أيا كان الفائز فى انتخابات الرئاسة اليوم فإنه سيواجه تحديات اقتصادية وسياسية صعبة.فاذا فاز الباجى السبسى الحاصل على أعلى الأصوات فى الجولة الأولي، كما يتوقع كثير من المراقبين، من المرجح أن يحدث انسجام بين الرئاسة والحكومة التى يقودها حزبه (نداء تونس) الحائز أيضا أكبر عدد من مقاعد البرلمان مما ييسر مواجهتها.أما اذا فاز خصمه المنصف المرزوقى فليس من المستبعد حدوث استقطاب حزبى يعوق حل المشكلات الداخلية ويبقى العلاقات متوترة مع بعض الدول بسبب اختلاف التوجهات.فمازالت تونس تعانى أزمة اقتصادية لا يستهان بعواقبها رغم ما أحرزته من تقدم سياسى باستكمال مؤسساتها الديمقراطية. لم يعد الرئيس هو الحاكم المطلق، يأمر فيطاع كما كان فى عهدى بورقيبة وبن علي، حيث قلص الدستور الجديد سلطاته وأعطى لرئيس الوزراء والبرلمان سلطات أوسع، لذلك فالباب مفتوح على احتمالين: إما صراع على السلطة بين السلطات الثلاث يشل الحياة السياسية وينتهى بانتخابات مبكرة قد لا تكون هى الأخرى حاسمة، أو أن يتفهم القادة وأحزابهم دقة اللحظة التى تمر بها التجربة الديمقراطية الوليدة ويقدروا معاناة المواطن فيمارسوا اختصاصاتهم الدستورية بتجرد مغلبين مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية والحزبية لتترسخ التجربة، وليثبتوا أنه يمكن لتونس أن تصبح أول دول الربيع العربى التى استكملت مؤسساتها الديمقراطية واستطاعت الحفاظ عليها مثلما كانت هى الشرارة التى أشعلت ثورات ذلك الربيع وأطاحت بحكام ديكتاتوريين أرادوا أن يجثموا على أنفاس شعوبهم إلى ما لا نهاية. فى مقدمة التحديات التى يواجهها الفائز فى انتخابات اليوم غول الإرهاب الذى يهدد حياة التونسيين واغتال بالفعل بعض قياداتهم وجنودهم على أيدى جماعات متطرفة مثل أنصار الشريعة وتنظيمى القاعدة وداعش الذين ينشطون خاصة فى جبل الشعانبى على الحدود مع الجزائر. فعشية الانتخابات أعلنت مجموعة من الشباب التونسى داخل داعش بداية ما وصفوه بالجهاد المقدّس على تونس واعترفوا باغتيال الزعيمين الليبراليين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى قائلين إنهم سيعودون لرفع راية لا إله إلاّ الله، أما التحدى الثانى فهو تدهور مستوى المعيشة وارتفاع معدل البطالة خاصة بين الشباب عما كانت عليه قبل ثورة 2011، فالاقتصاد يعانى ارتفاع التضخم والأسعار، ومن تفشى البطالة وتراجع معدلات النمو والاستثمار وضعف التنمية بسبب الاضطرابات التى شهدتها البلاد مما أثقل كاهل المواطن الذى كان يعلق آمالا جساما على الثورة، وأعلن البنك الدولى بالفعل أن اقتصاد تونس لم يحقق أى تقدم عما كان عليه فى عهد بن على ووصفت دراسة له ثورة 2011 بأنها غير مكتملة وانتقدت الفساد والمحسوبية والبيروقراطية المفرطة التى تعوق المنافسة العادلة وطالبت باصلاحات شاملة منوهة بأن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة كان من أسباب الاطاحة بنظام حكمه.كما توقعت ألا يزيد معدل النمو الاقتصادى فى عام 2015 على 3%، وهو ما لا يكفى لخفض نسبة البطالة، أو تحقيق التنمية المطلوبة لرفع مستوى المعيشة، مشيرة إلى صعوبات تواجهها الحكومة حتى فى دفع رواتب موظفى الدولة والى اضرابات عن العمل فى عدد من هيئاتها وعجز فى موازنة الدولة يبلغ 8% وتضخم يناهز 5.2%، ولاشك أن هذا يحتاج جهودا مضاعفة لمواجهته وليس الى مناورات سياسية أو مكائد وتصفية حسابات بين أحزاب الحكومة والمعارضة.كما سيتعين على نظام الحكم الجديد مكافحة الفساد المستشرى والأخذ من الغنى لاعطاء الفقير عبر نظام ضرائبى عادل، وإذا لم تتحل الحكومة بالحكمة عندما تعمل على إصلاح عجز الموازنة بتقليص الدعم وفرض ضرائب جديدة،وهما اجراءان غير مرحب بهما شعبيا،فمن المحتمل أن تتفجر موجات غضب غير مأمونة العواقب، وعلى القادة الجدد أن يتذكروا أن الاحباط الذى أصاب المواطن نتيجة عدم تحسن مستوى معيشته بعد الثورة وارتفاع نسبة البطالة كانا سببين أساسيين وراء تدنى شعبية حركة النهضة من 89 مقعدا برلمانيا فى انتخابات 2011 إلى 68 مقعدا فقط فى انتخابات 2014. أما التحدى الثالث فهو تدهور مستوى العلاقات مع دول مثل مصر والجزائر وسوريا خلال حكم حركة النهضة وحلفائها، وسيتعين على السبسى ذى التوجهات الليبرالية، فى حالة فوزه، الإسراع بالعمل على إصلاح تلك العلاقات المتأزمة التى أفسدها دعم النهضة للاخوان والمتحالفين معهم.فمن شأن هذا أن يفتح الباب لعودة حركة السياحة الأجنبية إلى طبيعتها، حيث تسهم بنصيب كبير فى الدخل القومي، وأن يشجع الاستثمارات والمساعدات الخارجية التى ترتبط دائما بممارسة حقيقية للديمقراطية، وباحترام حقوق الإنسان، وباستقرار الأمن. لهذا وغيره رغب التونسيون فى العودة لتجريب حكم العلمانيين لعلهم يستطيعون تحقيق ما فشل فيه الإسلاميون الذين خشى البعض أيضا أن يفرضوا قيودا على حريتهم الشخصية تحت ذرائع دينية، وسيلقى هذا عبئا مضاعفا على كاهل السبسى وحزبه الذى صعد كالصاروخ منذ تأسيسه فى عام 2012 فقط، ويمكن أن يهوى من حالق إذا خيب ظن الناخبين كما حدث لحركة النهضة، وهناك احتمال آخر إذا تكرر الفشل فى تحسين مستوى المعيشة هو اندلاع احتجاجات واضطرابات شعبية تدفع العسكر للاستيلاء على الحكم لإنقاذ البلد فتصاب التجربة الديمقراطية بانتكاسة قد لا تفيق منها قبل سنوات. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى