سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الاثنين 9 يونيو 2025    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    إسرائيل تستجوب ناشطى سفينة مادلين فى قاعدة أسدود    استشهاد 8 فلسطينيين جراء إطلاق الاحتلال النار على المنتظرين للمساعدات غرب رفح    مباريات اليوم.. تصفيات أوروبا لمونديال 2026    ضحى بحياته لإنقاذ الآلاف.. الحزن يخيم على الدقهلية بعد دفن شهيد الشهامة    إستمرار الموجة شديدة الحرارة بالأقصر اليوم رابع أيام العيد    أمن "الحج" بالمدينة: جاهزون لاستقبال الحجاج القادمين من مكة    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    سيو ستورم قائدة فريق Fantastic Four في النسخة الجديدة للفيلم    براتب 9400 ..إعلان 135 وظيفة شاغرة في قطاع الصيدلة و تسويق الأدوية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    استقرار أسعار النفط قبل المحادثات التجارية بين أمريكا والصين    عاهل الأردن يؤكد ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لتهدئة شاملة بفلسطين    موعد ورابط نتيجة الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 القاهرة وباقي المحافظات    بكام الطن؟.. أسعار الأرز الشعير والأبيض اليوم الإثنين 9 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    حديد عز يتجاوز 39 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 9-6-2025    لأول مرة.. رحمة أحمد تكشف كواليس مشاهد ابنها ب«80 باكو» (فيديو)    الجيش الروسي يسقط 24 مسيرة أوكرانية    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    قوارب سريعة تحاصر سفينة مادلين وتطالب نشطاءها برفع أيديهم قبل اعتقالهم    الاحتجاجات تتصاعد في لوس أنجلوس بعد نشر قوات الحرس الوطني    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    صحة المنيا: 21 مصابًا ب"اشتباه تسمم" يغادرون المستشفى بعد تلقي الرعاية    الحبس والغرامة لعدم تسجيل الشقق والمحال المؤجرة    "لن يعود حيا" .."أبو عبيدة" يكشف محاصرة الاحتلال لمكان تواجد أسير إسرائيلي    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    لاعب إسبانيا يتحسر على خسارة دوري الأمم الأوروبية أمام البرتغال    طريقة عمل طاجن اللحم بالبصل في الفرن    المنيا: وجبة مسمومة تنقل 35 شخصا إلى المستشفى في ملوي    «أسطول الحرية»: القوات الإسرائيلية تختطف المتطوعين على السفينة «مادلين»    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    وفاة شخص إثر إصابته بطلقٍ ناري بالرأس في مشاجرة بالفيوم    غادر مصابا أمام باتشوكا.. جراديشار يثير قلق الأهلي قبل كأس العالم للأندية    باتشوكا يهزم الأهلي بركلات الترجيح في البروفة الأخيرة قبل مونديال الأندية    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    مكسل بعد إجازة العيد؟ إليك نصائح للاستعداد نفسيًا للعودة إلى العمل    تامر عاشور: أتمنى تقديم دويتو مع أصالة وشيرين    فسحة العيد في المنصورة.. شارع قناة السويس أبرز الأماكن    أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص ترعة الدقهلية    4 أبراج «بيشوفوا الأشباح في الليل».. فضوليون ينجذبون للأسرار والحكايات الغريبة    بشكل مفاجئ .. إلغاء حفل لؤي على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    حدث بالفن | شيماء سعيد تستعيد بناتها وحلا شيحة تحلم ب يوم القيامة    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    خالد عيش: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع يعكس الالتزام بالمعايير الدولية    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



4 سنوات على ثورة الياسمين.. والإجابةما زالت «تونس»
نشر في التحرير يوم 19 - 12 - 2014

كتب - عمرو صلاح: لم يكن محمد البوعزيزى، أو طارق الطيب محمد البوعزيزى، سوى شاب تونسى عادى، ابن لعائلة تتكون من تسعة أفراد، توفى والده بينما لم يبلغ هو من العمر سوى ثلاث سنوات، وقد تلقى تعليمه فى مدرسة فقيرة الإمكانات فى قرية سيدى صالح، واضطر إلى أن يعمل منذ أن كان طفلا. حاول بوعزيزى حينما أصبح شابا التقدم للالتحاق بالجيش، ولكنه لم يوفق وتقدّم لعدة وظائف أخرى فخاب ظنه أيضا. كان محمد يعيل عائلته معتمدا على دخل زهيد من بيع الخضار والفاكهة فى شوارع الولاية التونسية سيدى بوزيد. ووفقا لرواية أخته فقد ادخر مالا من أجل شراء عربة تعينه على العمل.
