فنان اهتم بالعودة لتكوين النماذج الإنسانية, وصاغها برؤية أكثر معاصرة, في معرضه الأخير الذي أقامه بجاليري رؤى للفنون تحت مسمى "ناس من حولي", هو الفنان المصري رضا عبد الرحمن, صاحب مؤسسة بورتريه "جاليري وجريدة بورتريه, ومركز مصر القديمة للفنون", يخرج من صمته لحظات؛ ليحلق بأعماله في فضاء الأردن. محيط - رهام محمود بعد أن عاد من الأردن مشبعا بمناظر الثلوج, ومحملا برؤى وأفكار جديدة ومشاعر حب للبلد الجميل الذي استضافه, التقته شبكة الأخبار العربية "محيط", وكان لنا معه هذا الحوار محيط : حدثنا عن معرضك في الأردن " ناس من حولي " ؟ د رضا: أنا لا أستطيع أن أتحدث عن أعمالي؛ لأنني لآخر لحظة أرفضها , والقاعة هي من تأخذ أعمالي وتعرضها. في الفترة السابقة كان يشغلني الخط, ولي فيها تجارب عديدة, لكن في هذا المعرض شغلني الإسكتش, وأخذ إنطباع سريع عن الشكل الإنساني وجسده, وطبعا من حولي هم أقرب الأشخاص لكي أرسمهم, فبدأت في رسمهم والتعامل مع اللوحة على مرحلتين, المرحلة الأولي هي رسم الشخص الذي يسعد بالرسم التقليدي الموجود, وأنا أيضا أشعر بالسعادة لرسمه. المرحلة الثانية هي أنني أتعامل مع اللوحة كعمل فني, وأحاول أن أقربها بحيث تكون عمل معاصر لم يكن قاصرا عن إنه إسكتش أو رسم, فأحاول أن أضع انطباعي عن الشخص, وأضيف رؤيتي, وتشكيل وتكوين اللوحة بشكل عام. محيط: لماذا وقع اختيارك على الأردن لتعرض بها آخر معارضك؟ د. رضا: في الحقيقة لم يكن السعي مني لكي أعرض في الأردن, لكن الأستاذة سعاد مديرة وصاحبة قاعة رؤى للفنون كانت في زيارة لمصر كي تختار أعمال فنانين لعرضها بقاعتها الخاصة, فشاهدت مجموعة من أعمالي في معرض "صالون جاليري" بقصر الفنون, حيث كانت أعمالي مرشحة من قبل جاليري سلامة, وتقابلنا واتفقنا على أن أرسل لها أعمالي, طبعا سألت عن وضع الفن التشكيلي بالأردن وفوجئت بأنها بها حركة تشكيلية قوية جدا, يمكن أن يكون عدد الفنانين هناك قليلين, لكن الاهتمام بالمعارض كان غير متوقع, فلم يوجد اصدار أو جريدة في الأردن لم تغطي المعارض, والجريدة تنشر خبر عن المعرض ثلاثة مرات, الأول يكون خبر عن المعرض فيما قبل افتتاحه, والثاني يكون تغطية عن المعرض في يوم الافتتاح, والثالث يكون تحليل للمعرض بعد الافتتاح, وهناك يهتمون بالفن التشكيلي والثقافة بشكل كبير جدا أكثر من مصر, يمكن لأنهم لم يكن يهتموا بكرة القدم !!.
محيط : ما الفرق في العرض بين مصر والدول الأخرى التي عرضت بها, وما رد فعل الجمهور في هذه الدول؟ وخاصة أنك تعرض بالخارج ومؤخرا بباريس؟ د. رضا: بالنسبة للأردن كانت التجربة مثيرة لهم؛ فأنا أعتقد أن معرضي كان المرة الأول التي شاهدوا بها أعمالا عن الجسد البشري كما هو دون تحويرات أو تدخلات, فكان المثير بالنسبة لهم أنه مازال موجود فنانين ترسم, فكل من يعرض عندهم من الدول الأخرى تكون أعمالهم تجريدا خالصا أو معالجات, وأساليب أخرى. بالنسبة لانطباعهم عن الأعمال فأنا قرأته من خلال الكتابات التي نشرت عني في الجرائد, كالدستور والرأي والغد, لكن الجمهور في الأردن مختلف تماما عن أوروبا, ففي أوروبا يكون الفنان بداخل كيان كبير جدا يحاول فيه أن يظهر بشكل ما, فالفرق بين الأردن وباريس هو أن الأردن تعلم أن مصر بها حركة عريقة جدا في الفن التشكيلي, لكن في باريس لم يتوقعوا مطلقا بأن مصر بها فن تشكيلي, و99 بالمئة من زوارالمعرضين اللذين أقمتهما في باريس على التوالي لم يكن عندهم أدنى فكرة عن مصر بأنها بلد تعرف الفن الحديث, فكل معلوماتهم عن مصر أنها ترث حفنة من الآثار تجلس فيما حولها لكي تحرسها. محيط : ما نتائج تجربتك الفنية الجديدة ؟ د. رضا في الحقيقة أنا سافرت من مصر لأوربا عدة مرات, لكنني لم أشاهد الثلج, ولم أتوقع أن الأردن يأتي بها ثلج وأنا موجود, طبعا البلد نظيفة جدا بالرغم من أن الناس هناك تعاني من مستوى أقتصادي منخفض وغلاء معيشي شديد, إلا أن البلد نظيف بشكل غير طبيعي, وحرصهم على نظافة البلد أنا مندهش منه على جزء من وطن عربي, فالناس نفسها تحرص على ذلك, والثلج الأبيض عندما تساقط, أنا أعتقد أن الصورة عندي اختلفت وأن في معرضي القادم سيكون اللون الأبيض له تأثير قوي جدا على أعمالي. محيط: منصبك الجديد بصندوق التنمية الثقافية, بالتأكيد يأخذ من وقتك الكثير, هل أثر على ممارسة إبداعك؟, وما المفضل لديك, وظيفتك كأستاذ أكاديمي, أم منصبك الجديد, أم كونك فنان تمارس الإبداع؟ د. رضا: أنا طبعا كنت أحب الأكاديمية والكلية وأحب التدريس بها, لكن التدريس بداخل الجامعة لم يكن كالتدريس سابقا, فالفنان لم يكن حرا, والأستاذ لم يعطي كل ما يريد, فأصبحت أمورا كثيرة تزعجه, وهذا ما جعلني أتركها, أما صندوق التنمية الثقافية فأعتقد أنه امتداد لاهتماماتي؛ فانا أهتم جدا بأن اعرض لوحة لفنان, وأني أساعد فنان على عرض أعماله, وأن أقدم فنان للحركة التشكيلية, وهذا كان من خلال المطبوعة والجاليري الخاصة بمؤسسة "بورتريه", فعندما توليت منصبي بالصندوق وجدت مساحة أوسع, واصبح عندي مجموعة قاعات كبيرة. كما عين لنا مدير صندوق قدير ومثقف جدا, وواعي, هو الدكتور أحمد مجاهد الذي يعطيني صلاحيات كبيرة لإدارة قاعات العرض والتعامل معها, فعندنا قاعات كبيرة كقصر الأمير طاز, وقبة الغوري, ووكالة الغوري, وقاعات مستحدثة في قصر المنسترلي لعروض لها شكل خاص, وقاعة في مركز طلعت حرب الثقافي, ونحن نحاول أن ننشط هذه القاعات, ودائما ادعو الفنانين لكي يعرضوا معنا, أولا نحن نقدم مطبوعات بشكل جيد للعارض, ونتيح له دعاية جيدة كأي مكان للعروض, لكننا نزيد فقط بأننا نصرف أكثر على هذه العروض. لكن أحب شيء طبعا عند الفنان هو أنه يرسم, وبالرغم من هذه الرغبة الملحة باستمرار على الفنان, إلا أننا جزء من مجتمع, لابد أن يوجد عندنا أي ممارسة عملية؛ لكي يشعر الفنان أنه يعيش, غير ممارس للرسم فقط, فأنا لم أتخيل نفسي أنني أرسم فقط. محيط : وهل المنصب الجديد أخذ من وقت إبداعك؟ د. رضا: طبعا, لأنك تكون ملتزما بمسارات أخرى, وخصوصا أنني لم استغنى عن إدارة أعمالي الأخرى. محيط: ما أبرز المهام التي أنجزتها في صندوق التنمية الثقافية؟ د. رضا: في رمضان السابق أقمنا معرضا جيد جدا عن القاهرة التاريخية, وطبعا من المعروف أن الاهتمام بالمعارض النوعية هو الذي يجمع أكبر عدد من الفنانين في حدث, يكون جميعهم متآلفين فيه, والحقيقة أنا أحاول أن أجمع بين الفنانين الأكاديميين والفنانين المجربين في المعارض, وكل منهم ووجهة نظرة عن القاهرة التاريخية, فوصل الأمر بداية بالفنان مصطفى الفقي الذي يرسم الشوارع كما هي والفنان حسن عبد الفتاح, إلى فنان شاب أسمه أحمد فتحي الذي يرسم لافتات الشوارع القديمة, فكان المعرض به تنوع جيد, وأعتقد أنه أهم معرض أقمته في الصندوق. المعرض الثاني احتفالات بن خلدون الذي يقام حاليا في قصر الأمير طاز, والذي كان دورنا فيه تنظيم العرض بشكل عام الذي افتتحه الملك كون كارلوس والملكة والسيدة سوزان مبارك, وهذه تعتبر احداث لم تحدث سابقا في هذه الأماكن. ونحن نحاول ان نغطي ما يقع في المؤسسة المسؤلة عن العرض من ثغرات , فيوجد فنانين لم يستطيعوا العرض عن طريق قطاع الفنون التشكيلية ولم يجدوا دورهم في الأتيلية؛ فيأتوا إلينا كي نعرض لهم عن طريق الصندوق, فأنا أرى أن الهدف لو سار في هذا الاتجاه سيحقق نتائج كبيرة. وفي نفس الوقت انا اقوم أيضا باختيار معارض أخرى, فعلى سبيل المثال عندما شاهدت معرض الفنان عرفان هوزو نقيب التشكيليين في البوسنة في قاعة الفن التشكيلي بمسرح الجمهورية, وجدت أن العرض لا يليق تماما باعمال هذا الفنان القدير, حيث كان يعرض أعمالا حفر كبيرة المقاسات 120× 80 سنتيمتر, وهذه أعمال غير مطروقة, ملونة وفائقة الجودة, فاستطعت أن أتفق معه على العرض مع الصندوق في شهر أبريل المقبل, فعندما أرى أن فنان سيضيف للحركة التشكيلية يسعدني جدا التعاون معه. كما اننا عندنا ورش عمل للأطفال تعمل بشكل دوري دائم في كل مراكز الإبداع التابعة لصندوق التنمية الثقافية, وأنا أشرف عليها أيضا ومعي مجموعة من المنتخصصين, نعلم فيها كل أطفال الحي الذي يقع في هذا المركز, الفنون بشكل عام, العرائس, خيال الظل, الأراجوز, الرسم, سماع موسيقى. محيط : الدرجات الأكاديمية كالدكتوراة, هل تؤثر على إبداع الفنان؟ د. رضا: لم يكن لها تأثير, واعتقد أنها في مصر مسألة شكلية, وبالنسبة لي لم يعطلني تحضير رسالة الدكتوراة عن الإبداع؛ لأن تخصصي "جداريات" فادني بأن أحضر رسالتي في هذا المجال, فكنت ببحث عن حلول جديدة للجداريات, واطلع على أشياء جديدة, لكنني أعتقد أن بعض التخصصات الأخرى يمكن أن تعطل الفنان إذ لم يستطيع أن يتشبث بالجزء الذي يبحث فيه ليفيده هو والمجتمع.
