ماذا سيفعل وزير الثقافة الجديد؟ في ظل الفراغ الثقافي، الذى خلفته تراجع المؤسسات الثقافية، على مدار العقود الاربع الماضية، لدرجة اننا نعيش اجواء عبثية تفوق خيال رواد الكتابة العبثية يونيسكو وبيكيت، فاذا كان ما يحدث على الساحة الثقافية الآن عبث، فان ما لا يحدث فراغ عبثي. وفى البداية اود التفريق بين الثقافة المصرية، التي تعكس ضميرا جماعيا، تشكل عبر التراكم الزمنى، ورفض استمرار الظلم، واداء مؤسسات الدولة المسماة ثقافية، وتقدم ما تطلق عليه ثقافة، فوزارة الثقافة دولة داخل دولة، ودولة الثقافة على مدار اربعة عقود، استمرأت كل ممارسات النظام الفاسد، بل وساهمت متواطئة على مدار سنوات طوال، في ترسيخ الاجراءات والنظم البيروقراطية، على حساب الاهداف، فقد أضر الوزير حسنى بالثقافة المصرية، نتيجة عدم الثقة في شخصه اجتماعيا، بما اثير حوله من شبهات، لقد كانت الثقافة طاردة، تتجاهل التنوع في المجتمع، ولم تبذل جهدا في التفاعل مع المختلفين في الرأي، رغم انه دورها، بديلا عن مسارات سياسية متعالية على الجميع، وهو الأمر الذى نرى نتائجه الآن، من شعور يعادى الثقافة الوطنية بكل مكوناتها، كأن تظهر دعوات ان الفن حرام، واذا كانت خطة عصر المخلوع هي افقار الشعب المصري، فقد امتدت لان تصبح مؤسسات الثقافة، خارج الزمن تجافى العصر، لا تقدم شيئا يذكر، بل كانت سبيلا لازدراء الثقافة والمثقفين، المدهش ان البعض من العاملين في المؤسسة الرسمية قد يصدق أنه يقدم ما يغنى، لقد كانت آخر قرارات حسنى اثناء الثورة، بعد انطلاقها، تعيين اشرف رضا، رئيسا لقطاع الفنون التشكيلية، احد القيادات في الحزب الوطني، بعد فضيحة محسن شعلان، وسرقة لوحة الخشخاش، واهماله الحفاظ على سمعة دولة، لم يدرك الوزير التحول الذى حدث في مصر، سواء قبل الثورة، او اثنائها، بسب العمى الذى اصابه، من مشاركته في مشروع التوريث. لقد اختنقت الثقافة لعقود عديدة في المؤسسات الرسمية، للدولة الرخوة، المفككة، التي تأخذ التعليمات من أجندة الاجهزة الامنية، مشجعة على ثقافة الخوف، والمواقف الانتهازية، وتحويل المواقع الثقافية الى دكاكين وعزب، لأهل الثقة، وأصحاب الحذوة، والموالين والمنافقين، وعديم الشخصية، لدرجة ان بعض المواقع كانت تدار لمصلحة فرد، في توافقه مع توجهات الدولة التي تسعى لتنفيذ سياسات الخصخصة، وشعار دعه يعمل دعه يمر، وشخصنة القرار الثقافي، حسب الاهواء، واحيانا تعليماتالهانم، (سوزان ثابت) فقد لجأ البعض، إلى الاستفادة من ازدواجية النظم والسياسات، والتناقض الصارخ في المجتمع المشظى،فباعوا الثقافة في علب الخصخصة، في تحايل على الواقع المر، وتفسخ البنى الاجتماعية، التي زادت من ثراء الغنى وافقرت باقي الشعب، مجسدين وضعا عبثيا، كل هذا في ظل مناخ طارد للكفاءات داخل دولاب العمل في الدولة ككل، ليتبوأ المشهد الفاسدين!!. اما عبث ثقافة المجتمع، فهي اشبه الآن بطرح البحر، نتيجة تقاذف الافكار، على شاطئ، بعد التغيير الذى زلزل اركانالوطن، وكأننا فقدنا التمييز، بين الاشياء، فعلى الشاطئ كل شيء، ويستعصى على التقييم، من فرط الزخم، وقهر اللحظة، لكن ابرز عناصر المشهد، اعتماد ثقافة المغالبة، بصرف النظر عن صالح وطن، ثقافة العقاب القسري للمخالف في الرأي، ثقافة تغليب العاطفة على العقل، ثقافة الاستقطاب بهدف الاستقواء.