محافظ الجيزة يكلف بمضاعفة جهود النظافة عقب انكسار الموجة الحارة    ترامب: سنناقش مسألة تبادل الأراضي والقرار يعود للجانب الأوكراني ولن أتفاوض باسمهم    فيصل وشلبي يقودان تشكيل البنك الأهلي أمام حرس الحدود بالدوري الممتاز    "عملتها الستات ووقع فيه الرجالة"، مقتل وإصابة 3 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بالبدرشين    نجوى فؤاد تحسم الجدل حول زواجها من عم أنغام ( فيديو)    «يا رايح للنبي».. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025    بعد «الإحلال والتجديد».. افتتاح مسجد العبور بالمنيا    قبل ساعات من قمة ألاسكا.. بوتين في أكبر مصنع روسي لإنتاج كبسولات تعزيز الذاكرة والمناعة (تفاصيل)    متحدث باكستاني: عدد قتلى الفيضانات المفاجئة في شمال غرب باكستان ارتفع إلى 157 شخصا    المتحدث العسكري ينشر فيديو عن جهود القوات المسلحة في إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة (تفاصيل)    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 فلكيًا في مصر (تفاصيل)    الاتحاد السكندري يعاقب المتخاذلين ويطوي صفحة فيوتشر استعدادًا ل «الدراويش» في الدوري    فليك: جارسيا حارس مميز وهذا موقفي تجاه شتيجن    تشالهانوجلو يعود إلى اهتمامات النصر السعودي    الرئاسة في أسبوع، السيسي يوجه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام.. حماية تراث الإذاعة والتلفزيون.. ورسائل حاسمة بشأن أزمة سد النهضة وحرب غزة    ب6 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    المنيا.. مصرع طفلة إثر صعق كهربائي داخل منزل جدتها بسمالوط    رئيس جامعة بنها: التعليم بداية الطريق وتقديم كافة أنواع الدعم للخريجين    فنانو مصر عن تصريحات «إسرائيل الكبرى»: «نصطف منذ اليوم جنودًا مدافعين عن شرف الوطن»    عمرو يوسف: تسعدني منافسة «درويش» مع أفلام الصيف.. وأتمنى أن تظل سائدة على السينما (فيديو)    رانيا فريد شوقي في مئوية هدى سلطان: رحيل ابنتها أثر عليها.. ولحقت بها بعد وفاتها بشهرين    وفاء النيل.. من قرابين الفراعنة إلى مواكب المماليك واحتفالات الخديوية حتى السد العالي    حكم من مات في يوم الجمعة أو ليلتها.. هل يعد من علامات حسن الخاتمة؟ الإفتاء تجيب    «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة».. إمام المسجد الحرام: تأخير الصلاة عند شدة الحر مشروع    خطيب الجامع الأزهر: الإسلام يدعو للوحدة ويحذر من الفرقة والتشتت    «السلام عليكم دار قوم مؤمنين».. عالم بالأزهر: الدعاء عند قبور الصالحين مشروع    بحث تطوير المنظومة الطبية ورفع كفاءة المستشفيات بالمنيا    نائب وزير الصحة: مهلة 45 يومًا لمعالجة السلبيات بالمنشآت الطبية في المنيا    بطعم لا يقاوم.. حضري زبادو المانجو في البيت بمكون سحري (الطريقة والخطوات)    خدمات علاجية مجانية ل 1458 مواطنا في قافلة طبية مجانية بدمياط    الصفقة الخامسة.. ميلان يضم مدافع يونج بويز السويسري    متى تنتهي موجة الحر في مصر؟.. الأرصاد الجوية تجيب    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    محافظ الدقهلية يتفقد عمل المخابز في المنصورة وشربين    عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج    ترامب يؤيد دخول الصحفيين إلى قطاع غزة    مالي تعلن إحباط محاولة انقلاب وتوقيف متورطين بينهم مواطن فرنسي    محافظ أسيوط يتفقد محطة مياه البورة بعد أعمال الإحلال    قصف مكثف على غزة وخان يونس وعمليات نزوح متواصلة    117 مليون مشاهدة وتوب 7 على "يوتيوب"..