هل الإدارة فرع من العلوم لا يخص إلا المشتغلين به أم أنها إحدي المهارات الحياتية التي نمارسها بتلقائية تحت مسميات مختلفة؟! سؤال طرحته منمنمة الأسبوع الماضي في سياق ملاحظة تفشي مظاهر الفوضى والعشوائية في مجتمعنا رغم إدراك عموم المصريين أهمية التفكير وحسن الإدارة وتكرارنا للحديث الشريف«اعقلها وتوكل». وعبر تتبع تعريف الإدارة وتطور المفهوم كعلم له أسس ولبعض مبادئه التي نمارسها بتلقائية في حياتنا اليومية اتضح أن الإدارة لم تعد مجرد علم لا يخص إلا المتخصصين في قاعات الدرس أو الاجتماعات المغلقة في المؤسسات الكبرى، إذ تحول لثقافة علينا أن نتبناها، أفرادا و مؤسسات، إذا أردنا الخروج من دائرة سوء الأداء وعدم اتساق منظومة السلوكيات مع الأهداف والعجز عن تحويل الأفكار لممارسات، وتأسيس منظومة عمل لحل المشاكل من جذورها بشكل نهائي. ولعل التغيير في تحديد مفهوم القيمة وتحديدها في العائد المادي فقط في الماضي كمعيار لقياس نجاح أو فشل الإدارة وظهور معامل الفائدة التي يحصل عليها العميل و الاهتمام بالعاملين باعتبارهما إحدي المسئوليات الأساسية للإدارة كان بداية تحول الإدارة من علم متخصص لثقافة عامة تتماس مع الناس. وفي هذا السياق أشارت الباحثة جوان ماجريتا في كتابها «الإدارة علم وفن» إلي انتهاء فكرة الفصل بين النجاح المؤسسي والمنظور الأخلاقي عبر الاهتمام بالبعد الإنساني للعاملين والعميل وتبني ثقافة الاحترام المتبادل والاحتفاء بالابتكار ورفع شعار «لن يعاقب موظف علي استخدام الحكمة والمنطق السليم لتلبية طلب أحد الزبائن»، موضحة أن الإدارة السليمة وتحقيق النجاح المطلوب لأي مشروع يتطلب بناء الثقة بين العاملين والمؤسسة وبينهما وبين العملاء والتقييم الذاتي المستمر، وايجاد هدف مشترك ووضع منهج لتحقيق الهدف والمراجعة المستمرة في أثناء خطوات عملية التنفيذ. عند هذا الحد أظن أن من الضروري أن نسأل هل ثمة ارتباط بين ما سبق و بين إدارة منظومة العمل الثقافي لمواجهة الأزمات المجتمعية؟!.. الإجابة نجدها في استراتيجية العمل الثقافي التي طرحها تحليل كايكل كايزر رئيس مركز جون كنيدي للفنون في كتابه «التخطيط الاستراتيجي في الفنون» الذي سبق وأن تناولنا بعضا من فصوله في شهر يونيو الماضي. فالثقافة، طبقا لكايزر، وإن كانت بطبيعتها يغلب عليها الجانب المعنوي (منظومة القيم والعادات والنسق الفكري والموروث إلخ) إلا أن طبيعة عالم اليوم والتداعيات المادية للمنظومة الثقافية (سلبا كانت أم إيجابا ممثلة في حسن أو سوء الأداء وإتقان العمل أو الإهمال إلخ) تخضعها لكافة العوامل والأطر الحاكمة لأي صناعة أو عملية إنتاجية في المجتمع. من هنا لم يكن من المستغرب أن تظهر خلال العقد الأخير مصطلحات من قبيل صناعة الثقافة وصناعة المتاحف وصناعة المسرح، الخ. ويوضح كايزر أن الانضواء تحت عنوان الثقافة أو تشابه الهدف لا يعني أن ثمة نموذجا موحدا لابد من تطبيقه في كل القطاعات، ومع ذلك فإن هذا الاختلاف لا ينفي تشابه نماذج عملية تطوير وحل مشاكل القطاعات الثقافية بنفس الآليات المطبقة في أعقد المشاريع. بمعني أنه مثلما يبدأ أي مشروع صناعي بدراسة جدوى وتحديد للموارد المتاحة وكيفية توظيفها للوصول لهدف ما، يتحتم تطبيق نفس المنهج وتبنيه مجتمعيا سواء علي مستوي الأفراد عندما يدبرون أمور حياتهم اليومية أو المؤسسات التي تستهدف البنية الثقافية للمجتمع. ويطلق كايزر علي هذه الآلية اسم بيان المهمة موضحا أنه لابد أن يحدد الأهداف في ضوء دراسة البيئة المحيطة بالمنتج داخليا (كيفية رفع كفاءة العاملين -توفير الموارد المالية - مسار العمل ونقاط الضعف والقوة- الجمهور- الهيئات المشابهة والمنافسة- البرامج التنفيذية- المجال الجغرافي المأمول التأثير فيه -توفير الموارد المالية والبشرية لإعداد المنتج الثقافي إلخ).. ويشير كايزر إلى أن غياب الإطار الاستراتيجي والذي يتم علي أساسه تحديد الهدف وصياغة بيان المهمة وخطط التنفيذ لا يحول فقط دون الوصول لخطوات وخطط قابلة للتحقق علي الأرض، بل أيضا يؤدي للانشغال بنقاط فرعية غالبا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالهدف الرئيسي، الأمر الذي يحيلنا لأسس التحليل الثقافي لأزمات المجتمع للتعرف علي جذور المشكلة و كيفية التعامل معها لتحديد بيان المهمة وآليات العمل.. وللحديث بقية.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة