في الوقت الحاضر إلا ذلك الموجود، وأمرهم أن ينظروه إلى الغنى، ولا يطالبوه بما لا يستطيعه، وهذا معنى قول النبي: وليس لكم إلا ذلك.
كان ميسرا لا معسرا: أنه يكره ما يشق عليهم، فالمشاق والحرج التي تقع على أمته كأنها واقعة عليه؛ قال الله: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" (التوبة: 128)، فما خُيّر بين أمرَيْن إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا؛ لأنَّ أمته ستقتدي به، فاختار الأيسر والأسهل رحمة بها، وهكذا من يحمل الإرث النبوي فليحمل الناس على اليُسر، ولا يشق عليهم، فالشخص في خاصة نفسه يحملها على الورع والاحتياط، أمَّا إلزام الناس بذلك فلا؛ فلذا أرشد النبي من يؤمن الناس في الصلاة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: إذا صلَّى أحدكم للناس فليخفف؛ فإنَّ منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلَّى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء؛ رواه ومسلم، عن أبي هريرة.
رحمته باليتامى والأرامل
قال: أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة، والعطف عليهم سببًا من أسباب النصر على الأعداء، فقال صلى الله عليه وسلم: أبغوني الضعفاء؛ فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم.
رحمته بالبهائم
وشملت رحمته صلى الله عليه وسلم البهائم التي لا تعقل، فكان يحثّ الناس على الرفق بها، وعدم تحميلها ما لا تطيق، فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته، ودخل النبي صلّى الله عليه وسلم ذات مرة بستانًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جَمَل، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن، فقال: لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه رواه أبو داوود. (بيّن أن الإنسان على عظم قدره يدخل النار في إساءة يرتكبها مع دابة عجماء) لقوله صلى الله عليه وسلم: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، كما بين أن كبائر المعاصي تمحها رحمة بهذا الحيوان فقال: إن امرأة بغيا رأت كلبًا في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له موقها فغُفر لها به، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرحم الشاة أن أذبحه فقال: والشاة إن رحمته رحمك الله.
وعن عبد الله بن مسعود قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا فانطلق إنسان إلى غيضة فأخرج منها بيض حُمَّرَة فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ورءوس أصحابه فقال أيكم فجع هذه؟ فقال رجل من القوم أنا أصبت لها بيضًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ردوه) وفي رواية (رده رحمة لها) ونهى عن البهائم أن تحبس حية لتقتل بالرمي وتتخذ غرضًا.
رحمته بالجمادات
ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم على الحيوانات، بل تعدّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات، وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات، وهي: حادثة حنين الجذع، فإنه لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه، ثم ما لبث أن صُنع له منبر، فتحول إليه وترك ذلك الجذع، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتًا كصوت البعير، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: (لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة) رواه أحمد.
رحمته بالأعداء
فعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم، وليس أدلّ على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه، عندما أسره المسلمون وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربطوه بسارية من سواري المسجد، ومكث على تلك الحال ثلاثة أيام وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب، حتى دخل الإيمان قلبه، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد: والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي"، وسرعان ما تغير حال ثمامة فانطلق إلى قريش يهددها بقطع طريق تجارتهم، وصار درعًا يدافع عن الإسلام والمسلمين.
كما تجلّت رحمته يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له، حينما أعلنها صريحةً واضحةً: (اليوم يوم المرحمة)، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعًا في إلحاق الأذى بالمسلمين، فقابل الإساءة بالإحسان، والأذيّة بحسن المعاملة.
رحمته بالأمة
رحمته بالأمة تتجلى في: بكائه من أجلها. ودعائه على من شق على أمته. وضمانه الدين لمن ترك دينًا.
وشفاعته للأمة: ويسأل ربه التخفيف على الأمة ولا يأمرهم بما يشق عليهم ويترك المداومة على بعض العبادات رحمة بهم ويغضب إذا فعل ما يكون في اتباعه مشقة على أمته ويتجوز في العبادة خوف المشقة.
بكاؤه من أجلها:
ما زال أمر أمته يؤرقه، ويقلق مضجعه.. فهو وإن كان العبد الشكور الذي يقضي ليله صافًا قدميه بين يدي رب العالمين يرجو رحمته، فهو يجتهد بالدعاء لطلب نجاتها، بل وتسيل عبراته خوفًا عليها، حتى تأتيه البشارة من ربه بإرضائه وعدم إساءته في أمته..
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي "... الآية. وقال عيسى عليه السلام "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد –وربك أعلم– فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك، رواه مسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.