نجاح كبير ل "ملكة جمال الكون"    البورصة: ارتفاع محدود ل 4 مؤشرات و 371.2 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول    مديرية الزراعة بسوهاج تتلقى طلبات المباني على الأرض الزراعية بدائرة المحافظة    تراجع معدل البطالة في مصر إلى 6.1% خلال الربع الثاني من 2025    السيسي يوافق على ربط موازنة هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2025-2026    الزمالك يمنح محمد السيد مهلة أخيرة لحسم ملف تجديد تعاقده    «الطفولة والأمومة» يحبط زواج طفلتين بالبحيرة وأسيوط    الكنيسة الكاثوليكية والروم الأرثوذكس تختتمان صوم العذراء    الكشف على 3 آلاف مواطن ضمن بقافلة النقيب في الدقهلية    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بمحافظة المنيا ويحدد مهلة 45 يوما لمعالجة السلبيا    الإدارية العليا: إستقبلنا 10 طعون على نتائج انتخابات مجلس الشيوخ    ضبط مخزن كتب دراسية بدون ترخيص في القاهرة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة.. الأهلي ضد فاركو    ياسر ريان: لا بد من احتواء غضب الشناوي ويجب على ريبييرو أن لا يخسر اللاعب    قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا    ضربات أمنية نوعية تسقط بؤرًا إجرامية كبرى.. مصرع عنصرين شديدي الخطورة وضبط مخدرات وأسلحة ب110 ملايين جنيه    الدكتور عبد الحليم قنديل يكتب عن : المقاومة وراء الاعتراف بدولة فلسطين    نفحات يوم الجمعة.. الأفضل الأدعية المستحبة في يوم الجمعة لمغفرة الذنوب    بدرية طلبة تتصدر تريند جوجل بعد اعتذار علني وتحويلها للتحقيق من قِبل نقابة المهن التمثيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب: الاعتداء على ضباط الشرطة .. بين مسئوليات الأمن.. وأخطاء الحكومة..
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 12 - 2009

ينتابنى إحساس شديد بالحزن والانزعاج والخوف من حوادث جديدة علينا بدأت تطل برأسها فى الشارع المصرى وهى اغتيال ضباط الشرطة.. هؤلاء الضباط هم أبناؤنا وأخوتنا ويمثلون درعا قويا يحرس أمن هذا الوطن ويحميه من المؤامرات والفتن.. ولاشك أن جريمة قتل رجل شرطة تختلف عن أى جرائم قتل أخرى؛ لأن ضابط الشرطة ليس مواطنا عاديا يسرى عليه ما يسرى على بقية الناس.. إنه يمثل هيبة الدولة ويعكس صورة الأمن واستقراره والغريب أن الجريمة لم تحدث مرة ولكنها تكررت وفى أسابيع قليلة أكثر من مرة.
والخطير فى هذه الظاهرة الجديدة هو الجرأة الشديدة التى يتعامل بها القتلة مع ضباط الشرطة بحيث يتم تبادل النيران الحية وفى بعض الأحيان كان القتلة هم الذين يبدأون بإطلاق هذه النيران.
هذه الجرأة ضد رجال الأمن تمثل إنذارا لا ينبغى أبدا أن يمضى أمامنا دون أن نتوقف عنده.. فى تقديرى أن ما حدث يعكس صورة من صور التمرد والرفض حتى وإن أخذ صورة هذا العنف.. إن مثل هذه الجرائم تمثل تهديدا حقيقيا لهيبة الدولة ممثلة فى أجهزة الأمن خاصة أن ذلك يحدث من أشخاص خارجين على القانون ويمارسون العنف والبلطجة.
كان ذلك يحدث من سنوات مضت من خلال تنظيمات إرهابية عانت مصر منها فترة طويلة واستطاع الأمن المصرى أن يحسم هذه المواجهات بقوة وأن يصل بالمجتمع كله إلى بر الأمان وإن كلفه ذلك أعباء كثيرة.. ولكن ما يحدث الآن يختلف تماما عن المواجهة مع الإرهاب نحن أمام أشخاص خرجوا على القانون وحملوا السلاح وقتلوا رجال الأمن.. وإذا كان للإرهاب خلايا وأفكار وعقيدة فإن الخارجين على القانون لا تحركهم مثل هذه الدوافع العقائدية ولهذا فهى تعتبر قضايا أمنية أكثر منها قضايا مواقف وأفكار، ومن هنا فهى تفرض تساؤلات كثيرة عن أسبابها.
