الفنان التشكيلي أحمد عبد الجواد واحد من أبناء النيل، خرج من طمي أسوان.. تربى وعاش في النوبة، بلاد الذهب.. تأثر ببيئته فعبر عنها بإبداعاته، ارتبط بأرضه حتى أنه عندما أقام معارضه الخاصة بفرنسا وإيطاليا ودول العالم المختلفة كان يهمه أن يرى المصريون أعماله، أكثر من اهتمامه برأي الفنانين والنقاد الأجانب الذين بهرتهم أعماله! في لقائنا معه بادرناه بالسؤال عن سر وصف بعض نقاد الفن التشكيلي له بأنه (خرج من بين طمي النيل)، فقال: كان لنيل أسوان ومجتمع النوبة تأثير كبير جداً من بداية ما فتحت عيناي في الدنيا من أول الأشرعة والبيوت والجزر على ضفاف النيل والرمال الصفراء وانعكاس الشمس على الجبال الصفراء يعطي اللون الذهبي والجنادل وسط النيل.. كل هذا ساهم في عمل مخزون فني بداخلي، ثم انعكس ذلك على إبداعي وهذا يظهر في أعمالي جيداً، وأنا كنت أحب الجلوس بجوار النيل مما جعل عندي عشقا للنيل والطبيعة الأسوانية.
أول جائزة
وعندما سألته عن أول جائزة حصل عليها في عام 1979 (كان عمره وقتها 22 عاماً) في المهرجان الأول للفن والثقافة، والتي واكبت أول معرض يشارك فيه مع فناني أسوان، قال: هذه الجائزة لم تأتي من فراغ، وكنت في بداية عمري الصغير بدأت وأنا عمري 7 سنين في قصور الثقافة باشتراكي في المعارض الكثيرة المعاصرة لكل الفنانين الكبار الذين كانوا يحضرون في معارض طوافة أمثال عز الدين نجيب وصلاح طاهر، فالمشاركة والمثابرة جعلاني أبدأ بداية متقدمة في سن صغيرة فكان المعرض الأول هو باكورة أعمالي وهذه الجائزة عملها السادات لفنان من الأقاليم وكانت في العيد الأول للفن والثقافة، وتم تكريمي كابن من أبناء الأقاليم. سألته: خلال مشاركتك في معارض خارجية بباريس وروما واليونان وبرشلونة ولندن وروسيا.. كيف استقبل الجمهور والنقاد أعمالك؟ كان يهمني استقبال المصريين في هذه الدول أكثر من استقبال الأجانب فحدث لي احتواء من المصريين ودفئ المحبة أكثر من الأجانب وينعكس هذا بفخر المصريين لهذا الفنان من هذا المنطلق يشعر الفنان بالثقة في نفسه إلى جانب الدعاية التي كان يعملها لي المصريون وكتابات النقاد في مصر عن هذه المعارض كان لها أثر في استقبال الجمهور لي وخاصة عندما يعبر الفنان ويتناول التراث هذا يلهب مشاعر الأجانب.
أعشق النيل
قلت له: يفرض النيل وحب مصر نفسه على أعمالك الفنية وألوانك وشخوصك وتيماتك الفنية.. فكيف ترى ذلك؟ قال: النيل هو عشقي وحبي منذ نعومة أظافري لا أستطيع أن أعمل عملا بدون ما أدخل النيل في هذا العمل بأي شكل ودائماً وأعتبر قوله تعالى: «وجعلنا من الماء كل شئ حي» دليلاً على أن النيل نعمة كبيرة جداً، ودائماً هذه الآية الكريمة في ذهني وأنا أبدع وحب الوطن ورقيه كبير على الذات المصرية وليس حب النيل أو عشق مصر كلمة تردد فقط.. لكنها سر حياتي وإبداعي. قلت له: هل ترى أن فناني الأقاليم نالوا حظهم من الانتشار والتكريم؟ قال بحسم: لا طبعاً لأن أصلاً فناني الأقاليم لم يأخذوا حقهم حتى الآن من الرعاية والتكريم ولأن المعلومات الدينية المغلوطة الآن تحاول أتن يثنيهم عن فنهم بحجة أن هذا الفن حرام ولابد أن يكون هناك رعاية فنية ووعي ديني لأن الصعيد أكثرهم يعتقدون أن كل منزل به تمثال أو لوحة أن به شيطانا.. وبالطبع لم يأخذ الفنان التشكيلي حقه حتى الآن وهذا شئ مؤسف. فالناس عندما تعتبر أن هذا الفن حرام تتوقع ما هو المردود لهذا الاعتقاد، طبعاً حركة الاقتناء تكون ضعيفة جداً أو غير موجودة بشكل يليق بحضارة مصر وتاريخها وكان هناك دوراً لنقابة الفنون التشكيلية في عمل معرض لوحة لكل بيت وقد بيعت أعمال لبعض الفنانين وليس الكل ونرجو أن يتكرر هذا المعرض كما نرجو أن يكون هناك معرض دائم. قلت له: حدثنا عن مساهمتك في الجداريات بأسوان قال: ساهمت كثيرا جداً وخاصة في أسوان عند مخزن خزان أسوان لي جدارية كبيرة وهي من عمر الزمن تسجيل لآثار أسوان. وعلى كورنيش النيل عمل تشكيلي به موتيفات ورموز العمارة والفن الشعبي الأسواني يعكس على المشاهد حس الفنان وبالمناسبة في حفر قناة السويس الجديدة يجب عمل رحلات للفنانين مجانية وخاصة الشباب ليزوروا مواقع الحفر ليسجلوا أعمال الحفر كما حدث في حفر قناة السويس القديمة وكي يسجل الفنان بريشته وفرشاته العمل الرائع والكبير. سألته: ما رأيك في قلة عدد قاعات العرض المتاحة للفنانين التشكيليين؟ للأسف أن عدد قاعات العرض غير كاف وخاصة أن معظم قاعات العرض أصبحت بالفلوس بعد أن كانت في الماضي مجانية كتشجيع للفنانين على الإبداع. قلت له: لو قدر لك إنشاء متحف لإبداعاتك .. فأين تختاره؟ يا ريت أن يكون في وسط جزيرة في وسط النيل.. ويكون له مراسم للفنانين، وبالمناسبة أنبه إلى أثر متحف النوبة القديم أمام فندق اولد كتراكت على جزيرة كان منزل مهندس ممن شاركوا في بناء خزان أسوان واختارته الآثار ووضعت فيه بعض القطع الصغيرة ولكنه مهمل فلو استغل كمراسم للفنانين ويكون مركز إشعاع حضاري لمصر وخاصة أن موقعه استراتيجي على قرار من رئاسة الوزراء ولم يكلف الدولة كثيرا لأنه موجود وممكن يستقبل الفنانين الأجانب والفنون الأفريقية لنعمل تواصلا للنيل ويكون المحور النيل حتى تكون هناك علاقات فنية وثقافية وليست سياسية فقط. أخيراً.. حدثنا عن مراحلك الفنية؟ مراحل مختلفة وبها شغل كثير .. والفنانة نجوى العشري من أوائل من لمس وقدر أعمالي وتستطيع أن تقول إن الفنان بدأ تعبيريا تشخيصيا لينهل من الطبيعة والتراث ودور المرأة مهم جداً في إبداعي.. والدتي أثرت في كثيراً لأنها كانت تعمل مشغولات بالخيوط والخرز له سعف وكان تأثير ذلك على إبداعي.. ثم تطور إبداع الفنان فجأة أكثر نضجاً وفي الرؤية أكثر عمقاً وتطور في التقنيات والتناول..