1- بوعزيزى يشعل النار فى جسده
داخل إحدى الأسواق وضعت الشرطية فادية حمدى -التى كانت قد صادرت عربته من قبل- أول سلة فاكهة فى سيارتها، وعندما سعت لحمل الثانية اعترضها البوعزيزى، دفعته وضربته بهراوتها. ثم حاولت الشرطية أن تأخذ ميزان الفاكهة فحاول مرة أخرى منعها فدفعته هى ورفيقاها وأوقعوه أرضا ثم أخذوا الميزان عنوة. لم تذكر الروايات كيف كان رد فعل الشاب، لكن المذكور أن الشرطية قامت بتوجيه صفعة للبوعزيزى على وجهه أمام العشرات من الحضور، فانفجر فى البكاء بعد أن شعر بالخجل. حاول الشاب أن يلتقى المسؤولين لكنه فشل فى استعادة سلته وما أهدر من كرامته، فقرر الوقوف أمام مبنى البلدية يوم 17 ديسمبر 2010 كى يشعل النار فى جسده، نيران امتدت من الغرب (تونس) لتطال الشرق فى ليبيا ومصر وسوريا واليمن إيذانا ببدء تحولات كبرى ستغير مستقبل وجغرافيا العالم العربى، وتلقى بتبعاتها على المشهد الدولى أيضا وقوة الفاعلين فيه.
2 - بن على هرب.. بن على هرب
أدى حادث محمد البوعزيزى إلى احتجاجات من قِبل أهالى سيدى بوزيد فى اليوم التالى 18 ديسمبر، حيث قامت مواجهات بين المئات وقوات الأمن.
وقد توسعت دائرة الاحتجاجات لتنتقل من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة كالمكناسى والرقاب وسيدى على بن عون ومنزل بوزيان، حيث خرج السكان فى مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة فى الفرص والتنمية. واتخذت الاحتجاجات شكل انتفاضة شعبية شملت جميع مدن المحافظة، وقامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص على إحدى المسيرات فى مدينة منزل بوزيان مما أسفر عن مقتل الشاب محمد العمارى، وهو أيضا من حاملى الشهادات العليا العاطلين عن العمل، وجرح عدد آخر من المتظاهرين، مما زاد من حدة الغضب الشعبى.
23سنة.. قضاها زين العابدين بن على فى حكم الخضراء
وفى الخامس والعشرين من ديسمبر تجمع المئات من النشطاء فى ساحة محمد على فى تونس العاصمة للتعبير عن تضامنهم مع أهالى سيدى بوزيد وللاحتجاج على قمع المسيرات الشعبية والاعتقالات واستعمال قوات الأمن للرصاص الحى ضد المحتجين، والذى تسبب فى سقوط قتيل وعشرات الجرحى.
وبعد يومين تصاعدت الأحداث بشكل كبير، حيث رفع المتظاهرون فى مدن تونس وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة ومدنين وقفصة شعارات مساندة لأهالى سيدى بوزيد ومنددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع البطالة فى عدد المدن التونسية والمطالبة بتنمية عادلة، فى حين واصلت وسائل الإعلام المحلية والرسمية تجاهل هذه التحركات الاجتماعية التى أخذت تتوسع شيئا فشيئا.
وسرعان ما تحولت الأحداث إلى اشتباكات عنيفة وانتفاضة شعبية كبرى شملت معظم مناطق تونس، تطورت شعاراتها حتى وصلت إلى المطالبة برحيل الرئيس التونسى زين العابدين بن على، الذى كان يحكم البلاد طيلة 23 سنة. وقد رفض الجيش التونسى أوامر الرئيس بن على القاضية بمشاركته فى مواجهة الاحتجاجات، وقد كان رفض قائد الجيش رشيد عمار لأوامر بن على بمثابة المسمار الأخير فى نعش نظامه.