قد يرى البعض أن السبب فى ذلك هو الضغوط التى تفرضها أجهزة الأمن على المواطنين وتبالغ فيها أحيانا ولكن هذا السبب لا يعكس الحقيقة فهناك ضباط استشهدوا دفاعا عن ضحايا فى محاولات اغتصاب أو منعا لتجاوزات تهدد الأمن.. أو فى مطاردة مع تجار المخدرات أو لصوص يمارسون أعمال النهب والسرقة.. أى أن هذه المواجهات كانت عملا دفاعيا خالصا يؤدى فيه رجال الشرطة مسئولياتهم بكل الإخلاص والأمانة ضد الخارجين على الأمن.
يرى البعض الآخر أن عمليات القتل كانت قصاصا عن مواقف وأزمات بين بعض الأشخاص الخارجين على القانون ورجال الشرطة وأن الهدف كان يتجسد فى حالات فردية اتسمت بخصومات شخصية ومازلت أرى أن هذا السبب لا يبرر أبدا هذا العدد من الجرائم الذى حدث ضد ضباط الشرطة فى الفترة الأخيرة..
سوف أحاول أن أنتقل بالظاهرة إلى منطقة أبعد من الأمن والقصاص بين الشرطة والخارجين على القانون.
لقد نبهت أكثر من مرة بأن إلقاء الأزمات والمشاكل على جهاز الشرطة يضع هذا الجهاز فى مواجهة دائمة مع المواطنين كل المواطنين حول قضايا ليس للأمن فيها ناقة ولا جمل.. إن جهاز الشرطة يتحمل خطايا وأخطاء أجهزة إدارية أخرى ولا تجد الدولة أمامها غير أن تصدر التعليمات للجهات الأمنية لكى تتعامل مع الأزمة.. وبقدر ما تهرب المسئولون من تحمل مسئولياتهم أمام المواطنين بقدر ما كان العبء كبيرا على أجهزة الأمن حتى وصل الأمر الآن إلى هذه الدرجة من درجات التحدى بين الشرطة والخارجين على القانون وقد سبق ذلك مؤشرات خطيرة كان ينبغى أن نتوقف عندها:
حين ثارت طوابير العيش فى المحافظات منذ شهور وخرج المواطنون إلى المخابز وتظاهروا أمامها وخرجوا فى الشوارع يطالبون الحكومة بأبسط حقوقهم وهو رغيف الخبز لم تكن هذه المظاهرات مواجهة بين الأمن والمواطنين ولكن المواجهة الحقيقية بين حكومة لا تدرك مسئولياتها وشعب جائع.. لا توجد علاقة من قريب أو بعيد بين الأمن ومظاهرات الخبز غير أن الحكومة طلبت من الأمن أن يتصدى لها وكان الأولى بالحكومة أن توفر الخبز للناس فلا تحدث المظاهرات ولا يتدخل الأمن.. إن الأمر هنا لا يتعلق بخدمات عادية عجزت الحكومة عن تقديمها للمواطنين ولكنه رغيف الخبز الذى يمثل ضرورة لا غنى عنها ويستحيل معها الحل الأمنى مهما كانت سطوته، إن الحل الوحيد هو توفير الخبز وليس منع المواطنين من التظاهر بالقوة.
حين سقطت أحجار المقطم على سكان الدويقة وعجزت أجهزة الإنقاذ أن تخرج القتلى من تحت الأنقاض أسبوعا كاملا قام المواطنون وتظاهروا يطالبون الحكومة بإخراج جثث موتاهم.. وهنا أيضا طلبت الحكومة من الأمن أن يتدخل ويحاصر المتظاهرين ويقبض عليهم.. ولم تكن هذه أيضا مسئولية رجال الأمن فلا هم تركوا سكان الدويقة يواجهون الموت تحت الأنقاض ولا هم حرموهم من الانتقال إلى مساكن آمنه.. ولم تكن لهم علاقة من قريب أو بعيد بأسباب هذه المظاهرات.. ولكن الذى حدث فى النهاية أن الأمن تحمل مسئولية المواجهة رغم أنه لم يكن سببا فيها..
