عانت الشعوب العربية من خطر الإخوان خلال السنوات الماضية وعانت الكثير من الدول فى إثباتها للرأى العام أن هذا الخطر سيهدم الأوطان والشعوب والاستقرار والأمن والأمان ولكن بالإصرار والعزيمة تمكنت هذه الدول من مواجهة خبث هذا التيار الإرهابي. الإخوان لا وطن لهم، ولكنهم قد يستغلون الأوطان فى التمدّد نحو آفاق أبعد، معتمدين على هشاشة الدول خاصة المتفككة منها أو القريبة من التفكك. فقد نجحت هذه الجماعة الإرهابية من اللعب على وتر الدين الإسلامى والعواطف الإيمانية لدى المواطن البسيط، فهو أسلوب التعبئة والتجييش والتنظيم والاستقطاب لحساب الجماعة ضمن قوالب فكرية، وتربية حزبية تقوم على مبدأ الطاعة والولاء الذى يقوم على فلسفة ثابتة ترمى إلى تخدير وتغييب عقول الناس ومصادرة إرادتهم، مما يسهل قيادتهم وتوجيههم والسيطرة عليهم فى سياق تربوى مغلق. تضع الجماعة مصالحها مقدمة على الوطن والدين وهذا ما شهدناه خلال السنوات الماضية. فمؤشر الإرهاب العالمى لعام 2014 يثبت لنا أن العام الماضى شهد نحو عشرة آلاف هجوم إرهابي، أى بزيادة 44 فى المئة على عددها فى عام 2012، مما أسفر عن سقوط نحو 18 ألفا من الأبرياء، 80 بالمئة منهم كانوا فى خمسة بلدان فقط هى العراق وأفغانستان وباكستان ونيجيريا وسوريا. ما حدث فى ظل ما يسمى بثورات الربيع العربي، أكد أن الديمقراطية الغربية ليست بالضرورة هى الحل للواقع العربي، وأن الفقر والحرمان هما العدو الأول للشعوب وأن القراءة الخاطئة للدين قد تعصف بسلم الأمن والأمان. كما أن التنمية تبقى أساس كل نهضة مجتمعية فعلية، وهو ما يحتاج إلى تعاون العرب عبر توحيد الأهداف والمصالح وتجاوز الخلافات الآنية، سواء فى مستوى البلد الواحد أو فى مستوى الأمة ككل. على الشعوب العربية أن تدرك أن الإخوان خطر حقيقي، لأنهم لا يوجدون إلا فى بيئات فاشلة، وأن أى مكان لا تتحرك فيه تنمية، أو توجد به مشكلات سياسية ستجدهم فيه. وطالما أن مقاصد الفِكر الجهادى المسلح لا تزال فاعِلة، ولديهم مشروع اسمه الخلافة، فالعنف سيستمر. لابد أن نمتلك مشاريع مماثلة، يكون فيها الخطاب الدينى الوسطى هو الفاعل، وتكون الدولة هى الراعية له. كما أعتقد أن هذه الجماعات ليست صاحبة الحكاية وحدها، فهى تتوافق أحيانا مع سياسات إقليمية ودولية، وحينما يكون لدولنا العربية دور إقليمى كبير، ستنتهى المشكلات. لكن حتى الآن كلنا مستهدفون، حيث سيتحول العائدون إلى تفجيريين وإرهابيين، بعد أن خرجوا مهاجرين للالتحاق بالقتلة وقاطعى الرؤوس. وخلف كل مكفر أعمي، يختبئ مفكر مستبصر، يرى جيدًا كل التفاصيل، ويحرك الدمي، ويعرف أين يضع كل بيدق، ومتى يستخدمه، فى حين يكون وعى البيادق غائبًا، فيمضى عبر رقعة التنظير، إلى مناطق التكفير، التى تلغى التفكير، لمواضع التفجير، التى يتم اختيار مواقيت تفعيلها، وأماكنها بعناية وقصد. لا مستقبل للإرهاب أو العنف، وليست هناك أى جماعة قادرة على ابتلاع دولة، وأخص الدول العربية المتقدمة تحديداً. لكن علينا أولاً أن نقوم بعملية إصلاح الخطاب الفكرى والديني، وأن نضع مواصفات للدعاة، وأن نقوم بمشروع ضخم لتنقية كتب التراث من الزيف والاختلاق، وأن يكون لنا مشروع ضخم فى مواجهة مشاريع «الإخوان» ورفاقهم لكى ننتهي، مرة وللأبد، من مشكلة هذه البؤرة التى ستتسبب فى وجود أفكار تكفيرية لمدة 20 عامًا مقبلة. إن المنطقة العربية مقبلة على تغيرات فعلية، وأن لا حلّ أمام الحكومات العربية إلا التعاون والتضامن وتوحيد الصفوف ورصّها لتجاوز الامتحان الصعب، لأن التجربة أكدت أن معاناة البلد الواحد قد تتحول إلى معاناة قومية، وأن عدوى الفوضى قادرة على الانتقال السريع وإن العرب أمام تحديات حقيقية تحتاج منهم إلى رؤية استراتيجية ثاقبة تساعدهم على استيعاب التحولات ونقلها من خانة التأثير السلبى إلى خانة النقلة النوعية الإيجابية. وهو ما يحتاج منهم إلى الحكمة والوعى بما يدور حولهم فى العالم من حسابات المصالح ومن الصراعات الإقليمية والدولية التى تحاول أن تجعل من الوطن العربى منطقة تجاذب للقوى الخارجية التى لا تستفيد من شيء بقدر ما تستفيد من تشتت الصف العربى الذى ازداد تشتتاً خلال الأعوام الخمسة الماضية بعد تهميش منظومة الأمن القومى، واتساع دائرة الإرهاب بما تمثّله من خطر على الشعوب والمجتمعات. إن الإرهاب، بات يمثّل الخطر الأبرز على المنطقة العربية والعالم، ولذلك فإن مواجهته تمثّل أولوية للعرب فى الوقت الحالى اعتماداً على حزم مع فكرة الإرهاب مقابل مرونة فى السياسات الحكومية تجاه التحولات المجتمعية الراهنة والقادمة. كاتبة من الإمارات لمزيد من مقالات مهره سعيد المهيرى