3 - مجلس تأسيسى
بعد أن تنحى بن على وسافر إلى السعودية تولى محمد الغنوشى الوزير الأول رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة، إلا أن المجلس الدستورى أعلن أنه بعد الاطلاع على الوثائق لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول كون الرئيس لم يستقل، وبما أن مغادرته قد جرت فى ظروف معروفة وبعد إعلان الطوارئ، وبما أنه لا يستطيع القيام بما تلتزمه مهامه ما يعنى الوصول إلى حالة العجز النهائى، فعليه قرر المجلس اللجوء إلى الفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناء على ذلك أعلن فى يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولى رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يوما حسب ما نص عليه الدستور.
17 يناير 2011 شكلت حكومة الغنوشى
وقد تم فى يوم 17 يناير تشكيل حكومة وطنية برئاسة محمد الغنوشى الذى أعلن عن ستة أشهر على الأقل قبل إجراء الانتخابات، كما أكد على التزام حكومته بالإفراج عن السجناء السياسيين وتشكيل لجنة لتقصى الحقائق ومحاربة الفساد السياسى والتجاوزات التى جرت فى حق الشعب التونسى، لكن هذه الحكومة لم تستطع الصمود طويلا إزاء احتجاجات نشبت ضدها ليتم إعادة تشكيلها فى 27 يناير، وقد أوكل إلى الباجى قائد السبسى -الوزير فى عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة- بتشكيل حكومة جديدة.
فى أكتوبر من العام نفسه كانت البداية الحقيقية لعملية الانتقال الديمقراطى فى تونس، إذ تم تشكيل ما عرف باسم المجلس الوطنى التأسيسى، وهو مجلس تكون من 217 عضوا تم انتخابهم من قبل التونسيين، وقد فاز حزب حركة النهضة بالنصيب الأوفر من المقاعد بحصوله على 89 مقعدا، ثم تلاه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بعدد 29 مقعدا، بينما حلت قوائم العريضة الشعبية ثالثة بنصيب 26 مقعدا.
وقد تلخصت مهام المجلس التأسيسى ومسؤوليته فى إدارة عملية الانتقال وفقا لتولى المهام التالية: تمثيل السلطة التشريعية بجميع مهامها، وانتخاب رئيس المجلس ورئيس الجمهورية، والمصادقة على الحكومة ورئيسها، ومراقبة الحكومة، وكتابة دستور تونس الجديد.
4 النهضة يطالب بالحكم
طلب الحزب الذى له أكثر مقاعد فى المجلس الوطنى التأسيسى التونسى، ألا وهو حركة النهضة، من المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات والحزب الديمقراطى التقدمى، الانضمام لتشكيل ائتلاف حاكم بقيادة مرشحها لرئاسة الحكومة السيد حمادى الجبالى، ولكن رفض الحزب الديمقراطى التقدمى المشاركة، فى حين قبل كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطى هذا المشروع مع حزب حركة النهضة.
بعد أن تم توقيع الاتفاق وقبوله، تم انتخاب مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطنى التأسيسى التونسى والمنصف المرزوقى رئيسا للجمهورية التونسية وحمادى الجبالى رئيسا للحكومة التونسية. وبهذا فقد أصبح الترويكا التحالف الذى يقوده حزب النهضة (إخوان تونس) هو من يتولى إدارة شؤون البلاد.
5 - العنف يضرب من جديد
أثار حكم تحالف الترويكا الذى قادته حركة النهضة الكثير من المشكلات على أصعدة مختلفة فى ظل طموحات وآمال عالية صنعتها الثورة التونسية لدى المواطنين، ولم يكن أداء التحالف الحاكم على المستوى الاقتصادى على قدر الطموحات التى خلفتها الثورة، وعلى الجانب الآخر بدا أن هناك مساعى للهيمنة من قبل التحالف الحاكم مع بداية إجراءات عملية كتابة الدستور الجديد، ورغبة لدى حركة النهضة فى فرض أفكارهم ورؤاهم على دستور المجتمع التونسى، وهو المجتمع المعروف بعلمانيته وانفتاحه منذ عهد الرئيس بورقيبة، ثم كان اتساع دائرة العنف والتطرف الدينى، والعمليات الإرهابية، ووقوع عمليات اغتيال سياسى طالت اثنين من أبرز قادة المعارضة التونسية المدنية (شكرى بلعيد- محمد البراهمى)، بالإضافة إلى هجوم عسكرى شنه جهاديون على منشأة عسكرية غرب تونس، وهى أعمال نفذتها مجموعات إرهابية أدت إلى انفجار مظاهرات غاضبة حملت حكومة النهضة مسؤولية التورط فى العمليتين وطالبتها بالتنحى.