وعندما قررت الحكومة هدم عشرات العمارات فى قرية الهجانة بمدينة نصر وقف مجلس الشعب ورفض قرار الحكومة وطالب بدراسة القضية.. ولكن الحكومة مضت فى إجراءات الهدم من خلال أجهزة المحافظة ولم تراع أى بعد سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى وهى تهدم بيوت المواطنين الذين دفعوا فيها كل ما يملكون.. وتكررت الصورة وقام المواطنون فى مظاهرات لمنع بلدوزرات الحكومة من هدم منازلهم التى دفعوا فيها تحويشة العمر.. وبنفس الطريقة طلبت الحكومة من رجال الشرطة مواجهة المتظاهرين من ملاك الشقق وحدثت المواجهة واعتدى المواطنون على رجال الشرطة وسقط قتيل من السكان بينما بلغ عدد الجرحى من رجال الشرطة أكثر من 20 مواطنا بين ضابط ورجل أمن.
لو أن الحكومة نفذت ما طلبه مجلس الشعب ودرست القضية بكل جوانبها من البداية ما تحركت جموع الناس فى مظاهرات صاخبة وما تدخلت قوات الأمن وما حدث هذا العنف بين الطرفين الشعب والشرطة.. كان ينبغى أن تعالج الحكومة الموقف بصورة أفضل لأن هؤلاء المواطنين اشتروا هذه الشقق أمام عين المحافظة وهذه العمارات الشاهقة لم يستغرق بناؤها يوما أو بعض يوم ولكنها استغرقت سنوات فى عمليات البناء والتشطيب والبيع والسكن.. كما أن الحكومة هى التى قامت بتوصيل كل مرافق الخدمات لهذه العمارات من الماء والكهرباء والمجارى فأين كانت أمام هذا كله.. ولماذا تركت النيران تشتعل لتطلب من قوات الأمن إطفاءها.
فى حالات كثيرة تحدث مواجهات بين الأشخاص لأسباب كثيرة الأولى بها أجهزة الحكم المحلى والمحافظين ورجال الحزب الوطنى.. ولكن عادة ما يهرب هؤلاء جميعا من مسئولياتهم ونجد الشرطة فى المواجهة.. وفى العادة نلقى كل شىء على مسئولية الأمن.
إن أحداث الفتنة الطائفية التى تشهدها أحيانا بعض المناطق فى الدلتا والصعيد لا تحتاج أبدا لقوات الأمن إنها تحتاج فى الأساس لرجال الأحزاب ورجال الدين والقوى الشعبية والمجتمعات الأهلية وآخر ما ينبغى أن نلجأ إليه هو قوات الأمن.
إن المشايخ والعلماء والقساوسة وأعضاء مجلسى الشعب والشورى هم الأحق والأجدر بمواجهة مثل هذه المواقف.. ولا ينبغى أبدا أن نقحم قوات الأمن حتى لا يرى البعض أنها تساند هذا ضد ذاك.. فى أحيان كثيرة يكون تدخل قوات الأمن فى مثل هذه القضايا يمثل حساسية شديدة ومن الأفضل والأجدى أن تترك هذه المهام للأجهزة الشعبية والدينية.
كثيرا ما تخلط المؤسسات السياسية للدولة بين السياسة والأمن رغم الاختلاف الشديد فى طبيعة النشاط السياسى والمسئوليات الأمنية.. وعلى سبيل المثال كثيرا ما تدخلت قوات الأمن لتمنع نشاطا حزبيا مشروعا بل إن أى تجمع حزبى يتطلب موافقة أمنية مسبقة.. ومازلنا نذكر مواقف كثيرة كانت تعبيرا عن أنشطة سياسية تم إجهاضها على يد الأمن..وما حدث مع حزب العمل.. وحزب الغد.. وجماعات كفاية.. وجريدة الشعب.. وعدد من النقابات المهنية.. كل هذه الحالات كانت تلقى مسئوليات وظلال كثيفة على دور الأمن وإقحامه كثيرا فى مواجهة أنشطة سياسية مشروعة.
فى السنوات الأخيرة وأمام المشاكل والأزمات والتحديات ومعاناة المواطنين لتوفير ضرورات الحياة ونقص الخدمات وعدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة وتوحش رأس المال حدثت مواجهات كثيرة بين المواطنين وأجهزة الأمن ولابد أن نعترف أن جميع الأطراف تجاوزت حدودها فى هذه المواجهات كان المواطن أكثر تحديا وعنفا.. وكان الأمن أكثر ضراوة وقسوة.. وقد خلف ذلك ظلالا كثيفة فى العلاقة بين الشرطة والمواطنين.
