الورقة المطروحة بعنوان ورقة عمل السياسة الثقافية للدولة المصرية جاءت مقسمة لبعض من عناوين فرعية لتبدو كما لو كانت مقترحاً لخطة بحث أكاديمي تستهدف الحصول علي درجة علمية، وهذا المظهر لتلك الورقة يضفي عليها طابعا من الشمول في طرح تساؤلات بحثية أكثر مما تطرحه من إجابات. تنوه الورقة في بداياتها من خلال العنوان الفرعي -مقدمة تمهيدية- إلي اعتمادها بشكل يكاد أن يكون مطلقًا علي دراسة قام بها المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية عام 1992. ويجدر بالذكر أن المجتمع البشري بما يشمله ذلك من تنوع عرقي وقومي ودولي قد مر بتغيرات جذرية هامة ومحورية خلال العشرين عامًا المنقضية وتطورت علي إثر ذلك العديد من نظريات وتطبيقات العلوم الإجتماعية، فأنماط الحياة أو ما يطلق عليه ways of life في إطار ما يعرف بنظرية الثقافة Theory of Culture أصبحت أكثر توصلاً لفهم أعمق وأدق ، وكل ذلك إذا ما سلمنا إلي اعتماد تعريفات تتبني مداخل علوم الاجتماع لمصطلح -ثقافة- وهو ما يغرقنا في مسائل خلافية غير محسومة ويصنع من التفاصيل الصغيرة - الهامة - متاهات نفقد معها بوصلة التوجه البحثي لنصل إلي دراسة تحليلية أو تفكيكية قد تكون لها أهمية علمية كبيرة لكنها بنهاية المطاف ليست سياسات ثقافية. وفي نفس إطار المقدمة التمهيدية فإن التعريف الجامع للثقافة يظل منوطاً بالبحث العلمي الذي يضع التصور والمفاهيم وقد يؤدي إلي تغيير أنساق إدارة العملية الثقافية عندما يكون ذلك ضرورة تفرضها متغيرات المفاهيم ودقة التعاريف وعمق الفهم، لكن هذه المهمة البحثية تظل ذات علاقة جدلية ضمن ما نطلق عليه سياسات ثقافية، وللتوصل إلي سياسات ثقافية يتوجب علينا أن نجيب بشكل عملي عن الأسئلة التالية: ما الأغراض والمبادئ العامة للسياسات الثقافية؟ ما المميزات الأساسية للسياسات الثقافية الحالية؟ ما التعريف القومي للثقافة؟ ما مستويات كفاءة النظم العاملة في عملية صناعة القرار والإدارة القيادية؟ كيف بنية الهياكل التنظيمية للإدارة؟ ما التوصيف العام لنظام العمل والتشريعات المنظمة وأثرها علي كفاءة الإنتاج ذي الصلة؟ ما المؤسسات والوزارت المعنية بالعمل الثقافي بشكل مباشر وعلي وجه التحديد، وحجم التداخل الوزاري أو الحكومي فيما بينها في أطر العمل المعنية بالثقافة؟ ما التوصيف العام للتعاون الدولي في المجال ذي الصلة؟ ما القضايا الحالية في السياسة الثقافية المثيرة للجدل؟ ما قضايا السياسات الثقافية والأولويات؟ ما القضايا وما هو الجدل القائم بشكل محدد؟ قضايا وجدليات أخري ذات صلة؟ ما الأطر القانونية المتدخلة في مجال العمل الثقافي؟ تشريعات عامة. تشريعات متعلقة بالثقافة. تشريعات محددة متعلقة بالقطاع. ما التمويل المالي للثقافة؟ ما حجم وخطط التمويل المالي للثقافة الذي تقدمه الدولة في القطاع العام؟ ما حجم وخطط التمويل المالي الذي تقدمه الدولة في القطاع الخاص؟ ما التوجهات ومؤشرات تفعيل هذه التوجهات نحو تمويل القطاع الخاص في الثقافة؟ ما حجم التمويل المالي الذي يقدمه القطاع الخاص (خارج المجال) لكلا القطاعين العام والخاص وما هي الإجراءات المحفزة لتنميته؟ المنظمات (المؤسسات) العامة العاملة في البنية التحتية (الأساسية) للثقافة؟ البنية التحتية الثقافية: الاتجاهات والاستراتيجيات. البيانات الأساسية عن المؤسسات العامة المختارة في القطاع الثقافي. أوضاع المؤسسات الثقافية العامة وشراكاتها سواء فيما بينها أو مع القطاع الخاص. كيف يكون تعزيز الممارسات الثقافية والإبداعية؟ ماهي سبل وأوجه وآليات دعم الفنانين والمبتكرين الآخرين سواء كان هؤلاء من العاملين أو المنتمين لمؤسسات أو من غيرهم؟ ما سبل وأوجه وآليات دعم وتعزيز الاستهلاك الثقافي والمشاركة؟ ما سبل وأوجه وآليات دعم وتعزيز تعليم الفنون والثقافة؟ ما سبل وأوجه وآليات دعم وتعزيز فنون الهواة ، والجمعيات الثقافية ، والمبادرات المدنية؟ الدراسات المرجعية الحاكمة لنشوء وتطور السياسات الثقافية. كل عنصر من عناصر تكوين السياسة الثقافية يتطلب بالفعل دراسات مستفيضة لكن السياسات تظل هي صانع بيئة العمل الثقافي وتركز بشكل واضح علي الثقافة بوصفها صناعة ثقيلة تتطلب التنمية واستثمار الموارد والأصول بما يضمن عوائد اجتماعية بل واقتصادية أيضاً في أحيان متعددة وليست كما تم ذكره في الورقة أنها - توجهات الدولة الأيديولوجية- عام، ولعل النظر إلي الثقافة بوصفها بوصلة أيديولوجية هو خطيئة يزداد كبرها كلما تم النظر للمجتمع في إطار استاتيكي وكلما تم النظر للثقافة علي أنها إرشاد قومي من منظور ستاليني عبثي لا يحترم التعددية والتنوع ولا يوازن بين الفردي والجماعي، بل إن الورقة تتناقض في بعض الأحيان عندما تتناول الأيديولوجيات المغلقة في إطار أنها سقطت في عصرنا هذا، فهل هناك أيدولوجيات مفتوحة أو غير مغلقة؟ ربما يكون ، لكن الزج بهذا الفهم مقترنا بسياسة عامة أو خاصة يشرعن علي الفور العديد من أشكال الإقصاء بحجة الخروج عن النسق الثقافي للدولة. في ظل غرق الورقة في التباحث الإجتماعي المقترن بالثقافة ظل ذكر الإبداع متعلقا إلي حد كبير بما أطلق عليه النخبة التي تقدم المنتج الثقافي الرفيع دون أن تقوم الورقة بتقديم توصيف لتلك النخبة أو ذاك الرفيع!! عموما لا يمكن إنكار أن الإبداع الفني له درجات من الرقي لكن أيضا يخبرنا التاريخ أن سلم هذا الرقي لا يحوي درجات ثابتة إذ أن ذلك بشبه إلي حد كبير ما سلف ذكره عن الأيدولوجيات ويظل الثابت الوحيد في أي ثقافة قابلة للنماء هي قدرتها علي إيجاد صيغ من التعايش والتجاور واحترام التعددية والتنوع وما ينتج عن ذلك من طبقية مستحقة تقوم علي الجدارة واحترام الحقوق وأداء الواجبات. في نهاية هذا المقال يبقي جديرا بالذكر أن مهمة هذا المقال لم تكن تقديم بدائل بل نقد ما هو مطروح بالفعل. مخرج مسرحي وفنان تشكيلي حاصل علي الماجستير في إدارة الفنون من جامعة أنجليا راسكن بانجلترا.