وتحت تأثير ما جرى فى مصر من الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين فى الثلاثين من يونيو، وتصاعد دعوات تطالب بتدخل مماثل للجيش التونسى لحماية البلاد من فوضى الإرهاب والاغتيالات السياسية، بدا حكم حركة النهضة والعملية الديمقراطية برمتها أمام تهديد ومخاطر حقيقية. إذ دخل ثلث أعضاء المجلس التأسيسى فى إضراب مفتوح، ونظم نواب المعارضة جنبا إلى جنب مع الآلاف من المحتجين المستلهمين من الانتفاضة المصرية ضد الرئيس السابق محمد مرسى فى مصر اعتصاما طالبوا فيه بحل الجمعية الدستورية، ونصبوا مخيمات أمام مبنى البرلمان لمدة تقارب ثلاثة أشهر.
ولم يؤدِّ ذلك الاعتصام إلى وقف اعتماد الدستور الجديد للبلاد فحسب، ولم يؤدِّ ذلك الاعتصام إلى وقف اعتماد الدستور الجديد للبلاد فحسب، بل إلى ارتفاع حدة التوتر أيضا بين جبهة الإنقاذ الوطنى الممثلة للكتلة العلمانية وائتلاف السلطة الثلاثية المشتركة الترويكا الحاكم. هذا وقد رفض أنصار المعارضة -الذين ينظر إليهم أنصار الترويكا على أنهم مجموعة من الانقلابيين المحتملين الذين رفضوا التحول الديمقراطى فى البلاد- أى نوع من الحوار مع الحكومة. وردا على ذلك، شن مدنيون من أنصار الإسلام السياسى حملة على المحتجين فى الأيام الأولى للاعتصام، كما قامت قوات الشرطة بضرب عضو برلمان.
6 – طوق النجاة
هنا كان تدخل عدد من منظمات المجتمع المدنى، أبرزها نقابة المحامين التونسية واتحاد الشغل التونسى والاتحاد التونسى للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، الذى توسط وقدم مبادرة لتجاوز الأزمة تقتضى تخلى النهضة عن الحكم لصالح تشكيل حكومة من التكنوقراط، تتولى مسؤولية إعداد انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، وتحت تأثير المخاوف من تكرار ما حدث فى مصر اضطر تحالف الترويكا فى تونس إلى تقديم تنازلات، وعرض حل حكومة على العريض (حكومة الترويكا الثانية) خلال شهر، ودعت الترويكا المعارضة التى تطالب بإسقاط هذه الحكومة إلى الحوار الفورى لتشكيل حكومة تقودها شخصية مستقلة. وبالفعل حلت حكومة الترويكا بموجب الحوار الوطنى الذى ضم كل الأحزاب وشكلت حكومة كفاءات وطنية، برئاسة مهدى جمعة، وهى حكومة تكنوقراط مستقلة بالكامل، ولم يبقَ لأحزاب الترويكا الثلاثة سوى نواب المجلس التأسيسى.
7 - الانتخابات التشريعية والرئاسية.. بداية جديدة
فى أغسطس فتحت اللجنة العليا للانتخابات التونسية باب الترشح لانتخابات البرلمان، وفى 26 أكتوبر 2014 عقدت أول انتخابات تشريعية بعد إقرار دستور 2014 الذى أدت الأزمة السابقة إلى خروجه بشكل يحافظ على مدنية الدولة وقيمها العلمانية. وفى الانتخابات فاز حزب نداء تونس بقيادة الباجى قائد السبسى بالمرتبة الأولى بعد أن حصل على 86 مقعدا من جملة 217 مقعدا فى المجلس. ثم تلاه حزب حركة النهضة الإسلامى ب69 مقعدا متراجعا 20 مقعدا مقارنة بسنة 2011 حينما تحصل على 89 مقعدا.