لا يمكن لنا أن ننكر أن أداء بعض رجال الشرطة خاصة من الأجيال الجديدة يتسم أحيانا بالاندفاع والرعونة أمام قلة الخبرة ولعل ذلك يتطلب قدرا من الحسم والتوجيه وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وأعتقد أن اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية يحرص على ذلك دائما ولا يتهاون فى توقيع الجزاء المناسب على كل من يتجاوز حدود مسئولياته صغيرا كان أم كبيرا..
على جانب أخر فإن المشاكل والأزمات فى المناطق العشوائية لها أسبابها المعروفة هناك شق يتعلق بالأمن وهو تجارة المخدرات ومطاردة الهاربين من الأحكام ولكن الجزء الأهم والأخطر هو احتياجات المواطنين الفقراء فى هذه المناطق إنهم فى صراع مع لقمة العيش والمياه والمجارى والأدوية والصحة وهذه جميعها ليست مسئولية أجهزة الأمن وحين تعجز الحكومة عن توفير مطالب هؤلاء فإنها تتعامل معهم بقوات الأمن رغم أن الأولى بها أن توفر لهم احتياجاتهم وهى حق مشروع.
ليس من مسئوليات الأمن أن يتحاور مع الصحفيين والقضاة والأطباء والمهنيين باختلاف نقاباتهم وممثليهم ولكن هذه الفئات تحتاج إلى حوار الكلمة وليس حوار الأمن المركزى والسواتر الحديدية ليس من مسئوليات الأمن أن يواجه عمال المحلة وهم يطالبون بصرف حوافزهم ورواتبهم وكامل حقوقهم لأن هذه مسئوليات الحكومة بكل مؤسساتها.. كانت أحداث الشغب فى المحلة أكبر دليل على الفشل الإدارى واستخدام الشرطة فى غير مسئولياتها..
لا يمكن لنا أن ننكر بعض المشاكل والأزمات المزمنة التى يعانى منها المواطنون وتترك أثارها على رجال الأمن أن البطالة والشباب العاطل يمثلون أزمة دائمة فى كل المجالات.. كما أن أبناء الطبقة الجديدة وفى حماية من الآباء مع سفه فى الإنفاق يمثلون الوجه الآخر لحالة الانفلات التى يعانى منها شباب الأجيال الجديدة بين من يملكون كل شىء ومن لا يملكون أى شىء وكلاهما يمثل عبئا حقيقيا على أجهزة الأمن.
إن من أكبر خطايا الحكومة أن تضع قوات الأمن دائما فى المقدمة لأن العدل والمنطق يقول إنها يجب أن تكون آخر الأوراق المطروحة وأن تبقى فى مكانها حارسا للجميع وليست حارسا لسلطة القرار وحين تعجز الحكومة عن حل مشاكل المواطنين والتخلى عن مسئولياتها فى المواجهة بالحوار فإنها تضع الأمن فى صدام مع المواطنين بكل ما يترتب على ذلك من نتائج سيئة.
حين ينتفض المواطنون رافضين سياسة الحكومة وهى عاجزة عن مواجهة أزمة البطالة أو محنة الزبالة أو توفير رغيف الخبز أو صدام القطارات أو الضريبة العقارية أو مباراة فى كرة القدم هذه أشياء ينبغى أن تتوافر دون مطالبات أو مظاهرات أو مواكب رفض لأن هذه هى وظيفة الحكومات قبل أن تطلق قوات الأمن هنا وهناك.. ولهذا فأنا أخشى أن تكون مواجهات بعض المواطنين مع رجال الشرطة واستخدام الرصاص فى ذلك أنها تعكس إحساسا شديدا بالغضب والمرارة أمام ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة.. إن المواطن هنا لا يطلق الرصاص على رجل الأمن ولكنه يطلق الرصاص على مجتمع حرمه من أبسط الحقوق وهذه مسئولية الحكومة وليست مسئولية الأمن.
إن تدخل أجهزة الأمن فى أمور كثيرة تبدأ بالسياسة وتنتهى بانفلات الشارع ترتبت عليه آثار كثيرة لعل أخطرها تلك الحساسيات التى ظهرت بين المواطنين أمام تجاوزات ارتكبتها أجهزة الأمن فى أحيان كثيرة.. وأمام ضغط المسئوليات وزيادة الأعباء على أجهزة الأمن زادت هذه التجاوزات وتركت حالة من التوتر بين الأمن والمواطنين.. وقد زاد من حدة هذه الأزمة أن الأمن السياسى طغى على كل المسئوليات الاخرى خاصة ما يتعلق بأمن المواطن وهو المهمة الأساسية التى لا ينبغى تجاهلها.
