«ربنا يبارك.. ماشاء الله» كانت هذه أول جملة ينطقها موظف إدارة المساحة فور دخوله شقة حسام الذى يعمل بمؤسسة إعلامية شهيرة ويسكن فى أحد المناطق الراقية بمصر الجديدة، وبعد أن أدار الموظف بصره عدة مرات فى أرجاء الشقة وجه حديثه لحسام: «هاخد 2 بس مش هقولك 3 إنت شكلك ابن حلال»، سأله حسام:«2 إيه؟» جاءه الرد: «2000 جنيه يا بيه والله أنا كارمك عشان قلبى ارتاحلك أول ما شفتك»، وبعد سجال وجدال اتفقا على ألف جنيه قبلها الموظف على مضض مقابل قيامه بواجبه فى رفع مساحة الشقة.. فبدونه لن يتمكن حسام من شهر الشقة وتوثيقها بالشهر العقاري. دفع حسام 700 جنيه على أن يسدد باقى المبلغ فور انتهاء كافة الإجراءات، ولكنه فوجيء بوجود خطأ فى الأوراق يجبره على العودة لنفس الموظف ليرفع مساحة الشقة مرة أخري، شك حسام أن الخطأ متعمد فلم يتمالك نفسه وذهب إلى رئيس الموظف وصارحه «:أنا اتفقت مع فلان على 1000 جنيه ودفعت 700 ولسه 300 بس الورق فيه مشكلة»، فثار رئيسه قائلاً: «300 جنيه إيه؟» ثم استدرك حديثه قائلاً: «هما 100 جنيه بس مفيش حاجة اسمها 300»، ليأخذ المائة جنيه بنفسه ثم يستدعى الموظف ويأمره بإنهاء الإجراءات بعد أن أخبره أن «المعلوم» وصل. حكاية حسام تتكرر فى العديد من الأجهزة والمصالح الحكومية تحت مسمى إكرامية، وطبقاً للتقرير المنشور حالياً على الموقع الإليكترونى للبنك الدولى بمصر، فإن الغالبية العظمى من المصريين يرون أن دفع رشوة أو إكرامية يضمن حصولهم على الخدمة العامة أو يحل مشكلة قد يواجهونها مع الحكومة خاصة فى المناطق الحضرية. التقرير نفسه يؤكد أن المشكلة فى مصر ليست فى نقص التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد ولكن فى عدم إنفاذها، فالبيانات التى تم جمعها عام 2012 تظهر أن موظفى الحكومة قد يفلتون من العقاب فى 19% من الحالات إذا ضبطوا فى قضية تلقى رشوة، بينما لا يتم الانتهاء من التحقيقات فى 41% من القضايا. المستشار رفعت السيد رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق يعلق على مفهوم الإكرامية قائلاً:إن هى إلا أسماء سميتموها، فسواء كان المسمى إكرامية أو هدية أو غيرها ففى النهاية التكييف القانونى للإكرامية هو الرشوة. ويوضح المستشار رفعت القدر والقيمة ليس له علاقة بالتكييف القانوني، فكل من حصل على منفعة مهما اختلفت قيمتها سواء كانت سيجارة أو مليون جنيه فهى رشوة طالما كانت بسبب الوظيفة. وحول العقوبة القانونية يقول الرئيس الأسبق لاستئناف القاهرة الحد الأدنى لعقوبة جريمة الرشوة هو 3 سنوات سجنا، ولكن يمكن تخفيضها وتطبيق نظرية الظروف المخففة طبقاً للمادة 17 عقوبات إذا رأى القاضى أن ظروف الدعوى وملابساتها تقتضى أخذ المتهم بقسط من الرأفة. وحول الجانب النفسى للإكرامية، يقول الدكتور يسرى عبد المحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة:الإكرامية ظاهرة معدية تنتشر بالعدوي، وتكرارها يحولها إلى عادة حتى تصبح أسلوب حياة، ويساعد على ذلك التخلف الإدارى والبيروقراطية وعدم وصول الحق لمستحقيه بصورة سهلة وميسورة. ويضيف أستاذ الطب النفسى مع تحول الإكرامية إلى عادة لم يعد من يحصل عليها يشعر بأى نوع من الذنب وكذلك معطيها لا يشعر بأى نوع من الضيق أو الظلم تجاه هذا السلوك، بل على العكس أصبحت الإكرامية نوعا من أنواع الشطارة والمهارة والحنكة فى تخليص المصالح. ويصف الدكتور يسرى الجانب النفسى للإكرامية بأنها تعكس تبلدا عاما وتاما ولا مبالاة بين الذى يعطى والذى يأخذ، فالأحاسيس النفسية تبلدت وماتت ولم يعد هناك شعور بوخذ الضمير لدى طرفى الإكرامية التى أصبحت جزءا من منظومة الفساد العام الأخلاقى وانهيار الذمم. وحول المعالجة النفسية للظاهرة يوضح أستاذ الطب النفسى المسائل الموروثة منذ سنوات أو فترات طويلة مثل الإكراميات تحتاج لوقت طويل لمعالجتها، وذلك بشرط توافر حسن القصد وصدق النية للتخلص منها. ويشرح الدكتور يسرى الفساد الأخلاقى لا يتم إصلاحه بين يوم وليلة، ولكن ما لا يمكن نزعه بالقرآن لابد أن ينزع بالسلطان، بمعنى ضرورة تفعيل سياسة الثواب والعقاب لابد أن يكون رادعاً وعلنياً للراشى وأيضاً الثواب لا بد أن يكون مجزياً لمن يفرض الرشوة ويتم إعلانه، وبجانب ذلك لابد من التوعية الإعلامية بخطورة الظاهرة وسلبياتها. أما الدكتورة زينب شاهين أستاذة الاجتماع فترى أننا لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن ظاهرة الإكرامية موجودة منذ زمن بعيد، ولكنها انتشرت الفترة الماضية بسبب الدخول المحدودة، فهى نوع من أنواع التعويض المادي، وخطورتها أنها كقيمة اجتماعية أصبحت مقبولة رغم أنها نمط غير سليم لإنجاز المصالح. ولمكافحة انتشار الإكرامية تقول الدكتورة زينب: لا بد من وجود نظام متطور لإنجاز المصالح، وتفعيل القوانين، مع ضرورة تعزيز القيمة الاجتماعية من خلال جميع قنوات التنشئة مثل المدرسة والمنزل وغيرها.