وقبل أيام من كتابة هذه السطور أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات فى تونس أن جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بين المرشحَين منصف المرزوقى والباجى قائد السبسى ستقام يوم 21 من الشهر الحالى، فى حين قالت حركة النهضة إنها ستعلن خلال أيام موقفها النهائى من دعم أحد المتنافسَين أو الاستمرار فى التزام الحياد.
وقررت الهيئة أن تبدأ الدعاية الانتخابية وتستمر حتى 19 من هذا الشهر، وأن يكون ال20 منه يوم الصمت الانتخابى. كما حددت موعد جولة الإعادة بين الرئيس الحالى منصف المرزوقى (69 عاما) -المدعوم من حزب النهضة- ورئيس حزب نداء تونس الباجى قائد السبسى (88 عاما)، وذلك بعد رفض المحكمة الإدارية ثمانية طعون تقدمت بها حملة المرزوقى إلى المحكمة. وقد حصل السبسى خلال الجولة الأولى للانتخابات على 39% من الأصوات، فى حين نال المرزوقى 33%، وتقدم الاثنان بفارق كبير عن أقرب المنافسين.
8 - الأمن والاقتصاد.. التحديات الصعبة
تشير الباحثة سارة فوير العاملة فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن التحديين الرئيسين اللذين يواجهان تونس اليوم (حكومةً وبرلمانًا ورئاسةً) هما الاقتصاد والأمن، ووفقا لدراسة أجراها البنك الدولى مؤخرا، لا يزال الاقتصاد التونسى يرزح تحت وطأة قطاع مالى يعوقه فشل الحكم، وقواعد العمل التى -للمفارقة- تعزز من انعدام الأمن الوظيفى، والسياسات التى تحدّ من المنافسة، وسياسة صناعية وأخرى زراعية تُنشئان الاختلالات وترسّخان الفوارق، ونتيجة لذلك لا تزال معدلات البطالة تشكّل نحو 15 فى المائة على المستوى الوطنى (وترتفع إلى 30 فى المائة بين خريجى الجامعات). كما انخفض الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة 26 فى المائة مقارنة بمعدّله فى هذه الفترة من العام المنصرم. ولم يتجاوز معدل النمو 2.3 فى المائة منذ بداية 2014. وإن كانت تونس قد نجحت فى البقاء على قدميها بفضل قرضٍ من صندوق النقد الدولى بقيمة 1.74 مليار دولار تمّ التفاوض عليه فى عام 2013. فما زال ينتظر الحكومة والرئيس الجديد عبء ثقيل فى البدء بمعالجة العوائق الهيكلية العميقة التى تعيق مسار الازدهار الاقتصادى فى البلاد .
أما على الصعيد الأمنى فإن عامى 2012 و2013 قد شهدا زيادة فى أعمال العنف والنشاط الإرهابى، وهذا التطور عائد إلى عوامل مثل العفو العام الذى مُنح فى عام 2011 ل500 سجينٍ سياسى توجّه بعضهم إلى الانخراط فى أعمال العنف، وظهور الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، ك أنصار الشريعة ، وعدم سيطرة الدولة على المساجد، والتدفق المتزايد للأسلحة عبر الحدود مع الجزائر وليبيا التى يسهل اختراقها. وفى يوليو الماضى، قتل منتمون إلى تنظيم القاعدة 14 جنديا وجرحوا 20 آخرين فى المنطقة الحدودية مع الجزائر. ويقدّر المسؤولون التونسيون أنّ ما يناهز 2500 مواطن قد سافروا إلى سوريا للانضمام إلى الجماعات المتمردة التى تقاتل نظام بشار الأسد، كما أنّ جماعة جهادية تونسية قد قامت مؤخرا بإعلان ولائها لتنظيم داعش بعد أن أعلن هذا الأخير إقامة الخلافة فى أجزاء من سوريا والعراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.