أمام قصور الأداء فى خدمات المواطنين وأمام عشوائية القرارات فى أحيان كثيرة نجد ردود أفعال شعبية تجتاح الشارع المصرى ولا تجد الحكومة أمامها غير أن تدفع بقوات الأمن لمواجهة الجماهير رغم أن المطلوب أن ندرس القرارات ونتائجها وما يترتب عليها قبل أن نلقى قوات الأمن فى وجوه المواطنين.
إن مثل هذه الأحداث تحملنا إلى قضية أخطر وأهم وهى أن أى مسئول ينبغى أن يدرس أثار كل قرار يصدره، أما العنتريات التى يمارسها البعض دون وعى أو دراسة فهى تمثل أخطاء لا يتحملها المسئول وحده ولكنها تلقى بظلالها على أطراف كثيرة.. ولهذا فإن غياب الرؤى السياسية فى قرارات المسئولين تجعلها فى أحيان كثيرة ألغاما لا أحد يعرف متى تنفجر ومن الذى يتحمل نتائجها.
حين تطلب الحكومة من الموطنين تقديم إقرارات الضريبة العقارية خلال أسبوعين فهذا إجراء لا حكمة فيه ولا منطق إذا أدركنا أن الأعداد المطلوبة لتقديم هذه الإقرارات تزيد على 30 مليون مواطن.. وهنا يكون من الصعب إنجاز مثل هذه المهمة أمام تكدس المواطنين وزحام مكاتب الضرائب بآلاف المواطنين، وفى حالات كثيرة تتدخل قوات الأمن لإنهاء هذه المشاكل والأزمات ولا يخلو الأمر من الاحتكاك هنا أو هناك بكل ما يترتب على ذلك من نتائج.
وحين تتساقط الأحجار من جبل المقطم على مئات الضحايا.. وحين يخرج المتظاهرون احتجاجا على هزيمة كروية هنا أو هناك.. هذه الأزمات يمكن أن تعالج فى بدايتها حتى لا تتحول إلى مواجهات بين الشرطة وبين المواطنين.
إن مهمة رجل الشرطة أن يوفر الحماية للناس وأن يحافظ على النظام والأمن والاستقرار فليس هناك عداء مسبق بين الشرطة والمواطنين ولكن الذى يخلق هذه المواجهات أجهزة حكومية لا تلبى طلبات الناس ولا تحرص على حقوقهم وربما حرمتهم من هذه الحقوق وهنا لا تجد الحكومة أمامها من حلول غير قوات الأمن.. هذا التداخل بين قرارات خاطئة تترتب عليها أوضاع وسلوكيات خاطئة.. تفرض تدخل الأمن فى أشياء ليست من اختصاصه تجعلنا نطالب أجهزة الدولة ومؤسساتها أن تتحمل مسئوليتها فى كل شىء.
إن اضراب الصحفيين عن الطعام واضراب القضاة واحتجاج الأطباء وخروج أساتذة الجامعات فى مظاهرة كل هذه الأزمات والمشاكل تحتاج إلى الحوار وليس إلى قوات الأمن.. من الخطأ الجسيم أن يهرب المسئولون من مسئولياتهم لتكون قوات الأمن دائما فى المواجهة.
لو أن كل مسئول حاول أن يدرس القرار أى قرار بعناية قبل أن يلقى به كالألغام فى الشارع.. ولو أن رجال الدين مسلمين ومسيحيين قاموا بمسئولياتهم.. ولو أن الحزب الوطنى وأعضاء مجلسى الشعب والشورى أدركوا أعباء المنصب وتفرغوا قليلا لهموم الناس بعيدا عن تجارة الأراضى والعقارات.. ولو أن المحافظين وأعضاء المجالس المحلية اهتموا بقضايا الناس ومشاكلهم.. لو أن هذا حدث لأصبح العبء على قوات الأمن شيئا عاديا مثل كل أجهزة الأمن فى العالم.. ولكن ما أسهل أن تحدث الكارثة بسبب قرار خاطئ وبعد ذلك تصرخ كل أجهزة الدولة أين قوات الأمن؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.