محيط: ما رأيك في الواقع التشكيلي حاليا, وهل يملك حركة نقد موازية ؟ د. رضا: للأسف حركة النقد لم توازي حجم المعارض, وهذا يرجع لعدم وجود المؤسسات القائمة على إنتاج الناقد, فالموضوع يحتاج مؤسسات ترعى الناقد, والناقد يحتاج أن يأكل ويشرب ويعيش ويصرف كالفنان التشكيلي الذي يبيع لوحة, فلابد أن الناقد يبيع نقده, فنحن نحتاح أن نقيم مسابقة كبيرة في النقد, وهذا سوف أقترحه على رئيس الصندوق؛ لعرضه على وزير الثقافة الفنان فاروق حسني, لعمل مسابقة للنقد التشكيلي عن طريق صندوق التنمية الثقافية, نوفر بها جوائز واصدارات, ونصدر كتيب بالأبحاث المنشورة, يكون بها مقابل للنقاد الذين يفوزون؛ تصوري أن المقالة الفنية لجريدة يكون المقابل 30 جنيه هذا سخيف جدا, واعتقد أن هذا لا يوصلنا في يوم من الأيام أننا يكون عندنا نقاد. محيط: لديك قاعة عرض بافضل مكان بالقاهرة للتجمع الجماهيري وتمركز المعارض, واصدرت جريدة متخصصة للفن التشكيلي, وتملك مركز خاص بمنطقة مصر القديمة تمارس فيه بعض الأنشطة, هل يواجه هذا المشروع مشاكل, وما هي إيجابياته؟ د. رضا: كل من شاهد معرض, أو عرض عمل, أو قرأ كلمة استفاد منها في الجريدة كان نتيجة إيجابية, واعتقد أن أكبر نتيجة ونجاح حدث في تاريخ بورتريه هو تغيير قوميسيير بينالي القاهرة الدولي, وهذا بعد حملة موسعة أستطاعت القيادة الثقافية بأن تستبدل القوميسير بقرار جريء جدا, ووضعت مكانه شابا جادا, متفتح ومتنور, اعتقد أنه سينشأ شيئا مختلفا عما كان يحدث سابقا, هو النحات "إيهاب اللبان" مدير قاعة أفق للفن التشكيلي, وهذا ما اعتبره أكبر نجاحات للجريدة. مركز مصر القديمة نحن حاولنا أن نفعله بأنشطة وجهود ذاتية, فأقامنا أول سمبوزيوم دولي للتصوير, ونحاول أن نقيم الثاني, جاهدين في إيجاد مصادر للتمويل لم يكن لها علاقة بالإملائات الخارجية, وطبعا الوزارة تعمل جهد كبير جدا, فالأنفاق المادي على وزارة الثقافة ضخم جدا, وهذا لا يحدث بأي مكان, فأنا عندما سافرت الأردن وجدت أنهم يتمنوا القليل من هذا الإنفاق, فالوزارة تصرف كثيرا, لكن التوجيه والقيادات التي توجه, فأنا أرى المجهود الذي تبذله الهيئة العامة لقصور الثقافة كاستقطاب فنانين من الأقاليم للعرض في القاهرة, ليشعروا بأنهم يعيشون في الوسط التشكيلي, منهم فنان قال لي أنه منذ عشرة سنوات كان سيترك موهبته لعدم اعطاءه فرصة للعرض والإحساس به, فاعتقد أن هذا به بصيص أمل, وتغيير قوميسيير بينالي القاهرة هذا أمل كبير جدا وخصوصا فنان شاب. محيط: هل الجريدة تحصل على دعم من أي جهه حتى تستمر في اصدارها؟ د. رضا: حتى الآن لم يحدث دعم بشكل مباشر, لكن يوجد دعم قوي جدا من وزير الثقافة, ومدير صندوق التنمية الثقافية, ورئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة, وهذا ما يجعلنا نستمر حتى الآن.