من اتهموا أمريكا وإسرائيل بالتدبير أو بالمشاركة في تدبير مجزرة استاد بورسعيد, فاتهم أن يضعوا الوزر علي كاهل أهل الحكم في مصر, فعندما يكون المتآمرون بهذا الحجم وهذه القوة لايمكن أن تترك مسئولية المواجهة لمسئولين من وزن محافظ أو مدير أمن. , فمثل هذا المستوي يتحمل مسئولية جرائم البلطجية الصغار ومن في مستواهم, أما مواجهة أمريكا وإسرائيل فهي مسئولية أهل الحكم. ولكن اذا كانت حكومة طرة هي التي حرضت أو دبرت أو مولت أو خططت, فإن المسئولية تصبح مشتركة بين أهل الحكم الكبار من جانب, والمحافظ ومدير الأمن وغيرهما من جانب آخر. أما إذا كان الجناة بعض أعضاء مجلس الشعب السابق من أهل المحافظة وأعداد من البلطجية والمشجعين والمسئولين بهذا النادي أو ذاك, فيجب مساءلة المحافظ ومدير الأمن والمسئولين عن الرياضة. وطوال الأسابيع الماضية تعددت مستويات الاتهام, ولكن ظلت أصابع الاتهام تشير فقط الي هذا المستوي المتواضع من المسئولين. ولأن الجريمة شديدة البشاعة وتعكس حالة الانفلات الأمني السائدة منذ25 يناير2011 وعدم الاعتداد بالقانون أو بأرواح الناس, فقد كان المنطق يقتضي البحث عن أسباب هذا الانفلات أو هذا الانهيار الأمني الذي عاش المصريون تحت وطأته طوال العام الماضي, ومازالوا يعيشون كل المخاوف التي ترتبت عليه. ولايمكن لمراقب منصف أن يتجاهل هذا القصور في عمليات التحقيق وتقصي الحقائق وهذه المعالجات والتحليلات والتخريجات المتواصلة. وربما لأن المجزرة كانت واسعة النطاق, وعلي مرأي ومسمع الرأي العام وجموع المشاهدين الذين تابعوا المباراة, وربما لأن آلاف من المشجعين ومن اندسوا في صفوفهم هم الذين اقتحموا أرض الملعب وطاردوا الأبرياء, وأعملوا فيهم القتل والضرب المبرح, لم يكن من الممكن تجاهلها مثلما تم تجاهل عشرات بل مئات الجرائم التي سبقتها برغم كل الخطورة التي شكلتها والخسائر التي ترتبت عليها. ومن هذه الجرائم الفادحة عمليات قطع طرق المواصلات في أنحاء مصر, وكان من أخطرها قطع خطوط السكك الحديدية في قنا, وخطف السائحين من مختلف الجنسيات واغلاق هويس اسنا واحتجاز آلاف السائحين وعشرات السفن السياحية, والسطو المسلح علي البنوك وسيارات نقل الأموال ومحلات الصرافة وسرقة عشرات الملايين من الجنيهات, وخطف المواطنين خاصة الأطفال وطلب فدية, ونجاح كثير من المجرمين في الإفلات من العقاب حتي الآن وفي حوزتهم الملايين التي حصلوا عليها. أما الأخطر فهو الهجوم المدبر والمتزامن علي أكثر من مائتي هدف أمني وغير أمني ليلة29/28 يناير2011, واطلاق سراح مسجوني ومعتقلي منظمة حماس وحزب الله ونقلهم الي كل من غزة وبيروت, بالإضافة الي أكثر من24 ألف مجرم. وها هي النيابة العامة تعلن أخيرا أمام المحكمة التي تحاكم مبارك, مسئولية حزب الله ومنظمة حماس عن الهجوم علي السجون لإخراج أعضائهما, ومازلنا في انتظار من يكشف عن المصريين الذين شاركوا أو قدموا يد المساعدة لهما. ومن المؤسف أن أحدا لم يفكر في اعتبار ضحايا الهجوم في هذه الليلة شهداء مثلهم مثل هؤلاء الذين سقطوا في المظاهرات أو في الهجوم علي المواقع والمنشآت, ثم لماذا لا يعد احراق المنشآت العامة, وفي مقدمتها مبني المجمع العلمي جريمة مماثلة لمجزرة بورسعيد؟ إن الوطن لم يسقط بعد في قبضة الجريمة والمجرمين, ولكن هذا التساهل وهذه الطبطبة, يمكن أن تدفع بالأمور الي الأسوأ, كما أن ترك عشرات الآلاف من حالات التعدي علي الأراضي الزراعية, وعمليات هدم الفيلات وانشاء العمارات المرتفعة بدون تراخيص أو احترام للقانون, يبعث برسائل طمأنة لكل أنواع المجرمين عن ضعف قبضة السلطة أو غيابها. وهنا يجب أن أعبر عن احترامي وتقديري لوزير الداخلية الحالي محمد إبراهيم ولكل ما يقوم به وما يحققه من انجازات, ولصموده في وجه كل هذه القوي التي تسعي وراء الثأر من الداخلية ورجالها, وتلك التي تعمل لتدميرها في إطار العمل من أجل هدم الدولة لا من أجل هدم واسقاط النظام فقط. وهذا الرجل الشجاع, صاحب الرؤية والإرادة والقادر علي القيادة يستحق المساندة من كل القوي الحريصة علي مصر الآن ومستقبلا, وانني علي يقين أنه لو طالت فترة بقاء الرجل علي مقعده, فسيحقق لمصر بعضا مما تستحقه, وأنه لو وجد المساندة المطلوبة, فسينقذ مصر من حالة الانفلات الأمني. أسرار الزعماء.. وفضائح العملاء بفرحة غامرة استقبل دائما كتب صديق العمر والأحلام ورفيق الدرب والمشوار في بلاط صاحبة الجلالة إسماعيل النقيب, ويحمل كتابه الجديد عنوان أسرار الزعماء.. وفضائح العملاء, ويتضمن أسرارا تضئ أبعاد شخصيات عاشت علي القمة ثم انحسرت عنها الأضواء, وبقلمه وأسلوبه الرشيق يمسك بهذه اللحظات الحرجة في حياتها ويبعث فيها الحياة, والكاتب هنا لا يحاول أبدا الشماتة في هؤلاء, بل حاول بذكاء أن يقارن بين ما كان عندما كانوا نجوما, وبين نجوم سطعت في عصر آخر, ليمسك بهم أو بمعظمهم وكل ما في سيرتهم سطور ساطعة بالفساد واستغلال النفوذ, فها هو زكريا توفيق عبدالفتاح يؤكد لابنه أن مرتبه الصغير لا يسمح بأن يعطيه عشرة جنيهات بعد أن أعطاه منذ أيام مثل هذا المبلغ. ومثل هذه الحكاية الصغيرة الآسرة, أفضل من عشرات الكتب حول فساد آخرين شغلوا مقاعد المسئولية بعد انطواء صفحة الجيل الذي ضم أمثال زكريا عبدالفتاح. أما حكاية الوزير الدكتور حلمي مراد الذي عاد من الكويت محملا بالهدايا التي حصل عليها, وببساطة يقرر تسليمها للسلطات المسئولة, فهو لم يحصل علي هذه الهدايا لأنه الدكتور حلمي مراد بل لانه وزير مصري, لذا فلا يحق له الاحتفاظ بها لنفسه. ولقد سمعنا بالأمس الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية, وهو يقول في دفاعه عن نفسه وعن ثروته الطائلة, إنه جمعها من الهدايا التي حصل عليها من الملوك والرؤساء العرب. وهذا الاعتراف أو الدفاع أمام المحكمة والمحاكمة التي مازالت مستمرة, يعني ببساطة أنه جمع مليارات الدولارات والجنيهات من الهدايا التي اعتبرها حقا له, في حين رأي حلمي مراد أنها من حق الدولة. ولقد عايشت إسماعيل النقيب وهو يقترب من هؤلاء النجوم سواء في مصر أو في العالم العربي, وكان أول أبناء جيلي الذي يحاور ملكا عربيا, هو الملك حسين ملك الأردن, وفيما بعد أصبح صديقا لمعظم الملوك والأمراء والرؤساء العرب, وكان من بينهم من وثق فيه جدا وائتمنه علي بعض أسراره وأسرار الدولة, وأعتقد أنهم كانوا علي حق, فها هو يكتب عن الأسرار والفضائح, ولكنه لا يقترب من هذه الأسرار بأي شكل من الأشكال, وانني لأدعو الله له بالشفاء لكي يتمكن من إزاحة الستار عن هذه الأسرار عندما يري أن أوانها قد آن. المزيد من مقالات عبده مباشر