فمن العبث الآن طرح سؤال الهوية، لامة تعيش على ارضها من 7 الاف سنة، وقد يكون من المقبول طرح سؤال الهوية، على سبيل المراجعة، او البحث عن اليقين، لكن الطرح الآن بهدف خبيث وزريعة لنفى الآخر.فمن العبث الرضا و الاستمرار في ظل وجود نسبة أمية هجائية، مفجعة، مخجلة، معطلة، مربكة، كاشفة عن مقاصد نظامسابق، ورغبته في التجهيل، فقد ظلت الثقافة تعمل في وجود مفهوم تائه للدولة ككيان جامع، فكيف تكون الثقافة في ظل تراجعدور الدولة القومية كتوصيف سياسي؟، وهل كان من الممكن ان نجد الثقافة لدى نظام يحتكر السلطة لعقود مضت؟، أم كان منالممكن ان نجد الثقافة لدى المعارضة، التي كانت تنتظر العناية الإلهية لتنفيذ أجندة مؤجلة طوال الوقت، أجندة تكلست من عقودفي خندق لا يتفاعل أصحابه مع المعطيات والمتغيرات والتي تفرض سطوتها على الواقع. لتصبح ثقافة ما بعد الثورة، في مهب الريح، فالمؤسسات كما هي بنفس آليات الماضي البغيض، والمفاهيم القديمة البالية، والعقلية التقليدية، والعشوائية، وانتاج التجارب الفاشلة، فكيان كصندوق التنمية الثقافية، يعمل بدون خطة، أو رؤية، بدون هيكل تنظيمي، ظهر في عصر فاسد، ويستمر كما هو لا احد يعرف مستقبلة، او ملامحه او اوجه صرف امواله، وينفذ بشكل مضحك انشطة مثله مثل مركز ثقافي، على نحو لا يتفق مع دوره في دعمه لمشاريع ثقافية قومية. الفراغ الثقافي الذى يعانى منه المجتمع، افقد الثقافة شرعية الوجود، على الاقل عبر مؤسسات افرغت من محتواها، وليس لها بوصلة، وليس لها شرعية تحديد توجه في ظل التعددية فهل ستعبر عن تيار قومي، في ظل الخصخصة، ام تتنازل امام الاخوان والسلفيين، ام تغازل الفقراء وتضمن حيدة اليسار، ليس صدفة ان تخلو برامج كل التيارات السياسية من أي اشارة للثقافة، فهذه الظاهرة، لها عدة اسباب: منها فقر الرؤية، وغياب الخيال، ونحن نبنى مجتمع جديد، كما ان الحديث عن الثقافة، يحدد الملامح، والمطروح الآن بدون ملامح حقيقية. وفى ظل غياب اليقين، من يضمن للثقافة دورها في ظل السلطة الحاكمة، المانحة، وتمثيل شعبي متعدد يعكس ليبراليةزائفة، من المجالس النيابية القادمة، وهل تترك للنخبة الثقافة المصرية في مأزقها، ونفيق على صراعات تتعلق بالهوية، ثم من يثقف من، جهاز ادارى متواضع يعان ضعف الرواتب، والامكانات، وقطاع خاص، لا يعرف غير الربح، متجاهلا اعبائه المجتمعية. هناك ضرورة لمراجعة السياسات، والمفاهيم وطرح الخطاب الثقافي المستقبلي على امام الرأي العام على نحو علمي وليس فى مؤتمرات يتبارى فيها المتكلمين، هناك ضرورة الى محلل نظم يعيد هيكلة ادارات الثقافة على نحو عصري تسطيع من خلاله منافسة الاعلام.