تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    "كاليفورنيا" بعد "هارفارد" .. جامعات نخبة العالم تناهض الإبادة الجماعية في غزة    قيادي في حماس: السنوار ليس معزولا في الأنفاق ويمارس نشاطه ميدانيا    شوبير يعلق على تكريم الأهلي لنجم الزمالك السابق    عاجل.. فرج عامر يتحدث عن صفقات سموحة الصيفية وضم كوكا من الأهلي    عاجل.. تعديل موعد مباراة يد الزمالك وشبيبة أمل الجزائري في بطولة إفريقيا    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    الهلال الأحمر: مصر وفرت خدمات عملية إجلاء المصابين الفلسطينيين في وقت قياسي    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرحمة المهداه
نشر في المصريون يوم 12 - 01 - 2014

جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، والعدو والصديق ، وتملكت هيبتهُ القاصي والداني ، والابيض والاسود ،
وأجمل منك لم ترَ قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها – صلى الله عليه وسلم - خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير ، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتى صارت الرحمة له سجيّة ، شملت الصغير والكبير ، و الغني والفقير ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، فالراحمون يرحمهم الرحمن
فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك قال الحسن البصري هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه اللّه به، وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم{ ثم قال تعالى:} ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك{والفظ: الغليظ المراد به ههنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك:} غليظ القلب{أي لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن اللّه جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم، كما قال عبد اللّه بن عمرو: إني أرى صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الكتب المتقدمة )أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح( ولهذا قال تعالى:} فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر{ولذلك كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييباً لقلوبهم،
رحمته بالأطفال : كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم ، حتى كان كالوالد لهم ، يقبّلهم ويضمّهم ، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر ،كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته .
وجاءه أعرابي فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب الأعرابي وقال : " تقبلون صبيانكم ؟ فما نقبلهم " فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ ) .
وصلى عليه الصلاة والسلام مرّة وهو حامل أمامة بنت زينب ، فكان إذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها .
وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ ، أسرع في أدائها وخفّفها ، فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي ،فأتجوز في صلاتي ، كراهية أن أشقّ على أمّه رواه البخاري ومسلم.
وكان يحمل الأطفال ، ويصبر على أذاهم ، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ( أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء ، فأتبعه إياه) رواه البخاري.
وكان يحزن لفقد الأطفال ، ويصيبه ما يصيب البشر ، مع كامل الرضا والتسليم ، والصبر والاحتساب ، ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه ، فقال سعد بن عبادة - رضي الله عنه : " يا رسول الله ما هذا؟ " فقال : ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده
: رحمته بالشباب : أنه كان يراعي ما ركَّبه الله بهم من غرائز، فيمكن أصحابه من أن يقضوا وطرهم المباح؛ فعن مالك بن الحويرث: أتينا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أُصَلِّي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم ؛ رواه البخاري ومسلم ، أمَرَهم بالرجوع إلى أهلهم بعد طول للمدة التي غابوا عنهم ليكونوا بجواره يصلون معه ويتعلمون منه ،امرهم بالعودة شفقة بهم ورحمة باهليهم ليقضوا وطرهم المباح.
حم الله من عباده الرحماء )
رحمته بالنساء : لما كانت طبيعة النساء الضعف وقلة التحمل ، كانت العناية بهنّ أعظم ، والرفق بهنّ أكثر ، وقد تجلّى ذلك في خلقه وسيرته على أكمل وجه ، فحثّ صلى الله عليه وسلم على رعاية البنات والإحسان إليهنّ ، وكان يقول : من ولي من البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له سترا من النار ، بل إنه شدّد في الوصية بحق الزوجة والاهتمام بشؤونها فقال : ألا واستوصوا بالنساء خيرا ؛ فإنهنّ عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
وضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته ، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير ، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها ، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .
رحمته بالمسنين : قال صلي الله عليه وسلم : مامن شاب يكرم شيخ مسن الا قيض الله من يكرمه في سنه .. صحيح وورد ليس منا من لايرحم ضغيرنا ولا يوقر كبيرنا ...
رحمته بالضعفاء عموماً : كان يقول في شأن الخدم : هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) ، وقال صلي الله عليه وسلم : إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه رواه ابن ماجة وأصله في مسلم .
رحمته بالفقراء والمساكين : أنه كان يتألَّم إذا حصلتْ لهم شدة ، ونزلت بهم فاقة، فيُسارع بالعَمَل على رفع ما نزل بهم؛ فعن جرير بن عبدالله: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة، مجتابي النِّمارِ أو العباء، متقَلِّدي السيوفِ، عامتهم من مُضَر، بل كلهم من مضر، فتَمَعَّرَ وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن، وأقام فصلى، ثم خطب، فقال: " َا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... إلى آخر الآية... إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"( النساء ) ، والآية التي في الحشر: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ..." تصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، مِن صاع تمره، حتى قال: ولو بِشِقِّ تمرة، قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّةٍ كادتْ كفُّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابَع الناس حتى رأيتُ كومَيْن مِن طعام وثياب، حتى رأيت وجْه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَهَلَّل، كأنه مُذْهَبَةٌ ؛ رواه مسلم
فحين رأى الفاقة التي بالمضريين تكدر خاطره، ودعا أصحابه إلى مواساتهم، فلما حصل لهم ما يكفيهم سُرَّ بذلك، وهكذا المسلم يعمل على قدر وسعه بقضاء حوائج المحتاجين؛ " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ " ( الطلاق: 7) .
رحْمتة النبي بالمدينين المتعسرين : أنه كان يعمل على قضاء ديون المدينين من أصحابه من بيت مال المسلمين حينما وجد، وذلك كان في آخر حياته، حيث وجد الفيء والغنائم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من مؤمن إلا وأنا أَوْلَى به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إنْ شِئْتم: " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" ، فأيما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينًا أو ضيَاعًا - أي: أولادًا فقراء - فليأتني فأنا مولاه ؛ رواه البخاري ومسلم .
وقبل وجود المال في يديه كان يحث أصحابه على الإعانة في قضاء دين من أفلس وخسر في تجارته؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمار ابتاعها - أي: اشتراها - فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدَّقوا عليه ، فتصَدَّق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لغرمائه: (خُذُوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك) رواه مسلم .
فهذا الرجل اشترى ثمرة النخل؛ رجاء أن يربح ويغنيه الله من فضله، لكن جاء الأمر على خلاف ما كان يتمنى، فأمر النبي بمساعدة هذا المعسر في قضاء دينه، وأمر غرماءَه أن يأخذوا ما تصدق به عليه، فليس لهم في الوقت الحاضر إلا ذلك الموجود، وأمرهم أن ينظروه إلى الغنى، ولا يطالبوه بما لا يستطيعه، وهذا معنى قول النبي: وليس لكم إلا ذلك .
كان ميسرا لا معسرا : أنه يكره ما يشق عليهم، فالمشاق والحرج التي تقع على أمته كأنها واقعة عليه؛ قال الله:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" ( التوبة: 128) ، فما خُيّر بين أمرَيْن إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا؛ لأنَّ أمته ستقتدي به، فاختار الأيسر والأسهل رحمة بها، وهكذا من يحمل الإرث النبوي فليحمل الناس على اليُسر، ولا يشق عليهم، فالشخص في خاصة نفسه يحملها على الورع والاحتياط، أمَّا إلزام الناس بذلك فلا؛ فلذا أرشد النبي من يؤمن الناس في الصلاة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلَّى أحدكم للناس فليخفف؛ فإنَّ منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلَّى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء ؛ رواه ومسلم ، عن أبي هريرة.

رحمته باليتامى والأرامل : قال : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بالسبابة والوسطى ، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة ، والعطف عليهم سبباً من أسباب النصر على الأعداء ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبغوني الضعفاء ؛ فإنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم .
رحمته بالبهائم : وشملت رحمته صلى الله عليه وسلم البهائم التي لا تعقل ، فكان يحثّ الناس على الرفق بها ، وعدم تحميلها ما لا تطيق ، فقد روى الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، فليرح ذبيحته ودخل النبي صلّى الله عليه وسلم ذات مرة بستاناً لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سكن ، فقال : لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله ، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؛ فإنه شكا لي أنك تجيعه وتتعبه رواه أبو داوود . (بيّن أن الإنسان على عظم قدره يدخل النار في إساءة يرتكبها مع دابة عجماء )
لقوله صلى الله عليه وسلم : دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ، كما بين أن كبائر المعاصي تمحها رحمة بهذا الحيوان فقال : إن امرأة بغي رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر ، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له موقها فغُفر لها به و قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرحم الشاة أن أذبحه فقال : والشاة إن رحمته رحمك الله
وعن عبد الله بن مسعود قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فانطلق إنسان إلى غيضة فأخرج منها بيض حُمَّرَة فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ورءوس أصحابه فقال أيكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أصبت لها بيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ردوه ) وفي رواية ( رده رحمة لها ) ونهى عن البهائم أن تحبس حية لتقتل بالرمي وتتخذ غرضاً .
رحمته بالجمادات : ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم على الحيوانات ، بل تعدّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات ، وقد روت لنا كتب السير حادثة عجيبة تدل على رحمته وشفقته بالجمادات ، وهي : حادثة حنين الجذع ، فإنه لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام ، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر ، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه ، ثم ما لبث أن صُنع له منبر ، فتحول إليه وترك ذلك الجذع ، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتاً كصوت البعير ، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه حتى سكن ، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : ( لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) رواه أحمد .
رحمته بالأعداء : فعلى الرغم من تعدد أشكال الأذى الذي ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الكفار في العهد المكي، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب المثل الأعلى في التعامل معهم ، وليس أدلّ على ذلك من قصة إسلام الصحابي الجليل ثمامة بن أثال رضي الله عنه ، عندما أسره المسلمون وأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربطوه بسارية من سواري المسجد ، ومكث على تلك الحال ثلاثة أيام وهو يرى المجتمع المسلم عن قرب ، حتى دخل الإيمان قلبه ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، ثم دخل المسجد فقال : " أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، يا محمد : والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي " ، وسرعان ما تغير حال ثمامة فانطلق إلى قريش يهددها بقطع طريق تجارتهم ، وصار درعاً يدافع عن الإسلام والمسلمين .
كما تجلّت رحمته يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له ، حينما أعلنها صريحةً واضحةً : ( اليوم يوم المرحمة ) ، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين ، فقابل الإساءة بالإحسان ، والأذيّة بحسن المعاملة .
رحمته بالأمة : رحمته بالأمة تتجلى في:بكائه من أجلها .ودعائه على من شق على أمته .وضمانه الدين لمن ترك ديناً
و شفاعته للأمة .ويسأل ربه التخفيف على الأمة ولا يأمرهم بما يشق عليهم ويترك المداومة على بعض العبادات رحمة بهم ويغضب إذا فعل ما يكون في اتباعه مشقة على أمته ويتجوز في العبادة خوف المشقة .
بكائه من أجلها .
ما زال أمر أمته يؤرقه ، ويقلق مضجعه .. فهو وإن كان العبد الشكور الذي يقضي ليله صافاً قدميه بين يدي رب العالمين يرجو رحمته ، فهو يجتهد بالدعاء لطلب نجاتها ، بل وتسيل عبراته خوفاً عليها ، حتى تأتيه البشارة من ربه بإرضائه وعدم إساءته في أمته ..
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم " رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني "... الآية . وقال عيسى عليه السلام " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ، رواه مسلم

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.